Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١١ شباط ۲٠١٨

العدد ٦

أحد الدّينونة 

اللّحن ٣- الإيوثينا ٣

كلمة الرّاعي

أَحَدُ الدَّيْنُونَة

تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلْكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم ...

اِذهبوا عني يا ملاعينُ إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه“ (متّى ٢٥)

 هل من دينونة في اليوم الأخير؟ هل سيحاسب الله البشر في نهاية الأزمنة؟ هل المسيح الَّذي مات من أجل حياة العالم سيَدين البشريّة في مجيئه الثّاني في القيامة العامّة؟ ...

الواضح من الاصحاح الخامس والعشرين من إنجيل متّى أنّ الدّينونة حاصلة لا محالة. في الحقيقة، هذا ما نعلنه في دستور الإيمان بأنَّ المسيح ”أيضًا يأتي بمجدٍ ليدين الأحياء والأموات“. السّؤال الجوهري هو: على ماذا سيديننا الرّبّ ويحاسبنا؟ على الرّحمة والمحبّة.

هل هذا يعني أنّ الصّلاة والصوم غير مهمَّين في حياتنا؟

بالطبع لا، فالصّلاة والصّوم أمران رئيسيّان في جهاد الإنسان لاقتناء المحبّة الإلهيّة. الإنسان بالفطرة، بالطّبيعة عنده المحبّة والرّحمة، لكنّهما محدودتان بسبب الخطيئة الّتي تجعله يتمسَّك بنفسه، وربّما فقط بنفسه. مع ذلك، يتعلّم الإنسان في بيته وفي مجتمعه أن يحبّ ولو كانت هذه المحبّة مربوطة بالعطاء والأخذ بالمقابل، هذا تدريب أوَّليّ ليصير عند الإنسان إحساس بالآخَر وبحاجاته. مع النّمو ووعي الإنسان لذاته ولكون حياته لا تستقيم بدون الشّركة مع الآخَر ومع نضج شخصيّته يدرك يومًا بعد يوم أنّ جوهر العلاقة الحقيقيّة بين البشر هو المحبّة، الَّتي تعطي لهذه العلاقة بُعْدَها الإنسانيّ العميق والحقيقيّ. تنشأ الرحمة من رباط الرّحم بين النّاس الَّذي يجعلهم يَحُنُّونَ على بعضهم  البعض ويرأفون بالضعفاء، من هنا يبتدِئ الإنسان بتعلّم الرّحمة. الرحمة ترتبط بالضّعف عند الآخَر، من هنا، في هذا الأحد المبارك أحد الدّينونة، أتت دينونة الرّبّ على أعمال الرّحمة الّتي قام بها النّاس أو لم يقوموا بها تجاه الضّعفاء: الجياع والعطشى والغرباء والعُراة والمرضى والمحبوسين. هؤلاء الَّذين ذكرهم الرّبّ يسوع في المثل يمثّلون المهمَّشين والمتروكين والمتألّمين وربّما المنبوذين، هؤلاء لا يخاطِر البشـر، بعامّة، بالتّعاطي معهم وفي شؤونهم لأنّهم سيشكّلون عليهم عبئًا مادِّيًّا ومعنويًّا قد يكون طويل الأمد، فمن يستطيع تحمُّل إنسان يحتاج إليه كلِّيًّا لفترة طويلة؟! ... على سبيل المِثال لا الحصر، الأولاد أحيانًا كثيرة لا يحتملون وَهَنَ صحَّة أهلهم بسبب الشّيخوخة والعجز فيُهْمِلُونَ الاهتمام بهم، ألا يحصل هذا في أيّامنا؟ ...

بالرحمة نرتقي إلى المحبّة، لأنّ دوافع الرّحمة تكون أكثر تأثيرًا في ضمير الإنسان. لذلك، من لا يتحرَّك ضميره، وبالتالي قلبه، لآلام النّاس فلن يتحرَّك قلبه ليفرح بالنّاس. ولكن، الرحمة هي صفة الله: ”كُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ“ (لوقا ٦: ٣٦) والمحبّة أيضًا: ”اللهَ مَحَبَّةٌ“ (١ يوحنَّا ٤ : ٨ و١٦). بناء عليه، لا يقتني الإنسان الرحمة والمحبة الإلهيّتين إلّا بنعمة الروح القدس، ولا يقتني الروح القدس إلّا من آمن بالمسيح واعتمد على اسم الثّالوث القدّوس، ولا يستقرُّ الرّوح القدس إلّا في الأنقياء، ولا يتنقّى أحد بدون التّوبة، ولا يستطيع أحد أن يتوب بدون الصّلاة والصّوم. هناك من يتعاطَون الرّحمة بالفطرة الطّبيعيّة الّتي هي من صورة الله، ولو المشوّهة بفعل السّقوط فيهم ولكن رحمة الله تجعله يرحم هؤلاء في اليوم الأخير. لا يستطيع الإنسان أن ينتقل من الرحمة العاطفيّة المزاجيَّة إلى الرحمة الرّوحيّة الثّابتة إذا لم يُدرك رحمة الله عليه أي إذا لم يعرف خطاياه وحجمها الحقيقي وامتدادها الكيانيّ فيه ليفهم عظم رحمة الله له ومحبّته إيّاه. وبالتالي، فالنموّ الحقّانيّ للإنسان في إنسانيّته مرتبط بإدراكه، بنور النّعمة الإلهيّة، لحقيقة سقوطه ولحقيقة صورة الله فيه، وبالتالي لحقيقة إنسانيّته في مشـروع الله.

الله الكلّيّ الحنان والرأفة والرّحمة، المحبّة اللامتناهية، خلقنا على صورته لنصير على مثاله. حياتنا هي هذه المسيرة من الصّورة إلى المثال، كلّما صرنا رحماء كلّما اقتربنا من شبه الله، وكلّما اقتربنا من شبه الله كلّما انتقلنا من الرحمة إلى المحبة الإلهيّة وشركة حياة الثّالوث القدّوس.

الدّينونة هي كشفٌ إلهيٌّ، هي معاينةُ الإنسانِ لحقيقتِه الداخليّة في نور وجه الله بيسوع المسيح بالروح القدس. حينها إمّا يكون الإنسان قد اقتنى رحمة ومحبة من عند الله فيدخل إلى الملكوت المعد ذ له منذ إنشاء العالم، وإمّا يكون الإنسان مكتفيًا بنفسه منغلقًا على ذاته فيصير شريكًا لإبليس في جحيم كراهيّته وأنانيّته وكبريائه.

ومن له أذنان للسّمع فليسمع.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (اللّحن الثّالث)

لِتفرحِ السّماويات. ولتَبتَهِجِ الأرضيّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزاً بساعِدهِ. ووطِئَ الموتَ بالموت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

القنداق لأحد الدّينونة (اللّحن الأوّل)

إذا اتيتَ يا اللهُ على الارضِ بمجدٍ، فترتعدُ منكَ البرايا بأسرِها، ونهرُ النَّارِ يُجذَبُ أمام المنبر، والمصاحفُ تُفْتَحَ والخفايا تُشْهَرُ، فَنَجِّنِي حينئذٍ من النَّارِ الَّتي لا تُطْفَأُ، وأَهِّلْنِي للوقوفِ عن يمينِكَ أيُّها الدَّيَّان العادل.

الرّسالة (1 كورنثوس  8: 8-13، 9: 1-2)

قُوَّتي وتَسْبِحَتي الرَّبُّ

أدبًا ادَّبَني الرَّبُّ، وإلى المَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي

 يا إخوة، إنّ الطعامَ لا يقرِّبُنا إلى الله، فإنّنا إن أكلنا لا نزيدُ، وإن لم نأكل لا ننقُص ولكنْ أنظروا أن لا يكونَ سلطانُكم هذا مَعثرةً للضعفاء. لأنّه إن رآكَ أحدٌ يا من له العِلمُ مُتَّكِئًا في بيتِ الأوثان، أفلا يتقوّى ضميره، وهو ضعيفٌ، على أكلِ ذبائحِ الأوثان، فَيَهْلِكُ بسببِ عِلْمِكَ الأخُ الضعيفُ الَّذي ماتَ المسيحُ لأجلِه. وهكذا، إذ تُخْطِئُونَ إلى الإخوةِ وتَجرحونَ ضمائرَهم، وهي ضعيفةٌ، إنما تُخطئِون إلى المسيح. فلذلك، إن كان الطعامُ يُشَكِّكُ أخي فلا آكلُ لحمًا إلى الأبد لئلا أُشكِّكَ أخي. ألستُ أنا رسولًا؟ ألستُ أنا حُرًّا؟ أما رأيتُ يسوعَ المسيحَ ربَّنا؟ ألستم أنتم عملي في الرّبّ؟ وإن لم أكنْ رسولًا إلى الآخَرين فإنّي رسولٌ إليكم، لأنّ خاتَمَ رسالتي هو أنتم في الرّبّ.

 الإنجيل (متّى 25: 31-46)

 قال الربُّ: متى جاءَ ابنُ البشر في مجده وجميعُ الملائكةِ القدّيسين معه، فحينئذٍ يجلس على عرش مجده، وتُجمَعُ إليه كلُّ الأمم، فيميِّزُ بعضَهم من بعضٍ كما يميِّزُ الراعي الخرافَ من الجِداء. ويقيمُ الخرافَ عن يمينه والجِداءَ عن يساره. حينئذٍ يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلْكَ المُعَدَّ لكم منذ إنشاء العالم، لأنّي جُعتُ فأطعمتموني، وعطِشتُ فسقيتموني، وكنتُ غريبًا فآوَيتموني، وعريانًا فكسَوتموني، ومريضًا فعُدتموني، ومحبوسًا فأتيتم إليّ. فيُجيبه الصدّيقون قائلين: يا ربُّ، متى رأيناك جائعًا فأطعَمناك أو عطشانَ فسقيناك، ومتى رأيناكَ غريبًا فآوَيناك أو عُريانًا فكسَوناك، ومتى رأيناك مريضًا أو محبوسًا فأتينا إليك؟ فيُجيبُ الملكُ ويقولُ لهم: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم فعلتم ذلك بأحدِ إخوتي هؤلاء الصِّغار فبي فعلتُموه. حينئذٍ يقولُ أيضًا للَّذين عن يساره: اِذهبوا عني يا ملاعينُ إلى النار الأبدَّية المُعدَّةِ لإبليسَ وملائكتِه، لأني جُعتُ فلم تطعِموني، وعطِشتُ فلم تسقُوني، وكنتُ غريبًا فلم تؤووني وعُريانًا فلم تكسوُني ومريضًا ومحبوسًا فلم تزوروني. حينئذٍ يُجيبونَه هم أيضًا قائلين: يا ربُّ متى رأيناكَ جائعًا أو غريبًا أو عُريانًا أو مَريضًا أو مَحبوسًا ولم نخدمْك؟ حينئذٍ يُجيبُهم قائلًا: الحقَّ أقولُ لكم، بما أنَّكم لم تفعلوا ذلك بأحدِ هؤلاء الصِّغار فبي لم تفعلوه. فيذهبُ هؤلاءُ إلى العَذابِ الأبدي، والصِدّيقونَ إلى الحياةِ الأبديّة.

حول الإنجيل

يهب الرب الملكوت للذين قدّموا حبًا للصغار كما للسيِّد المسيح نفسه. يقول القدّيس ايرونيموس: "كل مرّة تبسط يدك للعطاء أذكر المسيح" وأيضًا: "الهيكل الحقيقي للمسيح هو نفس المؤمن فلنزيِّنه ونقدّم لـه ثيابًا، لنقدِّم له هبات، ولنرحِّب بالمسيح الذي فيه! ما نفع الحوائط المرصَّعة بالجواهر إن كان المسيح، في الفقير، في خطر الهلاك بسبب الجوع؟"

لا يقف العطاء عند الجانب المادي، إنّما يلزمنا أن نسكب الحب كطيب ندهن به قدميّ المخلّص نفسه من خلال هؤلاء الأصاغر، أي النفوس المحطَّمة والمحتاجة. وكما يشرح القدّيس أمبروسيوس: "مات المسيح مرّة ودُفن مرّة واحدة، ومع هذا يودّ أن يُسكب الطيب على قدميه كل يوم. من هم الـذين يُحسَبون قدمَين للمسيح فنسكب عليهم الطيب إلا الـذين قال عنهم: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ" (متى ٤٠:٢٥). هاتان هما القدمان اللتان أنعشَتْهما المرأة المذكورة في الإنجيل وغسلَتْهما بدموعها".

يقدّم السيِّد ملكوته السماوي لمن هم أنفسهم قد صاروا ملكوته أثناء غربتهم، إذ سبقوا فحملوه فيهم كملكوت يُشـرق عليهم بمجده. يعلّق القدّيس أغسطينوس على قول السيِّد: "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (مت ٢٥: ٣٤) "بمعنى أنتم الذين كنتم في الملكوت لكن بغير سلطان لتحكموا، تعـالوا لكي تملكوا! أنتم الذين كنتم قبلًا في الرّجاء وحده، أمّا الآن فتنالون السّلطان كحقيقة واقعة!. إذن، فإنَّ بيت الله هذا، هيكله، ملكوت السّماوات، لا يزال في دور البناء والتّنفيذ والإعداد للاجتماع. فيه سيكون مواضـع يعدّها الرب الآن، كما فيه أُعدّت بالفعل مواضع كما أوصانا الرب".

يقدّم الرب يسوع الملكوت لمؤمنيه بكونه: "المُعـدّ لهم منذ تأسيس العالم" (متى ٣٤:٢٥)، وعندمـا يطرد الأشرار يقول عن النار الأبديّة "المُعدَّة لإبليس وملائكته" (متى ٤١:٢٥) ، فهو لم يُعِدّ الإنسان للنار الخارجيّة وإنما للملكوت الأبدي. وقد اختار الأشرار لأنفسهم، بأنفسهم، أن يُلقوا فيما أُعدّ لغيرهم أي "إبليس وجنوده".

أخيرًا فإن الملكوت الـذي ننظره هو التمتّع بالرب يسوع نفسه الذي هو سرّ فرحنا الأبدي، يملك فينا، ونقطن فيه إلى الأبد. هذا ما يوضّحه القدّيس كبريانوس: "المسيح نفسه أيها الإخوة الأحياء، هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي. مجيئه هو شهوةٌ لنا نودّ أن يُعلن لنا سريعًا. ما دام هو نفسه قيامتنا ففيه نقوم، لنفهم ملكوت الله أنه هو بنفسه إذ فيه نملك".

لماذا يوم الأحد مهمّ عند المسيحيّين؟

(للمتروبوليت إيروثيوس فلاخوس)

حدثت قيامة المسيح في الساعات الباكرة من صباح يوم الأحد. لا نعرف بالتحديد الوقت الذي حدثت فيه القيامة لأن أحداً لم يره في تلك اللحظة، ولكن القيامة تأكّدت عندما ذهبت حاملات الطيب الى القبر ليطيبن جسد المسيح. إذاً، يوم الأحد هو أول يوم في الأسبوع، هو يوم قيامة المسيح. إذا كان المسيح قد قهر سلطان الموت يوم السبت، فقد ثبت للجميع في الأحد قيامته وأنه غالب الموت والشيطان.

يوم الأحد هو اليوم الأول في التقويم الأسبوعي ولكنه يدعى أيضاً اليوم الثامن لأنه يأتي بعد نهاية اليوم السابع، أي يوم السبت. كان الأحد يعتبر في العهد القديم يوماً مهماً لأنه أول أيام خلق العالم، ففيه خُلق النور، ومن جهة أخرى يُعتبر مقدساً بسبب الآية:  ”سَبْعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ. فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ تُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ. إِنَّهُ اعْتِكَافٌ. كُلُّ عَمَلِ شُغْلٍ لاَ تَعْمَلُوا“ (لاويين ٣٦:٢٣).

لم يدعُ موسى اليوم الأول أولاً بل ”اليوم اﻷحد“. ويفسـّر القديس باسيليوس الكبير ذلك بأن يوم الأحد المقدس هو اليوم الذي قام فيه الرب من الموت. ويسمّى الأحد ليوجّه تفكيرنا إلى الحياة الأبدية المستقبلية.

إذاً، يوم الأحد هو يوم من الأبدية وسيكون اليوم الثامن بحد ذاته. وإذا كانت الدورة الأسبوعية ترمز لفترة حياة المرء، وإذا كان يوم الأحد نموذجاً جزءاً للزمان الثامن الآتي، فهو إذاً يوم واحد. القديس باسيليوس الكبير يسمّي يوم الأحد ”أول ثمار الأيام“     و ”من نفس مصدر النور“.

بحسب القديس غريغوريوس بالاماس دُعي يوم الأحد باليوم الثامن لأن قيامة المسيح حدثت في هذا اليوم وهي القيامة الثامنة في التاريخ حيث حدثت ثلاثة منها في العهد القديم (واحدة بواسطة إيليا النبي واثنتان بواسطة أليشع) وأربعة في العهد الجديد بواسطة السيد المسيح (ابنة يائيروس وابن أرملة نايين ولعازر وقيامة الأموات في يوم الجمعة العظيم). وهكذا الأعظم، القيامة الثامنة، هي قيامة المسيح. أساساً، ليست الثامنة وحسب، بل أيضاً الأولى من جهة رجاء قيامة الموتى.

خُلِق النور في يوم الأحد، اليوم الأول من الخلق. في يوم الأحد، يوم التجديد الأول، ظهر نور القيامة وهو نفس نور التجلي والعنصرة. أقصَت طبيعة المسيح البشـرية قابلية الموت والفساد، كما سوف نرى.

دُعي يوم الأحد أيضاً باليوم المقدس والمختار لأن كل الأحداث السيّدية حدثت فيه. بحسب الآباء، فإن بشارة والدة الإله وميلاد السيد المسيح وقيامته والأحداث السيّدية العظمى كلها حدثت يوم أحد. والمجيء الثاني والقيامة العامة ستحدثان أيضاً في هذا اليوم (القديس بطرس الدمشقي). لهذا السبب يعطي المسيحيون يوم الأحد هذه الأهمية والقيمة ويسعون لجعله مقدساً، إذ في مثله سوف يكون يوم المجيء الثاني المفاجئ.

ولهذه الأسباب يمدح القديس يوحنا الدمشقي أحد الفصح: ”هذا اليوم المدعو المقدس الذي هو أَحَدُ السبوت وملكها، عيد الأعياد وموسم المواسم الذي نمجد فيه المسيح إلى الأبد“.

ومما يبعث على التواضع أن نعرف أن الكنيسة تحتفل كل أحد بقيامة المسيح بهذه التراتيل الرائعة. وهكذا، إضافة إلى الفصح السنوي هناك فصح أسبوعي، ندعوه الفصح الصغير، هو يوم الأحد المنير.

تاريخيّة الصّوم الأربعينيّ

إنَّ الصّومَ الّذي تمارسُهُ الكنيسةُ وتدعو أبناءَها إليه، وتعتمدُ عليه كثيرًا كوسيلةٍ أساسيّةٍ مِن وسائلِ الحياةِ الروحيّة، هو مؤسَّسٌ أوَّلًا على الكتاب المقدّس، ومنه ينطلق. فكثيرةٌ الشواهد الواردة في الكتاب المقدّس والتي أهمّها صومُ الربّ يسوع وأصوام الرسل من بعده. (أع ٢: ١٣-٤، ٢ كور ٦: ٥، ١١: ٢٧).  وإذا بحثنا في التاريخ، وجدنا أنّ المؤمنين كانوا ينقطعونَ عن الطّعامِ انقطاعًا تامًّا يومَي الجمعة والسّبتِ الواقعَينِ قبل أحدِ الفصح. وكان ذلك استناداً إلى قول الرّبّ يسوع: "هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم؟ ولكن ستأتي أيام حين يُرفَعُ العريس عنهم، فحينئذ يصومون" (مت ٩: ١٥).

مخطوطة الذيذاخيّة: مخطوطة الذيذاخية الّتي ترقى إلى القرنِ الثالثِ للميلاد، تَذكُرُ أنّ المؤمنين كانوا يصومون كُلَّ الأسبوعِ العظيم، منقطعينَ عن اللحم والبَياض، وذلكَ خلال النّهار، وحتّى غروبِ الشمس.

الرّحّالة إيثيريا: الرحّالة إيثيريا في القرن الرّابع للميلاد، وكذلك القدّيس كيرللس الأورشليميّ من الفترة نفسها، يشهدانِ أنّ المؤمنين في أورشليم كانوا يصومونَ أربعين يوماً قبل الفصح.

 قوانين الرسل: قوانين الرسل تتكلّم عن صوم الأربعين يوماً من الصباح حتّى الساعة الثّالثة بعد الظهر، مع انقطاعٍ عن اللحم والبياض "إن كانت صحّتكم تسمح لكم".

 آباء الكنيسة: إلى تلك الفترة كان الصوم تقليداً لا قانوناً. الآباءُ القدّيسون، كباسيليوس والذهبيّ الفم وأوغسطين، يَذكُرُونَ هذا النّوعَ من الأصوامِ مِن بابِ النّصائح والإرشادات.

 مجمع تروللو: في أواخر القرنِ السّابع للميلاد، وتحديدًا مع مجمع تروللو سنة ٦٩٢ م، تَقَونَنَ الصّوم، وذلك في القانون ٥٦ الّذي يقرّر الامتناع عن اللحم والبياض ويحدّد: "هذا الصوم إلزاميّ لِكُلّ الجماعة".

في القرنَين الثامن والتاسع: صار الصوم الأربعينيُّ صوماً رسميّاً في الرعايا والأديار.

انقر هنا لتحميل الملف