Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 18 تشرين الأوّل 2020

العدد 42

الأحد (19) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *18: الرَّسول لوقا الإنجيليّ *19: النَّبيّ يوئيل، الشَّهيد أوَّارُس *20: الشَّهيد أرتاميوس، جراسيموس النَّاسِك الجديد *21: البارّ إيلاريون الكبير، القدِّيسة مارينا الَّتي من رايثو *22: أفيركيوس المُعَادِل الرُّسل، الفتية السَّبعة الَّذين في أفسس *23: الرَّسول يعقوب أخو الرَّبّ وأوَّل أساقفة أورشليم *24: الشَّهيد أريثا (الحارِث) ورفقته.

كلمة الرّاعي

الدّينونة

”يومَ يَدينُ الله سرائرَ الناسِ“ (رومية 2: 16)

ليست الدّينونة بحسب الظّواهر بل بحسب الكوامِن الخَفيّة في قلوب البشر. البشر يحيَوْن للبشـر، بعامّة، ناسين أنّ حياتهم هي من الله وليست من مخلوق. يسجد البشر لما ليس آلهة، للَّحم والدّم، لأنّهم يطلبون القوّة والسّلطة ومتى وجدوها عند غيرهم استعبدوا أنفسهم لها. بائس هو الإنسان الَّذي لا يعرف أنّ الله ”يدين سرائر النّاس“.

البشر، بعامّة، ديّانون. والَّذي يَدين يُدان بالطّريقة نفسِها: ”لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ“ (لوقا 6: 38). البشر لا يعرفون خفايا القلوب أمّا الله فيعرف كلّ شيء، هو ”فَاحِصُ الْقُلُوبِ وَالْكُلَى“ (مزمور 7: 9).

*          *          *

كيف يَديننا الله وعلى ماذا سيحاسبنا؟

”لاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَـى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ“ (لوقا 6: 37). من لا يضع أحكامًا مُبرَمَة على البشر، على أشخاصهم، بل يبحث عن تبريرات لهم في سقطاتهم ليتّعظ هو ويحافظ على نفسه، لا يَدينه الله لأنّه هو نفسه لا يَدين الآخَرين. أمّا من يأخذ النّاس بزلَّاتهم، انطلاقًا من مقاييسه للحقّ خارج المحبّة، فحقّه باطل. كيف يستطيع المرء أن يَدين آخَر وهو لا يعرف نفسه؟! كيف يستطيع أن يميّز الحقّ من الباطل وهو لم يتنقَّ بعد؟! أساس القدرة على الحكم هو التّمييز، والتّمييز عطيّة الله للطّاهرين. من لم يتطهّر قلبه ويتنقَّ من أهوائه لا يستطيع أن يميِّز الأمور بِعَيْنِ الله: ”وأمَّا (الإنسان) الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ“ (1 كورنثوس 2: 15).

العمل الرّوحيّ أساسه السّعي إلى خلاص الإنسان الخاطئ وليس إلى الحكم عليه. الرَّبّ يسوع قال: ”لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ“ (مرقس 2: 7). من لا يرى نفسه مريضًا وخاطئًا لا يحتاج إلى الرَّبِّ يسوع المسيح، إنّه مكتفٍ بنفسه. هذا هو الدّيان من النّاس من كان مكتفيًا من ذاته وبها وفيها. هو لا يعرف أن يطلب المغفرة وبالتّالي هو غير قادر أن يغفِر.

من له ناموس هو مُدان بالنّاموس، لأنّ النّاموس لا يجلب الخلاص بل يجلب اللّعنة لأنّه لا يوجد إنسانٌ قادرٌ أن يتمِّم كلّ ما في النّاموس: ”لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ“ (رومية 3: 20). أمّا الَّذي بلا ناموس فله الكَوْن عربون حبّ الخالق ودليل أعماله الفائقة الصّلاح للبشر: ”لأَنَّ أُمُورهُ غَيْرَ الْمَنْظُورَةِ تُرىَ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ، قُدْرَتَهُ السَّرْمَدِيَّةَ وَلاَهُوتَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ“ (رومية 1: 20).

في كلّ الأحوال، الدّينونة على قدر العَطيّة، فإذا كان الَّذين ما زالوا في ظلال النّاموس أو الّذين هم تحت حكم الضّمير الإنسانيّ لا أعذارَ لهم فكم تكون دينونتنا نحن المسيحيّين الَّذين كُشف لنا كلّ شيء في المسيح يسوع؟!

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، لا نخدع أنفسنا ولا ندَّعِ ما لسنا إيّاه، بل فلنتواضع بالصّلاة والصّوم والجهاد الرّوحيّ، ولْندنْ أنفسَنا لكي يبرِّرنا الله لأنّه هو الَّذي يعرف كلّ شيء عنّا أكثر منّا، وهو رحيم يقبل التّائب في كلّ حين. ولنغفر ونسامح ولا نحكم على إنسان، بل فلنترك الدّينونة لله. فلندخل بالتّوبة إلى سرّ الإنسان ولنحمل كلّ البشريّة في توبتنا، لأنّ خطايانا تمتدّ في العالم لتزيد شرَّه وبرّنا يمتدّ فيه أيضًا ليزيد خيره.

مسؤوليّتنا كمؤمنين بالمسيح أن نزيد الإيجابيّة والنّور في العالم، لأنّ الشّرير يبعث في العالم فسادًا ودمارًا وخرابًا مريدًا إبادة الجنس البشريّ. فلنكن من أبناء النّور ونحمل العالم المتألّم صالبين خطاياه على صليب المسيح لكيما يحملنا المسيح فيه على الصّليب مخلِّصًا العالم فينا ومانحًا الغفران لطالبيه.

دينونة المسيح نار حبٍّ إلهيّ تحرق الأشرار وتمنح الدّفء والحنان للأبرار. الشّرير هو من يدين غيره والبارّ هو مَن يَدين نفسه...

ومن استطاع أن يَقْبَل فليَقْبَل

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريّة الرّسول لوقا الإنجيليّ (باللَّحن الثّالث)

أيّها الرّسول القدّيس البشير لوقا، تشفّع إلى الإله الرّحيم، أن يُنعم بغفران الزّلات لنفوسنا.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (كو 4: 5– 18)

إلى كلّ الأرض خَرَجَ صوتُهُ   

السّماواتُ تذيعُ مجد الله

يا إخوةُ، اسلُكوا بحِكمةٍ من جهةِ الّذينَ في الخارجِ مُفتَدينَ الوقت. وليكُنْ كلامُكُم كُلَّ حينٍ ذا لُطفٍ مُصلحًا بملحٍ حتَّى تَعلَموا كيفَ ينبغي لكم أن تُجاوبوا كلَّ واحدٍ، جميعُ أحوالي سيُعلِمكم بها تيخيكوسُ الأخُ الحبيبُ والخادِمُ الأمينُ والعبدُ معي في الرَّبّ، الّذي بعثتُه إليكم لهذا يِعينِهِ ليعرِفَ أحوالكم ويُعزِّي قلوبَكم مع أُنيسمُسَ الأخِ الأمين الحبيبِ الّذي هو منكم. فهما يُعلِمانِكم بالأحوالِ ههنا. يسِلّمُ عليكم أرِستَرخُسُ الأسيرُ ومرقسُ ابنُ أختِ بَرنابا الّذي أخذتُم في حَقّهِ وصاياتٍ. فإذا قدِمَ اليكم فاقبَلوهُ ويَسوعُ المُسمِّى يُوستُسُ الّذين هم من أهل الختان هؤلاءِ وحدَهم مُعاونيَّ في ملكوتِ الله وهم قد صاروا لي تَعزيةً. يسِلّمَ عليكم أبفْراسُ الّذي هو مِنكم وهو عبدٌ للمسيحِ مُجاهدٌ كلَّ حينٍ لأجلِكم في الصَّلواتِ لكي تثبُتوا كاملين في مشيئةِ اللهِ كلِّها. فإنّي أشَهدُ لهُ بأنَّ لهُ غيرةً كثيرةً لأجلِكم ولأجلِ الّذين في اللّاذقيّة والّذين في إيرابولِس. يسلّمُ عليكم لوقا الطّبيبُ الحبيبُ وديماسُ. سلِّموا على الإخوةِ الّذينَ في اللّاذقيّةِ وعلى نمْفاسَ والكنيسةِ الّتي في بيتِه. ومتى تُليَت الرِّسالةُ عندَكم فاعتنُوا بأن تُتلَى في كنيسةِ اللّاذقيّين أيضًا وأن تَتلوا أنتم تلكَ الّتي من اللّاذقيّة. وقولوا لأرْخِبُّسَ تأمَّلِ الخدمةَ الّتي تسلَّمتَها في الرَّبّ حتَّى تُتِمَّها. السّلامُ بِيَدي أنا بولس. اذكروا قيودي. النّعمة معكم. آمين.

الإنجيل (لو 10: 16– 21)

قال الرَّبُّ لتلاميذِه: مَن سمِعَ منكم فقد سمع منّي، ومَن رَذلكم فقد رذلني، ومَن رَذلني فقد رذَلَ الّذي أرسلني. فرجَع السّبعون بفرحٍ قائلين: يا ربُّ إنَّ الشّياطين أيضًا تخضع لنا باسمك. فقال لهم إنّي رأيتُ الشّيطانَ ساقطًا من السّماءِ كالبَرْق. وها أنا أُعطيكم سلطانًا أن تدوسوا الحيَّات والعقارِبَ وقوَّةَ العدوِّ كلَّها ولا يضُرُّكم شيءٌ. ولكن لا تفرَحوا بهذا أنَّ الأرواحَ تخضع لكم بل بالأحرى افرحوا بأنَّ أسماءَكم كُتبت في السّماوات. وفي تلك السّاعةِ تهلَّلَ يسوع بالرّوح وقال: أعترف لك يا أبتِ ربَّ السّماءِ والأرض لأنَّك أخفيتَ هذه عن الحكماءِ والعقلاءِ وكشفتَها للأطفال. نعم يا أبتِ هكذا ارتضَيت.

 حول الإنجيل

ونحن نعيّدُ اليومَ لِلرَّسُولِ لوقا الإنجيليّ، نقرأ هذا الفصلَ الشّريفَ الّذي يُوضح بشكلٍ خاصّ ماهيّةَ وهدفَ الرّسوليّةِ الّتي دُعي إليها التّلاميذ، ومنهم السّبعون الّذي لوقا أحدهم.

"الشّيطان ساقط من السّماء كالبرق". لقد استفحل عملُ الشّيطانِ في الأرض، وروحُ الشَّرِّ يرفُّ على وجه الأرض، والغمر والظّلمة كانتا تغطِّيانِ هَيَجانَ بحرِ العالم. جاءت كلمة الرَّبّ لتعيد الخليقة المدمّرة إلى أصولها، وتعيد نور العالم إلى خلقه الأوّل، ويصبح نور الكلمة الّتي ينطق بها التّلاميذ قوّةَ طرد حيث يخضع لها كلُّ مَن سمع. إنّما الشّيطان لم يكن من برنامجهم بل نحن البشر، وصارت الكلمة تعشّش في قلوب النّاس وَتُحيي العقول المفتونة بالشَّرِّ، وتُفرح الحزانى المغمورين باليأس. غير أنّ الدّعوة لم تكن لتكتفي بهذا الفرح والعزاء الأرضيّ، ولم يكن قصد الله أن يعضد الإنسان في وجوده المادّيّ البشريّ، بل تعدّاه إلى رفعه أكثر. فكتب اسمه في سجلّ الملكوت، حتّى كلّ من يقرأ في كتاب الله يتهلّل قلبُه فرَحًا. لأنّ التّائب عاد، واليائس ترجّى، والحزين تعزّى، والضّالّ وُجد. وصارت قلوبُ النّاسِ قلوبَ أطفال، لا يفقهها ولا يفهمها إلّا من كُشفت لهم نعمةٌ وعطيّةٌ إلهيّةٌ سماويّة. فرحٌ إلهيٌّ حقيقيٌّ يأتي إلينا من الآخرة ويأخذنا إلى الآخرة. فرحُ الأممِ الّذين سمعوا إنجيلَ الصّليب، وهو الكفيل الوحيد الّذين يضمن لهم الملكوت الآتي. آمين.

(عن نشرة الكرمة- العدد 42– 18 تشرين الأوّل 2015)

ناموس العطاء

"لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ" (2كور 7:9)

"مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا" (مت 8:10)

"أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ" (لو 38:6).

إنّ الحديث عن العطاء في الكتاب المقدَّس مرتبط بالمحبّة، فالله لِفَيْضِ محبّته لنا أعطانا أغلى ما عنده، ابنه الوحيد، لكي يعلّمنا أنّ المحبّة بدون عطاء هي وَهْم. فإنّ ناموس العطاء مرتبط بناموس الشَّريعة، أي حفظ الوَصايا، وبناموس المحبّة أي الشَّرِكة والتَّعاون والمساواة. عندما يدرك المؤمن أنّه جزءٌ من الكنيسة الجامعة، حينئذٍ يفهم ارتباطه معهم، ولا يكون ما يملكه له وحده بل للكلّ. وهذا ما فعله المسيحيّيون الأوائل في أعمال الرُّسُل حين ابتدأ كلٌّ منهم يرمي ما يملكه عند أقدام التَّلاميذ ليكون مشتركًا بين الجميع.

وعندما نتحدّث عن ناموس العطاء لا نعني فقط العطاء المادّيّ، لئلّا يرتبط بالأغنياء فقط. فالعطاء له جوانبٌ عَديدة، مادّيّ، معنويّ، روحيّ. وهنا نفهم قَوْل القدِّيس بولس "كأنّنا فقراء ونحن نُغني كثيرين" (2 كو 10:6). ما قدَّمه القدِّيس بولس للمَسكونة لا يُثمَّن رغم أنّه لم يقدِّم لا مالًا ولا كُنوزًا. والعطاء في المفهوم الرُّوحيّ هو رِبحٌ وليس خسارة، فمن يُعطِي يُعطَى له ويُزاد. فَهِم أباؤنا القدِّيسون هذا النَّاموس الرُّوحيّ فَفَتَحوا الأديرة وأغدَقوا على الفقراء، وليس فقط للفقراء، بل لكلّ من يسأل، فأفاض الله مخازهم. فهُم بذلك طبَّقوا قول الإنجيل "وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ". كما أنّه يوجد وجهٌ آخَر لناموس العطاء أنّه يُدخل الفرح والشُّكر في قلب الـمُعطِي والمعطَى له في آن واحدٍ وأيضًا في قلب الله الّذي يفرح بنا وبخلاصنا. وهذا ما عَبَّر عنه القدِّيس بولس "لأَنَّ افْتِعَالَ هذِهِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ ِللهِ".

ختام القَوْل هو أنّ الّذي يَشاء خلاص الكلّ أوصانا أنْ نعيش بحسب الوصيّة الإلهيّة فنتمِّم ناموس العطاء ولكن بقلبٍ فرحٍ. فما نملكه الآن هو ليس لنا بل هو عطيّة من الله، بل أمانة سنحاسَب عنها يوم الرَّبّ المهيب. وعلينا أن نتذكّر دائمًا قَوْل الرَّبّ "مجّانًا أخذتم مجانًا أعطوا"، آمين.

في مخافة الله

من كتاب الشّيخ كليوبّا "أقوال روحيّة"

قبل أن أُنهي الحديث عن فضيلة مخافة الله سأذكر لكم قصّة حدثت لأحد القرويّين المسيحيّين في بلدتي: تغرّب هذا  القرويّ عن حياة الفضيلة بسبب تعاطيه السّرقة. رأى، مرّة، في وقت الحصاد، مخازن أحد الأغنياء ملآنة بالقمح فقرّر أن يسرقها؛ وقام بتحضير كلّ ما يلزم لهذا الأمر. جهّز عربته وشدّ إليها ثورين ثم استعدّ للانطلاق ليلًا. ما إنْ رأته طفلته البالغة من العمر 5-6 سنوات، حتّى أخذت تبكي وتصرخ. أرادت أن تركب العربة وتمضي مع أبيها في نزهته! أمّا أبوها، فلكي يهدئ من روعها، فقد أخذها معه. وما إن وصل إلى مقصده، حتّى ترك العربة عند تلّة صغيرة وتقدّم راجلًا باتّجاه المخازن. وإّذ كان القمر بدرًا، في تلك اللّيلة، وخوفًا من أن يكتشف أحد أمره، أخذ يمشي على مهلٍ وهو يتلفّت يمينًا ويسارًا. وإذ اطمأنّ لعدم وجودِ أحدٍ في المكان، شرعَ ينقل حزم القمح إلى العربة. عندها تحرّك قلبُ ابنته فقالت له: "يا أبي، لقد نظرتَ إلى هنا وهناك، ولكنّك نسيت أن تتطلّع إلى فوق، إلى السّماء!" فسألها أبوها: "لماذا عليّ أن أنظر إلى السّماء يا ابنتي؟" فأجابته: "ربّما من الأفضل أن تنظر إلى السّماء أيضًا يا أبي، لأنّي رأيتك تنظر إلى هنا وهناك بحرصٍ". عندها اقشعرّ بدن الأب وانتابه خوفُ الله وعاد إلى نفسه. وبعدَ صمتٍ قصير، أعاد الحزم المسروقة إلى مكانها، والدّمع في عينيه، ثم انطلق هو وابنته عائدَين إلى بيتهما. وما إن وصلا حتّى أخذ بسرد ما حدث له على زوجته المؤمنة جدًا، فنبّهته من القيام بأفعال لا تُرضي الله.

إذ ذاك قال لزوجته: "إليكِ كلمتي ووعدي بأنّي من الآن لستُ أسرقُ بعد! سأنظر في كلّ أمر إلى السّماء أوّلاً لأنّي الآن عرفت أنَّ عين الله ترى كلّ أفعالنا".

 من ذلك اليوم كفّ هذا الإنسان عن السّرقة، ثم ذهب إلى أحد الآباء الرّوحيين واعترف بخطاياه.

فليعطنا الله الكليّ الصّلاح، ونحن الخطأة أيضًا، أن ننظر أوّلاً إلى السّماء، إلى الله الّذي يرى كلّ أعمالنا، لنتمّم مشيئته الإلهيّة.

انقر هنا لتحميل الملف