Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 9 كانون الثّاني 2022           

العدد 2

الأحد بعد عيد الظّهور

اللّحن 4 – الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *9: الشّهيد بوليفكتوس، البارّ افستراتيوس *10: القدّيس غريغوريوس النّيصُصيّ، القدّيس دومتيانوس أسقف مليطة *11: البارّ ثيودوسيوس رئيس الأديرة، البارّ فيتاليوس *12: القدّيسة الشّمّاسة الشّهيدة تتيانا والشّهيدة افستاسيا، فيلوثاوس الأنطاكيّ *13: الشّهيدين أرميلس واستراتونيكس، البارّ مكسيموس (كافسوكاليفيا) *14: وداع عيد الظّهور الإلهيّ، الآباء المقتولين في سيناء وريثو *15: البارّين بولس الثّيبي ويوحنّا الكوخيّ.

كلمة الرّاعي 

معمودية الرّبّ في الأردنّ

"وإذا صوت من السّماء قائلَا: هذا هو ابني

الحبيب الَّذي به سُررت..." (مت 3: 17)

            عنوان متناقض، كيف للرّبّ أي الإله أن يعتمد بالمياه لمغفرة الخطايا بحسب معموديّة يوحنّا المعمدان؟! يسوع المسيح الإنسان يجيب يوحنّا المعمدان قائلًا: "دع الآن، فهكذا ينبغي لنا أن نتمّ كلّ برّ" (مت 3: 15). هذا هو التّواضع الأقصى الَّذي لم يستطع يوحنّا أن يفهمه بعقله ولكنّه بتواضعه أطاعه. التّواضع الأكبر يشجّع التّواضع الأصغر، أي أنّ المتواضع يتعلّم ممن لديه تواضع أكثر، لأنّ التّواضع لا ينفصل عن المحبّة كما أنّ المحبّة لا تنوجد دون التّواضع.

            استعلن الله في الأردنّ محبَّة وتواضعًا في سرّ الابن المتجسِّد الَّذي حنى عنقه أمام عبده ليتلقّى منه غسل الماء للتّوبة عن خطايا البشريّة بأسرها هو البريء من أي عيب كإنسان ومصدر كلّ طُهر كإله. محبّة الله الآب لخليقته تجلَّت بإرساله ابنه الوحيد المولود منه قبل كلّ الدّهور خُلوًّا من زمن لكي يبذل نفسه لأجل انتشال الخليقة من براثن إبليس وتحريرها من سطوته عليها بالخطيئة. والرُّوح القدس ظهر بهيئة حمامة لأنّه روح المصالحة وروح تجديد الخليقة وإبداعها من جديد في الابن المتجسّد الحاضر في مياه الموت الَّتي بنزوله فيها يجعلها ماء ولادة لحياة جديدة بالروح الحالّ عليه، "هذَا هُوَ الَّذِي أَتَى بِمَاءٍ وَدَمٍ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ. لاَ بِالْمَاءِ فَقَطْ، بَلْ بِالْمَاءِ وَالدَّمِ. وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ" (1 يو 5: 6).

            الرُّوح القدس الَّذي أسلمه الرّبّ يسوع المسيح على الصّليب (راجع مثلًا مت 27: 50) ليجدّد به الخليقة هو نفسه ظهر بهيئة حمامة عند معموديّته من يوحنّا واستقرّ عليه كإنسان. في يسوع المسيح الإنسان تحقَّقت الخليقة الجديدة في المعموديّة واستُعلنت على الصّليب وتفجَّرت فيها الحياة الجديدة بالقيامة وانسكبت عليها من قيام الإنسان الجديد عن يمين العظمة في الأعالي إذ سكب الآب روحه من خلال ابنه المتجسِّد على كلّ الخليقة في العنصرة.

*          *          *

            ما أعظم محبّة الله لنا نحن البشر. كيف لنا أن نعرفها، ولو قليلًا، بالخبرة؟ الكلام عن محبة الله كثير ولكن المهمّ كيف لنا أن ندخل في خبرة عيش هذا الحبّ الإلهيّ. الله دخل حياتنا دخل الزَّمن عاش فيما بيننا، هذا هو "عمّانويل" الله معنا. الله لم يعد فوق أو غير مُدرَك أو غير منظور، مع أنّه بقي كذلك، ولكنّه صار في ابنه المتجسِّد معنا في كلّ شيء مشاركًا لنا في كلّ ما لنا، برضاه هو وبمشيئته، ما خلا الخطيئة. هو شاء أن يشاركنا طبيعتنا الضّعيفة وبها يغلب إبليس والخطيئة والموت بالتّواضع الأقصى في المحبّة الّتي هي غير المحدودة، هذا التّواضع الَّذي هو موت الخوف من الوِحدة وغلبة الحياة في الحبّ والشّركة...

            حبّ الله لنا في ابنه هدفه ليس فقط أن يعلّمنا المحبّة الإلهيّة بل أن يعطينا إيّاها أن يهبها لنا، لأنّنا لا نستطيع اقتناءها إلّا كعطيّة النّعمة الإلهيّة إذ هي سرّ حياة الله وسرّ وجودنا وأبديّتنا. دورنا أن نتعلّم منه كيف نواضِعُ ونوادِعُ أنفسنا عبر حملنا الصّليب في اتّباعنا له، وبقدر ما نتخلَّى عن أنانا بقدر ما نفسح المجال للنّعمة الإلهيّة أن تفعل فينا. وبقدر ما نشابه يسوع المسيح الإنسان في اتّضاعه وإخلائه ذاته بقدر ما نصير أبناء لله وأحبّاء الله الَّذين بهم يُسرُّ.

            معموديّة يسوع في الأردنّ هي رسمُ موته على الصّليب عن العالم وموت العالم فيه لولادة وخلق جديد به وفيه. إنّها معموديّةُ تَبَنِّينَا من الله في يسوع الَّذي اعتمد لأجل خطايانا، "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ" (رو 8: 15). بِبِرِّ يسوع حصلنا على هبة الحياة الأبديّة والخلاص، لأنّنا به عرفنا الله الآب والله الابن والله الرُّوح القدس ثالوثًا واحدًا ومتساويًا في الجوهر وغير منفصل. الله الآب تبنّانا في يسوع، وما إعلانه عن ذاته في سرّ الابن المتجسِّد الظّاهر في الماء ليعتمد من يوحنا باستقرار الرُّوح القدس عليه بهيئة حمامة سوى كشف علنيّ لصيرورتنا بيسوع أبناء الله الأحبّاء. الإنسان لم يعد عبدًا بعد، لأنّ واضع النّاموس بخضوعه للنّاموس وتعهّده في ذاته لخطايا البشريّة جعلنا نتخطّى النّاموس إذ مات عنه وأمات سلطانه على الإنسان الجديد ووَلَدَنَا فيه أبناءً لله بالنّعمة الإلهيّة أي قادرين بقوّة الله على غلبة الخطيئة والموت وتذوُّق حياة الدّهر الآتي بإخلاء الذّات حبًّا بالَّذي تبنّانا...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

 طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة عيد الظّهور (باللَّحن الأوّل)

باعتمادك يا ربّ في نهرِ الأردن ظهرَتِ السَّجدَةُ للثّالوث، لأنّ صوتَ الآبِ تقدَّمَ لكَ بالشّهادة مُسمِّيًا إيّاكَ ابنًا محبوبًا، والرُّوحَ بهيئةِ حمامة يؤيِّدُ حقيقة الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيُّها المسيحُ الإلهُ، المجدُ لك.

قنداق عيد الظّهور (باللَّحن الرَّابع)

اليومَ ظهرتَ للمسكونة يا ربّ، ونورُك قد ارتسمَ علينا، نحن الّذين نسبِّحُكَ بمعرفةٍ قائلين: لقد أتيتَ وظهرتَ أيُّها النُّورُ الّذي لا يُدنى منه.

الرّسالة (أف 4: 7-13) 

لِتَكُن يا ربُّ رحمَتُكَ عَلَينا              

اِبتهِجوا أيُّها الصدّيقونَ بالرَّبّ

يا إِخوة، لكلِّ واحدٍ منَّا أُعطيَتِ النِّعمةُ على مقدارِ موهبةِ المسيح. فلذلك يقول: لمّا صعد إلى العُلى سبى سبيًا وأعطى النّاسَ عطايا. فكونُهُ صعد هل هو إلّا أنّه نزل أوّلًا إلى أسافل الأرض. فذاك الّذي نزل هو الّذي صعد أيضًا فوق السّماوات كلِّها ليملأ كلّ شيء. وهو قد أعطى أن يكونَ البعضُ رُسُلًا والبعضُ أنبياءَ والبعضُ مبشِّرين والبعضُ رُعاةً ومعلِّمين، لأجلِ تكميل القدّيسين ولعَمَلِ الخدمة وبُنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعُنا إلى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسانٍ كاملٍ، إلى مقدار قامةِ مِلءِ المسيح.

الإنجيل (متى 4: 12-17)

 في ذلك الزّمان، لمّا سمع يسوعُ أنّ يوحنا قد أُسلِمَ انصرف إلى الجليل، وترك النّاصرة، وجاء فسكن في كفرناحوم الّتي على شاطئ البحر في تخوم زبولون ونفتاليم، ليتمّ ما قيل بإشعياءَ النّبيِّ القائل: أرضُ زبولونَ وأرضُ نفتاليمَ، طريقُ البحرِ، عِبْرُ الأردنّ، جليلُ الأمم، الشّعبُ الجالسُ في الظُّلمةِ أبصر نورًا عظيمًا والجالسون في بقعة الموت وظِلالِهِ أشرق عليهم نورٌ. ومنذئذٍ ابتدأ يسوعُ يكرز ويقول: توبوا فقد اقترب ملكوتُ السّماوات.

حول الإنجيل

تدعونا الكنيسة للتَّأمُّل في رواية انطلاق يسوع في كرازته، بعد اعتماده على يد يوحنّا، وبعد انتهاء رسالة الأخير عبر القبض عليه وسجنه. في زمن عيد الأنوار، يُشرق علينا النُّور الأزليّ في شخص الابن المُتجسّد. اليوم ينطلق هذا الابن المُتجسّد في كرازته الملكوتيّة. إنّه يدعونا إلى التَّوبة استعدادًا لحلول ملكوت السّماوات ويطلب الله إلينا أن نحمله في قلوبنا، فيكون ملكًا عليها. التَّوبة هي الخطوة الأساسيّة لكي يسكن الله في قلبي. فهي تجعل من قلبي مكانًا يليق بمن هو ملك، لكنّ مملكته ليست من هذا العالم. اليوم، يخفت الصَّوت لكي يُدوّي الكلمة اليوم، ينتهي دور السّابق ويبدأ دور الآتي اليوم، يُشرق النُّور على الجالسين في الظُّلمة وظلال الموت. اليوم، يستقبل جليل الأمم من سوف يكون نورًا للأمم كلّها. إنّ كرازة يوحنا المعمدان قد اكتملت فعليًّا بظهور من أعلن عن قرب مجيئه ليُعمّد بالرُّوح القدس. وما اعتلان يسوع عند عماده وظهور الثّالوث القدُّوس، سوى إيذان بإنتهاء كرازة المعمدان وانتهاء صلاحيّة العهد القديم، كما ببداية العهد المسيحانيّ. من اليوم، ليسوع أن ينمو، وليوحنّا أن ينقص. ومن اليوم، يستكمل الرَّبّ يسوع دعوة المعمدان للشَّعب بضرورة التَّوبة، استعدادًا للحدث الكبير، حلول ملكوت الله بين البشر، ملكوت روحيّ لا زمنيّ، ملكوت محبَّة ورحمة لا تسلّط... وستكون كرازته كلّها عبارةً عن دعوة للتَّوبة والتَّغيير الجذريّ في القلوب والنُّفوس، وصولًا إلى الكمال والقداسة: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السّماوي كاملٌ هو" (متّى 5: 48). إنّ ملكوت الله المُزمع أن يحلّ، يعني حضور الله وسط شعبه، وهذا ما جسّده الرَّبّ يسوع في تعليمه أوّلًا، وعلى الأخصّ ثانيًا في آياته الّتي هي علامات لحلول هذا الملكوت. فهو على مدى كرازته، أظهر حنان الله ومحبَّتِه ورحمته للبشر إلى أقصى الحدود، الّتي وصلت به إلى الموت، موت الصَّليب. هو صورة الآب الغير منظور، وضياء مجده، ورسم جوهره (عب 1: 3)، وقد أتى لكي يكسر قبضة إبليس ومملكته الّتي استحكمت بالعالم منذ قديم الأزمنة، ويُعيد للجبلة البشريّة الّتي لبسها طاعةً للآب بهاء الخليقة الأوّل. هذا هو إلهنا الّذي يطلب إلينا أن نحمله في قلوبنا، فيكون هو ملكًا عليها، لأنّه هو أساسًا يحملنا في قلبه. وإلّا لما كان هناك من تدبير خلاصيّ.

الحكمة النّازلة من فوق

"وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلًا طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ" (رسالة يعقوب 3: 17)

مصدر الحكمة السّماويّة من فوق، هي نازلة من عرش الله القُدُّوس (حك 9: 4، 9)، يمنحها الله لأولاده المُثابرين المتمسّكين به.

أمّا مميّزاتها فهي:

طاهرة، أي نقيّة بلا غرض مُلتو، تَهَب صاحبها قلبًا طاهرًا وحياةً عفيفة. فكما أنّ الله طاهرٌ (1 يو 3: 3)، وكلامه نقيّ (مز 11: 6)، لهذا فمن يقتـنـي حكمة الله لا يطيق الدَّنَس، بل ينجذب إلى حياة الطَّهارَة متشبِّهًا بالله.

-  مسالِمة، أي مملوءة سلامًا، إذ قيل عنها أنّ كلّ طرقها سلام، إذ بالحكمة ينجذب الإنسان تجاه الله، ويمتلئ قلبه سلامًا ويفيض أيضًا بسلامٍ خارجيّ، ويُنَفِّذْ على الدَّوام هذه الوصيّة "فلنعكف إذًا على ما هو للسَّلام وما هو للبنيان بعضنا لبعض" (رو 14: 19).

-  مترفِّقة، إذ يمتلئ القلب بالسَّلام تجاه الغير ويعمل لبنيان الآخَرين، يترفّق بالكلّ مهما كانت الأخطاء والضُّعفات، واضعًا نصب عينيه كيف يربح الجميع. هذا التَّرفُّق ليس مظهرًا خارجيًّا، بل هو حياةٌ داخليّة، سواء تكلّم الإنسان أو صَمَتَ، أدّب أو انتقد... في هذا كلّه يترفّق ويتحنّن لكن في حزم.

-  مُذْعِنَةٌ، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة: وحيث توجد الطّاعة لا بُدَّ من الثَّمر الصَّالح. وكما تدفع الحكمة الزّائفة إلى الكبرياء وبالتّالي إلى "كلّ عمل رديء"، هكذا الحكمة الحقيقيّة أنّها عمليّة، إذ تدفع إلى الطّاعة، وبالتّالي إلى الرَّحمة والأثمار الصَّالحة.

-  عديمة الرَّيب: أي ثابتة غير متزعزعة ولا منقسمة، لها هدف واحد واضح، تكشف الطَّريق السَّماويّ بوضوح رغم ما فيه من آلامٍ وأتعاب.

 -عديمة الرِّياء: أي لا تحمل في خارجها بخلاف ما في باطنها، بل كما يقول بولس الرَّسول "إنّنا في بساطة وإخلاص الله، لا في حكمةٍ جسديّة بل في نعمة الله، تصرَّفنا في العالم" (2 كو 1:12). وقد حذَّر الرَّبّ يسوع تلاميذه من خـــمير الفَرّيســـــــــيّيــــن الّذي هو رياؤهم.

بالحكمة يحصد الإنسان ثمر البرّ.

من كتاب الشّيخ كليوبّا "أقوال روحيّة"

في مخافة الله

سأذكر لكم قصّة حدثت لأحد القرويّين المسيحيّين في بلدتي: تغرّب هذا  القرويّ عن حياة الفضيلة بسبب تعاطيه السّرقة. رأى، مرّة، في وقت الحصاد، مخازن أحد الأغنياء ملآنة بالقمح فقرّر أن يسرقها؛ وقام بتحضير كلّ ما يلزم لهذا الأمر. جهّز عربته وشدّ إليها ثورين ثم استعدّ للانطلاق ليلًا. ما إنْ رأته طفلته البالغة من العمر 5-6 سنوات، حتّى أخذت تبكي وتصرخ. أرادت أن تركب العربة وتمضي مع أبيها في نزهته! أمّا أبوها، فلكي يهدئ من روعها، فقد أخذها معه. وما إن وصل إلى مقصده، حتّى ترك العربة عند تلّة صغيرة وتقدّم راجلًا باتّجاه المخازن. وإّذ كان القمر بدرًا، في تلك اللّيلة، وخوفًا من أن يكتشف أحد أمره، أخذ يمشي على مهلٍ وهو يتلفّت يمينًا ويسارًا. وإذ اطمأنّ لعدم وجودِ أحدٍ في المكان، شرعَ ينقل حزم القمح إلى العربة. عندها تحرّك قلبُ ابنته فقالت له: "يا أبي، لقد نظرتَ إلى هنا وهناك، ولكنّك نسيت أن تتطلّع إلى فوق، إلى السّماء!" فسألها أبوها: "لماذا عليّ أن أنظر إلى السّماء يا ابنتي؟" فأجابته: "ربّما من الأفضل أن تنظر إلى السّماء أيضًا يا أبي، لأنّي رأيتك تنظر إلى هنا وهناك بحرصٍ". عندها اقشعرّ بدن الأب وانتابه خوفُ الله وعاد إلى نفسه. وبعدَ صمتٍ قصير، أعاد الحزم المسروقة إلى مكانها، والدّمع في عينيه، ثم انطلق هو وابنته عائدَين إلى بيتهما.

وما إن وصلا حتّى أخذ بسرد ما حدث له على زوجته المؤمنة جدًا، فنبّهته من القيام بأفعال لا تُرضي الله. إذ ذاك قال لزوجته: "إليكِ كلمتي ووعدي بأنّي من الآن لستُ أسرقُ بعد! سأنظر في كلّ أمر إلى السّماء أوّلاً لأنّي الآن عرفت أنَّ عين الله ترى كلّ أفعالنا".

 من ذلك اليوم كفّ هذا الإنسان عن السّرقة، ثم ذهب إلى أحد الآباء الرّوحيين واعترف بخطاياه.

فليعطنا الله الكليّ الصّلاح، ونحن الخطأة أيضًا، أن ننظر أوّلاً إلى السّماء، إلى الله الّذي يرى كلّ أعمالنا، لنتمّم مشيئته الإلهيّة.

أنقر هنا لتحميل الملفّ