Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 15 آب 2021          

العدد 33

الأحد (8) بعد العنصرة

اللّحن 7- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *15: رقاد سيِّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *16: تذكار نقل المنديل الشَّريف من الرَّها، الشَّهيد ديوميدوس، القديس يوسف الهدوئي الآثوسي *17: الشَّهيد مِيرُن *18: تذكار الشَّهيدين فلورُس ولافْرُس، القدّيس أرسانيوس الجديد الَّذي من بارُوس *19: القدّيس أندراوس قائد الجيش والـ2593 المستشهدون معه *20: النَّبيُّ صموئيل *21: الرَّسول تدَّاوس، الشُّهداء باسي وأولادها.

كلمة الرّاعي 

رقاد وانتقال والدة الإله

”جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ“ (مز 45: 9)

نعيِّد في هذا اليوم، الواقع فيه الخامس عشر من شهر آب، لعيد رقاد وانتقاد والدة الإله إلى الأخدار السّماويّة بالنّفس والجسد. لا نعرف بالتّحديد متى بدأ الاحتفال بهذا العيد، لكنّنا نعلم بأنّه قبل العام 500 م. كان يُحتفل به في الأراضي المقدّسة في 28 آب، أمّا في مصر فبتاريخ 18 كانون الثّاني. انتقل هذا العيد إلى بلاد الغال في القرن الرّابع من مصر. وقد حُدِّد العيد في الثّامن والعشرين من آب على أيّام الاإمبراطور البيزنطيّ موريكيوس (حكم من 582 إلى 602 م.). وفي وقت لاحق، دخل الصّوم التّحضيريّ للعيد من 1 على 14 آب وصار يعيّد في 15 منه لرقاد وانتقال والدة الإله، وقد صدر قرار عن الإمبراطور أندرونيكوس الثّاني بليولوغوس يحدّد شهر آب كلّه لوالدة الإله.

*          *          *

بحسب التّقليد، أعلم الرّب يسوع والدته برقادها، بواسطة ملاك، قبل ثلاثة أيّام. فتوجّهت إلى جبل الزّيتون لتصلّي بحسب عادتها. فلمّا وصلت القمّة انحنت لها الأشجار. بعد ذلك، رجعت إلى بيتها أخبرت النّسوة اللّواتي أتين إليها بخبر رقادها وصعودها إلى السّماوات. واستودعتهنّ غصن نخيل، رمز الغلبة وعدم الفساد، الّذي زوّدها به الملاك. وطلبت إليهنّ ألّا يحزنّ ستبقى تَذُودُ عنهنّ وعن كلّ العالم، بِصَلاتِها. وفي حين رقادها، امتلأ البيت بالغمام، وأُحضر الرُّسُل من أطراف الأرض، ومعهم الرَّسُول بولس، أيضًا. وقيل أنّ حنّة، أم والدة الإله، مع أليصابات وإبراهيم وإسحق ويعقوب وداود كانوا حاضرين. وبحسب القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، حضر عدد من أنبياء العهد القديم. كما ورد بأنّ أساقفة قدّيسين نظير القدّيس إيروثيوس الأثينائي، وديونيسيوس الأريوباغي، وتيموثاوس الأفسسيّ، كانوا أيضًا حاضرين.

 الكنيسة كلّها، انوجدت، سرّيَّا، احتفاء بجنازة والدة الإله. أُودع جسد والدة الإله في قبر في بستان الجتثسمانيّة. هناك بقي الرُّسُل يصلُّون مع الملائكة لثلاثة أيّام، بحسب التَّقليد. لم يكن توما الرَّسُول معهم، بتدبيرٍ إلهيّ، وتاليًا لم يحضر الجنازة. وصل توما إلى الجثسمانيّة في اليوم الثّالث، وامتلأ حزنًا كبيرًا لكونه لم يرَ أمّ الحياة قبل رقادها. محبّته الكبير لها دفعته ليطلب أن يلقي نظرة أخيرة على والدة الإله الرّاقدة ليتبرّك منها. رضوخًا لإلحاحه قرّر الرُّسل فتح الرَّمْس ليتسنّى لتوما أن يُكرّم الجسد المقدّس. فلمّا رفعوا الحجر عن باب القبر لم يجدوا الجسد المطلوب. كان  الكفن الّذي لُفَّت به والدة الإله فقط هناك، وقد اتّخذ شكل الجسد. كان هذا دليلًا على انتقال والدة الإله إلى السّماء إلى جوار ابنها وإلهها.

*          *          *

ما هي أهميّة هذا العيد بالنّسبة لنا اليوم؟ لا شكّ، أنّ كلّ عيد هو مناسبة فرح. المهمّ أنْ نعرف ما هو مصدر الفرح في العيد. والدة الإله مريم هي شخص فريد في البشريّة جمعاء من بدئها إلى نهايتها، لم يكنْ ولن يكون مثلها أحد. لماذا؟ لأنّها حملت في أحشائها أقنوم ابن الله، الَّذي تجسَّد من الرُّوح القدس ومنها، وتأنّس أي شاركنا ببشريّتنا كاملةً ما خَلا الخطيئة. لهذا السّبب صارت مريم والدة الإله، هي ليست أمّ يسوع الإنسان فقط، بل الإله-الإنسان. من هنا يأتي سرُّها في الله ومكانتها أمام الله والنّاس. هي لم تعد كباقي النّاس، مع أنّها منهم ومثلهم، لكنّها صارت مسكن الله ”حرفيًّا“.

قداسة مريم فائقة على كلّ القديسين، لا أحد منهم مثلها. ولكنّها لكونها إنسانة مثلنا، تعرف حالتنا البشريّة وتتحنّن علينا، ليس لذلك فقط ولكن بالأكثر لكونها صارت أمّ البشريّة والكون بولادتها لابن الله المتجسِّد.

*          *          *

شفاعة مريم ”الحارَّة“، لا تُحدّ عند الله، لذلك فهي ”ملجأنا بعد الله“، كأمّ لنا وله، و ”طلبتها لا تُردّ“، والرَّبّ بشفاعاتها يخلّصنا كونها ”لا تكفّ عن الابتهال إليه لأجلنا“. مريم ترافقنا بشفاعاتها وتسير معنا إلى أمام عرش العليّ لتطلب من أجلنا أن يسمع الرَّبّ صلواتنا ويغفر ذنوبنا وخطايانا ويهبنا القوّة لمواجهة أرواح الشّرّ وتجارب إبليس باستعطافها إيّاه من أجلنا كونه لديها ”الدّالّة الوالديّة“ عليه.

مريم حضن يعزّينا بحنانه، كونها تحملنا كما حملت ابنها وإلهها، لترفعنا نحوه بشفاعاتها فيحرِّرنا ويشفينا ويهبنا ذاته. أن نلجأ إلى مريم هو أن نطلب يسوع ربًّا ومخلّصًا لنا، لأنّها دائمًا ترشدنا إليه وتوصينا قائلة: ”مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ“(يو 2: 5)، ونحن علينا أن نطيعها لأنّها كانت لنا نموذجًا في طاعته لمّا قالت لجبرائيل: ”هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ“ (لو 1: 38).

لهذا كلّه، صارت مريم ”أسمى من كلّ المخلوقات“، ومن حملت الحياة في أحشائها نقلها  ابنها، بالجسد، إلى الحياة الأبديّة وإلى ملكوت السّماوات. مريم صارت أوّل إنسان، بعد الرّبّ يسوع المسيح، يقوم بالجسد، ويسكن ملكوت الدّهر الآتي. لذلك، هي خارج الدّينونة العامّة لأنّها أُقيمت بالجسد، وها هي عن يمين ابنها في ملكوته.

*          *          *

أيّها الأحبّاء، فلنهتف نحو والدة الإله بهذه التّرنيمة الرّائعة قائلين لها: ”جميعُ الأجيالِ تغبِّطُكِ يا والدةَ الإله وحدها. أيَّتها البتول الطّاهرة إنّ حدودَ الطّبيعة قد غُلِبَت فيكِ، لأنّ المولدَ بتوليّ والموتَ قد صارَ عربونًا للحياة. فيا من هي بعدَ الولادةِ بتول وبعدَ الموتِ حيَّة يا والدةَ الإله أنتِ تخلِّصين ميراثك دائماً“ (تاسعة العيد)، فلا تزالي متشفّعةً من أجل العالم لإبعاد الأوبئة والأمراض الرّوحيّة والجسديّة، ولشفاء المرضى وتعزية المتألّمين وانصاف المظلومين، ولقيامة هذا البلد من موته الرّوحيّ ليعود وطن رسالة الحبّ والحياة الّتي في الحقّ... وتشفّعي إلى الرّبّ من أجل المسيحيِّين ليرجعوا إلى الله بالتّوبة ويصلحوا طرقهم بحسب كلمة ابنك وإلهك وإلهنا القائل: ”وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ“ (يو 8: 32).

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)

حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة عيد رقاد السّيّدة (باللحن الأوّل)

في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتوليَّةَ وصُنتِها، وفي رُقادِكِ ما أهْمَلْتِ العالم وتركتِهِ يا والدةَ الإلَه، لأنّك انتقلْتِ إلى الحياة، بما أنَّكِ أمُّ الحياة، فبِشفاعاتِكِ أنقذي من الموت نفوسَنا.

قنداق عيد رقاد السّيّدة (باللّحن الثّاني)

إنّ والدةَ الإله الّتي لا تَغْفَلُ في الشَّفاعات، والرّجاءَ غير المَردُود في النَّجدات، لم يَضبطْها قبرٌ ولا مَوْت. لكن بما أنّها أمّ الحياة نقلها إلى الحياة الّذي حَلَّ في مُستودَعِها الدّائمِ البتوليّة.

الرّسالة (في 2: 5-11)

تعظّمُ نفسي الرَّبَّ            

لأنَّه نظَرَ إلى تواضُعِ أمَتهِ

 يا إخوةُ، ليكُنْ فيكُمُ الفكرُ الّذي في المسيحِ يسوعَ أيضًا، الّذي إذ هُوَ في صورةِ اللهِ لم يكُنْ يعتَدُّ مساواتَهُ للهِ اختلاسًا، لكنَّهُ أخلى ذاتَهُ آخِذًا صورَةَ عبدٍ صائرًا في شبهِ البشَرِ وموجودًا كبشرٍ في الهيئة، فوضَع نفسَهُ وصارَ يُطيعُ حتىَّ الموتِ موتِ الصَّليب، فلذلكَ رَفَعَهُ اللهُ ووهبَهُ اسمًا يفوقُ كلَّ اسمِ، لكي تجثُوَ باسمِ يسوعَ كلُّ رُكبةٍ ممَّا في السّماواتِ وما على الأرضِ وما تحتَ الأرض، ويعترفَ كلُّ لسانٍ أنَّ يسوعَ المسيحَ ربٌّ لمجدِ الله الآب.

الإنجيل (لوقا 10: 38-42، 11: 27-28)

في ذلك الزّمان، دخل يسوعُ قريةً فقبِلَتْهُ امرأةٌ اسمُها مرتا في بيتها، وكانت لهذه أختٌ تُسمَّى مريم. فجلست هذه عند قَدَمَيْ يسوعَ تسمع كلامهُ، وكانت مرتا مرتبكةً في خدمةٍ كثيرة. فوقفت وقالت: يا ربُّ أمَا يَعنيك أنَّ أختي قد تركتني أخدُمُ وَحْدي؟ فقلْ لها أن تُساعِدَني. فأجاب يسوعُ وقال لها: مرتا مرتا إنَّكِ مهتمَّةٌ ومضطربةٌ في أمورٍ كثيرة، وانَّما الحاجةُ إلى واحدٍ. فاختارت مريمُ النَّصيبَ الصّالِحَ الّذي لا يُنزعُ منها. وفيما هو يتكلّم بهذا رفعَتِ امرأةٌ من الجمع صوتَها وقالت لهُ: طوبى للبطنِ الّذي حَمَلَكَ والثَدْيَينِ اللَّذَينِ رضعتَهما. فقال بل طوبى للَّذِينَ يسمعونَ كلمةَ الله ويحفظونها.

حول الرّسالة

الفكر الّذي يشير إليه بولس الرَّسول هو فكر التّواضع والانسحاق ونُكران الّذات الّذي بان بوضوح في حياة الرَّبّ يسوع وهذا ما يجب أن نتعلَّمَه منه مُقْتَدين به. السَّيّد المسيح له نفس جوهر الآب. وهذه الصُّورَة الجوهريّة الإلهيّة هي في كَيانِهِ ولم يخطفها أو يسلبها. أمّا إخلاؤه لذاته وإخفاء مجده فكانا بإرادته، طوعيًّا، بسبب التّجسُّد وأخذه صورة العبد لكي يرتفع على الصَّليب ويُقدِّم الفِداء للبشـر. اتّخاذ المسيح للطّبيعة البشريّة كان تتميمًا للمشيئة الإلهيّة وطاعةً لها حتّى آخر الحدود بسبب عمل الفِداء والخَلاص. لكن مقابل اتّضاعه هذا رفعه الله إلى المجد الفائق إذ أصعده إلى السّماء وأجلسه في قُوَّتِهِ (عن يمينه).

معنى كلمة يسوع "يهوه يخلّص". ويهوه هو اسم الجلالة القدسيّة العظمى بين جميع الأسماء، الأمر الّذي يُوجب على كلِّ الخلائق السّماويّة والأرضيّة وما تحت الأرض تقديم السُّجود والعِبادة له وحده.

أخي القارئ: لكي يكون لك مجدٌ في السَّماء يلزمك أن تتّضع عند أقدام الكُلّ كما اتّضع معلّمك المسيح قبلًا ثمّ صَعِدَ إلى مَجدِهِ في السّماء. فَحِـيـن تتّضع لدى أقدام النّاس ستجد المسيح بجوارك يغسل هذه الأقدام فتشعر بمَعِيَّتِهِ وتفرح بحضوره.

"كونوا رجالاً في المسيح تقوَّوا"

اِسهروا اثبتوا في الإيمان. رسالة بولس كـانت موجَّهة إلى كـلِّ الكنيسة برجالها ونسائها وصغارها. فالمعنى المقصود، إذًا، يتجاوز الرّجولة الجسديّة والأخلاقيّة إلى الرّجولة الرّوحيّة بِسِماتِها المسيحيّة. فالرّجولة تتراجع مع الوقت والعمر والمرض والشّيخوخة، لذا لم يعتمد بولس هذا النّوع من الرّجولة لتحفيز المؤمنين على الثّبات في الإيمان. ولو اعتمد بولس هذا النّوع من الرّجولة لما استحق الموضوع أيّة أهميّة.

كما لا يتكلّم بولس عن الرُّجولة الأخلاقيّة، والّتي تُكتَسَب بالتّربية والتّعليم ومـن خـلال القدوة والمثل الصّالح، كالجدّيَّـة والنّجدة والمؤازرة وحماية الضّعيف والدّفاع عن حقوقه، وشجاعة الاعتذار عند الخطأ، والثّبات في المِحَن. لأنّ هذا النّوع من الرّجولة ضروريّة من النّاحية الإنسانيّة العامّة، ولكنّها لا تكفي وحدها للخلاص الّذي أتى من أجله يسوع.

فالرّجولة الرّوحيّة هي نعمة للّذين يعيشون بالإيمان ويطلبونها من إلهنا الغَنيّ الكلّيّ الصّلاح، فيُضيء فيهم شخص المسيح ويهبهم حيويّة وتألُّقًا، ويُعطَوْن القدرة على ضبط النَّفس وقَمْع الجسد والأهواء والجهاد ضدّ الخطيـة، كما وعيش حياة التّوبة بغير تحفُّظ، والتّحرُّر من الخوف، والأمانة للمسيح حتّى الموت، والشّهادة للحـقِّ الإلهيّ، والصَّلابَـة أمام الإغـراء والوعيد الدُّنيَويَّيْن، والصّمود أمـام التّجارب والشّدائد، وحَمْل الصّليب واحتمال الآلام من أجل الإيمـان، والاستقامة وعـدم التّردُّد، والقناعة بالقليل وعـدم الشّكوى والتّذمُّر، وعـدم الانحسار في الحزن والهَمِّ، والتّحرُّر من محبّة المال، والتّسامُح والغفران، والتَّعفُّف عن الانتقام.

الرُّجـولة الرُّوحيـّة بهذه المعاني هي، إذًا، ليست للرِّجال والشَّباب وحدهم، وإنّما هي للرِّجال والنِّساء، كبارًا وصغارًا؛ يشتركون في احتمال المشقَّات كجنودٍ صالحين ليسوع المسيح (٢ تيموثاوس ٢ : ٣).

ووصيّة القدّيس بولس هذه، تجد صَداها في كلمات الرَّبِّ عن الحياة المَسيحيَّة الّتي دعا إليها، إنّها ليست نُزهة وإنّما هي عَيْشٌ روحيّ بواسطة النّعمة، وعبَّر عنها الرَّبُّ بالدّخول من الباب الضَّيِّق إلى الطَّريق الكَرِب المؤدِّي وحـده إلى الحياة الأبديّة (متى ٧: ١٣، ١٤؛ لوقا ١٣: ٢٤)، وأنَّ ”ملكوت السّـمَوات يُغصَـب، والغاصبون يختطفونـه“ (متّى١١ : ١٢).

نختم بكلمة لصاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر في إحدى عظاته عن الصّوم بقوله: "الصَّوم بَدُّو رجال". بهذا المعنى الرُّوحيّ تندرج كلمة "رجال"، بِمَعنى عدم المُيوعَة والتَّراخي بل بالإصرار والعَزْم.

العثرات

المتروبوليت جاورجيوس (خضر)

«إذا كانت عينك اليُمنى سبب عثرة لك، فاقلعها وألقها عنك» (متّى ٥: ٢٩). أي إذا كانت سببًا للشّهوة المُحرَّمَة وصدمًا للنّاس و«شبكة وفخًّا» كما يقول أشعياء فأزل هذا السّبب. وفي تعبير أقسى يقول المعلّم: «وأمّا الذي يكون حجر عثرة لأحد هؤلاء الصّغار المؤمنين بي فأولى به أن تعلّق الرّحى في عنقه ويُلقى في عرض البحر. الوَيْل للعالم من أسباب العثرات» (متّى ١٨: ٦ و٧).

كلّ خطيئة سبب صدم للآخرين إذا عُرفت. وفي الإجمال «ليس خفيّ إلّا ويُظهَر». ذلك بأنّنا مسؤولون عن بقاء الآخَرين في طهارتهم. وقد يقعون إن نحن أذنبنا. فالنّاس يتأدّبون بالنّاس ويسقطون إذا سقطوا. هذه قاعدة التّماسك. والكبار فينا أشدّ إعثارًا من سواهم لأنّ النّاس يأخذون عنهم القدوة الصّالحة. أمّا إذا ساءت القدوة فينهار الكثيرون.

ماذا في أوساطنا؟ كثيرًا ما نرى النّاس يألفون خطايا المسؤولين. يقولون: هذا بشر. أنا لا أعرف الكثيرين ينجرحون من ارتكاب الآثام. يجدون لها معذرة. على سبيل المثال لا تزعجهم سرقة. ولكن يزعج السّارقَ أن يُكشَف لأنّ المهمّ عندهم أن يحافظ الإنسان على صيته وليس مهمًّا كثيرًا أن يرتكب. لسان حالهم: «إذا بُليتم بالمعاصي فاستتروا». وبالعامّيّة «بدنا السِّترة». الإنسان عندنا هاجسه أن ينوجد في أعين النّاس وليس هاجسه أن يعرفه الله. ليس قائما في حضرة الرَّبّ. الصّيت الحسن أهمّ من الكيان الحسن. أن أكون مهترئًا لا يقلقني. أقلق إذا عرف النّاس اهترائي.

قال الرَّبّ: «ويل لمن تأتي عن يده العثرات» أي أسباب الجرح. ما قال: الويل لمن ذاع سرّه. حُزن المؤمن ليس في أنّ الخبر السّيّئ شاع. الحزن بأنّ الخطيئة ارتكبت. الجرح فـي جسد المسيح أنّ أحد أعضائه قد فسد. إذ ذاك، تتألّم الأعضاء كلّها. إنّ من ارتكب «يشرشح» نفسه فقط. الكتاب يقول: «اعزلوا الخبيث من بينكم» (١كورنثوس ٥: ١٣). ونحن نريد أن نخفي الخبث.

الاتّفاق أن أخفي شرَّك لتخفي أنت شرّي. والرَّبّ يريدني أن أكشف لك شرّك وأن تكشف لي شرّي. طبعًا، لا تجوز النَّميمة وواجب كلّ منّا أن يستر خطايا الآخرين، ولكن إن عُرفت فالصّيت السّيّئ يلحق صاحبه ولا «يتبهدل» أحد سواه، وهذا ما لا نستحبّه له. ولكن ما نكرهه أوّلًا هو أن تتمّ الخطيئة وما نتمنّاه أن يتوب صاحبها عنها. الويل إذا سكت المسؤول عن خطايا من كان مسؤولًا عنهم لأنّه يطلب منه ردّ الضّالّ عن ضلاله.

المطلوب أن ننبّه ونلوم ونردع ما أمكن الرّدع وأن نؤدّب بالقوانين الكنسيّة والقوانين المدنيّة، إذا لم يكن محيد عنها في سبيل عودة الخاطئ. نحن لا نحبّ أحدًا في خطيئته. حبّنا للخاطئ أن نؤدّبه بالكلام الوديع وكثيرًا ما تتطلّب الوداعة شدّة في التّوبيخ. إنّ تصديق المسؤول لكلّ النّاس غباء. السّهر يستدعي المراقبة والمراقبة تستدعي الشّكّ في بعض الأحوال. والشّكّ بدوره يدعونا إلى تشديد المراقبة. الدّفاع عن صيت كلّ النّاس مؤامرة على الفضيلة، والكنيسة تحالف الله ولا تحالف ناسًا أيًّا كانوا. الفضيلة تتطلّب قطع الغصن الفاسد من الشّجرة لتسلم الشّجرة كلّها وتعود أكثر خصبًا وأعظم مناعة.

انقر هنا لتحميل الملف