Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

  


الأحد 21 نيسان 2019

العدد 16

أحد الشّعانين

أعياد الأسبوع: *21: الشّعانين، الشَّهيد في الكهنة يَنوّاريوس ورفقته، أنستاسيوس السّينائيّ *22: ثاوذوروس السّيقي، الرّسول نثنائيل *23: العظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر *24: البارّة أليصابات العجائبيّة، الشَّهيد سابا *25: الرّسول مرقس الإنجيليّ *26: الشّهيد فاسيلافس أسقف أماسية *27: الشّهيد في الكهنة سمعان نسيب الرَّبّ.

كلمة الراعي

هوشَعنا لابنِ داوود

البارحة عيَّدنا لإقامة لَعازَر من بين الأموات بِكَلمةٍ من الرَّبّ يسوع المسيح حيث أظهر أنّه سيّد الحياة والموت. وها نحن اليوم نُعيِّد لِدخوله ظافِرًا إلى أورشليم لأنّه استبان في أعْيُن اليهود ملكًا وسيّدًا إذ لم يُسمَع مِنْ قَبل أنّ مَيتًا ذا أربعة أيّام يعود إلى الحياة أي يُخلَق من جديد!... يسوع المسيح الإله-الإنسان أعاد خلق لَعازَر لمّا أقامه من بين الأموات كبُرهان على سلطانه الإلهيّ وحقيقته السّرّيّة المحجوبة عن أعْيُن الحكماء والمُعلنَة والمكشوفة للبسطاء والأنقياء القلوب والأطفال...

***

المسألة الأساسيّة للإنسان والّتي تقضّ مضجعه هي قضيّة الغَلَبَة على الموت. يحاول الإنسان منذ بدء التّاريخ حلّ هذه المُعضِلة الكيانيّة والوجوديّة ولكن من دون جدوى ولا طائل، لأنّ الحلَّ ليس بِيَده بل بِيَد الخالق... يهرب النّاس من مواجهة هذه الحقيقة عبر تأكيدهم لوجودهم من خلال ما يقتنون ويستهلكون حتّى ولو كانوا من المؤمنين، أحيانًا كثيرة، إذ معظم النّاس تتعاطى الإيمان بروح ناموسيّة أقرب إلى اليهوديّة منها إلى المسيحيّة. ما زال الكثير من المسيحيّين ينتظرون مسيحًا ملكًا أرضيًّا... يهلّلون له طلبًا لتمليكهم معه في العالم...

***

ها اليوم يأتينا الرَّبّ مَلِكًا وَديعًا راكِبًا على جحش ابن أتان هو القائل: "تَعلَّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحةً لِنُفوسِكُم" (متّى ١١: ٢٨). سيادة يسوع علينا نختارها. هو لا يفرض ذاته. المحبّة لا تُفرَض بالقوّة والعنف، هي تَلاقي القلوب وإخلاء النّفوس من الأنا. "يا بنيّ أعطني قلبك" (أمثال ٢٣: ٢٦). اليهود استقبلوا يسوع على أنّه المسيح ابن داوود والمخلِّص لأنّهم عاينوا سلطانه الغالب الموت لمّا أقام لَعازَر. لكن، "طوبى للّذين آمنوا ولم يرَوا". نحن المؤمنين اليوم لا نستطيع أن نستقبل يسوع مَلِكًا على قلوبنا ما لم نختره ونتّخذه ربًّا وسيِّدًا لحياتنا إذ نطيعه في وصيّته. والوصيّة تدعونا إلى التّوبة: "توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات".

ما الغاية من أن يكون يسوع مَلِكًا علينا؟! أن نصير به وفيه أبناءَ لله. عندما نسلّم الرَّبّ حياتنا بالطّاعة نتوب ونتنقّى، نأتيه كالابن الشّاطر مُستعبدين ذواتنا له فيرفعنا إلى بنوّة الله العليّ بمحبّته اللّامُتناهية. لا يُريد الرَّبّ عبيدًا له بل أبناء ومواطنين لملكوته. وملكوته هو إيّاه في ابنه المُتجسّد بنعمة روحه القدُّوس...

***

أيّها الأحبّاء، مَلِكُنا أتى إلينا وديعًا ومتواضعًا فرفضناه وأسلمناه وصلبناه لأنّنا ما وثقنا به ولا اتّكلنا عليه ولا أطعنا وصاياه. كلٌّ منّا انصرف وراء أهوائه مُطيعًا إيّاها ومُتمرّدًا على الرَّبّ إذ نعارض مشيئته في كلّ مرّة نختار أن نتمّم مشيئتنا وفي كلّ مرّة نشكّك فيها بما يطلبه منّا. لن نستطيع أن نشاركه قيامته ما لم نشاركه في موته. هل نثق بأنّنا إن متنا لأجله سيُقيمنا معه؟!... هل نحن مستعدّون للتّخلّي الكبير عن مَلَكِيَّتنا الزائفة المتمحورة حول أنانا المتكبِّر التي تعيق اعترافنا الصادق بالرَّبّ مَلِكًا على حياتنا؟!...

الرَّبّ يسوع المسيح يأتينا دائمًا ليدعونا إلى ملكوته. يريدنا أن نكون معه. هو يعطينا ذاته بكلمته. هل نقبل هذه الكلمة حياةً لنا؟!... هل نحن جاهزون لنتبعه في طريق إلى القيامة بالصّليب؟!... فقط من أدرك نتانة خطاياه وانحلال كيانه بعبوديّة الأهواء، وآمن بأنّ يسوع قادر أن يخلق مجدِّدًا طبيعته بعد أن فَسُدَت، يستطيع أن يستقبله كالأطفال بهذا التّسليم الكُلّيّ لمشيئته. هذا يدخل مع السّيّد إلى ملكوته إذ يعترف به مصلوبًا غالبًا بالحبّ قساوة البشر وتحجُّر قلوبهم ليُعيدهم إليه أبناء شركاء في ميراث الحياة الأبديّة. حينها نستطيع أن نهتف مع الأطفال: "هوشعنا لابن داوود. مبارك الآتي باسم الرَّبّ"...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة الشعانين (باللَّحن الأوّل )

أيُّها المسيحُ الإله، لـمَّا أقَمْتَ لَعازَرَ مِنْ بينِ الأمواتِ قبْلَ آلامِكَ حَقَّقْتَ القِيامَةَ العامَّة. لذلِكَ، وَنحْنُ كالأطفالِ نحمِلُ علاماتِ الغَلبَةِ والظَّفَرِ صارِخِينَ نحوكَ، يا غالِبَ الموت: أوصَنَّا في الأعالي، مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ.

قنداق  أحد الشّعانين (باللَّحن   السادس)

يا مَنْ هُوَ جالِسٌ على العَرْشِ في السَّماء، وراكِبٌ جَحْشًا على الأرض، تَقَبَّلْ تَسابيحَ الملائِكَةِ وتماجِيدَ الأطفال، هاتِفينَ إليكَ أَيُّها المسيحُ الإله، مبارَكٌ أنتَ الآتي، لِتُعِيدَ آدَمَ ثانِيَةً.

الرّسالة   (في 4: 4– 9)

مُبَارَكٌ الآتِي باسْمِ الرَّبّ

اِعْتَرِفُوا للرَّبِّ فإنَّهُ صالِحٌ وإنَّ إِلى الأبَدِ رَحْمَتَهُ

يا إخوةُ، افرَحُوا في الرَّبِّ كلَّ حينٍ وأَقولُ أيضاً افرَحُوا، وليَظْهَرْ حِلْمُكُم لجميعِ النَّاسِ فإنَّ الرَّبَّ قَرِيبٌ. لا تَهْتَمُّوا البَتَّةَ بَلْ في كلِّ شيءٍ فلتَكُنْ طَلِبَاتِكُم مَعْلُومَةً لدى اللهِ بالصَّلاةِ والتَّضَرُّعِ مع الشُّكْرِ. وليَحْفَظْ سلامُ اللهِ الَّذي يَفُوقُ كُلَّ عقلٍ قلوبَكُم وبصائِـرَكُم في يسوعَ المسيح. وبَعْدُ أَيُّها الإخوةُ، مهما يَكُنْ مِنْ حَقٍّ ومهما يَكُنْ من عَفَافٍ، ومهما يَكُنْ من عَدْلٍ، ومهما يَكُنْ من طهارَةٍ، ومهما يَكُنْ من صِفَةٍ مُحَبَّبَةٍ، ومهما يَكُنْ من حُسْنِ صيتٍ، إِنْ تَكُنْ فَضِيلَةٌ، وإِنْ يَكُنْ مَدْحٌ، ففي هذه افتَكِرُوا. وما تَعَلَّمْتُمُوهُ وتَسَلَّمْتُمُوهُ وسَمِعْتُمُوهُ ورَأَيْتُمُوهُ فِيَّ فَبِهَذا اعْمَلُوا. وإلهُ السَّلامِ يكونُ معكُم.

الإنجيل  )يو 12: 1– 8)

قبلَ الفصحِ بستَّةِ أيَّامٍ، أَتَى يسوعُ إلى بيتَ عنيا حيثُ كانَ لَعَازَرُ الَّذي ماتَ فأَقَامَهُ يسوعُ من بينِ الأموات. فصَنَعُوا لهُ هناكَ عشاءً، وكانت مرتا تخدِمُ وكان لَعَازَرُ أَحَدَ الـمُتَّكِئِينَ معه. أَمَّا مريمُ فَأَخَذَتْ رَطْلَ طيبٍ من نارِدِينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ ودَهنَتْ قَدَمَيْ يسوعَ ومَسَحَتْ قدمَيْهِ بشعرِها، فامْتَلأَ البيتُ من رائِحَةِ الطِّيب. فقالَ أَحَدُ تلاميذِه وهو يهوذا بن سمعان الإسخريوطيُّ الَّذي كانَ مُزْمِعًا أَنْ يُسْلِمَهُ: لِمَ لَمْ يُبَعْ هذا الطِّيبُ بثلاثِمئةِ دينارٍ ويُعْطَ للمَساكين. وإنَّما قالَ هذا لا اهتمامًا منهُ بالمساكينِ بل لأنَّهُ كانَ سارِقًا وكانَ الصُّنْدُوقُ عِندَهُ وكانَ يحمِلُ ما يُلقى فيه. فقالَ يسوعُ: دَعْهَا، إنَّما حَفِظَتْهُ ليومِ دفني. فإنَّ المساكينَ هم عندَكُمْ في كلِّ حين وأمَّا أنا فلستُ عندَكُمْ في كلِّ حين.

وعَلِمَ جمعٌ كثيرٌ من اليَهُودِ أنَّ يسوعَ هناكَ فجاؤوا، لا مِنْ أَجْلِ يسوعَ فقط، بل لينظُرُوا أيضًا لَعَازَرَ الَّذي أقامَهُ من بينِ الأموات. فَأْتَمَرَ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ أنْ يقتُلُوا لَعَازَرَ أيضًا، لأنَّ كثيرين من اليهودِ كانوا بسبَبِهِ يذهبونَ فيؤمِنُونَ بيسوع.

وفي الغَدِ لـمَّا سَمِعَ الجَمْعُ الكثيرُ الَّذينَ جاؤوا إلى العيدِ بأنَّ يسوعَ آتٍ إلى أورشليمَ أَخَذُوا سَعَفَ النَّخْلِ وخرَجُوا للقائِهِ وهم يصرُخُونَ قائِلِينَ: هُوشَعْنَا، مُبَارَكٌ الآتي باسمِ الرِّبِّ ملكُ إسرائيل. وإِنَّ يسوعَ وَجَدَ جَحْشًا فَرَكِبَهُ كما هوَ مَكتوبٌ: لا تخافي يا ابنةَ صِهْيَوْن، ها إِنَّ مَلِكَكِ يأتيكِ راكِبًا على جحشٍ ابنِ أَتان. وهذه الأشياءُ لم يَفْهَمْهَا تلامِيذُهُ أوَّلًا، ولكن، لـمَّا مُجِّدَ يسوعُ حينَئِذٍ تَذَكَّرُوا أنَّ هذهِ إنَّما كُتِبَتْ عنهُ، وأنَّهُمْ عَمِلُوها لهُ. وكانَ الجمعُ الَّذينَ كانوا معهُ حين نادَى لَعَازَرَ من القبرِ وأقامَهُ من بين الأمواتِ يَشْهَدُونَ لهُ. ومن أجلِ هذا استقبَلَهُ الجَمْعُ لأنَّهُم سَمِعُوا بأنَّهُ قد صَنَعَ هذهِ الآيَة.

حول  الرّسالة

رسالة أحد الشّعانين هي دعوة إلى الفرح "افرحوا في الرَّبّ كلّ حين وأقول أيضًا افرحوا". "افرحوا في الرَّبّ": فَلا فرحاً حقيقيّاً إلّا بالثّبات في المسيح، ومَنْ هو ثابت في المسيح يملؤه الرُّوح القُدُس فرحًا فالفرح ثمرة من ثمار الرُّوح القُدُس. والله يُريدنا أن نفرح، فهو خلق الإنسان في جنّة عَدْنْ، وعَدْنْ كلمة عبريّة معناها فرح وبهجة. يدعو الرّسول أهل فيلبّي للفَرح الدّائم، كثمرة طبيعيّة لاتّحادهم بالرَّبّ: افرحوا في الرَّبّ. والفرح الّذي يُعطيه لنا الرَّبّ لا يتأثّر بأيّ ظروف خارجيّة، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منّا (يو 22:16)، مهما كانت الآلام المُحيطة بنا، كما سبّح بولس فَرحًا في سجنه في فيلبّي، أمّا أفراح العالم فسريعًا ما تزول. ويصل الإنسان لهذا الفرح سريعًا إذا بدأ يحزن على خطاياه، ويُقدّم توبة، فالخطيئة تُسبِّب عدم الثّبات في الرَّبّ.

 المحبّة والفرح يُعطيان اتّساعاً للقلب واحتمالاً وضبطاً للنّفس وتسامحاً ووداعةً ولطفاً. وهكذا علينا دائمًا أن نتوقّع قرب مَجيئه بفرح واشتياق ولهفة. ولاحظ التّسلسل الرّائع في كلمات الرّسول ففي الآية (1) قال اثبتوا في الرَّبّ وفي آية (4) قال افرحوا في الرَّبّ فلا فرحاً حقيقيّاً من دون ثبات في الرَّبّ. وهنا يتكلّم على التّساهل في الحقوق وهذا يكون سهلًا وممكنًا لمن يعيش في فرح وينتظر الرَّبّ باشتياق. فالّذي ينشغل بمجيء الرَّبّ يتساهل في حقوقه الشّخصيّة. في الآيات 6 و 7: "لا تهتمّوا بشيء بل في كلّ شيء بالصّلاة والدّعاء مع الشّكر لتُعلَم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الّذي يفوق كلّ عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع".لا تهتمّوا بشيء: لا تقلقوا ولا ترتبكوا ولا تضطربوا أمام هموم الحياة. ولاحظ أنّه لم يقل لا تفكّروا في ترتيب أموركم الّتي في الغد، فالصّلاة تملأ القلب سلامًا، فإذ نسمع صوت الله في قلوبنا نهدأ. سلام الله الّذي يفوق كلّ عقل: كثيرًا ما تصادفنا ضيقات أو مشاكل لا نجد لها حلًّا بعقولنا، أو يُصادفنا مكدر يهدّد سلامنا ولا نجد له حلًّا، ونصرخ لله فيعطينا سلامًا يتغلّب على القلق والخوف وحيرة العقل الّتي نعانى منها، فسلام الله يفوق ويتفوّق على حيرة عقولنا العاجزة، فيغمر السّلام عقولنا وقلوبنا بطريقة تفوق أفهامنا. النّصرة في المسيحيّة هي أن نحيا في فرح وسلام بالرّغم من المشاكل الخارجيّة وليست هي في نزع الضّيقة الخارجيّة وهذا ما كان يعنيه السّيّد المسيح بقوله: "ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو22:16)، آمين.

الدّخول إلى أورشليم

إنجيل صلاة السَّحَر بحسب متّى، له مضمون الشّعانين بكامله، أمّا إنجيل قدّاس العيد بحسب يوحنّا، يحوي أوّلًا وباختصار إقامة لعازر، ثانيًا: تضميخ قَدَمَيْ يسوع بالطّيب وتقليل يهوذا الإسخريوطيّ من قيمة العمل، ثالثًا حادثة الدّخول إلى أورشليم.

أوضح الرَّبّ يسوع في الإنجيل أنّ المَرأة مَسحَتْه بالطّيب، تحضيرًا "ليوم دَفني"، لأنّ العادة أن يطيّبوا جسد الميت قبل الدّفن. أمّا إظهار يهوذا اهتمامه ببيع الطّيب وتوزيعه على المساكين، أتاه الجواب في الإنجيل فاضحًا بشاعة نيّته، وهو "إنّما قال هذا لا اهتمامًا منه بالمساكين بل لأنّه كان سارقًا".

معجزة إقامة لعازر والشّعانِين عِيدان مُرتبطان جدًّا، إذ إنّ معاني القيامة والغلبة على الموت بارزة فيهما، والهدف منهما التّحضير لآلام الرَّبّ الخلاصيّة وقيامته، حتّى أنّ طروباريّة العيدَيْن واحدة. ألسُّعُف والأغصان الّتي نحملها في الشّعانين، رمز للظّفر والغلبة على الموت في إقامة لعازر، الّتي هي نموذج تحضيريّ لقيامة المسيح كما للقيامة العامّة.

استقبل اليهود السّيّد الرَّبّ كملك في أورشليم، بسبب تأثّرهم بإقامة لعازر من بين الأموات، ظانّين أنّ المسيّا الّذين تطلّعوا إلى حضوره قد ظهر، ولكن خاب ظنّهم لأنّهم نظروا إليه كملك أرضيّ سيخرجهم من الإحباط السّياسيّ والأمنيّ ويمنحهم الحرّيّة والحقوق وينصرهم على المُحتلّ ويجعلهم أسياد منطقتهم، وهذا ما لا نجد له أي مستند في النّبوءات عنه، سوى أنّ المسيّا سيصنع المعجزات ويغفر الخطايا وسيتألّم ويتمجّد ويقوم من بين الأموات.

دخل المسيح أورشليم دخولًا عظيمًا محفوفًا بالنّاس والأولاد والأطفال، لكن لا بسلطان وقوّة وكبرياء كما الملوك العاديّين، بل بتواضعٍ كبيرٍ بالنّسبة لابن الله، كي يلغي العبوديّة ويحطّم الكبرياء. وما يقوله الإنجيل عن الأتان والجحش، سبق أن أعلنه زخريّا النّبيّ 9 : 9-10: "قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعًا راكبًا على أتان وجحش ابن أتان..." علّق القدّيس أثناسيوس الكبير على الحيوانين بقوله: "...الجحش والأتان هما كلّ البشريّة. ألأتان هو آدم الّذي ربطه الشّيطان بمكره، أمّا الجحش هو السّلوك غير الطّاهر والعنيد للأمم الوثنيّة الّتي طوّعها وهذّبها المسيح بتواضعه ومحبّته. يشير حلّ الحيوانين من رباطهما عند متّى إلى إرسال الرّسل للبشريّة كي يبشّروا اليهود والأمم بيسوع والكنيسة.

الرّسل فرشوا ثيابهم على الأتان الّذي جلس عليه المسيح، وبرأي القدّيس ثيوفيلاكتوس ترمز ثياب الرّسل إلى فضائلهم، إذ يجب على المؤمن أن تزدان نفسه بالفضائل الرّسوليّة كي يستطيع أن يحمل المسيح في كيانه.

صرخة النّاس: "أوصنّا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرَّبّ..." تدلّ على عمل يسوع بإقامة لعازر، وتعبّر عن طبيعة يسوع الإلهيّة. كلمة أوصنّا، كلمة عبريّة تعني "يا ربّ خلّص"، هي عبارة من المزمور 118 : 25 – 27. وكلمة "مبارك" تشير إلى قداسة الله الّتي يبارك النّاس بها، ويردّدها النّاس ليمجّدوا الله ويشكروه. ويشرح القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم عبارة "مبارك الآتي باسم الرَّبّ"، بقوله إنّها تشير إلى حضور المسيح بالجسد، أي الطّبيعة البشريّة لابن الله. أمّا صرخة "أوصنّا يا ابن داود" على لسان الأطفال، فقد استشهد الرَّبّ يسوع بالمزمور 8 : 2: "ألم تقرأوا، من أفواه الأطفال والرّضّع هيّأت تسبيحًا" (متى 21 :15-16).

مختارات من كتاب ”السّلّم إلى الله“

في الصّلاة: "فاتحةُ الصّلاة أن نطرد الهواجس الخاطرة لنا باستغاثة واحدة حال ظهورها، ومنتصَفُها أن نحصر فكرنا في كلمات الصّلاة ومعانيها. أمّا كمالُها فهو اختطاف عقلنا في الرّبّ" (المقالة 28: 19)

انقر هنا لتحميل الملف