Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 9 شباط 2020

العدد 6

أحد الفرّيسيّ والعشّار 

اللّحن 1- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *9: وداع عيد الدّخول، الشّهيد نيكيفورس *10: الشّهيد في الكهنة خارالمبوس، البارّ زينون *11: الشّهيد في الكهنة فلاسيوس ورفقته، الملكة ثاوذورة *12: ملاتيوس أسقف أنطاكية *13: الرّسولان برسكيلّا وأكيلّا، البارّ مرتينيانوس *14: البارّ افكسنديوس، البارّ مارون النّاسك *15: أونيسيموس أحد الرّسل السّبعين، البارّ أفسابيوس.

كلمة الرّاعي 

الرَّبيع الرُّوحيّ

زمن التّريودي

"وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ. ارْجِعُوا إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ لأَنَّهُ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى الشَّرِّ ..." (يوئيل 2: 12-13).

بهذه الأقوال يُفتَتَحُ كتاب التّريودي، أي المُثَلَّث التَّسابيح، الّذي يُستعمل للخِدَم اليَوميَّة في زمن الصَّوم الكبير. لقد أتى زمن التّوبة بامتياز، الّذي تساعدنا فيه الكنيسة بخلاصة خبرة آبائها حول تجديد الحياة في المسيح عبر الرّجوع إلى الذّات وتنقيتها بمواجهتها مع حقيقتها السّاقطة أي أهواءها وخطاياها الّتي تتحكّم بها. لا شكّ أن الكثيرين، ربّما، لا يعرفون كيف يميِّزون أهواءهم وشهواتهم ويحكموا على أنفسهم، دون تبريرٍ للذّات، حين يطلبون الخطيئة أو ينخدعون بها. عصارة خبرة القدّيسين في التّوبة نجدها في صلوات الكنيسة المقدَّسة في هذا الزّمن المبارَك، ولا سيّما في كتاب التّريودي. لذلك، ننصح كلّ بيت مؤمن باقتنائه والاغتذاء منه يوميًّا في زمن الصّوم الكبير.

*          *          *

الأحد الأوّل من التّريودي هو أتون التّوبة الّذي تُدخلنا فيه الكنيسة المقدَّسة من خلال مثل الفرّيسيّ والعشّار. الأوّل معتزٌّ إلى حدّ الانتفاخ ببرّه وحبّ الظّهور والآخَر مسحوق إلى حدِّ الاختفاء بخطيئته ورغبته بالاختباء من عين كلّ بشر ويحترق بنار ألم اكتشافه الكبير والسّرّي لحقيقته المقيتة والبائسة ...

المصيبة الكبرى الّتي يمكن أن يقع فيها إنسان هي أن يظنّ نفسه في الوسط، وسط الوجود لمن حوله، وأن يعتقد بأنّه يستطيع أن يُرضي الله بأعمال خارجيّة لا تصدر عن قلبٍ محبّ ومتواضع. هكذا أظهَرَ، هذا المثل، الفريسيّ. هذه ليست شخصيّة خياليّة بل حقيقيّة، أكثر ممّا يمكن لنا أن نتصوّر، لأنّها موجودة في داخل كلّ واحد منّا. كيف ذلك؟! ... سأقول لكم. لنكتشف هذا الأمر علينا أن نسلك درب فحص النّفس بالإجابة على الأسئلة التّالية:

هل حين تصلّي تفرح بنفسك أنّك أتممت ما يجب عليك فعله، أم أنّ الصَّلاة تجعلك ترى خطاياك وزلّاتك ...؟ هل حين تساعد أحدًا تفرح لأنّك ساعدته أم تفرح لأنّه تعزّى؟ هل حين تخدم أحدًا وتبذل أمامه تفكّر في نفسك بأنّك محبّ وخدوم وترى أنّ لك فضلًا على من خدمت؟ هل حين ترى إنسانًا معروفة خطاياه وضعفاته أمام النّاس ترى نفسك أفضل منه؟ هل حين تكون بين النّاس تطلب اهتمامهم أم تهتمّ بهم؟ هل أنت قادر أن تعطي من حاجاتك وأموالك بسهولة وتفرح لذلك؟ هل أنت قادر أن لا تتكلّم على إنسان بالسّوء؟ هل أنت قادر أن ترى أخطاء النّاس وتبرِّر لهم لا  أن تدينهم؟ هل تقبل انتقادًا من أي إنسان؟ هل تستر على خطايا الآخَرين؟ هل تعرف خطاياك؟ ... إجاباتك على هذه الأسئلة وغيرها تعطيك فكرة عن حقيقتك الدّاخليّة ووضعك  الرّوحيّ ومدى اتّضاعك وتكبّرك، مدى أنانيّتك ومدى محبّتك، مدى توبتك ومدى قسوة قلبك ...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، الحياة الرّوحيّة الجدّيّة فيها بذل دم وتعب وألم لكيما يتحرَّر الإنسان من قيود عتاقته. الطّريق بسيط وواضح: طاعة الوصيّة الإلهيّة. لا رأي ولا مشيئة ولا حكمة تعلو على وصية الرَّبّ: ”اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي (...)  إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا. اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي“ (يوحنا 14: 21– 24).

التّوبة ليست عملًا للجبناء بل هي سيرة الأبطال، هي ليست للّذين يتمسّكون بحرف الشّريعة الإلهيّة بل للّذين يطلبون وجه الله، هي ليست عمل يوم بل جهاد كلّ يوم إلى أن نعود إلى الّذي أبدعنا ...

التّوبة هي سيرة الّذين يقولون للرَّبّ: ”لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ“. إنّها إماتة طوعيّة لأفكار الإنسان الدَّهريّة وأهوائه الإنسانيّة الّتي، ربّما، يعتبرها أهل العالم شطارة وحذقًا ونجاحًا وقوّة. طريق الرَّبّ لا ينسجم مع طريق العالم. هذا هو السّؤال الكبير الّذي على المؤمن أن يُجيب عليه: هل تطلب مجد الله فيك أم تطلب مجد النّاس لك؟!

اِعْقِلْ وقرّر لأنَّ في خيارك حياتك أو موتك! ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل) 

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريّة دخول السّيّد إلى الهيكل (باللّحن الأوّل)

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمتلئةَ نعمة، لأنَّ منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، مُنيرًا لِلّذِينَ في الظّلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشّيخُ الصِّدّيق، حاملًا على ذِراعَيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، المُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ويَدَي سمعان كما لاقَ بارَكْتَ. وإيّانا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (2 تيمو 3: 10– 15)

صَلُوا وَأوْفوا الرَّبَّ إلهَنا

اللهُ مَعْروفٌ في أرضِ يهوَذا

يا ولدي تيموثاوس، إنّك قد استقرأت تعليمي وسيرتي وقصدي وإيماني وأناتي ومحبّتي وصبري واضطهاداتي وآلامي، وما أصابني في أنطاكية وإيقونية ولسترة، وأيّة اضطهاداتٍ احتملتُ، وقد أنقذني الرَّبُّ مِن جميعها. وجميعُ الّذين يُريدون أن يعيشوا بالتَّقوى في المسيح يسوعَ يُضطهَدون. أمّا الأشرارُ والمُغْوُونَ من النّاس فيزدادون شرًّا مُضِلِّين وَضالِّين. فاستمِرَّ أنتَ على ما تعلَّمْتَهُ وأيقنتَ به، عالِمًا مِمَّن تعلّمتَ، وأنّك منذ الطّفوليّةِ تعرفُ الكتبَ المُقَدَّسة القادرةَ أن تصيّرَك حكيمًا للخلاص، بالإيمان بالمسيح يسوع.

الإنجيل (لو 18: 10– 14)

قال الرَّبُّ هذا المَثَل: إنسانانِ صعَدا إلى الهيكلِ ليصلّيا، أحدُهما فرّيسيٌّ والآخَرُ عشّار. فكان الفرّيسيُّ واقفًا يُصلّي في نفسه هكذا: ”أللّهمّ إنّي أشكرُكَ لأنّي لستُ كسائر النّاس الخَطَفَةِ الظّالمين الفاسقين، ولا مثل هذا العشّار. فإنّي أصومُ في الأسبوع مرّتين وأعشّرُ كلَّ ما هو لي“. أمّا العشّارُ فوقفَ عن بُعدٍ ولم يُرِدْ أن يرفعَ عينَيه إلى السّماء، بل كان يَقرَعُ صدرَه قائلًا: "اللّهُمّ ارحَمني أنا الخاطئ". أقولُ لَكُم إنّ هذا نزل إلى بيته مبَرَّرًا دون ذاك، لأنّ كلَّ من رفع نفسه اتّضع، ومن وضع نفسه ارتفع.

حول الإنجيل

"اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ"

ما هي الصّلاة المَقبولة عند الله؟ أن نُصلّي ونحن شاعرون أنّنا لا نستحقّ شيئًا، نشعر بخطايانا أنّها السّبب في أنّنا لا نستحقّ شيئًا، أن نقف لا نطلب شيئًا سوى مراحم الله، أن نُصلّي بقلبٍ مُتخشِّعٍ ومتواضع لأنّ ”القلب المُتخشِّع والمُتواضِع لا يَرذُلُه الله“ (مزمور 50).

من صلاة هذا العَشّار تَعَلَّمَتْ الكنيسة صلاة الرَّبّ يسوع، الّتي نردِّدها كالتالي: "يا ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" والّتي مِنْ خلالها عايَنَ الكثير من القدّيسين النّور الإلهيّ، وأيضًا، في كلّ صلوات الكنيسة نُردِّد صلاة "يا رب ارحم". كذلك، يقول الرَّبّ "أريد رحمةً لا ذبيحة". إذا كان الله يُريد رَحمة! فكيف، إذًا ، إن نحن طلبناها من الرَّبّ يسوع؟! ...

عندما كان الفرّيسيّ يُصلّي ويشكر الله من أجل أعماله في طاعة الشريعة، لم يكن يكذب بل نطق بالحقّ، ولم يُدَنْ من أجل هذا ... لكنّه عندما التَفَتَ نحو العَشّار وقال: "إنّي لست مثل هذا العَشّار". لقد ارتكب الإدانة ودِين بها ولم يخرج مُبَرَّرًا، بل كان كبرياؤه الّذي يتكلّم وليست فضيلته. إنّ الكبرياء يجعل الإنسان شبيهًا بالشّيطان، بينما تواضع النَّفس ومعرفة الإنسان لخطاياه الّتي ارتكبها جعلتا اللِّصّ يسبق الرُّسُل إلى الفردوس.

"إنّ الفرّيسيّ ركب مركبةً يجرّها البِرّ مع الكبرياء، بينما مركبة العَشّار تجرُّها الخطيئة مع التّواضع؛ الأولى تحطّمتْ وهَوَتْ، والثّانية ارتفعتْ وعَلَتْ بعد أن غُفرت خطايا العَشّار بتواضعه" (يوحنّا الذّهبيّ الفم).

أيّها الأحِبَّة، يجب أن نحذر من أن ننسى خطايانا لئلّا ننتفخ بالكبرياء، وأن نتذكَّر هذا القول: "إن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله. وإن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله". إذ عرفنا هذا كلّه، فلننظر إلى أنفسنا أنّنا آخر الكلّ، ولو كنّا قد بلغنا قمّة الفضيلة عينها، عالمين أنّ الكبرياء قادر أن يُسقط حتّى السّماويّين إن لم يحذروا، بينما تواضع الفكر يرفع من هاوية الخطايا أولئك الّذين يعرفون كيف يَسْمُون، وهذا ما جعل العَشّار يسبق الفرّيسيّ.

زمن التّريودي

عيد الفصح عندنا هو عيد الأعياد وموسم المواسم. العيد الّذي قضـى على الموت عدوّ البشـريّة وأرجع الفرح للعالم. والكنيسة الأرثوذكسيّة تهيّء المؤمنين لاستقبال هذا العيد بزمنٍ مُبارَك هو زمن الصّوم، حيث تستخدم فيه كتاب صلوات اسمه "التّريودي"، من هنا أتت تسمية "زمن التّريودي". يَحوي هذا الكتاب الكثير من الصّلوات الّتي يتكلّم مضمونها عن معنى الصّوم وأبعاده الرّوحيّة في حياة المُصلِّي. والسِّمَة الغالبة لهذا الكتاب حياة التّوبة والانسحاق والعودة إلى الأحضان الأبويّة. يُغطّي هذا الكتاب عشرة أسابيع من حياة الكنيسة العباديّة، تبدأ بـ"أحد الفرّيســيّ والعشّار" وتنتهي بالأسبوع العظيم المُقدَّس الّذي يسبق عيد الفصح.

الأحد الأوّل من التّريودي مُخَصَّص لإنجيل الفرّيسيّ والعَشّار (التّواضع علامة أساسيّة وسِمَة ضروريّة للمؤمن). الأحد الثّاني يذكر إنجيل الابن الشّاطر (ضرورة العودة بالتّوبة إلى الحضن الإلهيّ). السّبت والأحد التّاليان مُخصَّصان لتذكار الرّاقدين منذ بدء العالم والدّينونة (دعوة إلى الصّحوة الرّوحيّة والتّيقُّن أنّ "الكلّ باطل وقبض الرّيح ولا منفعة تحت الشّمس" كما قال سليمان الحكيم). ثمّ ينتصب في الأحد الرّابع ذكرى فضيلة الغفران كضرورةٍ لا بُدَّ منها للدّخول الكامل في الصّوم المَقبول. تغلب فكرة الإمساك على الصّوم كقوّة مُخلِّصَة. وفي كلٍّ من الآحاد الخمسة الّتي تسبق الشّعانين نَمُرُّ بأوجهٍ تُذَكِّر بالهدف ودُنُوّ الفصح. الأحد الأوّل يركّز على فكرة انتصار الأرثوذكسيّة يوم أعادت الإمبراطورة ثيودورا التّكريم للإيقونات (... ها الكنيسة تتسربل صورة المسيح المتجسّمة كزينة فائقة الجمال ...). الأحد الثّاني مُخصَّص للقدّيس غريغوريوس بالاماس رئيس أساقفة تسالونيكية الّذي أسهم في صون الأرثوذكسيّة بدفاعه عن "الهدوئيّين" ضدّ الّذين اعتبروا أنّ الفكر والعقل البشريّين هما الموصِلان لعلاقة صحيحة مع الله. الأحد الثّالث مُخَصَّص للسُّجود للصَّليب المكرَّم (الكنيسة ظهرت الآن فردوسًا آخَر كالأوّل إذ حوت صليبك عودًا حامل الحياة الّذي بمُلامسَتِنا إيّاه نساهم عدم الفساد). في الأحد الرّابع نذكر أبًا قاد رهبان صحراء سيناء إلى شجرة الحياة، هو القدّيس يوحنّا السّلّميّ كاتب "سلّم الفضائل" الّذي يُعتبر بحقّ أهم كتاب روحيّ ينقل لقارئه سبيل الصّعود درجة درجة نحو الكمال الإلهيّ. الأحد الخامس يُعلّمنا أنّ التّوبة وترك الخطيئة (الابن الشّاطر) والتّدرّج في حياة النّسك للوصول إلى الكمال الإلهيّ (يوحنّا السّلّميّ) ليسا بنظريّات بعيدة عن الواقع المُحقَّق، فيحدثنا هذا الأحد عن القدّيسة مريم المصريّة الّتي مرّتْ بكلّ هذه المراحل، من الظّلمة إلى النّور، من حياة الخطيئة والفجور إلى حياة البِرّ والقداسة. ثمّ يأتي أحد الشّعانين الّذي فيه دخل المسيح مدينة أورشليم متواضعًا جالسًا على جحش ليرفع بَهيميّة الإنسان ويردّه إلى صورة الله ملكًا على البشريّة كلّها وليس على أورشليم فقط. الأيّام الثّلاثة الأولى من الأسبوع العظيم المُقدَّس تُذكِّرنا بانتظار النّفس البشريّة لعريسها الختن الإلهيّ وضرورة الاستعداد اللّائق لهذا اللّقاء. الخميس يذكّرنا بالعشاء السّرّيّ (إنّ السّيّد أوضح للتّلاميذ رسم التّواضع، والمسربِل السّماء بالغيوم ائتزر بمنديلٍ وأحنى ركبته ليرحض أقدام العبيد). تضعنا السّاعات الملوكيّة يوم الجمعة العظيم أمام صليب المسيح كأداة الفداء والخلاص. في مساء الجمعة نتذكّر الإنزال عن الصّليب والدّفن في القبر. دفن المسيح، راحته في القبر، هو بمثابة سبت جديد للخليقة. في السّبت العظيم تقرأ سلسلة نبؤات تحوي إشارات في العهد القديم عن قيامة المسيح. ثم ينتهي كتاب التّريودي بالبروكيمنن "قم يا الله واحكم في الأرض لأنّك ترث جميع الأمم".

مقتطفات للقدّيس أندراوس في التّوبـة وعدم إدانة الآخرين

+ يا إخوة، علينا ألّا نَدين الآخَرين بل نَدين أنفسنا، لكنّنا غالبًا ما نغضّ الطّرف عن خطايانا، ونَدين الآخرين، ونفحص خطاياهم، ولا نعلم إنْ كنّا أكثر صلاحًا منهم، فعندما نَدينُ الآخَرين نصبِح بدورنا مُذنبين، قال السّيّد له المجد: "لا تدينوا لكي لا تُدانوا" (متى 7: 1).

+ الّذي يزني يُخالِف الوصيّة، كذلك الّذي يَدين الإثنان اللّذان تعدّيا الوصيّة الإلهيّـة، الزّاني والّذي يدينه. إنْ رأينا أحدًا يخطئ فلننظر إلى خطايانا، ولنحسبها أكبر من خطايا الآخَرين، لأنَّ الّذي يُخطئ ربّما تاب، بينما الّذي يَدين يبقى على خطيئته.

+ التّوبة خيرٌ كبيرٌ وكذلك الاعتراف لأنَّ الّذي يعترف باستمرار إلى الله ويكشف عن خطاياه يتحنَّن الرَّبُّ عليه ويُضمِّد جراحات نفسه. إذًا يا إخوة، لنبيِّن للرَّبِّ خطايانا لأنَّهُ لنْ يُهيننا بل يشفينا. إنْ صمَتْنا نحن فهو يعرف كلّ شيء، لنذكر خطايانا ولنعترف بها بصدق لكي نكتسب عطفَهُ، لنرفضها لكي نتطهّر منها، آنذاك نكون مستحقّين الدّخول إلى مَلَكوته.

انقر هنا لتحميل الملف