Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 14 تشرين الثّاني 2021      

العدد 46

الأحد (21) بعد العنصرة

اللّحن 4- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *14: الرّسول فيليبس، غريغوريوس بالاماس *15: بدء صوم الميلاد،  الشّهداء غورياس وصاموناس وأفيفس *16: الرّسول متّى الإنجيليّ *17: غريغوريوس العجائبيّ أسقف قيصريّة الجديدة *18: الشّهيدان بلاطن ورومانس *19: النّبيّ عوبديا، الشّهيد برلعام *20: تقدمة عيد الدّخول (دخول السّيّدة إلى الهيكل)، القدّيس غريغوريوس البانياسي، القدّيس بروكلس بطريرك القسطنطينيّة.

كلمة الرّاعي

أن نصوم لِنَحيا

ماهيّة الصّوم

يصوم الإنسان عن نفسه ليتحرَّر من تمحوره حول ذاته ويتخطَّى محدوديّة الحاجة الَّتي يعيش فيها ليتفرَّغ لملاقاة الله. الصَّوْم ليس انقطاعًا عن الطّعام لفترة من الزَّمن أو عن أنواع من الأكل بل هو مسيرة عشق يتكرَّس فيها الإنسان في طلب المعشوق الإلهيّ.

تـــــــــحــــــضّـــــــــرنــــا الكـــنيسة، دومًا، للأحـــــــداث الخـــــــــلاصيّة بالأصوام لكي تنقلنا بالانقطاع عن العالم إلى عيشه كعبور وفصح نحو الأبديّة. إذ دخل الرّبّ تاريخنا صار التّاريخ مسيرة نحو الدّهر الآتي الَّذي نلجه بالمسيح ”الباب“ (يو 10: 9).

ليس الصّوم، إذًا، غاية بحدّ ذاته بل هو عربون محبّة لله وتاليًا خدمة بذل وعطاء للقريب. ليس المطلوب أن نقدِّم أمورًا وأشياء بل أن نقدَّم حياتنا ”ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ“ (رو 12: 1).

*          *          *

زمان تَحديد الصّيام بشكله الحاليّ

نستدلّ من رسالة تعود إلى القرن الثّاني عشــر للبطريرك الأنطاكيّ ثيودوروس بلسامون القانونيّ الكبير في ذلك الزّمان، أنّ الصّيام كانت مدّته سبعة أيّام قبل عيد الميلاد، إذ يستعمل في وصفه تعبير السُّباعِيّ الأيّام "Heptaemeros-Ἑπταήμερος". أمّا أوّل إشارة واضحة لصوم الميلاد مدّة أربعين يومًا فتعود إلى القرار الصّادر عن مجمع القسطنطينيّة المُقدّس المنعقد عام 1166 م. حيث يحدِّد مدّة الصّوم بـ "أربعين يومًا" تحضيرًا لعيد الميلاد. يفسّر القدّيس سمعان التّسالونيكيّ (1381– 1429 م.) غاية هذا الصّوم قائلًا: ”إنّ موسى بعدما صام أربعين يومًا وأربعين ليلة، تلقّى الوصايا الإلهيّة مكتوبة على لوحَين من حجر. أمّا نحن، فبِصَوْمنا أربعين يومًا سنتلقّى "كلمة الله الحيّة" غير المكتوبة على ألواح حجريّة، بل المتجسّدة والمولودة من مريم العذراء، وسنتشارك جسده الإلهيّ“.

يبتدئ صوم الميلاد في 15 تشرين الثّاني  ويستمرّ إلى بعد قدّاس عيد الميلاد في 25 كانون الأوّل. نصوم عن تناول الزَّفرَين أي اللّحوم والمنتجات الحيوانيّة. يُسمح بتناول السّمك وثمار البحر كلّ ايّام الأسبوع ما عدا يومي الأربعاء والجمعة. يُعمل بهذا النّظام حتّى  عيد القدّيس سبيريدون العجائبيّ في  12 كانون الأوّل. ومن 12 كانون الأوّل الى 24 كانون الأوّل ضمنًا، نصوم عن اللّحوم والألبان والأجبان والبيض والسّمك. في يوم بارامون عيد الميلاد (24 كانون الأوّل) نصوم صومًا انقطاعيًا عن كلّ مأكل ومشرب إلى حين موعد القدّاس الإلهيّ المُقام في هذا اليوم، وبعد المناولة الإلهيّة نتناول طعامًا صياميًّا.

*          *          *

لا حياة في الله بدون صوم

طالما يظنّ الإنسان أنّ حياته مستمرّة وقائمة بسبب المأكل والمشرب والمُقتَنى فهو ما زال جاهلًا لمعنى حياته. الصّوم هو فرصة ليتعلّم الإنسان أنّه ليس ما يأكل وما يقتني بل أنّ لوجوده بُعدًا جوهريًّا هو أساس ومعنى حياته وهو البُعد الأُخرويّ (eschatologique). يُلامس الإنسان هذا البُعد من كيانه عبر الصّوم الَّذي يُدخله في خبرة الموت الطّوعيّ عن العالم عبر الانقطاع الإراديّ عن مصادر حياته أي حاجاته البيولوجيّة. هذه الخبرة ضروريّة لكلّ إنسان ليُدرك أنّه أبعدُ من جسد وأكثر من مادّة، وليدخُل عبر هذه الخبرة في طلب الوجود الحقيقيّ أي مصدر الوجود: الله.

هكذا، خبرة الجوع الجسديّ تُفتِّق في القلب جوعَه إلى الله لأنّه يُدرك أنّ الفرح والسّلام والرّاحة لا تتأتّى إلّا من هذا الحضور الإلهيّ غير المخلوق للنّعمة حين يبحث الإنسان عن المعطي ولا يتلهَّى بالعطيَّة. هذه خبرة الكنيسة الّتي عاشها القدّيسون. في هذا الإطار يقول القدّيس سلوان الآثوسيّ: ”تتوقُ روحي إلى الله، ولا شيء على الأرض يمكن أن يفرِّحني، ولا يمكن لروحي أن ترتاح في أيّ شيء، بل تتوقُ مرَّةً أُخرى لرؤية الرّبّ لكي يَسُدَّ جوعَها“.

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، هوذا زمن مبارك هوذا زمن فرح. كلّما اقترب زمان العرس كلّما ابتهجت العروس وتشوَّقت للقاء ختنها. إنّ صومنا، بهذا المعنى، هو عمل مفرح رغم تعبه وجهده لأنّ غايته اللُّقيا مع الحبيب والاتّحاد به. هكذا، الصّوم للجسد متعب أمّا للرّوح فمنعش، وكلّما ازداد تعبه كلّما ازداد فرحه إذ تتحضَّـر النّفس لاستقبال عريسها بأبهى حلَّة. وكلّما اقترب موعد العرس كلّما ازداد الشّوق ولم يعد أمام النّفس هدف سوى أن ترى عريسها.

فليكن هذا الصّيام لنا زمن تجدِّد ”لمحبّتنا الأولى“ (راجع رؤ 2: 4). فَلْنَدْخُلْهُ بكلّ همّة ونشاط في الرّوح مُكَثِّفِينَ صلواتنا وقراءاتنا للكلمة الإلهيّة وآباء الكنيسة، مستبدلين جوعًا بجوع وعشقًا بعشق لنطلب المسيح في كلّ حين وفي كلّ إنسان وفي كلّ خدمة. فلنُشْبِعْ يسوع فينا بابتعادنا عن ما لنا منّا وفينا لنطلب ما له منه وفينا، فنمتدَّ نحوه في الآخَر معبِّرين له عن حبّنا وشوقنا بعطاء الذّات باحتضان المتألّم بالتعزية ومشاركة المحتاج بالخيرات. هكذا نكون قد دخلنا في سرّ الأبديّة أي في سرّ الشركة الإلهيّة بالمحبّة التّجسُّديّة...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة القدّيس فيليبّس الرّسول (باللّحن الثّالث)

أيّها الرَّسولُ القدّيسُ فيليبُّس، تشفّع إلى الإله الرَّحيم، أن يُنعِمَ بغُفران الزّلات لنفوسنا.

قنداق دخول السّيّدة إلى الهيكل (باللّحن الرّابع)

إنَّ الهيكلَ الكُلِّيُّ النّقاوَة، هيكلَ المُخلِّصِ، البتولَ الخدرَ الجزيلَ الثَّمَن، والكنزَ الطّاهرَ لمجدِ الله، اليومَ تَدخُلُ إلى بيتِ الرَّبّ، وتُدخِلُ معها النّعمةَ الّتي بالرُّوحِ الإلهيّ، فلتُسَبِّحْهَا ملائكةُ الله، لأنّها هي المظلّةُ السّماويّة.

الرّسالة (1 كو 4: 9– 16)

إلى كلِّ الأرضِ خَرَجَ صَوْتُهُ

السّماواتُ تُذيعُ مَجْدَ الله

فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ. نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ. لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ. لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي.

الإنجيل (لو 10: 25– 37)(لوقا 8)

في ذلك الزّمان دنا إلى يسوعَ ناموسيٌّ، وقال مُجَرِّبًا لَهُ: يا مُعَلِّم، ماذا أَعمَلُ لِأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيّة؟ فقال لَهُ: ماذا كُتِبَ في النّاموس؟ كيف تقرأ؟ فأَجابَ وقال: أَحْبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ مِن كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدرتِكَ وَمِن كُلِّ ذِهْنِكَ، وَقَرِيبَكَ كَنَفْسِك. فقالَ لَهُ: بِالصَّوابِ أَجَبْتَ، اِعْمَلْ ذلك فَتَحيا. فأَرادَ أنْ يُزَكِّيَ نَفسَهُ، فقال لِيَسُوعَ: وَمَنْ قَريبي؟ فَعادَ يَسُوعُ وَقال: كان إنسانٌ مُنحَدِرًا مِن أُورَشليمَ إلى أَريحا، فَوَقَعَ بَينَ لُصُوصٍ فَعرَّوهُ وَجَرَّحُوهُ وَتَركُوهُ بَينَ حَيٍّ وَمَيت. فَاتَّفقَ أنَّ كاهِنًا  كان مُنحَدِرًا في ذلك الطّريق، فَأَبصرَهُ وَجازَ مِن أَمامِه، وَكذلك لاوِيٌّ وَأَتى إلى المكانِ فَأَبصرَهُ وَجازَ مِن أمامِه. ثُمَّ إنَّ سامِريًّا مُسافِرًا مَرَّ بهِ، فَلمّا رآهُ تَحَنَّنَ فَدَنا إليهِ وَضَمَّدَ جِراحاتِه وَصَبَّ عَلَيها زَيتًا وَخَمْرًا، وَحَمَلَهُ على دابَّتِه، وَأتى بهِ إلى فُندُقٍ، وَاعْتَنى بِأَمرِه. وفي الغَدِ، فِيما هو خارجٌ، أَخرَجَ دِينارَينِ وَأعطاهُما لِصاحِبِ الفُندُق، وقالَ لَهُ اعْتَنِ بِأَمْرهِ. وَمَهما تُنفِقْ فَوقَ هذا فأنا أَدفَعُهُ لَكَ عند عَودَتي. فأيُّ هؤلاءِ الثلاثةِ تَحْسَبُ صارَ قَريبًا لِلّذِي وَقَعَ بَينَ اللُّصُوص؟ قال: الّذي صَنَعَ إلَيهِ الرّحمة. فقال لَهُ يَسُوع: امْضِ فَاصْنَعْ أنتَ أيضًا كذلك.

حول الإنجيل

من قريبي؟

رتَّبتْ كنيستُنا المقدَّسة أن يُتلى في هذا اليوم مَثَلُ السَّامريّ الشّفوق، الّذي رواه الرَّبُّ يسوع جوابًا لسؤالِ النَّاموسيِّ لهُ "مَنْ قَريبي؟".

أرادَ الرَّبُّ أن يُبَيِّنَ لنا أنَّ قريبنا هو كلّ إنسان، مهما كان عرقه أو انتماؤه...

علاقَةُ الإنسانِ بالآخَرين تُشَكِّلُ مسيرةَ حياته، إذ إِنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ العيشَ بِمَعزلٍ عن الآخرين. بل يعيشُ من خلالِ علاقاتٍ مشتركة متبادلة متنوِّعة.

في هذا المثل أربعة أنواع من العلاقات، نمرُّ بما يشابهها خلال مسيرةِ حياتِنا:

علاقة اللّصوص بالضَّحيّة: وهي علاقةٌ تقومُ على أنانيَّة الطَّرف الأوّل. فاللُّصوص اعتبروا أنَّ هذا الإنسان هو "غنيمة" فقط، مجرِّدين إيَّاه من إنسانيَّته ومن كونِهِ على صورةِ الله "عرُّوه وجرحوه وتركوه بينَ حيٍّ وميت".

علاقة الكاهن واللّاوي مع ذلك الإنسان "أبصرهُ وجازَ من أمامه": هذه علاقة ليست أفضل من سابقتها بكثير. فيها انتهاكٌ لوصيَّة الرَّبّ يسوع "كونوا رُحماءَ كما أنَّ أباكُم أيضًا رحيم" (لو 6: 36).

علاقة صاحب الفندق بالمجرَّح: قد تبدو أنَّها علاقة قائمة على الرَّحمة، كَوْن صاحب الفندق قَبِلَ ذلك الإنسان عنده وقرَّر العناية به. لكن بالحقيقةِ أنَّه فعلَ ذلكَ رغبةً بمزيدٍ من الرِّبحِ الماديّ. فذلك الإنسان بنظره كان "صفقة" رابحة.

علاقة السَّامريّ بالضَّحيّة وهي أسمى علاقة من كلّ ما سبق. وفيها نقد لبعض الاعتقادات السّائدة في مجتمعاتنا أنّ "قريبنا" هو من تربطنا معه صلة الدَّم أو غيرها من روابط الانتماء كالعرق والدِّين...

قد لا نجد أفضل من "الرّحمة" عنوانًا لهذه العلاقة الإنسانيَّة السَّامية. ويسوعُ نفسُه شهدَ أنَّ الرَّحمة هي "أثقل النَّاموس" (متى 23: 23).

رحمةُ الآخرين قد تكون لأمورٍ ماديَّة -وهذا حَسن- وقد تكون رحمةً روحيَّة، كرحمةِ "الخاطئين". قد يلفت انتباهنا في النّص أنَّ السَّامريّ دنا إلى ذلك الإنسان "وضمَّدَ جراحاته وصبَّ عليها زيتًا وخمرًا"، أي ضمَّدها ثمَّ عقَّمها. وقد يبدو هذا التّصرُّف غريبًا، فالتَّعقيم يأتي أوَّلًا من ثمَّ تضميد الجراح. لعلَّ الرَّبَّ أراد أن يقول لنا استروا خطايا بعضكم أوَّلًا، ثمّ ساعدوا في الشِّفاء منها.

اليوم تدعونا الكنيسة أن نقفَ وقفةً صادِقَةً مع أنفسنا. هل نحنُ على مثالِ السَّامريّ الرَّحيمِ نرى نفوسًا كثيرةً مجرَّحةً فنهرَعُ إليها رحمةً وعطفًا!!

فَلْنَسعَ لنبني علاقةً بالآخرين كمثل علاقة السَّامريّ، ولنذكر دومًا وصيَّة الرَّبّ "اصنع أنتَ أيضًا كذلك". آمين.

سمات الإنسان المسيحيّ

لغويًّا، مصطلح "مسيحيّ" هي صفة من كلمة "المسيح". تاليًا، إذا أردنا الكلام عن سمات المسيحيّ لا يمكننا سوى العودة إلى الأصل: المسيح. في المسيحيّة لا نقبل بالقول: الطَّبع غلب التَّطبُّع. فالمسيحيّ يتطبّع بصفات المسيح وإلّا لا يكون مسيحيًّا. مِنْ هنا ننطلق إلى الحديث عن "سمات المسيحيّ". فالمسيح هو إلهٌ تجسّد وصار إنسانًا، ومن أراد أن يمشي وراءه عليه أن يشابهه ولكن بطريقة معكوسة، أي أنّ المؤمن بالمسيح هو إنسان ولكنّه يتألّه أو يتقدّس ليصبح مثل إلهه. هذا عبّر عنه آباء الكنيسة بقولهم: صار الله إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا، كما يذكر الرَّسول بطرس في رسالته الثّانية: "لكي تصيروا بها شركاء الطّبيعة الإلهيّة" (2 بطرس 1: 4). فالعاشق يتطبّع بصفات المعشوق. ومِنْ عُشق الله إلهيًّا يُصبح.

هذا المفهوم للعمل الخلاصيّ له نتائجه في الحياة في المسيح. المؤمن تظهر فيه سمات الإنسان المدعو إلى التألّه. ومتى أدرك المؤمن هذا الموضوع، أي عاشه بعمق كيانه، عندها تصبح سماتُ المسيحيّ سماتٍ فوق العالميّة، إذا جاز التّعبير، أي تصبح أخلاقه مختلفة عن الأخلاق الاجتماعيّة المألوفة وتصير أطهر وأسمى. فالرّبّ نفسه يحكم روابط تصرّف المؤمن مع غيره من البشر، لا الرّوابط الاجتماعيّة أو العرقيّة أو الاقتصاديّة إلخ. فالعلاقات الّتي يقيمها المسيحيّ مع غيره لا تبغي منفعةً ما، بل تفهم التّعاطي مع الآخر على أنّه صورة الله وخليقته ومطرح يتجلّى الله فيه. ومن استطاع تدريب نفسه على رؤية وحبّ المسيح الملتصق بالآخَر، يصبح تعاطي هذا الإنسان مع الآخر تعاطيًا مقدّسًا وخدمته له خدمة مباركة. من هنا نرى مدى ارتباط سمات المسيحيّ بالعقيدة الأرثوذكسيّة. أيضًا نرى كيف أن الإيمان في الكنيسة الأرثوذكسيّة لا يعني البتّة اعترافًا بالعقائد بل بالأحرى عيشها.

وقد لخّص بطرس الرّسول هذه السّمات المسيحيّة، الّتي يطلبها الله أن يراها من مؤمنيه، بقوله: "ولهذا عَيْنهِ ­وأنتم باذلُون كلَّ اجْتهادٍ­قدّموا في إيمانكُمْ فضيلةً، وفي الفضيلةِ معرِفةً، وفي المعرفةِ تَعفُّفًا، وفي التَّعفُّفِ صَبْرًا، وفي الصَّبْرِ تَقْوَى، وفي التَّقوى مَوَدَّةً أَخَويّةً، وفي المَودّةِ الأخَويَة محبّةً. لأنّ هذه إذا كانت فيكم وكثُرت، تُصَيّركُمْ لا مُتَكاسلين ولا غيرَ مُثْمرينَ لمعرِفَة ربّنا يسوع المسيح". (2 بطرس 1: 5-8).

من أقوال القدّيس يوحنّا السّلميّ عن الصّوم

+ الصّوم تنقية للصّلاة ونورٌ للنّفس ويقظة للذّهن وجلاء لقساوة القلب وباب للخشوع وتنهُّد منسحق وتحسُّر فَرِح.

+ لا نستطيع أن نطرح عنّا نقائصنا وعتاقة نفسنا وننتزع ثوب إنساننا العتيق ما لم نعبر طريق الصّوم الضّاغطة وسبيل الهوان الضّيّق.

+ كما يسكن الزّيت البحر وهو صاغر، كذلك يخمد الصّوم ثورة الجسد وهو كاره.

+  مَنْ يُتخم معدته بالطّعام يوسّع أمعاءه، ومَنْ يجاهد ويقلّل طعامه يضمرها ويضيّقها، وإذا ضاقت الأمعاء لا تطلب غذاء كثيرًا، وحينئذ نصير صَوّامين بالطّبع.

أنقر هنا لتحميل الملفّ