Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 21 أيّار 2023

العدد 21

الأحد (5) بعد الفصح (الأعمى)

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *21: القدّيسَيْن قسطنطين وهيلانة المعادلَي الرُّسُل *22: الشَّهيد باسيليوس *23: القدّيس ميخائيل المُعتَرِف، القدّيسة مريم لِكلاوبّا حاملة الطّيب، القدّيسة سوسنّا، الشَّهيدة ماركياني *24: وداع الفصح، البارّ سمعان الَّذي في الجبل العجيب *25: خميس الصُّعود المُقَدَّس، تذكار وجود هامة السّابق  ثالثًا *26: الرَّسول كَرْبُس أحد السَّبعين، القدّيس يعقوب بِنْ حَلْفَى *27:  الشّهيد في الكهنة إلّاذيوس، القدّيس يوحنّا الرّوسيّ.

الكلمة الافتتاحيّة 

علاقة الله بالإنسان

يحبُّ الله الإنسان ويرعاه ويعتني به. لغاية اليوم لم يستطع الإنسان أن يفهم ما يريده الله منه، كما لم يفهم الغاية من وجود الله في حياته.

ذلك أنَّ الإنسان يعيش ليؤكِّد ذاته من خلال المادّة، أو ليؤكِّد ضرورة وجود المادَّة وسيطرتها على كامل مفاصل حياته اليوميّة. لذلك يشعر بالحاجة لتدبير حياته اليوميّة بظروفها وحاضرها، ويتَّكِل البعض من النّاس أحيانًا على الله كجسرِ عبورٍ، وهكذا يؤكِّدون أهميَّة وجود الله في حياتهم ليعبر بهم من مشاكلهم الزَّمنيّة إلى إيجاد الحلول لها. لأنَّ روح هذا الإنسان تفرح بالمادّيّات أكثر ممّا تفرح بالرُّوحانيّات. الإنسان عنيدٌ يرفض الوجود مع الله، والله يسعى للوجود مع الإنسان، كما جاء في سِفر الأمثال: "ألعب على وجه أرضه، ونعيمي مَع بَنِي البشر" (أم ٨: ٣١).

عناية الله بالإنسان تظهر بوضوح منذ بداية الخلق في قصّة آدم وحوّاء مرورًا بجميع الأنبياء، أضف إلى هذه العناية الإلهيّة بالإنسان، عطايا الله للإنسان ومنها نعمة الوُجود، حرِّيَّة الإرادة، مواهب روحيّة وعقليّة، الضَّمير للتّمييز بين الخير والشَّرّ، روح التَّوبة والصَّلاة والمحبَّة.

المشكلة الأساسيَّة تكمن في شخصنة الله من أجل إدراكه، وصفه وفهمه، بل واستيعابه. ورغم إدراك أغلب المؤمنين لله بأنّه غير محدود (غير مدرَك)، إلَّا أنّ عقولنا البشريَّة تَميل دائمًا إلى تجاهل هذه الحقيقة لتبرير نمط الحياة وفق المنظومة العالميَّة الَّتي نعيشها (قانون الخوف والرَّغبة) وبالتَّالي تمَّ إخضاع الله (كأيِّ شيءٍ أو شخصٍ آخَر لهذا النِّظام) فأصبحت علاقتنا به إمّا خوفًا منه أو طمعًا في عطاياه ورضاه. قال يسوع: "تعالوا إليّ يا جميع المُتعَبين والثَّقيلي الأحمال وأنا أريحكم. اِحملوا نيري وتتلمذوا لي فإنّي وَديعٌ متواضع القلب، تَجِدُوا الرَّاحة لنفوسكم، لأنَّ نيري لطيفٌ وحِملي خفيف" (متّى ١١ : ٢٨- ٣٠).

فهل ننطلق من فهم الله ومعرفته بمقدار الحاجة إليه والاستجابة لطلباتنا؟ وهل الله يعطينا أقلّ ممّا نستحقّ؟ (راجع متّى ٢٠: ١- ١٦).

وما قيمة تجسُّد ابن الله في حياتنا؟ وقد صار ابن الله ابنًا للإنسان، لكي يصير بنو البشر أبناءً لله" (القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم).

إذا كان وجود الله يؤكِّد حضور الإنسان في الكون، وقد جعله سَيِّد الخليقة لا بل سلَّطَهُ عليها كما أتى في سِفر التَّكوين. وفي قصَّة الخَلق، بعد السُّقوط، قال الله للإنسان بعرق جبينك تأكل خبزك.

أما زال الإنسان في علاقته بالله، وحتّى بعد التَّجسُّد يكرِّر خطيئة آدم وحوَّاء، أم يكرِّر خطايا خطأة العهد الجديد الَّذين أظهروا توبةً فائقة، كما حصل مع المرأة الخاطئة صاحبة قارورة الطِّيب الَّتي بَلَّتْ قَدَمَيْ يسوع بدموعها، جابي الضَّرائب متّى، قصير القامة زكّا، الزّانية، أحد اللِّصَّيْن المصلوبَيْن معه وصاحب البكاء المُرّ بطرس.

لماذا بعض البشر ينادون الله "تعال وعِش على الأرض معنا". ثق أنَّ الله معنا ويعيش بيننا، تجسّد ابن الله وعاش مع البشر على الأرض، لكنّهم لم يتقبَّلوه فصلبوه وقتلوه ودفنوه، ولكنَّه في اليوم الثّالث قام من بين الأموات، ذلك أنَّه خلَّصنا، وما زال معنا والرُّوح القدس يعيش معنا ويسكن فينا إلى مُنتهى الدَّهر، ولا موت يفصلنا عن محبَّته.

المسيح قام.

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

المسيحُ قامَ من بينِ الأموات، ووَطِئَ الموتَ بالموتِ، ووَهَبَ الحياةَ للَّذينَ في القُبُور.

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

طروباريّة القدّيسين (باللّحن الثّامن)

يا ربّ إنّ قسطنطين الَّذي هو رسولك في الملوك، لمّا شاهد رسم صليبك في السَّماءِ عيانًا وبمثابة بولس قَبِلَ الدَّعوة ليس مِنَ البَشَر، وأودع بيَدِك المدينة المتمَلِّكة، فأنقذها بالسَّلامة كلَّ حين، بشفاعات والدة الإله يا مُحِبَّ البشر وحدك.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرِّسالَة (أع 26: 1، 12-20)

إلى كلّ الأرض خرج صوتهُ

السَّماوات تُذيع مَجْدَ الله

في تلك الأيَّام قال الملكُ أَغريبّا لبولسَ: "مأذونٌ لكَ أن تتكلّم عن نفسِك". فحينئذٍ بسط بولسُ يدَهُ وطفق يحتجُّ: لمَّا انطلقتُ، وأنا على ذلك، إلى دِمشقَ بِسُلطانٍ وتوكيل من رؤساء الكهنة، رأيتُ في نصفِ النَّهار على الطَّريق أيُّها الملكُ نورًا من السَّماءِ يفوقُ الشَّمس لمعانًا قد أبرق حَوْلي وحولَ السَّائرين معي، فسقَطنا جميعُنا على الأرض. وسمعِتُ صوتًا يكلّمُني ويقولُ باللُّغة العبرانيّةِ شاولُ شاول لِمَ تضطهدُني؟ إنّه لَصعبٌ عليك أن ترفِسَ مَناخِس. فقلتُ: مَن أنت يا ربُّ. فقال الرَّبُّ: أنا يسوع الَّذي أنتَ تضطهدهُ. ولكن قُم وقِف على قدميك، فإنّي لهذا تراءيتُ لكَ لأنتخبَك خادمًا وشاهدًا بما رأيتَ وبما سأتراءى لكَ فيه. وأنا أنجّيك من الشَّعب ومن الأممِ الَّذين أنا مُرسِلُك الآن إليهم، لتفتحَ عيونَهم فيرجعوا من الظَّلمةِ إلى النُّور ومن سُلطان الشَّيطان إلى الله حتّى ينالوا مغفرة الخطايا وحظًّا بين المقدَّسين بالإيمان الَّذي بي. فمن ثمّ أيّها الملكُ أَغريبّا لم أكن مُعاصيًا للرُّؤيا السَّماويّة بل بشَّرتُ أوّلًا الَّذين في دمشق وأورشليم وأرضِ اليهوديّة كُلّها، ثمَّ الأممَ أيضًا، بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله عاملين أعمالًا تليق بالتَّوبة.

الإنجيل (يو 9: 1-38)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مجتازٌ رأى إنسانًا أعمى منذ مولده، فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مَن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أن أعمل أعمالَ الَّذي أرسلني ما دام نهار، يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالِم فأنا نورٌ العالِم. قال هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع مِنْ تَفلته طينًا وطلى بالطِّين عَينَي الأعمى وقال له: اِذهب واغتسل في بركة سِلوام (الَّذي تفسيرهُ المرسَل)، فمضى واغتسل وعَاد بصيرًا. فالجيرانُ والَّذين كانوا يروَنه من قبلُ أنه أعمى قالوا: أليس هذا هو الَّذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضُهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنَّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحت عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوع صنع طينًا وطَلَى عَيْنَيّ وقال لي اِذهب إلى بركة سِلوامَ واغتسِلْ، فمضيت واغتسلت فأبصرت. فقالوا له: أين هو؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوعُ الطِّينَ وفتح عينيه يومُ سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيَّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قومٌ من الفرّيسيّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنّه لا يحفظ السَّبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسانٌ خاطىءٌ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع بينهم شِقاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيث إنّه فتح عينَيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهودُ عنه أنَّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبوَي الَّذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكُما الَّذي تقولان إنّه وُلد أعمى، فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا وَلَدُنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أبصَرَ الآن فلا نعلم، أو مَن فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كامل السِّنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إن اعترف أحدٌ بأنّه المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السِّنّ فاسألوه. فدعَوا ثانية الإنسانَ الَّذي كان أعمى وقالوا له: أعطِ مَجْدًا لله فإنّا نعلمُ أنّ هذا الانسانَ خاطئ. فأجاب ذلك وقال: أخاطىءٌ هو لا أعلم، إنّما أعلم شيئًا واحدًا، أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أخبرتُكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى، ونحن نعلم أنّ الله قد كلّم موسى. فأمّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجاب الرَّجُلُ وقال لهم: إنّ في هذا عجبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينَيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يسمعُ للخطأة، ولكنْ إذا أحدٌ اتقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدَّهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عيني مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّكَ في الخطايا قد وُلدتَ بجُملتك، أفأنتَ تعلِّمُنا؟ فأخرجوه خارجًا. وسمعَ يسوعُ أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال: أتؤمن أنتَ بإبن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمَن هو يا سيّدُ لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والَّذي يتكلَّم معكَ هوَ هو. فقال: قد آمنتُ يا ربُّ، وسجد له.

حول الإنجيل

أنهى الرَّبُّ يسوع حادثة شفاء المَوْلود أعمى بهذا القَوْل: "لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ". هل نحن عُمْيان أم مُبصرين؟ كيف سنقف أمام الدَّيَّان فاحص القلوب والكِلَى؟ ما صنعه الله بنا يفوق كلَّ إدراكٍ وعقل، ونحن مُصِرُّون على عمينا. لا نزال نعمى عن رؤية مجد الله في الخليقة والعالم، بل نعمل بكُلِّ وقاحَةٍ وإلحاد على مَحُو صورة الله في العالم وفي البشريَّة. فنحن نرى محبَّة الله وعنايته ببشريَّتنا وعمق تنازله لأجلنا وبحر تسامحه وفَيْضَ غفرانه على كثرة مآثمنا على أنَّها صدفة وحظّ. عيوننا مُظلمة ومُصِرّون أنْ لا نراه أبدًا ...

العالم اليوم ليس فقط يشوّه قاعدة الخلق والحياة، بل ويُصِرُّ على أنْ يرى أنَّ الله قاسٍ وغير عادل. العالم يرى كلَّ شيءٍ مَعكوس ... ماذا نُسمّي هذا عندما نرى المحبَّة بساطة وسذاجة، أو عندما نرى في الحرِّيَّة فرصةً للخطيئة، ونرى في اللُّطف ضعف، ونرى الصَّبر وطول الأناة نوعٌ من الغباوة؟؟؟ وبالجهة المقابلة ماذا يُقال فينا حين نرى في الشُّذوذ حلّ لسوء وتشوّه خلق الله، والسَّرقة نراها شطارة، والكذب نراه ملح الرِّجال، ونرى الخطيئة موضة، ونرى في الفساد الأخلاقيّ نضوج الشّباب...

ماذا يُقال فينا عندما نرى الظُّلمة نور والنّور ظلمة؟؟؟

إنّه أسوء مِنَ العَمى، لأنّ الأعمى لا يَرى ولا يدَّعِي أنَّه يرى، أمّا ما يحصل اليوم فهو بصيرة عمياء مُظلمة تدَّعِي البَصَر. بالحقيقة يعجز الإنسان عن التَّعبير، منذ بداية الخليقة والخطيئة على أنواعها تلازم الإنسان، ولكنَّ الكُلَّ يَراها خطيئة. أمّا في أيّامنا، ليست المشكلة أنْ لا نراها أو نشعر بها بل المشكلة حين نراها الحلّ لخلقة الله المشوَّهَة والمَمسوخة.

لا شَكَّ أنّنا اليوم نعيش في نهاية الأزمنة حين "سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ" (٢ تيمو ٤: 3- 4).

لِنَنْزَع عن عُيونِنا قُشور الخطيئة كي نرى النُّورَ ونكون أبناء النُّور ونصرخ: "إنّي أتقدّم إليك أيّها المسيح وأنا مَكْفُوفٌ، حَدَقَتَيْ نفسي كالأعمى منذ مَوْلِدِهِ صارخًا إليك بتوبةٍ: "أنت هو النُّور الفائق الضِّياء للَّذين في الظَّلام".

فيض الرُّوح

ما بين الدَّعوة والهدف رؤية، والرُّؤية تأتي مِنَ النُّور، والنُّور هو المسيح القائم مِنْ بين كلِّ مَوْتٍ نُريده له في عيشنا خارج طاعة كلمته وعبادتنا آلهةً اخترعناها لأنفسِنا، لأنَّ أنفسنا تصنَّمَتْ من إصرارنا أن نرى نورًا خارج المسيح. هذا وإنْ اعتبرنا أنّ في العالمِ نور، نبقى على يَقين أنَّه لا يَدوم. لماذا؟ لأنَّ نور المسيح الَّذي يُضِيء للجَميع ويسكن في القلب، ينتقل إلى كلِّ محتاجٍ له مِنْ خلال بشارتنا، وهنا يكمن الاختلاف في الرُّؤية، إذ العالم يَشُدُّنا بنوره المصطنع إلى أنْ نَكون مِحْوَر الكون، أمّا الكنيسة فتشدّنا إلى الآخَر الأساسيّ للخَلاص بنور مسيحها القائم. يبقى إذًا نورُ المسيح بوصلة رؤيتنا له في كلِّ شيء. هذا يتطلَّب أوّلًا أنْ نعي أنَّ القيامة أوّلًا ليست فكرة أو ذكرى أو موسم بل هي حقيقة معيوشة باستمرار ومن هذه الحقيقة نرى الله في كلِّ شيء. هي عَيْش المسيح معنا في كلِّ مفاصِلِ حياتنا، هي ظهوره وأبوابنا مغلقة. هو يدخل حياتَنا بلا استهلاكٍ أو ضجّةٍ أو إعلامٍ بل كَنسيمٍ عَليلٍ ليجعلنا نُنَقّي رؤيتنا له في كلِّ شيء، هو البستانيّ والغريب والمُعاتِب بِرِقَّةٍ كما لِتُوما "لا تكن غيرَ مؤمنٍ بل مؤمنًا". هذا بالعمق يعني ألَّا تكونَ مظلمًا بل مُستنيرًا. النُّور والرُّؤية والاستنارة هي عناوين لحضور المسيح بيننا جميعًا، نراه في كلِّ شيء وندعوه كما الرُّسُل لأنَّه المُعَلِّم وكما توما لأنَّه ربّنا وإلهنا. جوابنا للمسيح القائم هو هذه الحقيقة المعيوشة فينا. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنَّه لا يمكن أن نقول حقًّا قام ونحن لا نراه في مرذولي الأرض ومستضعفيها. لعلّ العمق الأجمل في المسيحيّة هو فعل الدَّمج بين يسوع وكلّ أخٍ صغيرٍ له على هذه الأرض. نعم أقول حقًّا قام وأعمل جاهدًا أن يتذوَّق إخوته الصِّغار نورَ القيامة ومفاعيلها. الإنسان الجديد هو نتيجة سِرِّ القيامة، هو الَّذي لا يقبل أنْ يَرَى إلَّا الإله النّاهض من الموت في كلِّ مِفْصَلٍ مِنْ حياته، في انكسارات عمله، في ظلم هذه الدُّنيا وهمومها، وحتّى في تسلُّط الأسياد وكَيْد المسؤولين.

أن نرى الله في كلِّ شيء هو علامةُ ثقةٍ أنَّ الله أبونا جميعًا. هذا نلتمسه من شيءٍ أساسيّ جدًّا في التزامنا كلمةَ الله وهو البساطة. أنْ تنْظُرَ ببساطةٍ إلى كلّ طارئٍ أو حدثٍ أو فعلٍ أمامك يعني أنَّكَ ترى بعين المسيح نفسِها، لأنّ الله دائمًا متحرّكٌ لخلاصنا. فعندما نثق أنَّه أبونا هذا ينعكس على رؤيتنا إيّاه في كلِّ تفصيلٍ من حياتنا. أنا أرى أي أنا أشْكُر. استيقظتُ مِنْ نَوْمي فأسبّحه، تناولْتُ طعامًا فأشكره، أنجزْتُ أمرًا فأحمده، أتممْتُ عملًا فأمجّده. يا لجمال هذه البساطة الَّتي تجعل حتّى القلب يرى لأنَّه متى كان كلُّ شيءٍ أمامنا يُنظر إليه برحمة الله فهذا بلا شَكّ يجعل القلب خاشعًا نابضًا لرؤيته.

أن يرى الإنسان هذا بعينه، نعمة، فكيف إذا شكرنا عليها مَنْ الَّذي "بنوره نرى نورًا"؟ لننشغل بالشُّكر على كلِّ نعمةٍ هذا يجعلنا لا نرى إلّا بالبساطة الممزوجة بالشُّكر. ومِنْ هنا نستنير لكلِّ عملٍ صالح. السُّؤال الأساسيّ الَّذي يجب أنْ نطرحه دَوْمًا على أنفسنا هو "ماذا نريد أن نرى؟". إذا اخترنا الله سنراه في كلّ شيء وإذا اخترنا إلهًا آخَر، لرُبَّما سيأتي يومٌ نعودُ إلى رؤيته من دعوة أهلِ مَنْ عاينوا النُّور بنوره. يا لَجمال هذه الكنيسة الَّتي يتوب ربُّها إلينا ليعطينا عيونًا لا تنظر إلَّا خيرًا وعدلًا وحبًّا أمام كلّ ظلام هذا العالم. الكنيسة هي عيون أبنائها لكي لا يبقى أحدٌ غيرَ مُبْصرٍ الجمالَ الحقيقيَّ والدَّائم.

أنقر هنا لتحميل الملفّ