Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١٦ كانون الأوّل ۲٠١٨

العدد ٥٠

أحد الأجداد القدّيسين

اللّحن ٤- الإيوثينا ٧

أعياد الأسبوع: *16: النّبي حجّي، ثاوفانُس الملكة العجائبيّة *17: النّبي دانيال والفتية الثّلاثة، ديونيسيوس أسقف أجينة *18: الشّهيد سابستيانوس ورفقته، موذستس أسقف أورشليم *19: الشّهيد بونيفاتيوس، أغلائيس الرّوميّة *20: تقدمة عيد الميلاد، إغناطيوس المتوشّح بالله أسقف أنطاكية مدينة الله العظمى *21: الشّهيدة بولياني وثاميستوكلاوس *22: الشّهيدة أناستاسيّا المُنقِذَة من السّم.

كلمة الرّاعي

يسوع المسيح الإله - الإنسان

سيّد الكون وخالقه المخلّص

 الله هو هو لا أحد غيره ولا شريك له، خالق السّماء والأرض كلّ ما يُرى وما لا يُرى. برأ الخليقة كلّها من العدم إلى الوجود. قبله لم يكن أحد ومنه يأتي كلّ أحد. لم يخلق الإنسان من العدم ليصير إلىى العدم بل أراد له الخلود عبر ”شجرة الحياة“ (راجع: تكوين 2: 9 و3: 22).

سقط الإنسان وصار في غربة عن خالقه وتاليًا عن نفسه وسارت البشريّة في طريق البحث عن الذّات من خلال البحث عن الإله ”الَّذِي فِي الأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ الأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ“ (أعمال الرسل 14: 16—17). ماذا صنع الله لأجل خلاص الإنسان أي لأجل خلوده في الحب والفرح والسلام؟

*          *          *

”لِلرَّبِّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ، وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا ...“ (مزمور 24 : 1). الرب إله كلّ الشعوب لأنّه أوجدها. والله يريد كلّ الأمم أن تعرفه. هو حاضر في خليقته التي تخبر عنه للسامع في القلب وتُظهره للمبصر في الذّهن. الكتاب المقدَّس مليء بالشواهد التي تكشف سيادة الله على الشعوب والخليقة كلّها، ولأنه ليس بظالم لا يمكن أن يحرم خليقته من معرفته بل يريد لها أن تتلمَّس وجوده لتصل إليه فتحيا لأنّه خلق الكلّ للحياة لا للموت.

رسالة الخلاص التي بشّر بها العهد القديم،كتاب العبرانيين، موجّهة لكلّ البشريّة وليس لليهود فقط (راجع: إشعياء 66: 18—24). إذًا، الله موجود وحاضر عند الشعوب التي لم تتعرّف إليه بالكشف كالعبرانيين الَّذين خاطبهم عبر أناس مختارين. إبراهيم نفسه كان وثنيًّا قبل ظهور الله له، ملكي صادق، ملك السلام، هو صورة عن ابن الله المتجسّد رئيس الكهنة (سفر التكوين 18:14-20). الله لم يهمل الشعوب الأخرى لأنّه حاضر في صورته التي في الانسان من خلال الضمير لأنّ هؤلاء ”يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً...“ (رومية 2: 15). مع ذلك -ويضيق بنا المجال هنا للدخول في هذا البحث- قاد الله الباحثين عنه إليه في ومضات نور معرفته وبذار كلمته الإلهيّة. فالذين يعبدون الكواكب اقتادهم إليه بالنجم (راجع متّى 2)، والفلاسفة تحدّثوا عنه من دون أن يعرفوه مثل أثينادوروس الفيلسوف (+ 7 ق.م.) معلم أغسطس قيصر الذي يقول: ”إن روحًا قدّوسًا يقوم في أعماقنا. هو مراقب وحارس لأفكارنا الصالحة والشريرة”. وأيضًا:”إعرَفْ أنّك إذا لم تجسـر أن تطلب شيئًا من الله بحضور كلّ الناس فإنّك لم تتحرّر من أهوائك بعد. عِـــش مع البشـــر كأنّ الله يراك وتكلّم مع الله كأنّ البشــر يسمعونك“. القدّيس يوستينوس الفليسوف في القرن الثاني المسيحي يعلّم أنّ ”المسيح هو بكر الخليقة، وهو كلمة الله (Λόγος) الذي اشترك فيه كلّ جنس بشـري وأنّ كلّ من عاش عيشة تتفق والكلمة كان مسيحيًا ولو انّه عُرف بالوثنية، كما جرى بين اليونانيين أمثال سقراط وهيراقليط وغيرهما“. ويوضح بأن ”المسيح كلمة الله ينير العقول البشريّة منذ البدء بزرع إلهيّ، وأخصبت هذه العقول منه عند الناس الطيبين بذورًا‘Sperma’  وعرفت بعض الحقائق ولكنّ اهتداءَها لم يكن كاملًا”.

*          *          *

الكنيسة اليوم تذكِّرنا بأحد الأجداد بأنَّ الرب الإله حضَّـر البشـريّة جمعاء لمجيء ابنه، العبرانيين- اليهود حضّرهم بالأبرار والأنبياء والتائبين الذين كانوا ينتظرون مخلِّصًا وينبئون به والأمم بثَّ لهم الشوق نحو الغلبة على الموت ومعرفة غاية الوجود.

كلّ بشر هو على ”صورة الله“ (تكوين 1: 27) أي أنّ كلّ إنسان فيه صورة المسيح، ولو انحجبت بفعل الخطيئة والغربة عن النور. من هنا، فالمسيح قابع وساكن في كلّ إنسان بحسب الخلقة وهو يشدُّ الإنسان إلى طلب روح الله من خلال الحقّ والفرح والسلام والحبّ. من لم يعرف المسيح بالكشف والإيمان يستدرجه إليه ببحثه عن نفسه وغاية وجوده. وكأني بالمسيح ساكن في خيوط النور المنثورة في إنسانيّة هذا العالم والـتي تُشرق في ظلمات البشريّة المتألِّمة أبدًا بعيدًا عن الله والتي لن تستريح إلَّا متى أدركت سرَّه: الحبُّ ...

ها ”اَلرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ، لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللهِ؟ ...“.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهِج. وطَرَحْنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسُلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة الأجداد (باللَّحن الثّاني)

لقد زكّيتَ بالإيمان الآباءَ القُدَماءَ، وبِهِم سبقتَ فخطبتَ البيعة الّتي من الأمم. فلْيفتخرِ القدّيسون بالمجد، لأنْ مِن زَرْعهم أَيْنَعَ ثمرٌ حَسيبٌ، وهو الّتي ولدَتْك بغير زرعٍ. فبتوسُّلاتهم أيُّها المسيح الإله ارحمنا.

قنداق تقدمة الميلاد (باللَّحن الثّالث)

اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الّذي قبل الدّهور ولادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونة إذا سمعتِ، ومجِّدي مع الملائكة والرُّعاة الّذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو الإلهُ الّذي قبل الدّهور.

الرّسالة (كول 3: 4– 11)

ما أعظمَ أعمالَكَ يا ربُّ

كلَّها بحكمةٍ صنعت باركي يا نفسِي الرَّبَّ

يا إخوةُ، متى ظهرَ المسيحُ الّذي هو حياتُنا فأنتم أيضًا تَظَهرون حينئذٍ معهُ في المجد. فأمِيتوا أعضاءَكم الّتي على الأرض: الزِّنَى والنّجاسةَ والهوى والشّهوةَ الرّديئةَ والطّمعَ الّذي هو عبادةُ وثَن، لأنَّهُ لأجلِ هذه يأتي غضبُ الله على أبناءِ العِصيان، وفي هذه أنتم أيضًا سلَكُتم حينًا إذ كنتمُ عائشينَ فيها. أمَّا الآن فأنتم أيضًا اطرَحوا الكُلَّ: الغضبَ والسُّخْطَ والخُبثَ والتّجديفَ والكلامَ القبيحَ من أفواهِكم. ولا يكذِبَنَّ بعضُكم بعضًا، بل اخلَعوا الإنسانَ العتيقَ معَ أعمالِه، والبَسُوا الإنسانَ الجديدَ الّذي يتجدَّدُ للمعرفةِ على صورةِ خالقِه، حيثُ ليس يونانيٌّ ولا يهوديٌّ، لا خِتانٌ ولا قَلَفٌ، لا بَربريٌّ ولا اسكِيثيٌّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بلِ المسيحُ هو كلُّ شيءٍ وفي الجميع.

الإنجيل (لو 14: 16– 24 (لوقا  11))

قال الرَّبُّ هذا المثل: إنسانٌ صنع عشاءً عَظيمًا ودَعا كثيرين. فأرسل عبدَهُ في ساعة العشاءِ يقول للمَدعوّيين: تعالَوا فإنَّ كلَّ شيءٍ قد أُعِدَّ. فطفِق كلُّهم واحدًا فواحدًا يستَعفون. فقال لهُ الأوَّل: قد اشتريتُ حقلًا ولا بدَّ لي أن أخرجَ وأنظرَهُ فأسألُك أن تُعفِيَني. وقال الآخَرُ: قدِ اشتريتُ خمسةَ فدادينِ بقرٍ وأنا ماضٍ لأجَرِّبَها فاسألُك أن تعفيَني. وقال الآخر: قد تزوَّجتُ امرأةً فلذلك لا أستطيعُ أن أجيء. فأتى العبدُ وأخبر سيّدَهُ بذلك. فحينئذٍ غضِبَ ربُّ البيتِ وقال لعبدِه: أخرُجْ سريعًا إلى شوارع المدينةِ وأزقَّتِها وأدخِلِ المساكينَ والجُدْع والعميان والعُرجَ إلى ههنا. فقال العبدُ: يا سيّدُ، قد قُضِيَ ما أمرتَ بهِ ويبقى أيضًا محلٌّ. فقال السّيّد للعبد: أُخرُج إلى الطُّرق والأسيْجَةِ واضطَرِرْهم إلى الدّخول حتّى يمتلئَ بيتي. فإني أقول لكم إنَّه لا يذوقُ عشائي أحدٌ من أولئك الرّجال المدعوِّيين، لأنَّ المدعُوّين كثيرون والمختارِين قليلون.

حول الإنجيل

أقام ربُّ البيت العشاء للعالم ليوْلِم محبته. هذه المحبة هي عمل الكلمة الذي بدأ دعوته بالقول "تعالَوا لأنّ كلَّ شيء قد اُعد". أمْرُ خلاصهم صار حتمياً، وما بشَّرَ به خوّلهم الدخول إلى ملكوت الله ليجلسوا إلى مائدة ابيه. هذا كلّه تمّ لأنه قَبِلَ ان يكون في صورة عبدٍ "أرسل عبده" عبد يَهْوِي، هو ابن الآب الذي تَخلى عن مجده "أخذا صورة عبد" لكي يربح الذين تحت عبودية العالم واهتمامات العالم. عمل الكلمة هذا كان عمل محبة حتى وصل إلى اقصاه بأنه أعدّ نفسه ليصير لنا مأكلاً حقّاً ومشرباً حقّاً، قدّم نفسه على الصليب ذبيحة لكي تكون لنا حياة وشركة مع أبيه على مائدة واحدة.

يتجلّى هذا فعلاً في تحضير لنا في أيام حضوره في الجسد، اليوم، حتى نفهم أنّ الذي صار بيننا لابساً مسكناً هو طريق خلاصنا، ودعوة مفتوحة مقابل القبول أن نأكل معه، ونعرف أنّ كل شيء يأتي منه وكل شيء له.

لكن في وقاحة غريبة وأمام هذه الدعوة إلى المائدة الروحية، نجد أنّ ثمّة من له اهتماماته وافكاره الخاصة، منصرفاً عن الحدث الأَجَلّ، إلى ترّهات هذا العالم وشهواته وإنشغالاته. هذه هي حالة البشر اليوم، وطبعاً في الأخصّ نحن المسيحيين الذين تركوا غذاءهم الروحي، جسد المسيح ودمه لكي نراهم وفي اختيار حُرِّ بعدهم عنه، متعللين بعلل الخطايا، مبتعدين عن سبب وجودهم ودعوتهم، منشغلين في أنفسهم.

بعضنا لا يفهم، انه إذا تناولنا عشاء الملكوت (جسد المسيح ودمه) نكون قد اشتركنا فعلياً بجسد الربّ الإلهيّ ونصبح واحدًا فيه، ومعه نتحد بكل الأشخاص الذين نُحبهم، الراقدين على رجاء القيامة، وواحداً مع الذين نعيش معهم في هذا العالم وشركتنا مع المسيح تضمّنا مع شركة القديسين.

فعلَّنا نهتم بجهاد التوبة والمسامحة والمحبة، ونتقدم إلى الكأس المقدسة بورع وخوف، حتى نجد الفرح السماويَّ الذي اُعدَّ لنا قبل انشاء العالم.

(من نشرة الكرمة– 16 كانون الأوّل 2012)

الكنيسة  ودورها

في بابل العهد القديم تبلبلت ألسنة النّاس لكبريائهم واستغنائهم عن الله، فلم يعودوا يفهمون لغة بعضهم البعض، بل انقسموا وتبدّدوا وتشتّتوا. (راجع سفر التّكوين الإصحاح 11).

أمّا في يوم العنصرة أي في اليوم الخمسين لقيامة الرَّبّ يسوع في العهد الجديد، "هبة الله الواحدة" توزّعت وفاضت على كلّ واحد بمفرده، فوحّدتهم من جديد. ورد في قنداق صلاة سحر أحد العنصرة "عندما انحدر العليّ مُبلبلًا الألسنة، كان للأمم مُقسّمًا، ولمّا وزّع الألسنة النّاريّة، دعا الكلّ إلى اتّحادٍ واحدٍ، فلذلك نمجّد بأصوات مُتّفِقَة الرّوح الكليّ قدسه". ( راجع العنصرة في سفر أعمال الرّسل 2).

إنّ حدث العَنصرة مُستمرّ في الكنيسة، ونزول الرّوح القدس متواصل منذ ذلك الحين، "يذكّرنا بكلّ ما قاله يسوع لنا" (يوحنّا 14: 26)، ليعيّن شُهودًا هم أنوار الكنيسة على الأرض لإعلان قيامة المَسيح، حتّى نهاية الأزمنة. فالكنيسة هي العنصرة المستمرّة المبشّرة والمُعلِنة لكلمة الله والشّاهدة لقيامته من بين الأموات.

 الكنيسة هي جماعة المُؤمنين، تتألّف من النّاس الّذين حقًّا هم أبناء الكنيسة ووُلدوا منها، لا بل تتألّف من الحجارة الحيّة أي من المؤمنين بالمسيح أنّه ابن الله ويشهدون لقيامته من بين الأموات. وَعَدَ الرَّبّ يسوع تلاميذه عند صعوده "سأكون معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء الدّهر" (متى 28: 20).

 الهدف أو دور الكنيسة هو أن تتكلّم كلمة الله وتحمله إلى العالم وتبشّر به، بِناءً لوصيّة الرَّبّ "اذهبوا وتلمذوا كلّ الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والرّوح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متى 28: 19– 20). كما فعلت العذراء عندما حبِلت بالكلمة بالرّوح القدس وحملته ووضعته طفلًا في العالم. من هنا يرى البعض شبهًا بين العنصرة والبِشارة من حيث دور الرّوح القدس فيهما.

 في يوم العنصرة حلّ الرّوح القدس وصنع الكنيسة حاضرًا في الأسرار المقدّسة وفي جماعة المؤمنين، ثمّ بَقي فيها كما وعد الرَّبّ يسوع، "وإنّي أرسل لكم ما وَعَد به أبي، فامكثوا أنتم في المَدينة إلى أن تلبسوا قوّة من العلاء" (لوقا 24: 49). لذلك، إنّ الهدف من رسالة الكنيسة هو تقديس الإنسان للخلاص باسم يسوع.

عندما نقول في قانون الإيمان: "... أومن بكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة...". هي الكنيسة المُستَقيمة الرّأي والحَسَنَة العِبادَة الّتي بحسب قلب الرَّبّ وإنجيله، هي كنيسة الخطأة والتّائبين، وليست تلك الّتي يظنّها البعض أنّها كنيسة الملائكة والقدّيسين فحسب. يوضح لنا الرَّبّ في حادثة زكّا: "ليس الأصحّاء بحاجة إلى طبيب بل المَرضى" (متى 9: 10- 12). ويقول الرّسول بولس: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومة 3: 23). انتقد النّاس يسوع في حادثة زكّا وغيرها بسبب تركيزه على الخطأة، لأنّه دعاهم للتّوبة ولملكوت السّماوات، علمًا أنّه ترك أيضًا التّسعة والتّسعين ليبحث عن الخروف الضّال، ذلك لأنّ فرح السّماء بخاطىءٍ واحدٍ يتوب (لوقا 15: 3- 7).

هي كنيسة الجماعة الواحدة والإيمان الواحد "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون أنا بينهم" (متى 18: 20). مِنْ هنا لا اجتماع خارج إطار الرّسل والتّلاميذ، أو من دون معرفتهم وبركتهم، وذلك للحفاظ على الطّاعة الّتي تُقدّس الإنسان، وكي تبقى حياة الكنيسة والجماعة تحت إشراف الأسقف، كي لا تكون هناك مَعصِيَة أو أيّ ابتغاء لأيّ مجدٍ شخصيّ، ومن ثمّ والأهم هو المحافظة على التّعليم الصّحيح. لذلك كان قول شهير لأحد الآباء المُعاصِرين للرّسل هو القدّيس إغناطيوس الأنطاكيّ المتوشّح بالله: "حيث يكون الأسقف تكون الكنيسة". يكمل هذا القول قول في السّياق نفسه للقدّيس إيريناوس نحو عام 202: "حيث تكون الكنيسة، هناك يكون روح الله، وحيث يكون روح الله، هناك تكون الكنيسة وكلّ نعمتها". من هذه الأقوال نفهم أن لا فصل بين الأسقف والكنيسة، كما لا يجوز ولا يصحّ الاعتقاد بالإيمان بالله من دون الكنيسة، وهذا ما يؤكّده القدّيس كبريانوس نحو القرن الثّالث: "لا يستطيع إنسان أن يتّخذ الله أبًا، ما لم يتّخذ الكنيسة أمًّا". ذلك لأنّ "الكنيسة هي الفردوس الأرضيّ فيه يُقيم الله ويتحرّك"، كما قال القدّيس جرمانوس بطريرك القسطنطينيّة.

ناهيك عن أقوال بولس الرّسول في رسائله (رومية 5: 8– 12  وكورنثوس الأولى 10: 17 و12: 27 وأفسس 4: 12 و5: 23 وكولوسي 1: 24) بأنّ "الكنيسة هي جسد المسيح"، الّذي نأخذه باستمرار في سِرّ الإفخارستيّا لنتبرّر بسرّ الفِداء على الصّليب ونؤمن بِسِرّ قيامة المُخلّص المَجيدة.

 إنّ هذا السّموّ في حياة المَلكوت الّذي تقدّمه الكنيسة بيسوع المسيح للعالم، يُقابِلُه تيّارات عديدة في الكنيسة مُبلبلة الأفكار بتأثير من بلبلة برج بابل، منتفخة بالعَظَمَة والفَلسفة والكبرياء، مُدّعية حياة العفّة والطّهارة أو مُدّعية روح العلم والتّقدّم، منتقدة هنا وهناك بتجريحٍ وإهانات باحثة عن دورٍ لها في الكنيسة، ناسيةً أو متناسية قول الرَّبّ: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يوحنّا 18: 36).

 الرب يسوع قدّم نفسه للعالم كمخلّص للإنسان من الخطيئة. أمّا الإنسان فقدّم نفسه كباحثٍ عن المال والعمل والوظيفة والطّبابة والتّعليم وضمان الشّيخوخة، ويأتي إلى الكنيسة مُطالبًا بكلّ هذه الأشياء غير آبه بخلاص نفسه. تقف الكنيسة بسبب فقرها وعجزها عاجزة عن تلبية الإنسان حاجاته الدّنيويّة، فيتأثّر وينهزم ويتعرّض لتجربة فقدان الإيمان أو هجر الكنيسة. ومع الوقت تحوّلت الكنيسة إن استطاعت إلى مستشفيات ومدارس لتلبّي حاجات المؤمنين كي لا يهجروها. ورويدًا رويدًا بحجّة الاستمرار، تحولّت بعض هذه المؤسّسات إلى تجاريّة، ففقدت الكنيسة هويّتها وهدفها الرّوحيّ، ولم تستطع أن تؤقلم وتوازن بين ما هو روحيّ أو مادّي دنيويّ حتّى درجة الفصل. وبسبب تحوّل بعض مؤسّسات الكنيسة إلى مؤسّسات تجاريّة، عدنا إلى نقطة البداية والبحث عن المال ليتمكّن الإنسان الاستفادة من هذه المؤسّسات، فتكوّنت لدى بعض الكنائس الصّناديق المانِحَة بهدف الاقتناص والتّبشير.

أمام هذه المأساة والجهل والفقر الرّوحيّ، ضاع الإنسان في معركة المال والحياة، لكن يسوع وكنيسته مستمرّان بعمل الرّوح القدس "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18) لا في هذا الدّهر (أي قدرة إبليس بالعالم وشهواته والمال والسّلطة)، ولا في الدّهر الآتي (أي لا يستطيع أن يحتجز الموت أعضاء الكنيسة الّتي ألّفها يسوع).

     ألم يقل الرَّبّ لنؤمن أنّه الملجأ الوحيد لنا في كلّ شيء: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثّقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 11: 28)، كي نقول مع بطرس بإيمان "إلى من نذهب يا ربّ وعندك الحياة الأبديّة" (يوحنّا 6: 68). ونختم بقول القدّيس إسحق السّريانيّ: "أن تسلّم نفسك لله يعني أنّك من تلك النّقطة وصاعدًا قد كففت أن تكون فريسة للقلق والخوف بشأن أيّ أمرٍ كان، ويعني أيضًا ألّا تعذّبك من بعد فكرة أنّه ليس لك من يهتمّ بك".

انقر هنا لتحميل الملف