Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 13 حزيران 2021                 

العدد 24

الأحد (6) بعد الفصح (آباء المجمع المسكونيّ الأوّل)

اللّحن 6- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *13: آباء المجمع المسكوني الأول الـ 318 المتوشّحين بالله المجتمعين في نيقية سنة 325 م.، الشَّهيدة أكيلينا  الجبيليَّة *14: النَّبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة *15: النّبيّ عاموس، البارّ إيرونيمس *16: تيخن أسقف أماثوس      * 17: الشّهداء إيسفروس ورفقته، الشّهداء مانوئيل وصابل واسمعيل *18: وداع الصّعود، الشّهداء لاونديوس ورفقته *19: سبت الأموات، الرّسول يهوذا نسيب الرّبّ، البارّ باييسيوس الكبير.

كلمة الرّاعي 

مساوٍ للآب في الجوهر

أساس الإيمان المسيحيّ هو هذا الإعلان الإيمانيّ العقائديّ الَّذي نردّده دائمًا في دستور الإيمان، عنيت به "مساوٍ (ομοούσιος) للآب في الجوهر" أي "الواحد مع الآب في الجوهر"، أي أنّ المسيح مِن جوهرٍ واحدٍ مع الآب، الجوهر الإلهيّ الواحد. هذا ما يؤكِّد ألوهيَّة الرَّبّ يسوع المسيح الكاملة والتّامّة كألوهيّة الآب.

آريوس وهو كاهن ليبيّ في الإسـكندريّة تميّـز بفصاحته. غاص في الفلسفة وأراد أن يطبّقها على الإيمان فانتفخ ووقع في الشَّطط. بدأ يعظ ويعلِّم أنّ "الله خلق الابن فكان كلمته بالموهبة، وفوّضه بخلق السّماوات والأرض. ثم أنَّ تلك الكلمة تجسّدت مِن الرّوح القدس ومِن مريم العذراء. فالمسيح بالتّالي كلمة وجسد وكلاهما مخلوقان". وهكذا، كان يحاول إقناع المؤمنين بأنّ الله الآب هو وحده الإله الحقّ، بينما الرّبّ يسوع المسيح هو مخلوق. أنكر آريوس ألوهيّة الابن فزعم بأنّه كان وقت لم يكن الابن فيه موجودًا، وادّعى أنَّ الابن أوّل مخلوقات الله ومِنْ صُنْعِهِ، كما أنّ الرُّوح القدس مِن صُنْعِ الابن أيضًا.

بناء عليه، آريوس رفض ألوهيّة الثّالوث الواحدة في الجوهر، وأنكر التّجسُّد، وبالتّالي ضرب كلّ مفهوم سرّ الفداء ومعنى الخلاص أي أنّ الإله صار إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا وكرَّس بتعليمه الضّال الانفصال الكلّيّ بين الله والإنسان.

تعليم آريوس يخالف بالكليّة ما كشفه لنا الرّبّ يسوع المسيح عن نفسه، ويناقض جوهر الإيمان المسيحيّ بأكمله كما هو معبَّر عنه، أوَّلًا، في الكتاب المقدَّس. على سبيل المثال لا الحصر، يُعلِن يوحّنا الرّسول في بداية إنجيله: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ.... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" (يوحنا ١)، وهذا نفسه ما يعلّمه بولس الرّسول: "بِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَـــــمِ، أُومِـــــــنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ" (١تي ١٦:٣).

*          *          *

هرطقة آريوس لم تندثِر، ما زالت موجودة في كلّ فكر يرفض ألوهيّة الرَّبّ يسوع وسرّ التّجسُّد، واستطرادًا يُنكر حقيقة الله الثّالوث الآب والابن والرّوح القدس. إنّ إنكار مساواة الابن للآب في الجوهر أو وحدانيّته في الجوهر مع الآب يعني إنكار ألوهيّة الرّوح القدس ومساواته للآب والابن في الجوهر.  إنّه إنكار لسـرّ الله المحبَّة، الإله الواحد في ثـــــلاثـــــــة أقــــــــانـــــيـــــــم، الَّــــذي هــو احــــتــــواء دون انــــدمــــاج وتـــــحـــــرّك مــــتــــواصــــل ودائــــم دون تــــغيُّـــــر بيـــن أقانيم الثّالوث القدّوس (περιχώρησις  = Perichoresis)، انطلاقًا من الله الآب الَّذي يَصدر عنه الابن بالولادة والرّوح القدس بالانبثاق.

ماذا يعني هذا الأمر لنا ولحياتنا؟ الإنسان مخلوق على صورة الله، ومدعوّ لعيش قداسة الله. الله يريدنا أن نشابهه، هذا ما يقوله الوحي في سفر التّكوين: "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 1: 26)، أي أنّ الإنسان مدعوّ للانطلاق من الصّورة إلى الشَّبَه أو المِثال الَّذي هو يسوع المسيح الإله المتأنِّس، الَّذي هو "هُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ (أي مجد الآب)، وَرَسْمُ أُقْنُومِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيين 1: 3). هذا الابن المساوي للآب في الجوهر يستقرّ فيه الرّوح القدس وبه يأتي إلى العالم ويسكن في البــــــشـــــر بنعمته في الكنيسة المقدَّسة الَّتي هي "جسد الرّبّ"، كما يقول الرّسول بولس: لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، (...)، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا" (1 كورنثوس 12: 13).

غاية كلّ شيء هي أن نصير مُسحاء على شبه يسوع المسيح، أي أن يسكن فينا روحه القدّوس بالنّعمة، فنقتني في ذواتنا سرّ الحياة الإلهيَّة أي المحبَّة الَّتي هي الله (راجع: 1 يو 4: 8 و16). بكلمات أخرى، خُلِقْنا لكي نتَّحد بالله وتسكن فينا حياته، أو بالأحرى أن تصير حياته حياتنا، وهذا لم يكن ليتحقَّق لو لم يتجسَّد ابن الله، ويُتْحِدَنا فيه من خلال المعموديّة ويُشركنا في حياة الله من خلال جسده ودمه، بالرّوح القدس الَّذي يُحقِّق فينا صورة المسيح ويُحيينا "خليقة جديدة" في سرّ مسحة المَيْرون المقدَّس، واهبًا إيّانا الشّركة في حياة الثّالوث القدّوس بالابن في الرّوح مع الآب.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، هذا معنى أنّ الابن مساو للآب في الجوهر، وهذا هو الطّريق الَّذي علينا أن نسلك فيه لكي نتمِّم مشيئة الله تجاهنا الّتي هي قداستنا، كما يقول الرّسول بولس: "هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ. أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا، أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ، لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَالأُمَمِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ. أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ (...) إِذًا مَنْ يُرْذِلُ لاَ يُرْذِلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ. وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا..." (1 تسالونيكي 4: 3- 9).

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريَّة القيامة (باللَّحن السَّادِس)

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروباريَّة الصُّعود (باللَّحن الرَّابِع)

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

طروباريَّة الآباء (باللَّحن الثَّامِن)

أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.

قنداق الصّعود (باللَّحن السَّادِس)

 لـمَّا أَتْمَمْت التَّدبيرَ الّذي من أجلِنا، وجعلتَ الّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.

الرّسالة (أع 20: 16– 18، 28– 36)

مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا            

فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الّتيأقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الّتيﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.

الإنجيل (يو 17: 1– 13)

في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الّذينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.

حول الإنجيل

"يا أبتي قد أتت السّاعة:

مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا"

ينبغي أن تقودنا الضّيقات إلى إقامة الصّلوات وعندما نقيمها ينبغي أن نرفع المجد لله أوّلًا، ونشكر الرَّبّ على شيء، لأنّ كلّ الأشياء تعمل إلى خير الّذين يحبّون الرَّبّ، ومن ثَمّ نرفع اهتماماتنا لله.

لقد واجه الرَّبّ يسوع ساعة الصّلب بالصّلاة، لا يفكرَنّ أحد أنّ هذه السّاعة حانت عن ضرورة، بل عن موعد إلهي، وكأنّه يقول: يا أبتي حانت السّاعة الّتي حدَّدناها معًا لتمجيدي حبًّا بالبشر.

الرَّبّ يسوع يطلب من الآب أن يمجّده، إلّا أنّ ما يختبره من مجدٍ هو مجد الصّليب الّذي يكون فيه الإذلال مجيدًا. غريبٌ الرَّبّ يسوع في كثرة محبّته، مَنْ مِنّا يستطيع أن يطلب ما طلبه الرَّبّ يسوع: أن يتمجّد على الصّليب.

وهب الآب الابن سلطانًا على كلّ جسد، ليولي الحياة الأبديّة بجسده، فجسده يختزن جسدنا، فنحن الكنيسة والكنيسة هي جسد الرَّبّ يسوع، ولكن يدرج الآن الأمم أيضًا بقوله "كلّ جسد" وإذا كان هناك من لا يؤمن، فهذا لا يعود إلى الرَّبّ يسوع.

الموت أن تكون جاهلًا بالآب، والحياة الأبديّة أن تعرفه وتعرف الابن، فذلك يقودنا إلى الاشتراك في ما هو إلهيّ من خلال سرّ الشّكر، وهكذا ننتقل إلى عبادة الثّالوث لننال حياة أبديّة ونتأمّل بالكائن.

بعد أن أنهى حواره مع الآب ابتدأ يطلب من أجل تلاميذه، ليس فقط من أجلهم ولكن من أجلنا أيضًا. يسأل الآب أن يثبت التّلاميذ في كلّ كلامه -الحقّ- الّذي سمعوه منه. وكما أن المسيح خَصَّص نفسه لتعليمهم وفدائهم، يأتي الدّور عليهم أيضًا ليخصَّصوا، كسيّدهم، في الإرسال إلى العالم، والكرازة بالفداء وملكوت السّماوات.

هكذا نحن، يا أحبّة، لدينا مسؤوليّة التّلاميذ في البشارة، والاهتمام بالآخرين، والمحبّة. طلبة الرَّبّ الخاصة به قصيرة جدًّا بالنّسبة لصلاته من أجل الآخرين، لكنّها تسبقها حتّى ندرك حبّنا لإخوتنا كما لأنفسنا. فإن كنا نطلب من أجل مجدنا الأبديّ، ونعلن عن حبّنا لخلاصنا، يلزمنا أن نطلب للآخرين كما لأنفسنا عالمين أنّ الله لا يحاسبنا على خطايانا فقط بل على خطايا الّذين سقطوا بسببنا أيضًا، آمين.

التّشجيع في الكتاب المقدَّس

بذور خواطر في تأوّهات النّفس

لقد أضنتني مآسي هذا العالم، أنهكتني مخاوف هذا الدَّهر... "هل سأستطيع تأمين لقمة العيش؟ هل سأنجو من الوباء؟ هل سأنجح في عملي؟ هل سأبقى بجانب عائلتي؟ هل سأقهر أعدائي وأهزمهم؟ هل سيتقبّلني المجتمع؟... وغيرها من الهواجس والأوهان الّتي ما تنفكّ تراود ذهني المثقَل، حتّى كدت أستسلم لليأس والخنوع... ولكن لا! سأفتّش الكتب... بل سأفتّش في الكتاب الأوحد الّذي لطالما أطفأ لهيب تأوّهاتي... لن أسرد الحرب الّتي خضتها وأنا أهمّ لأفتحه، محاولاتٌ حثيثة لثنيي عن الاقتراب من ذلك الكنز الدَّفين الّذي يقبع في زاوية الغرفة وينتظر من يمسح الغبار عنه ليتجلّى مُشِعًّا بنور الكلمة الإلهيّة. "يا ربّي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ... وافتح حَدَقَتَيْ ذهني لأفهم أقوالك وأتفهّم وصاياك وأصنع مشيئتك..." وفتحت الكتاب المقدّس... وقرأت...

"لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ" (مز 42: 5) وبدأت أجيب وأعطي أسبابًا عن انحناء نفسي... ثمّ ساد الصَّمت، كان لا بدّ أن أصمت لأفهم القسم الثّاني من الآية: "ارتجي الله!" كم ينقصني هذا الرَّجاء، أنا الّذي حفظت الكتاب عن ظهر قلب... أنا الّذي لطالما ردّدت: "الرَّبّ راعيّ فلا يعوزني شيءٌ" (مز 23: 1)، كم تغنّيتُ بمعرفة هذه الكلمات وأنا افتقر إلى معرفة الرّاعي! هو الّذي جسّد الكلام بالفعل، هو الّذي وعد المساكين بالرّوح بملكوت السّماوات، والحزانى بالعزاء، والجياع والعطاش إلى البرِّ بالشّبع، وأنقياء القلبِ بمعاينة الله... (متى 5: 1-12)، وأردف قائلًا: "لا تهتمّوا لِحياتِكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا لأجسادِكم بما تلبسون. أليستِ الحياةُ أفضلَ من الطّعام، والجسدُ أفضلَ من اللِّباس؟ انظروا إلى طيورِ السّماء: إنّها لا تزرع ولا تحصدُ ولا تجمعُ إلى مخازنَ، وأبوكم السّماويُّ يَقوتُها. ألَسْتُم أنتم بالْحَرِيِّ أفضلَ منها؟" (متّى 6: 25-26)... ثم تَتالَتْ الآيات والفصول والرّسائل حتّى أيقنتُ أنّ الكتاب المقدّس بأكمله رسالة تعزية وتشديد وتشجيع لكلّ نفسٍ متضايقة، تعود إلى ذاتها، تعي محدوديّتها، تصرخ إلى خالقها، والرَّبّ يستجيب لها ويَعُولها... في حزنها، وألمها... وحده ينتشلنا من ديجور هذا العالم ويحضن التّائبين في ملكوته السّماوي... لذلك توبوا وعودوا، انهلوا من الكتاب، تناولوا جسد ودم الرَّبّ يسوع، و"تشجّعوا ولتقوَ قلوبكم يا جميع المتوكّلين على الرَّبّ" (مز 31: 24)، آمين!

انقر هنا لتحميل الملف