Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 12 أيلول 2021                  

العدد 37

الأحد قبل عيد رفع الصّليب

اللّحن 3- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *12: وداع عيد ميلاد السَّيِّدة، الشَّهيد في الكهنة أفطونومُس *13: تقدمة عيد رفع الصَّليب، الشَّهيد كورنيليوس قائد المئة ورفقته، تذكار تجديد هيكل القيامة *14: عيد رفع الصّليب الكريم المُحيي (صوم)، *15: الشَّهيد نيقيطا، سمعان التِّسالونيكيّ، فيلوثيوس الصَّانع العجائب *16: العظيمة في الشَّهيدات آفيميَّة، مرتينوس أسقف رومية *17: الشَّهيدات صوفيَّا وبناتها بيستي وإلبيذي وأغابي *18: أفمانيوس العجائبيّ أسقف غورتيني.

كلمة الرّاعي

بالصّليب ننتصر!...

تعيّد الكنيسة المقدَّسة في الرّابع عشر من أيلول لتذكارَين، الأوّل هو وجود عود الصّليب من قبل القدّيسة هيلانة والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، والثّاني هو رفع الصّليب الكريم المقدَّس في مثل هذا التّاريخ من عام 628 م. بيد بطريرك أورشليم زخريّا الَّذي استقبل الصّليب المقدّس مع الشّعب إذ أتى به الإمبراطور هرقل الّذي غلب الفرس واسترجع عود الصّليب منهم وحرَّر بطريرك القدس ومن معه.

نُعيِّد، إذن، لإيماننا بالرّبّ الغالب الموت والَّذي مات على الصّليب لأجل خلاص البشريّة والخليقة قاطبة. تؤكِّد شهادات القدّيسَين يوحنّا الذّهبيّ الفمّ وأمبروسيوس أسقف ميلانو في عظاتهما إيجاد الصّليب المقدّس من قبل القدّيسة هيلانة الملكة، هذا بالإضافة إلى شهادات المؤرّخين الكنسيّين أفسابيوس، وسوزومينوس، وسقراط.

أهمّيّة التّأكيد على تاريخيّة هذا العيد هي أنّها دليل على صحّة صلب الرّبّ يسوع في زمن بيلاطس البنطيّ الوالي، وأنّ صليب الرّبّ حامل قوّة القيامة الّتي تُحيي ليس موتى الجسد، فحسب، كما حصل مع القدّيسة هيلانة حينما عرفت صليب الرّبّ من خلال عجيبة إقامة الميت بوضعه عليه، بل بالأحرى موتى الرّوح الَّذين يتشجّعون لعلمهم أنّ صليب الرّبّ قد أعتقنا من كلّ موت وحرَّرنا من كلّ عبوديّة.

*          *          *

ليـس الصّليب رمزًا وحـسب بل هو ســرّ (mystery)، أي هو لا يُعرَف إلَّا كخبرة كشف إلهيّ لفعل نعمة الثّالوث القدّوس بواسطة الرّبّ يسوع وفيه عليه (أي على الصّليب) لتجديد الخليقة بأسرها في الرَّبّ الَّذي أمات في جسده بشريّتنا العتيقة ليُقيمها فيه (أي في جسده وشخصه) ”خليقة جديدة“ (2 كو 5: 17 وغل 6: 15).

عبورنا إلى إنسانيّتنا الّتي بحسب الله هو فصحنا بالصّليب. كلّ شيء أُعطي لنا في يسوع، ولكن لنقتنيه علينا أن نحمل الصّليب أي أن نعبر بالموت عن العالم إلى الحياة الجديدة الّتي بالرّوح القدس في يسوع المسيح.

الإنسان المُعاصِر ”مُعَتَّر“ لأنّه يغرق أكثر فأكثر في القيود والعبوديّة لملذّاته وأهوائه وضعفاته، ويخترع لنفسه ”حاجات“ جديدة يركض وراءها في دوّامة لانهائيّة. العالم بِقِيَمِهِ انْهَارَ، المؤمن يسير عكس تيّار الـ”حضارة“، لأنّ ما يُسَمَّى ”حضارة“ صارت بمُعظمها ”خسارة“ لإنسانيّة الإنسان. الإنسان المعاصر يخسر إنسانيّته يومًا بعد يوم لأنّه يبتعد عن الله، لا إنسانيّة حقيقيّة بدون الله، يسوع المسيح الإنسان هو الإنسان الحقّ، وهو عبَّر عن ملء إنسانيّته على الصّليب حيث كشف لنا سرّ الله المحبّة اللّانهائيّة في إنسانيّته الّتي تهشّمت على الصّليب لأجل حبّ الإنسان من الإنسان، ليتجدَّد الإنسان بيسوع المسيح الَّذي دَفن الحقد والحسد والموت والشّرّ والظّلم وضعف الطّبيعة، وخلق الإنسانيّة الجديدة فيه، هذه الإنسانيّة الَّتي جسّدتها الكنيسة الأولى بأجلى بيان إذ ”كَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا“ (أع 4: 32).

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، الصَّليب هو الألم الَّذي فرضته الخطيئة على البشريّة والخليقة والَّذي لا مهرب منه، لكنّ الرّبّ كشف لنا الطّريق لتحويل الألم إلى راحة والحزن إلى فرح واليأس إلى رجاء... الطّريق هو محبّة الله ومحبّة القريب، أي إخلاء الذّات بالتّحرُّر من المشيئة الذّاتيّة وطاعة الرّبّ يسوع المسيح أي الاقتداء به.

الإنسان يحمل صليب خطاياه برضًى حين يريد إشباع أهوائه، لكنّ ثمرة هذا الصّليب هي الإحباط المستمرّ والدّخول في دوّامة طلب المزيد من إشباع الأهواء لإسكات ألم الصّليب النّاتج عنها. هذا الصّليب هو طريق إلى الجحيم الَّذي يصير حاضرًا بقوّة في قلب الإنسان وحياته.

الإنسان المؤمن يحمل صليب اتّباع الرّبّ برضًى إذ يريد أن يلتصق بالرّبّ، وثمرة هذا الصّليب هي الفرح الدّائم وقوّة الرّجاء بالغلبة المستمرّة بنعمة الله على الأهواء والخطايا من خلال مَسيرة التّوبة اللّولبيّة التّصاعديّة الّتي يرتقي الإنسان من خلالها صعودًا من برٍّ إلى بِرّ ومن غلبة على غلبة. الصّليب الحقّانيّ هو إماتة الحسد والحقد والكره وولادة المحبّة والمصالحة والسّلام في النّفس وفي العلاقة مع الآخَر. لا يكذبنّ أحد على نفسه، من لا يحبّ القريب، أي من لا يقبله ويرتضيه له عشيرًا ويفرح به ويحمله في ضعفاته وسقطاته يحيا في المراءاة، فهو لا يحبّ الرّبّ. محبّة البعيد أي قبوله والتّعامل معه بالحُسنى أسهل من محبّة القريب الَّذي تعيش معه في كلّ حين. لذلك، كانت الوصيّة الأولى والعُظمى هي أن ”تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. (...).  وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ النَّامُوسُ كُلُّهُ وَالأَنْبِيَاءُ“ (مت 22: 37—40). من غلب في نفسه كلّ رفض للآخر يكون بالحقيقة مُحِبًّا لله، ومن أحبّ الله قَبِلَ صليب الحبّ الَّذي هو حياته وفرحه وغلبته على العالم في ذاته أوَّلا.

ومن استطاع أن يَقْبَلْ فليَقْبَلْ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)

لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريَّة ميلاد السّيّدة (باللَّحن الرّابع)

ميلادُكِ يا والدة الإله، بشَّرَ بالفرحِ كلَّ المسكونة، لأنّه منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، فَحَلَّ اللَّعنَةَ ووَهَبَ البركة، وأبطلَ الموت، ومنحنا حياةً أبديّة.

قنداق ميلاد السّيّدة (باللَّحن الرَّابِع)

إنَّ يُواكِيمَ وحنَّةَ قد أُطْلِقَا من عارِ ﭐلعُقْر، وآدمَ وحوَّاءَ قد أُعْتِقَا من فسادِ ﭐلموت، بمولِدِكِ ﭐلمُقَدَّس أيَّتها الطَّاهِرَة، فله أيضًا يُعَيِّدُ شعبُكِ إذ قد تَخلَّصَ من وَصْمَةِ الزَّلَّات، صارِخًا نحوكِ، العاقِرُ تَلِدُ والدةَ ﭐلإله ﭐلمُغَذِّيَةَ حياتَنَا.

الرّسالة (غلا 6: 11– 18)

خَلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ مِيرَاثَكَ

إِلَيْكَ يا رَبُّ أَصْرُخُ إِلهِي

يا إخوةُ، اُنْظُرُوا ما أعظمَ الكتابات الَّتي كتبتُها إليكم بِيَدِي، إنَّ كُلَّ الَّذينَ يُريدونُ أن يُرضُوا بحسَبِ الجسَدِ يُلزِمُونَكُم أن تَخْتَتِنُوا، وإِنَّمَا ذلكَ لئلَّا يُضْطَهَدُوا من أجلِ صليبِ المسيح، لأنَّ الَّذينَ يَخْتَتِنُونَ هُم أَنفسُهُم لا يَحْفَظُونَ النَّاموسَ، بل إنَّما يُريدونَ أَنْ تَخْتَتِنُوا لِيَفْتَخِرُوا بأجسادِكُم. أَمَّا أنا فحاشا لي أنْ أَفْتَخِرَ إِلَّا بصليبِ ربِّنا يسوعَ المسيح، الَّذي به صُلِبَ العالمُ لي وأنا صُلِبْتُ للعالم. لأنَّهُ في المسيحِ يسوعَ ليسَ الخِتَانُ بشيءٍ ولا القَلَفُ بل الخليقَةُ الجديدة. وكلُّ الَّذين يَسْلُكُونَ بحَسَبِ هذا القانونِ فَعَلَيْهِم سَلامٌ ورَحمةٌ، وعلى إسرائيلِ الله. فلا يَجْلِبَنَّ عَلَيَّ أحدٌ أَتْعَابًا فيما بَعْدُ، فإنِّي حَامِلٌ في جسدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يسوع. نعمةُ رَبِّنَا يسوعَ المسيحِ مع روحِكُم أيُّها الإخوةُ. آمين.

الإنجيل (يو 3: 13– 17)

قالَ الرَّبُّ: لمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ إلى السَّماءِ إِلَّا الَّذي نَزَلَ من السَّماءِ ابنُ البشر الَّذي هو في السَّماءِ. وكما رفعَ موسى الحيَّةَ في البرِّيَّة، هكذا ينبغي أنْ يُرفَعَ ابْنُ البشرِ لكي لا يَهْلِكَ كلُّ مَن يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّة. هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتّى وهبَ ابنَهُ الوحيد، فلا يَهلِكَ كلُّ مَن يؤمنُ به، بل تكونُ له الحياةُ الأبديّة. فإنَّهُ لم يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ الوحِيدَ إلى العالم ليَدِينَ العالمَ، بَلْ لِيُخَلَّصَ بهِ العالم.

حول الإنجيل

وضعت الكنيسة المقدّسة في الأحد الّذي قبل عيد رفع الصَّليب، هذا النّصّ الإنجيليّ لأهميّة الصَّليب، ومكانته في حياة الكنيسة، ولأنّ الصَّليب أصبح نبع الحياة الأبديّة، ومصدر خلاص الإنسان، وعودته إلى الملكوت السّماويّ.

يقول الإنجيليّ يوحنّا: "وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة هكذا ينبغي أَن يُرفَعَ ابنُ البشر، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحَياةُ الأَبديَّةُ" مُشيرًا بذلك إلى دور الحيّة النّحاسيّة الّتي رفعها موسى لشفاء العبرانيّين، الّتي إذا ما نظروا إليها يُشفَون، من لَدْغَة الأفاعي في الصَّحراء، وذلك أثناء ترحالهم من مصر إلى أرض الميعاد، وقارنها بارتفاع المسيح الطّوعيّ على الصَّليب، لكي يُخلّص كلّ من يؤمن به، أي كلّ من يؤمن بالمسيح مرفوعًا ومصلوبًا.

 هذا هو الإيمان الحاسم والحقيقيّ على ما يقول بولس الرَّسول: "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّليب عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ الله"(1كور1 : 18 ). "وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً. وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ الله" ( 1كور1 : 23 – 24).

ثمّ ينتقل يوحنّا للحديث عن محبّة الله اللّامُتناهية لهذا العالم، الّذي لا ينفكّ يتذمّر بخطيئته على الله، كما تذمّر الشّعب اليهوديّ في البرّيّة. هذه المحبّة الّتي دفعت الله أن يجود بابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلُّ من يؤمِن به، بل تكون له الحياة الأبديّة. لقد ردَّدَ الرَّبُّ يسوع ذلك مرَّتين متتاليتين في هذا النّص، ممّا يدلّ على أنها تُلخّص الهدف الّذي في فكر الله منذ الأزل، وهو الحياة الأبديّة، وقد جاء الفداء تسخيرًا لتحقيق هذا الهدف.

وهكذا يكون البذل والتّضحية أسمى درجات الحبّ: "لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِه" ( يو15 :13). فمن لا يُحبّ لا يعرف الله، ولا يعيش الصَّليب في حياته، ولا يقوى على حمله، وبالتّالي يجلب دينونةً لنفسه، ويفصل ذاته عن حياة الجماعة الّتي ارتضت المسيح ربًّا وإلهًا لها، تتشبّه به وتحيا تعاليمه، وتقبل صليبه، لتحمل صليبها المُضمَّخ بدماء كلّ الظّروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والمَرَضِيّة، فتصل في نهاية جلجلتها رافعةً الصَّليب، لتشارك ربّها فرح القيامة البَهِج.          

ستائر الكيان اللّبنانيّ.!!..

"وتعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم"

(يوحنّا 8: 32)

... هكذا، يا أَخي، سيُسدَل السّتار وينتهي الفصل الأَخير من مسرحيّتنا.!!..

الآن، افرُز العنوان بعدما تقاتل الجميع لتَحْبيره بالدّم والدّمار عَشْرًا وأَكثر من السّنين.

أَنهى الممثِّلون أَدوارهم، ولن يخرجوا أَمامنا لنصفّق لهم.!.. بعضهم مات والبعض شاخ وتقلّصت عظامه من النّشاف والعَجْز، والبعض الآخر مُلقى مضروبًا بالخمرة والأَفيون.!!.. والبقيّة الباقية ما زال مسموحًا لها بالتّكلّم من وراء طاولات العمليّات الحربيّة، فالكلام يعطيهم الشّعور بأَنّهم بزمام الأَمر، ممسِكون. يقابلون "مُلْتَقطي الأَخبار" وهم جمهرة تسرع وتحوم كالبعوض على وجه المياه النّتنة في مستنقعات الموت، تتغذّى بأَعداد الجيف والجيف ما زالت تتململ حيّة في الأَحياء، فكلّ الشّعب لم يُلقَ بعد في المقابر الجماعيّة، ولم يُسْلَخ جِلده ولم تُطحن عظامه بين مسنّنات آلات الدّمار ولم تُسرق أَسنان موتاه للتّجارة.!!..

والعالمُ، أَما زال العالم يزايد علينا بما حلّ به من تشريد وحرق!. نحن فُقنا الكلَّ بما قُضي علينا من لعنة الرّبّ، إِذ أَطَلَّ مِرارًا بعد أَن وعدناه فَتَوَّبَنا ثمَّ عدنا وحَنَثْنا بالوعد، وأَثمنا، فقال بحقّ: "ضلّوا كلّهم جميعًا وتدنّسوا. ليس مَن يعمل صلاحًا، كلّا ولا واحد. حنجرتهم قبر مفتوح. سُمّ الأَفاعي تحت شفاههم. فَمُهم مملوء لعنةً ومرارة. أَرْجلهم سريعة إِلى إِهراق الدّماء. في طرقهم دمار وشقاء. لا يعرفون طريق السّلام. خوف الله ليس أَمام أَعينهم" (مزمور 13: 1 - 3).

يا أَخي... ويا أُختي... ويا جميعَ شعبِ الإِلهِ.!!. سَيُسْدَلُ السّتار وتطلع لحظة الحقّ على هذا البلد.!!.

انتفض الإِنسانُ واقفًا ليخرج من صالة العرض ويقف متفرّجًا خارج اللّعبة. غمغم بيأس حزين: "لا قدرة لي على الرّحيل ولا طاقة فيَّ للبقاء... هجَّروني... ضربوا كياني بالرّعب من حسِّ الموتِ الّذي يَطالني صداه في الحلم... طعنوا هامتي.!!. شلّوا قدرتي وقراري... جرّدوني من كرامتي!!. صراعي أُبطل مع الحياة، فأَنا الآن رَبيبُ الانتظار والانحلال!!. فالموت!!!...

اُنطق، يا أخي... اُصرُخْ عاليًا، لأَنّك مع الصّبح الطّالع ستصمت لتقبع في المسوح والرّماد عُمْرَ توبتك وتكفيرك عن خطاياك في الصّحراء.!!.. اصرخ، فالحقيقة لا تُسْتَصْرَخ إِلّا متى وصلت الكذبة إِلى العدّ الأَلفيّ!!...

لا تخف!!.. كلّ الأَقنعة سقطت وبان أَبطالنا مُسوخًا وأَشباه رجال... لسنا شعبًا واحدًا بل شعوب وتجمّعات قَبَليَّة طائفيّة... حَدِّث ولا حرج، فتجارتنا سرقة وربح... تعاملنا غشّ... محبّتنا مرصوفة بالرّياء... حبّنا أَنانيّات... خدمتنا وعطفنا هما بالذّلّ... ضمائرنا وعلاقاتنا ديبلوماسيّات... عطاؤنا مشروط. أَعمالنا إِنجازات... كلامنا سُمّ غُمِّسَ بشَهْدِ العسل... أَمّا دياناتنا فوثنيّات، أَقمنا فيها الله ديّانًا للآخرين، وباسمه ارتكبنا كلّ الموبقات وسكبنا كلماته أَوثانًا وشعائر عبادات!!.

صرخ بي: "أَلن تتركي مَطرحًا لوَعْدِ الرّجاء؟!. أَلن يخلُصَ واحد منّا؟!. أَنَنْزَرِعُ كلّنا أَعاميدَ مِلحٍ؟!. أَلن يبقى سبعة آلاف لم يُحنوا رُكبةً لبَعْل؟!...

وهؤلاء الّذين يَسعون الآن للنُّطْق بالحقيقة؟!...

هؤلاء، يا أَخي، يعرفون أَنّ الحقّ عندنا شَريد، وأَنّهم مُودِعوه في قلب الرَّبّ، ويعرفون، أَنّهم قد يُساقون كالخراف إِلى الذَّبح أَو يختنقون في زنزانة مُسْوَدَّةٍ تُحْرَقُ فيها أَوصالهم وتتورَّم أَجسادهم من وَحْشِيَّة التّعذيب!!.

أَجيبيني والجبّارُ الآتي ليُخلِّصَنا، أَلن يطلع من الرّماد؟!!.

إِذا حلّ بيننا والنّفوس بَعْدُ قَتامٌ مُضمَّخَةٌ بالكذب والفساد!!.

إِذا أَتى، ونحن ما زلنا نقاضي الحقَّ لجماعة دون أُخرى ونَتَحيَّز ونُحابي ونُبرِّر ونُعَلَّل!!.. كيف سيُحاكِمنا؟!. كيف سيُسامحنا؟!.

اسمع، يا شعبي!!...

إِن لم نَقتَنِص لحظة الحقيقة الطّالعة علينا!!.

إِن لم نَستقم كُلُّنا راكعين، كاشفين الرّأس والقلب والفكر أَمام الخالق الدَّيّان!!.

إِن لم نَتُب ونَعترف من عمق نيّاتنا، بأَنَّنا خَطِئنا وأَثِمنا وابتَعَدنا عنه وأَجْرَمنا في كلّ شيء ولم نسمع وصاياه ولم نَحْفَظْها لنُطَبِّقها ولم نعمل كما أَوصانا، لكي يكون لنا خير!!.

إِن لم نَتُب إِليه وحده ونَتَسَيَّد لكلمة حقّه وإِيّاه وحده نَتَرجَّى رُكَّعًا ليُسامحنا...

إِن لم نَغْتَسِل متطهِّرين بالدّمع كلّنا، فإِنّنا في جحيم الهلاك مُلقَون من أَنفسنا...

حينها تَبْقَى أَبواب الجحيم مفتوحة تَبتَلِعنا إِلى آجال الأَجيال... وحتّى نتوب.!!.. إِليك...

يا إِلهنا وربّنا... تَوِّبْنا إِليك...

وخَلِّصنا!!...

انقر هنا لتحميل الملف