Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 16 آب 2020    

العدد 33

الأحد (10) بعد العنصرة

اللّحن 1- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *16: نقل المنديل الشَّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس *17: الشَّهيد مِيرُن *18: الشَّهيدان فلورُس ولافْرُس، أرسانيوس الجديد الَّذي من بارُوس *19: أندراوس قائد الجيش والـ2593 المستشهدون معه *20: النَّبيُّ صموئيل *21: الرَّسول تدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها *22: الشَّهيد أغاثونيكُس ورفقته.

كلمة الرّاعي 

أعمال الله

"مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ" (مزمور 104: 24)

في ظلّ بشاعة شرّ الإنسان في هذا العالم، تنتصب الطّبيعة ويظهر الكَوْن كمَطَلَّين لعظمة الخالق وجماله وحكمته ومحبّته لخليقته. لم يُوجِدِ اللهُ براياه إلّا للخير والصّلاح أي للحياة، الموت أدخله الإنسان إلى الوجود بسبب كبريائه. "هَلْ يُحْسَبُ الْجَابِلُ كَالطِّينِ، حَتَّى يَقُولُ الْمَصْنُوعُ عَنْ صَانِعِهِ: ’لَمْ يَصْنَعْنِي‘. أَوْ تَقُولُ الْجُبْلَةُ عَنْ جَابِلِهَا: ’لَمْ يَفْهَمْ‘؟" (إشعياء 29: 16). هنا تكمن مشكلة البشريّة مع الله، هذه مأساة كبرياء الإنسان. والكبرياء هو مولِّدُ الشَّرّ ومانعُ التّوبة وحاجزُ العداوة بين البشر أنفسهم وبينهم وبين الله. التّحدّي الّذي يواجهه المؤمن في كلّ حين هو بين أن يصنع أعمال الله أو أعمال إبليس... "مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ الْبَدْءِ يُخْطِئُ. لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ" (1 يوحنا 3: 8). من هو مع الله ينقض أعمال الشّيطان أي يصنع ضدّها، لأنّ الحرب قائمة في الإنسان وفي العالم بين أبناء الله والمعانِد وزبانيّته.

*          *          *

حين سُئِلَ الرَّبّ يسوع من اليهود: "مَاذَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْمَلَ أَعْمَالَ اللهِ؟" (يوحنا 6: 28) أجابهم: "هذَا هُوَ عَمَلُ اللهِ: أَنْ تُؤْمِنُوا بِالّذي هُوَ أَرْسَلَهُ" (يوحنا 6: 29). عمل الله، إذن، هو طاعة يسوع لأنّ الإيمان به يعني السّلوك بحسب وصاياه. وصايا يسوع هي وصايا الله نفسه لأنّه هو الله... وما هي وصيّة يسوع يا ترى؟ "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا" (يوحنا 13: 34). كيف نترجم هذه المحبّة؟ بأعمال المحبّة الّتي هي بذل الذّات لأجل الله والآخَر دون قيود أو شروط ودون مِنَّة على أحد، بل بالشّكر لله الّذي أعطانا أن نخدمه في الإنسان والكَوْن. أساس عمل المحبّة هذا هو قول الرَّبّ: "مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ، لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا" (لوقا 17: 10). فمتى عملنا وصيّة الله، نكون قد صنعنا عمل الله، وإذا صنعنا ما طلبه منّا الرَّبّ فلا فضل لنا في شيء، بل بالأحرى علينا أن نتواضع عالِمِينَ أنَّ عمل الله لا يكتمل بدون نعمته، فإذا لم تكن نعمته معنا فلن نستطيع أن نتمّم مشيئته، لأنّه هو قال: "بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا" (يوحنا 15: 5).

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، العالم يتخبَّط في صراع كيانيّ بين النّور والظّلمة بين الحقّ والباطل بين الخير والشَّرّ بين أبناء الله وأبناء إبليس. هذه الحرب نهايتها معروفة ومحسومة، لأنّ الله يغلب، ولكنّ غلبة الله يجب أن تصير أوّلًا فينا في عالمنا الدّاخليّ لتنتقل إلى العالم الخارجيّ. نحن المؤمنين غلبة الله في العالم، لأنّنا نحقِّق ملكوته أي سيادته فينا، ومن خلالنا تصير هذه الغلبة ظاهرة جليَّة حيث يشعُّ نور ألوهيّته منّا ليُنير ظلمة أبناء هذا الدّهر. فلنصنع أعمال الله في قلوبنا، أوَّلًا، أي فلتسكن كلمته في كياننا خبزًا يُشبِع توقنا إلى الحياة الأبديّة وماءً حيًّا يفيض جداول تعزية على العِطاشِ إلى البِرِّ. كم نحن بحاجة إلى من يصنعون أعمال الله في هذه الأيام، لأنّ بلادنا لن تقوم من خرابها المادّيّ ما لم يقم شعبها ومسؤولوها من خرابهم الرّوحيّ، "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ" (رومية 3: 23). بداية الطّريق ومنتصفه ونهايته هي التّوبة. بدون توبة لا خلاص، ومن لا يتوب لا يمكنه أن يصنع مشيئة الله القائل: "تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ" (متّى 3: 2). العالم بحاجة إلى التّوبة ليخلص من الشّرّ والظّلم والحقد والقتل والتَّدمير والفساد والسّرقة والحسد والكبرياء والزِّنى وعبادة المال والسُّلطة...

عمل الله أن نتوب!...

ومن له اذنان للسّمع فليسمع!...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

(طروبارية الأيقونة (باللَّحن الثَّانِي

لِصورَتِكَ الطّاهِرَةِ نَسجُدُ أَيُّها الصّالِحُ، طالِبينَ مَغفِرَةَ الخَطايا أَيُّها المَسيحُ إِلَهُنا. لأَنَّكَ بِمَشيئَتِكَ سُرِرتَ أَن تَصعَدَ بِالجَسَدِ عَلى الصَّليبِ، لِتُنَجِّيَ الَّذينَ خَلَقتَ مِن عُبوديَّةِ العَدوّ. لِذَلِكَ نَصرُخُ إلَيكَ بِشُكرٍ، لَقَد مَلأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخَلِّصَنا، إذ أَتَيتَ لِتُخَلِّصَ العالَم.

طروباريَّة رُقَاد السَّيِّدة (باللَّحن الأوَّل)

 في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتولِيَّة وصُنْتِهَا. وفي رُقَادِكِ ما أَهْمَلْتِ العالم وترَكْتِهِ يا والدةَ الإله. لأنَّكِ ﭐنْتَقَلْتِ إلى الحياة بما أَنَّكِ أُمُّ الحياة. فبِشفاعاتِكِ أَنْقِذِي من الموتِ نفوسَنَا.

قنداق رُقاد السَّيِّدَة (باللَّحن الثَّانِي)

 إنَّ والِدَةَ الإلهِ ﭐلَّتِي لا تَغْفَلُ في الشَّفاعَات، والرَّجَاءَ غيرَ المردُودِ في النَّجَدَات، لم يَضْبُطْهَا قَبْرٌ ولا مَوْتٌ، لكنْ بما أَنَّها أُمُّ الحياة، نَقَلَهَا إلى الحياة الَّذي حَلَّ في مُسْتَوْدَعِهَا الدَّائِم البَتُولِيَّة.

الرّسالة (1 كو 4: 9– 16)

لتكُنْ يا ربُّ رحمتُكَ علينا

ابتهجوا أيُّها الصدِّيقون بالرَّبّ

يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرُّسلَ آخِرِي النّاسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهدًا للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون ونحن مُهانُون. وإلى هذه السّاعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَهدُ فنحتمل، يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأخجِلَكُم أكتبُ هذا وإنَّما كأولاديَ الأحبَّاءِ أُنذِرُكم. لأنَّه، ولو كانَ لكم ربوةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح، ليسَ لكم آباءٌ كثيرون، لأنّي أنا وَلَدْتُكم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مُقتَدِينَ بي.

الإنجيل (مت 17: 14– 23)(متى 10)

في ذلك الزّمان دنا إلى يسوعَ إنسانٌ فجثا لهُ وقال: يا ربُّ ارحمِ ابني فإنَّهُ يُعذَّبُ في رؤوسِ الأهِلَّةِ ويتالَّم شديدًا لأنَّهُ يقعُ كثيرًا في النّار وكثيرًا في الماءِ، وقد قدَّمتُهُ لتلاميذِك فلم يستطيعوا أنْ يَشْفُوهُ. فأجاب يسوعُ وقال: أيُّها الجيلُ غَيرُ المؤمنِ الأعوجُ، إلى متى أَحتملكم؟ هلَّم بهِ إليَّ إلى ههنا. وانتهرهُ يسوعُ فخرجَ منهُ الشَّيطانُ وشُفيَ الغلامُ من تلكَ السَّاعة. حينئذٍ دنا التّلاميذُ إلى يسوعَ على انفرادٍ وقالوا: لماذا لم نستطِعْ نحن أنْ نُخْرِجَهُ؟ فقال لهم يسوع لِعَدمِ إيمانِكم. فإنّي الحقَّ أقولُ لكم: لو كانَ لكم إيمانٌ مثلُ حبَّةِ الخردلِ لكنتُم تقولون لهذا الجبلِ انتقِلْ من ههنا إلى هناك فينتقِلُ ولا يتعذَّرُ عليكم شيءٌ. وهذا الجِنس لا يخرجُ إلَّا بالصَّلاة والصَّوْم. وإذ كانوا يتردَّدون في الجليل قال لهم يسوع: إنَّ ابنَ البشر مُزمِعٌ أن يُسلَّمَ إلى أيدي النّاس فيقتلونهُ وفي اليوم الثّالث يقوم.

حول الرّسالة

"كأولادي الأحبّاء أنذركم".

يأتي سياق هذا الكلام من الرّسول بولس إلى كنيسة كورنثوس الّتي قضى سنةً ونَيِّف في تأسيسها، وقد أحبّها وتعب كثيرًا من أجل خلاصها.

فمدينة كورنثوس لكونها واقعة بين مرفأين قد نالت من الخيرات والازدهار ما لم تنله غيرها من المدن، كما أنّ شعبها برع بالعلوم والفلسفة، وقد شابهت كورنثوس المدن الكبرى في احتضانها للمعابد الوثنيّة فكان فيها اثني عشر معبدًا للآلهة وأشهر تلك الآلهة إلهة الحبّ "أفروديت" وأبولون واسكليبيوس وبهياكلها تمارس الدّعارة، كما أنَّ لكلُّ فردٍ  إلهه الخاصّ. فصارت هذه المدينة، بالتّالي، نموذجًا للمُمارسات اللّاأخلاقيّة للشّعب اليونانيّ.

وقد وصل لمَسمع الرّسول بولس أنَّ الجماعة المسيحيّة جنحت إلى تبنّي بعض هذه المُمارَسات فنشأت فيها التّحزّبات والمُمارَسات اللّاأخلاقيّة ودعاوى بين الإخوة باسم "الحرّيّة". كما أنّ التصاقهم بالفلسفات العقلانيّة الباطنيّة الوثنيّة (الغنوصيّة) الّتي لبست لباسًا مسيحيًّا لتُضيف إلى أوثانها وثنًا جديدًا، ظانّين أنّهم قد ملكوا حقًّا ملكوت السّماوات. بالإضافة إلى هذه الأمور كلِّها ، زادوا على ذلك نكرانهم لرسوليّة القدّيس لكونه لم يأخذ الرّسوليّة كباقي الرُّسل منذ الدّعوة الأولى. هذه، مجتمعةً، أدّت إلى انحراف البعض لكونهم بحسب الرّسول ما زالوا "أطفالًا في الإيمان". لذلك، كتب بولس هذه الرّسالة ووجهها إليهم ووعدهم بالمجيء لتنظيم أمورهم وللإجابة عن تساؤلاتهم.

في المقطع الّذي نحن بصدده، يتحدّث القدّيس بولس عن دوره كرسولٍ للمسيح يسوع، موضِحًا أنّ دوره كرسول للرَّبِّ يسوع يكمن في التّعب لِكَون المسؤوليّة المُلقاة على كاهله تتطلّب منه أن يحتمل المشقّات والإهانات والجوع والعطش والسّجن والاضطهاد من أجل خلاص أبنائه الّذين يلدهم بالإنجيل، وبهذا يكون فخره لا بل كيانه مُنتظرًا الخلاص في اليوم الّذي يُحدّده المسيح، مستخدمًا صورة رائعةً، صورة المُجالِد (Gladiator)، بقوله "كأنّنا محكوم علينا بالموت، لأنّنا صرنا منظرًا للعالم للملائكة وللنّاس". فالمُجالِد يدرك أنّه إن انتصر على عدوّه في الحلبة سيعود إلى سجنه بانتظار المعركة التّالية، وهكذا إلى أن يقضى عليه أو إذا قرّر الإمبراطور بناءً على طلب الشّعب أن يمنحه الحرّيّة والحياة.

بهذه الصّورة يقول لأبنائه، ولنا أيضًا، بصورة أبويّة وحازمة، أن على الأبناء أن يتمثّلوا بآبائهم، وهنا به، وأن يعلموا أنّ ملكوت الله يُعطى لمن يبقى أمينًا حتّى النّهاية للمسيح يسوع ولا يُعطى لمن يستهين ويتكاسل أو ينحرف، فما القوّة بالكلام وإنّما بتحقيق مشيئة الله في حياة كلّ مؤمن. الخطيئة حولنا، الشّرّير يتربَّص بنا كأسدٍ زائرٍ والخلافات تهدّد وحدتنا وعالم الشَّرّ يجتذبنا إليه منتحلًا أسماء متعدِّدة لاقتناصنا، وأمّا الغلبة فلمن يثبت إلى النّهاية في الإيمان العامل بالمحبّة. آمين.

المتروبوليت بولس (بندلي)(2)

أمّا في الرِّعاية، فهذا الانسحار ذاته جعلها حاضرة حيث حضر، بالمُثل الّتي تشعّ من حضوره وإن لم يتحرّك أو يتكلّم. مارَسَ الرِّعاية ليس بغاية أن نأتي بالنّاس إلى خدم الكنيسة وأصوامها وقوانينها، بل أن نأتي بالله إلى القلوب، قلب كلّ شخص وعائلة، لتتحرّك، بحرّيَّتها، نحو النّموّ في المحبّة الإلهيّة عبر التزام الحياة الكنسيّة بوجوهها كافّة. لذا، قدَّم المطران بولس اللهَ للنّاس بطراوَة الإنجيل. الله اللَّيِنّ والمحبّ والمتلّطِف بالضّعفات، الّذي لا يوبّخ ولا يَدين ويقبل الخطأة ويأتي إليهم حيث هم، والّذي يُولي اهتمامًا خاصًّا بكلّ شخص، وبهمومِ كلّ شخص. يُروى، في هذا السّياق، أنّه رافَق يومًا، خلال أيّام صومٍ، أعضاء فرقة يُرشدها إلى بيت إحدى عضواتها للاجتماع لديها. فصدف أن أعدّت المُضيفة قالبَ حلوى لمناسبة عيد ميلادها ساهيةً عن كون الفترة فترةَ صوم. ولمّا ساد الاحراج الجلسة بادر المطران بولس إلى أن يأكل، أوّلًا، من قالب الحلوى تعليمًا بأنّ الله "يريد رحمةً لا ذبيحة" وتثمينًا للمحبّة الّتي تَغلُب ولا تُغلَب. لذلك، نراه علّم بالأعمال وأسّس، بتعبِه وصبره وترحاله الدّائم بين جهة وأخرى، ورعيّة وأخرى، جسرًا عبرت عليه علاقةُ كثيرين بالله من حال الخوفِ من الاله الجبّار إلى حال محبّةِ، وعُشقِ، الإله المصلوب الفادي. هذا اللُّطف الإلهيّ، الّذي تجلّى في رعايته، ترافق، كذلك، وصورة الأب المُرشِد المُحتَجِب احترامًا لحريّة الأبناء بالنّموّ في المحبّة الإلهيّة. فكانَ خَفرُ حضوره، المؤثّر، في حياة أبنائه الرّوحييّن كخفرِ حضور الله، المؤثّر، في الكون. هذا لكونه كان راعيًا مُشبعًا بالرَّبّ لا يسأل لذاته شيئًا غير الخلاص، ولا يهتمّ بغير أن يذوق الأبناء، بحرّيّتهم، ما ذاقه هو من حلاوة سيّده، ولا يسعى إلى غير إرشادهم، إن شاؤوا، ومواكبتهم بالصّلاة، وإلى أن يفرح المساكين وينقص هو ليزيد المسيح.

في ذكرى رقاده الأربعين، خاطبه غبطة البطريرك يوحنّا العاشر (المتروبوليت حينها)  بكلامٍ معبّر عمّا به طُبِعَت مسيرة حياته، فقال:

”مُشتهاكَ كان أن نتذكّر  كلام الرَّبِّ يسوع: إنّ العطاء مغبوطٌ أكثر من الأخذ... نعم إنّ الّذين أحبّوكَ كثيرون وقد أعطَوكَ لحبّهم وثقتهم ذهبًا وفضّة. وأنت حوَّلتَ عطاءات محبّيك إلى طفلٍ أو يتيمٍ أو مريض أو حزين، أو إلى أعمال بناء مؤسّسات أو أعمال خيريّة أخرى كثيرة، فكَنزتَ بذلك لنفسكَ ولنفوس واهبيك ولنفوس الموهوبين كنوزًا في السّماء لا تفسد“.

انقر هنا لتحميل الملف