Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 14 آب 2022    

العدد 33

الأحد (9) بعد العنصرة

اللّحن 8- الإيوثينا 9

أعياد الأسبوع: *14: تقدمة عيد الرُّقاد، النّبي ميخا *15: رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة *16: نقل المنديل الشَّريف من الرّها، الشّهيد ديوميدوس *17: الشّهيد ميرُن *18: الشّهيدين فلورس ولفرس، أرسانيوس الجديد الَّذي من باروس *19: أندراوس قائد الجيش والـ /2593/ المستشهدون معه *20: النّبي صموئيل.

كلمة الرّاعي

رقاد والدة الإله

من الولادة في ملء الزّمان إلى الولادة في الأبديَّة

”لَمَّا حَانَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النّاموس، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النّاموس، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ“ (غل 4: 4 و5).

تختصر هاتان الآيتان سرّ التَّدبير الإلهيّ وعمل الخلاص. الله الآب الَّذي لا بدء له أرسل ابنه الوحيد وكلمته المولود منه خلوًّا من زمن وقبل كلِّ الدّهور مولودًا من المرأة نسل حوَّاء الأولى، أرسله بالولادة من مريم العذراء تحت النّاموس ليحرِّر الَّذين تحت النّاموس من نِيرِ النّاموس أي من العبوديَّة ليرفعهم إلى بنوّة الله بالتَّبَنّي بيسوع المسيح. ثمرة هذه البنوّة هي أن ”أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: "يَا أَبَا الآبُ". إِذًا لَسْتَ بَعْدُ عَبْدًا بَلِ ابْنًا، وَإِنْ كُنْتَ ابْنًا فَوَارِثٌ للهِ بِالْمَسِيحِ...“ (غل 4: 6 و7). إذًا، بمسرَّة الآب أُرسِل الابن مولودًا من الفتاة العذراء لتبنّي البشريّة بسُكنى الرُّوح القدس فيها لميراث ملكوت السَّماوات بالمسيح يسوع.

*          *          *

مريم الفتاة المُختارة من الله حين قالت لجبرائيل ”ليكن لي بحسب قَوْلك“ (لو 1: 38)، ظلَّلها الرُّوحُ القدس وسكن ابن الله في أحشائها واتّخذ طبيعته البشريّة منها فيها. حين حَبِلَتْ به حَبِلَ بها، وحين وَلَدَتْهُ وَلَدَهَا. حين سَكَنَ أقنومُ الكلمة في أحشائها سكنت هي فيه إذْ ظلَّلتها النّعمة الإلهيَّة من الخارج واستقرّت فيها من الدَّاخل بالمولود الَّذي فيها لتحفظها كونها تحمل الإله نفسه في جسدها. وحين وَلَدَتْ الطِّفل الإلهيِّ في ملء الزَّمان وُلِدَت هي منه في الأبديّة لأنّها لم تعد تنفصل عنه إذ هو منها وفيها وهي منه وفيه. كان يمكن للرَّبِّ أنْ يَهَبَها أنْ لا تَموت لأنّها حَوَتْ مصدر كلّ الحياة والجود في جسدها واتّحدت به، لكن كان لا بدّ لها أن تعبر بموت الطَّبيعة القديمة لتدخل بطبيعتها المُتَجَدِّدة في ابنها والَّتي هي على صورة جسده القائم من بين الأموات. إذًا، حين حبلت مريم بابن الله الوحيد غير المخلوق دخلت في سِرِّ سرمديّة الله بالَّذي فيها، فصارت منذئذ ابنة الدَّهر الآتي بالقوّة (par potentiel).

*          *          *

تعييدنا لرقاد والدة الإله وانتقالها بالجسد إلى السَّماوات هو فرح روحِيّ لنا، كونه ثمرة قيامة المسيح من بين الأموات وتدشين الملكوت بدخول أوّل كائن بشريّ من أب وأمّ إلى حضرة الثّالوث القدّوس بالجسد إلى جانب الرَّبّ يسوع المسيح. هذا ختم قيامة المسيح في البشريّة الجديدة الَّتي هي على صورته مثاله. مريم هي أوّل كائن بشريّ يتمتّع بوعد المسيح للبشريّة بالقيامة، وهي استبقت القيامة العامّة إذ أقامها ابنها وإلهها بالجسد، فصارت باكورة سكّان الملكوت في يسوع المسيح.

رجاؤنا بالقيامة تحقَّق في مريم لأنّه فيها أتمّ يسوع الخليقة الجديدة التي ننتظر نحن استعلانها فينا بالكامل في يوم القيامة—يوم الدّينونة...

لا شكّ أم مريم والدة الإله هي مميّزة بين كلّ البشر، وأنّ ما حصلت عليه من مجد إلهيّ لا يمكن أن يحصل عليه أحد لأنّها حملت خالق الكون في حشاها وربَّته كإنسان وأرضعته من لبن ثدييها. أمّا نحن، فنفرح لأنّ لنا شفيعة حارّة لدى المخلص والرَّبّ، لدى الخالق الّذي صار ابن مريم. هي قدوتنا في طريق القداسة، وقدوة جميع القدّيسين. سِرُّها هو طاعتها الكاملة للرّبّ: ”ليكن لي بحسب قولك“. هي تقودنا إلى طاعة يسوع: ”مهما قال لكم فافعلوه“ (يو 2: 5).

طهارتها وعفَّتها ونقاوتها مصدرها الطّاعة لله وللوصيّة، وصلاتها وصَوْمها... محبّتها لله. من يحبّ الله أوَّلًا يكون أمينًا له في كلّ شيء.

نحن ضعفاء. محبّتنا للرّبّ تنغّصها أنانيّتنا، فلا نقدر أن نحبّ القريب لأنّنا لا نحبّ الله أوَّلًا. قداستنا، نقاوة قلوبنا، عفّتنا، راحتنا وسلامنا وفرحنا كلّها ترتبط بأولويّة محبّة الله قبل كلّ شيء. هذا سرّ مريم في اختيار الرّبّ لها كونها صارت زبدة برّ العهد القديم، فأضحت قمّة قداسة العهد الجديد.

ألا منحنا الرّبّ بشفاعاتها وسعينا للاقتداء بها أن نصير أهلًا للخلاص ولبنوّة الله، متّخذين مريم أمّا لنا نشرب من نبع حنانها علينا ومن بحر حبّها للرّبّ والتّسليم الكلّيّ لمشيئته...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)

انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

طروباريّة تقدمة الرُّقاد (باللَّحن الرّابع)

تقدَّموا واستبشروا أيُّها الشُّعوب مُصفِّقين بالأيدي، واجتمعوا اليوم بِشَوْقٍ فَرِحين، وهلِّلوا جميعُكم بابتهاجٍ، لأنَّ أمَّ الإله مُزمِعَةٌ أنْ ترتفعَ مِنَ الأرضِ إلى السَّماوات بِمَجْدٍ. فَلنمجِّدها بالتَّسابيحِ دائمًا بما أنَّها والدة الإله.

قنداق تقدمة الرُّقاد (باللَّحن الرّابع)

اليوم المَسْكونَةَ تَسبق مُبتهجةً سرِّيًا، في تذكارِكِ المَجيد يا والدَةَ الإله، وتصرُخُ نحوَكِ هاتفةً بسرورٍ: السَّلامُ عليكِ أيَّتُها البتولُ فخْرُ المَسيحيّين.

الرّسالة (1 كو 3: 9-17)

صَلُّوا وأَوْفوا الرَّبَّ إلهَنا

اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا

يا إخوةُ، إنَّا نحنُ عامِلونَ معَ الله وأنتم حَرْثُ اللهِ وبِناءُ الله. أنا بحسَبِ نِعَمةِ اللهِ المُعطاةِ لي كبَنَّاءٍ حكِيم وضَعتُ الأساسَ وآخَرُ يَبني عليهِ. فَلْيَنظُرْ كُلُّ واحدٍ كيف يَبني عليهِ، إذ لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يضعَ أساسًا غيرَ الموضوعِ وهوَ يسوعُ المسيح، فإنْ كانَ أحدٌ يبني على هذا الأساسِ ذهَبًا أو فِضَّةً أو حِجارةً ثَمينةً أو خشبًا أو حَشيشًا أو تبنًا، فإنَّ عملَ كلّ واحدٍ سيكونُ بيِّنًا لأنَّ يومَ الرَّبِّ سيُظهرُهُ لأنَّه يُعلَنُ بالنَّارِ وستَمتَحِنُ النَّارُ عَملَ كلِّ واحدٍ ما هو. فمَنْ بَقِيَ عمَلُهُ الَّذي بناهُ على الأساسِ فسيَنالُ أُجرَةً ومَن احتَرقَ عَمَلُهُ فسَيخسَرُ وسيَخلُصُ هُوَ ولكن كمَن يَمرُّ في النَّار. أما تعلَمون أنَّكم هيكلُ اللهِ وأنَّ روحَ اللهِ ساكِنٌ فيكمْ، مَن يُفسِدْ هَيكلَ اللهِ يُفسِدْهُ الله. لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقدَّسٌ وَهُوَ أنتم.

الإنجيل (متّى 14: 22-34)(متّى 9)

في ذلك الزَّمان اضطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السَّفينةَ ويسبِقوهُ إلى العَبْرِ حتّى يصرِفَ الجموع. ولمَّا صرف الجموعَ صعِد وحدَهُ إلى الجبلِ ليُصلّي. ولمَّا كان المساءُ كان هناك وحدَهُ، وكانتِ السَّفينةُ في وسْطِ البحر تكُدُّها الأمواجُ لأنَّ الرِّيحَ كانت مُضادةً لها. وعند الهجَعةِ الرَّابعةِ من اللَّيل مَضى إليهم ماشيًا على البحر، فلَّما رآه التَّلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا وقالوا أنَّه خَيالٌ ومن الخوفِ صرخوا. فلِلْوقت كلَّمَهُم يسوعُ قائلًا: "ثِقوا أنا هو، لا تخافوا". فأجابهُ بطرس قائلًا: "يا ربُّ إنْ كنتَ أنتَ هو فمُرْني أن آتي إليك على المياه". فقال: "تعالَ". فنزل بطرسُ من السَّفينة ومَشى على المياه آتيًا إلى يسوع، فلَّما رأى شِدَّةَ الرِّيح خاف وإذْ بدأ يغرَقُ صاح قائلًا: "يا ربُّ، نَجِنّي". وللوقتِ مَدَّ يسوعُ يدهُ وأمسك بهِ وقال لهُ: "يا قليلَ الإيمان لماذا شككتَ؟"، ولمَّا دخلا السَّفينةَ سكنَتِ الرِّيح. فجاءَ الَّذين كانوا في السَّفينةِ وسجدوا لهُ قائلين: "بالحقيقةِ أنت ابنُ الله". ولمَّا عبَروا جاؤوا إلى أرض جَنيّسارَتْ.

حول الإنجيل

يُراقبُ الرَّبُّ يسوع السَّفينة ومَنْ فيها وهي "في وَسْط البحر معَذَّبَةً من الأمواج"، مُنتَظِرًا أنْ نطلبه لكي يساعدنا، لأنّه لا يأتي غصْبًا ولا يَتعدَّى على حرِّيّتنا. نظر إليه الرُّسُل فَظَنُّوا أنَّه خيال، والبعض يقول اليوم أنَّه لو كنَّا مكان الرُّسُل لكُنّا نَدَهْنا للمسيح أن يأتي ويساعَدَنا، ولكن نحن، كما الرُّسُل وقتئذٍ، نؤمن بالمسيح لِحِينِ ظهور التَّجارب، عندها يُصبح بالنِّسبَةِ لنا خيال ولا يستطيع أن يساعدنا. نحن اليوم في زمن التَّجربة وهذه التَّجربة هي على مستوى الوطن، وللأسف إنَّ معظمنا لا يؤمن الإيمان الفعليّ بالمسيح إذ نعتبره أنّه خيال ولا يستطيع أن يفعل لنا شيئًا، ونقول، دعونا الآن من المسيح لكي نؤَمِّن خبزنا اليَوميّ والدَّواء والمَحروقات... وعندما يتم ذلك حينئذٍ نتكلّم عن المسيح، لهذا السَّبب يبقى المسيح بِنَظرِنا كالخيال.

لماذا خاف الرُّسُل وصَرَخوا؟ ولماذا نخاف نحن ونصرخ؟ خاف الرُّسُل مِنْ أنْ يَغرَقوا لذلك صرخوا والمسيح كان حينها كالخيال بنظرهم، وبفهمهم الخاص لا يستطيع أن يخلّصهم؛ نخاف نحن اليوم مِنْ شِدَّةٍ، مِنْ مَرَضٍ، مِنْ نِزاع، مِنْ مَشاكِل اقتصاديّة... لأنّ المسيح مُجرَّد خيال بِنَظَرِنا، ممّا يعني أنَّ إيماننا نَظَرِيّ وعقليّ وليس فاعل بالمحبَّة.

التَفَتَ بطرس وقال: "يا سَيِّد، إنْ كنتَ أنت هو، فَمُرْني أنْ آتي إليك على الماء"، وهذا لم يكن ليحصل لوْلا أنَّ الرَّبَّ أعطاه القُوَّة والشَّجاعة أوّلًا: "تشجَّعوا أنا هو لا تخافوا". عندما نظر بطرس إلى وجه المسيح نَسِيَ السَّفينة والمَوْج والتَّلاميذ الآخَرين، بدأ يتحرَّك نحوه، بدأ يتخطّى التَّجارب لأنَّه شاخِصٌ بالمسيح، وهكذا نحن إنْ التَمَسْنا وَجْهَ المسيح، فسَنَفْعَل كبُطرس ونتخطّى التَّجارب بالمسيح. لذلك علينا أن نعمل بجهدٍ على كلّ الأصعدة دون أن نيأس، ساعِينَ دائمًا لإيجاد حلول لأيّ مشكلة تطرأ علينا، دون تذمُّر، واضعين نظرنا على المسيح.

إنْ فعلنا ذلك نصبح كبطرس الَّذي تخطّى الأمواج والتَّجارب متوجِّهًا نحو المسيح الَّذي هو خلاص البشريّة أجمع.

الطّاعة

ما هي الطَّاعة؟ الطَّاعة هي الانقياد والموافقة، ولكن مجرَّد سماع إعلان الله ليس هو الطَّاعة، فالاستماع الحقيقيّ هو الإيمان الَّذي يستقبل كلمة الله ويترجمها إلى أفعال، فهي استجابة الإيمان، وبعبارة أخرى، إنَّ الاستماع حقيقة إلى كلمة الله هو أنْ تطيع كلمة الله.

لذلك لا يوجد إنسان تتلمذ في الكنيسة أو تتلمذ على الكتاب المُقدّس إلَّا وأطاع. وكلمة "طاعة" كلمة مهمّة جدًّا في الكتاب المُقَدَّس من أوّل سِفْر في التَّكوين لآخِر سِفْر في الرُّؤية. الطَّاعة كلمة لا تَخلو من سيرة قدِّيس، لا يوجد قدِّيس إلَّا وفي سيرته أنَّه أطاع. فالطَّاعة هي أحد مفاتيح الخلاص وبدون الطَّاعة لن يخلص إنسان لأنَّ طريق الصَّليب وطريق الفِداء من شروطه أن تطيع.

في حديثه عن تواضع المسيح، يقول القدِّيس بولس إنّ يسوع كان مُطيعًا لله أبيه حتّى الموت، حتّى الموت على الصَّليب "وإذ وَجَد في الهيئة كإنسانٍ وضع نفسه وأطاع حتّى الموت موت الصَّليب" (فيل 8:2). كلّ ما لدى يسوع وما هو عليه، قد تلقَّاه من الله الآب. منذ الأزل، استمع الابن للآب ليقوم بعمله ويتمِّم مشيئته. فإرادة الله هي أن يَصير الابن إنسانًا ، ويحمل خطايا العالم ويموت في الجسد ليُقيم الأموات حتّى "لا يضيع شيء". لقد أنجز يسوع هذا في الطَّاعة الإلهيّة الكاملة، مُعطِيًا المثال للجميع.

لا يوجد انحطاط في طاعة الله، ولا شيء مُخجِل أو مُهِين. على العكس من ذلك، فإنّ عمل مشيئة الله هو المَجد والحياة. إنّها أسمى كرامةً للإنسان، أعظم بهجة وسرور. إنّه طريق الكمال للجميع، حتّى للإنسان يسوع نفسه.

عصيان الله وابنه يسوع المسيح هو مصدر كلّ الخطايا. إنّ رفض الخضوع لله في كلِّ شيء هو سبب كلِّ حزنٍ وموت. أولئك الَّذين يسمعون الإنجيل ويفشلون في دخول راحة الله الأبديّة، يفعلون ذلك فقط "بسبب العصيان".

في التَّقليد الأرثوذكسيّ، فإنّ الطَّاعة هي فضيلة أساسيّة: طاعة الرَّبّ والإنجيل والكنيسة "وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة" (متّى 17:18). لا توجد حياة روحيّة من دونِ طاعة، ولا حُرِّيَّة ولا تحرُّر من الأهواء والشَّهوات الآثمة. إنّ الخضوع لتأديب الله بكلِّ أشكاله البشريَّة هو السَّبيل الوحيد للحصول على "الحرِّيَّة المَجيدة لأبناء الله "يؤدِّبنا الله كأبناءٍ له من منطلق حبِّه الكبير لنا". هو يؤدِّبنا لخيرنا، لكي نشاركه في قداسته. فطاعتنا لوصايا الله ونظامه هو العلامة الحَصرِيّة لمحبّتنا له ولابنه.

رقاد والدة الإله

(المطران جورج خضر)

مِنَ الواضح أنّ أعياد والدة الإله منسوخة عن أعياد السَّيِّد ليتساقط عليها بَهاء المسيح. فكما له البشارة جعلنا لها حبل حنّة، وكما له الميلاد أقمنا لها ميلادها، وكما له الخلاص صليبًا وقيامةً وضعنا لها ذكرى رقادها الَّذي يعني موتها ونصرها.

ليس في العهد الجديد ذكر لموتها لأنّ العهد الجديد كتاب عن الرَّبّ يسوع وليس سيرة قدّيسين، غير أنّ آباءنا تكلَّموا على رقادها في أورشليم (إنّ تحديد تاريخ انتقالها مُجرَّد تكهُّن ولا يهمَّنا لِتَقْوانا). هذا عيد نأخذه من التُّراث ولا نسعى إلى معرفة الأحداث في دقَّتِها. هاجسنا هو المَعنى. والمَعنى أنَّ الَّتي لم تعرف فسادًا في حياتها لم تعرف كذلك فسادًا في مَماتِها. الفكرة الأساسيَّة في العيد أنّ والدة الإله هي في المَجد الإلهيّ وتُعاينُ الله وباتت أكْرَمَ مِنَ المَلائكة في جسدها المُمَجَّد. ويبدو هذا العيد مُختصرًا لكُلِّ بَهاء العذراء. فكان يجب أن تلتحق بابنها قبل الدَّينونة الَّتي ننتظرها نحن لنلتحق به حقًا.

تبقى في السَّماء مُصَلِّيَةً لنا، وتظهرها إيقوناتنا عن يمين السَّيِّد في السَّماء فتُوحي الإيقونة أنّ المُخَلِّص يُسقِط مجدَه على أمِّه. فمنه أخَذَتْ النِّعمَة وتأخذها أبدًا. وإذا نحن ذكرناها ودَعَوْناها مُطَوَّبَة -وهذا ما قالته لإليصابات- فهي تعرف أنّ كلَّ شيءٍ يجيئها من المسيح لأنّها في دوام السُّجودِ له واستمطار نِعْمَة الرُّوح القدس من أجلنا.

هذا الالتصاق الدَّائم بينها وبين ابنها نظهره في إيقونتها الأساسيّة وهي دائمًا ممَثَّلة فيها حاملةً الطِّفل الإلهيّ. في الإيقونسطاس هذا قانون. مع ذلك عندنا إيقونات قليلة تمثِّلُها وحدَها مُتضَرِّعة.

نحن لا نَقِف عند العذراء. نمشي معها إلى سيِّدِها وسيِّدِنا. ولذلك باطلٌ هذا الكلام الشَّعبيّ أنّها تفهمنا لأنّها أُم أو لأنَّها إنسانٌ مثلنا. هذه بدعة. هذا توقَّف عند امرأةٍ لم تتوقَّف أبدًا وسارَتْ دائمًا إلى ابنها. المسيح أقرب إلينا مِنْ كلِّ كائنٍ بشريّ لأنَّه وحده المُخَلِّص. وهو يتنازل مباشرةً إلينا. نحن لسنا عاجزين عن أن نذهب إلى يسوع مباشرةً، وليس بيننا وبينه وسيط. العذراء والقدِّيسون ليسوا وُسَطاء. إنّهم شركاء. كلُّنا معًا حول المُعلّم. الَّذين هم فوق هم حوله ونحن كذلك حوله. هذه دوائر مُصَلِّين ومُرَنِّمين. هي ترنيمة واحدة تُنْشَدُ في السَّماء وعلى الأرض.

لذلك مـن انقطع عن العذراء والقدِّيسين ينقطع عـــن شُركاء السَّيِّد. ومَنْ أكـرَمَهُـم يُكْرِمُه لأنّ كـلّ ما عنـدهم هو منـه، فأنـتَ لا تستطيع أن تتجـاهل أحبَّاءَه. فكما تَلُــوذُ بالأتقياء الكبار هنا إنْ كنتَ تقيًّا، تَلُـوذُ بالقدِّيسين أيضًا لأنَّهـم اقتـربوا من المسيـح اقترابًا كبيرًا. ولكن لا تقـف عندهم لئلّا تجمـد أنت. ابــــــقَ معهم سائرًا إلى وجـه المسيح. فحتّى يستقيم إكرامك لوالدة الإله يجـب أن تستقيـم عبادتك للسَّيِّـد وأن يحتـلَّ هـو كلّ المَقام في قلبك. ليس له جزء من قلبك. له إيّـاه كلّه والقدِّيسـون ضمن المسيح الَّذي فيك. هم لا يتقاسمون نفسك. واليوم إذا ذكرت أنّ العذراء هي في السَّماء فمِنَ المُهمّ جدًّا أن تُقيم أنت في السَّماء أي أن يكون عيد الرُّقاد-الانتقال عيدًا لك، وهكذا تكون مُرَشَّحًا كلَّ يومٍ إلى أن تمتلئ من حضرة السَّماء فيك.

أنقر هنا لتحميل الملفّ