Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 7 آب 2022     

العدد 32

الأحد (8) بعد العنصرة  

اللّحن 7- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *7: الشَّهيد في الأبرار دوماتيوس *8: القدّيس إميليانوس المُعترف أسقُف كيزيكوس *9: الرّسول متيّاس، البارّ بسويي *10: الشّهيد لفرنديوس رئيس الشّمامسة *11: الشّهيد إفْبُلُس الشّمّاس، القدّيس نيفن بطريرك القسطنطينيّة *12: الشّهيدين فوتيوس وأنيكيتوس *13: وداع التّجلّي، نقل عظام القدّيس مكسيموس المُعترف، القدّيس دوروثاوس أسقف غزّة وتلميذه دوسيثاوس، القدّيس تيخن زادونسكي.

كلمة الرّاعي

التَّجَلِّي حقيقة الإنسان 

ترتّل الكنيسة في سَحَر عيد التَّجَلِّي: "أيُّها المسيح لمّا لبستَ آدم بجملته، غيّرتَ الطَّبيعة الَّتي أُظلمتْ قديمًا، وجعلْتَها لامعةً، وألّهتها بتغيّير صورتك".

كلمة "تَجَلِّي" تَرِدُ في النَّصِّ الإنجيليّ بعبارة"Metamorphosis"  الّتي تعني "تغيّر". المقصود هنا تغيّر "إلى ما بعد الشَّكل- أبْعَد مِنَ الشَّكْل"، فكلمةMeta  تعني "بعد" Beyond، وكلمة(μορφή) morphe  تعني الشَّكل.

طبيعتنا البشريّة صارت مُظلِمَة بعد السُّقوط. ماذا يعني هذا الأمر؟

قبل السُّقوط كان الإنسان يسكن في النِّعْمَة الإلهيَّة والنِّعْمَة تسكن فيه باتّحاد أقنوميّ في حرّيّة الطَّاعة بالمحبّة لله. والنِّعْمَة الإلهيّة هي نور الله غير المخلوق الَّذِي ينبعث من الجوهر الإلهيّ أي من الآب بِالابْن في الرُّوح القدس. كان الإنسان متّحدًا بالإله، بالثَّالوث القدّوس، وشريكًا في حياة الله، في هذه الحياة الإلهيّة الّتي هي شركة الحُبّ الإلهيّ(perichoresis) . كان نور الله يملأ كيان الإنسان، كان الإنسان واحدًا في ذاته، غير منقسم على نفسه، حياته هي عطاء الذّات بالكُلّيّة للخليقة  وشركائه في الطَّبيعة الَّذِين كان واحدًا معهم، كانت حياته هذا الامتداد بالحبّ نحو الله عبر الخليقة والآخَر. هذه كانت حقيقة الإنسان الدَّاخليّة والخارجيّة. عندما سقط الإنسان انقسم على ذاته والكلّ، صار يوجد حاجز من الظُّلمة بين ذاته الخارجيّة وذاته الدّاخليّة، صار داخله غير ما يُظهِر وخارجه غير ما يُبطِن. هو لم يعد يعرف ذاته لأنَّ الخطيئة أَدْخلَتْ إلى كيانه "حائط السِّياج المتوسِّط" (أفسس ٢: ١٤)، هذا الحائط هو الحاجز الَّذِي مُنِع الإنسان بواسطته من الدُّخول إلى الفردوس بعد السَّقْطَة. المسيح أتى ليزيل الحاجز بين الإنسان ونفسه وبين الإنسان والله وبين الإنسان والخليقة، وما تجلّي الرَّبّ أمام تلاميذه سوى إعلانه عن إعادة هذه الوحدة بين الإنسان وذاته والله والخليقة في شخص ابن الله المتجسِّد.

    *   *   *

ها هي النِّعْمَة الإلهيّة تستقرُّ مجدَّدًا في الطَّبيعة البشريّة بواسطة أقنوم يسوع المسيح. ها هو النُّور الإلهيّ غير المخلوق يُنير كيان الإنسان من جديد في يسوع. ما كشفه الرَّبُّ يسوع لتلاميذه الثَّلاثة الشُّهود على حادثة التَّجلّي ليس سوى حقيقة الإنسان الآتية أي طبيعته المتجلِّيَة في ملكوت السَّماوات. هذه حقيقة الإنسان الأنطولوجيّة(ontological)  والآخريّة (eschatological).

الطَّريق إلى هذه الحقيقة الإيمانيّة الّتي عاشها وما زال يَعيشها آباء الكنيسة هو التَطهُّر والإستنارة والتَّألُّه.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)

حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريَّة التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)

لمَّا تَجَلَّيْتَ أَيُّهَا المسيحُ الإلهُ في الجبل، أَظْهَرْتَ مجدَك للتَّلاميذِ حسبَمَا ﭐسْتَطَاعُوا، فأَشْرِقْ لنا نحنُ الخَطَأَة نورَكَ الأزَلِي، بشفاعاتِ والدةِ الإله، يا مانِحَ النُّورِ المجدُ لك.

قنداق التَّجَلِّي (باللَّحن السَّابِع)

تَجَلَّيْتَ أيُّها المسيحُ الإلهُ في الجبل، وحَسْبَمَا وَسِعَ تلاميذُك شاهَدُوا مَجْدَك، حتَّى، عندما يُعَايِنُوكَ مَصْلُوبًا، يَفْطَنُوا أنَّ آلامَكَ طوعًا بـﭑختيارِك، ويَكْرِزُوا للعالم أنَّكَ أَنْتَ بالحقيقةِ شُعَاعُ الآب.

الرّسالة(1 كو 1: 10-17)

الرَّبُّ يُعطي قوَّةً لشعبِه          

قدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله

يا إخوةُ، أطلُبُ إليكم باسم ربِنّا يسوعَ المسيح أن تقولوا جميعُكم قولًا واحدًا وأنْ لا يكونَ بينكم شِقاقاتٌ بل تكونوا مُكتَمِلين بفكرٍ واحدٍ ورأيٍ واحد. فقد أخبرني عنكم يا إخوتي أهلُ خُلُوي أنَّ بينَكم خصوماتٍ، أعني أنَّ كلَّ واحدٍ منكم يقول أنا لبولُسَ أو أنا لأبلُّوسَ أو أنا لِصَفا أو أنا للمسيح. ألعلَّ المسيحَ قد تجزَّأ؟ ألعلَّ بولسَ صُلبَ لأجلكم أو باسم بولسَ اعتمدتم؟ أشكر الله أنّي لم أعمِّد منكُم أحدًا سوى كرِسبُس وغايوس لئلّا يقولَ أحدٌ إنّي عمَّدتُ باسمي. وعمَّدتُ أيضًا أهلَ بيتِ استفاناس. وما عدا ذلك فلا أعلَمُ هل عمَّدتُ أحدًا غيْرَهم. لأنَّ المسيحَ لم يُرسلْني لأُعمِّدَ بل لأبشِّرَ لا بحكمةِ كلامٍ لئلّا يُبطَلَ صليبُ المسيح.

الإنجيل(متّى 14: 14-22)(متّى 8)

في ذلك الزَّمان أبصر يسوعُ جمعًا كثيرًا فتحَّنن عليهم وأبرَأ مَرضاهم. ولمَّا كان المساءُ دَنا إليهِ تلاميذُهُ وقالوا إنَّ المكانَ قَفْرٌ والسَّاعةُ قد فاتَتَ، فاصْرِفِ الجموعَ ليذهبوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعامًا. فقال لهم يسوع لا حاجةَ لهم إلى الذَّهاب، أَعْطوهُم أنتم ليأكلوا. فقالوا لهُ ما عندنا ههنا إلَّا خمسةُ أرغفةٍ وسمكتانٍ. فقال لهم هلمَّ بها إليَّ إلى ههنا. وأمر بجلوسِ الجُموع على العِشْب. ثمَّ أخذ الخمسَةَ الأرْغِفَةَ والسَّمَكتَيْنِ ونظر إلى السَّماءِ وباركَ وكسرَ وأعطى تلاميذه الأرغِفَةَ والتَّلاميذُ أعطَوا الجموع، فأكلوا جميعُهم وشبعوا ورفعوا ما فَضَلَ من الكِسَرِ إثنَتيْ عَشْرَةَ قُفَّةَ مملوءةً. وكان الآكِلونَ خمسَةَ آلافِ رجلٍ سوى النِّساءِ والصِّبيان. وللوقتِ اضْطَرَّ يسوعُ تلاميذَهُ أن يدخلوا السَّفينَةَ ويسبقوهُ إلى العَبْرِ حتّى يصرِفَ الجموع.

حول رسالة (1 كو 10: 10-17)

الآية ١٠: هنا إشارةً إلى عصيان قورح ورفقائه على موسى النّبيّ في العهد القديم ورفضهم سلطانه عليهم (عدد ١٦)، فانشقَّت الأرض وابتلعتهم وبادوا جميعًا. فهذا تحذير للكورنثيّين أنّهم إذا طمعوا في حلم الله وصبره وطول أناته وتعدَّوا وصاياه، جلبوا على أنفسهم الهلاك الرُّوحيّ. إنْ أعطاك الله خيرات فالطَّبيعيّ أنْ تشكره عليها بدلًا من أن تتضايق ممّا ينقصك فتتذمّر. واعلم أنّ كلّ ذلك بسماح من الله لفائدتك.

الآية ١١: تنبيه لمؤمني كورنثوس ألّا يفرطوا في الثّقة بأنفسهم. فوجودهم في وسط وثنيّ يعرّضهم للسّقوط في خطايا الأمم مثلما حدث للشّعب في العهد القديم .

الآية ١٢: هذه هي القاعدة الرّوحيّة الَّتي على المؤمن تعلّمها وهي أنّ الإنسان ما دام على الأرض فهو عرضة للسُّقوط. وكلّ من يتّكل على قُوَّته دون قوَّة الله يكون أكثر من غيره عرضة للسُّقوط.

الآية ١٣: كلمة تجربة تعني اختبارًا أو فحصًا يسمح به الله للإنسان لاختبار ثبات قلبه نحوه. المنفَذ هو وسيلة الخروج من التَّجربة والإحساس بالله واستعادة السَّلام الدّاخليّ.

الآية ١٤: يطلب منهم الرَّسول بولس الابتعاد عن عبادة الأوثان أو الدُّخول إلى هيكلِ وثن، وعدم الاشتراك في ولائم الوثنيّين لأنّه لا شركة للنُّور مع الظُّلمة.

الآية ١٥: يعتبرهم الرَّسول حكماء قادرين أنْ يروا أن قوله يتوافق مع المنطق السَّليم وأنَّ نَهْيَهُم عن مخالطة الوثنيّين هو لفائدتهم وجلب المنفعة الرّوحيّة لهم.

الآية ١٦: كلمة شركة تعني الاتّحاد. فالمساهمة في القدسات (جسد ودم المسيح) تصل بالمؤمن إلى الاتّحاد مع الرَّبّ يسوع .

الآية ١٧: تناولنا من الخبز والكأس تعني اتّحادًا فعليًّا بالمسيح. فالجسد الواحد وإن كان فيه أعضاء كثيرة يبقى واحدًا. هنا تأكيدًا لحقيقة وعقيدة تحوّل الخبز والخمر إلى جسد ودم الرَّبّ في القدّاس الإلهيّ. وإلّا ما كانا يصنعان اتّحادًا وشركة بين المتناولين منهما.

الطّفل ترجمة منزله

قلبُ الإنسان حواسُّه. فالحواسّ هي نوافذ، عبرها يدخل العالم وما فيه، قلبَ الإنسان، فيكوّنه، ويرسم الأفكار والمُعتقدات، ويَقُود الذَّوْق والعاطفة.

لهذا، نقول، بأنّ شخصيَّة أبنائنا، وأفكارهم ومعتقداتهم وسلوكهم، مرتبطة، بالدَّرجة الأولى، بما تلتقطه حواسُّهُم منذ صغرهم، من خلالنا، أو من خلال العالم المُحيط.

بالتَّالي، دورنا الأوَّل كأهل ومربِّين، أن ننتبه للأفكار الَّتي يتبنّاها أبناؤنا، لكَوْنِها ستصير، بعد حين، أقوالهم؛ وأقوالهم ستصير تصرُّفاتهم؛ وتصرُّفاتُهم عاداتِهم، وعاداتُهم سَتُكَوِّن شخصيَّتَهم.

قد لا نستطيع أن نحميهم من كلِّ ما يُحيط بهم من خارج، خصوصًا في هذا الزَّمَن الَّذي يَسعى فيه الشِّرير بكلّ الوسائل لأن يخترق حصنهم الدَّاخليّ، ولكن من المُؤَكَد أنّ باستطاعتنا تحصينهم، قدر استطاعتنا ومعرفتنا، منذ نعومة أظافرهم.

هذا ما يعلّمه القدِّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، بقوله: "إنَّ الجسم الطَّرِيّ (ويُقْصَد به هنا أطفالنا الصِّغار)، يمكن أن يتقبَّل كلَّ تعديل، لأنَّه لم يأخذ بعدُ شكله المُحَدَّد؛ وهكذا، من السُّهولة أنْ نعدِّله مِنْ كلِّ الجَوانِب. ولكنّ جسمًا قاسيًا قد تصلّب تحت شكلٍ مُعَيَّن، لا يستطيع أن يتغيَّر ويأخذَ شكلًا آخر". ويُقدّم الذَّهبيّ الفم أجمل صورة عن العلاقة الَّتي تربط الأهل بأبنائهم، فيقول: "فكِّرْ بأنّكَ مَلِكٌ، وتحت سلطانك مدينة، هي نَفْسُ ولدِك، لأنّ النَّفْس بالحقيقة هي مدينة...".

يظنُّ البعضُ، أنّ الأسلوب النّاجِعْ والأفضل في التَّربية، هو الكلام والوعظ والتَّوجيهات. طبعًا، لهذه أهميّتها، ولكن على الأهل أن يُدركوا حقيقةً راسخة، بأنّ أبناءهم "يسمعون من خلال عيونهم"، أكثر ممّا يسمعون بآذانهم. بمعنى، أنّ أبناءنا، منذ صغرهم، يراقبون ويسجّلون ويحفظون كلَّ ما يدور حولهم من مواقف وأحداث. يجمعونها في ذاكرتهم؛ يتبنَّون بعضها، ويرفضون بعضها الآخر، فيُكَوِّنون بذلك شخصيّاتهم.

فإنْ كنّا نَرْغَب في أن نُرَبّي أبناءنا بشكلٍ صحيح، علينا أوّلًا أنْ "نُرَبّي أنفسنا" بشكلٍ صحيح؛ بمعنى أنْ نَعِي مدى تأثير سلوكنا على نموّ أبنائنا وسلوكيّاتهم. فسلوكنا، بطريقةٍ ما، سيصبح سلوكهم أيضًا.

لن يصدّقنا أبناؤنا إنْ رأَونا نسلك بعكس ما نتكلَّم به. على كلماتنا وتوجيهاتنا أن تكون مُطابِقة لسلوكنا، حتّى يثق أبناؤنا بنا، ويؤمنوا بأنّ ما نقوله، ممكنُ العيش والتَّطبيق. فلا يمكننا أن نوصيهم بأن يفعلوا أمرًا لا نفعله نحن، أو أن ننهيهم عن أمرٍ نفعله نحن أمامهم.

بالتَّأكيد، التَّربية هي المهمّة الأصعب الَّتي تُلقى على عاتق الأهل، ولكن على الأهل أن يدركوا بأنّهم ليسوا متروكين وحدهم. فالرَّبُّ الَّذي "يحفظُ الأطفال" (مز 115: 6)، معهم في هذه المهمّة.

لذا، علينا أن نسلّم أبناءنا لله، عبر الصَّلاة، معهم، ومن أجلهم. ألَّا نحدّثهم فقط عن الله، إنّما أن نحدّث الله عنهم أيضًا. أي أن نذكُرهم دائمًا في صلاتنا. لكوننا، بنعمته فقط، نستطيع أن نحصِّنُهُم ونَحميهم مِنْ كلِّ مكائد الشّرير الَّتي تنتظرهم.

تأمُّلات في التَّجَلِّي

(المطران بولس بندلي)

عيّدت الكنيسة المُقَدَّسَة لتَجَلِّي ربِّنا وإلهِنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح على جبل ثابور، هذا العيد هو محطَّة نورانيّة قبل آلام السَّيِّد ويُلفتنا بنوعٍ خاص إلى أمْرَيْن:

الأمر الأوَّل أنَّه عيدٌ للنُّور الَّذي أتانا نحن البشر وافتقد ظلمتنا الدَّامِسة الَّتي نَكاد نَهْلَك فيها، ظلمة خطايانا الَّتي نتخبَّط فيها. وهذا النُّور الَّذي أشعَّ به وجه الرَّبّ يسوع المسيح النُّور من النُّور هو الَّذي وعدنا به أنّه يمنحنا إيّاه فنصبح متلألئين كالشُّموس وليست الشُّموس الكوكبيّة الَّتي ترافق كوننا الماديّ ولكنَّها الشُّموس الإلهيّة الَّتي يغيب ضوءها، لنتصوَّر كيف أنّ وجهنا البشريّ المُعتِم لَبِسَهُ إلهنا المُتنازل إلينا من أجل تحنُّنِه فجعله يَسطع ضياءً ثابتًا إلى الأبد لأنَّه ليس من صنع هذا العالم الزَّائل.

الأمر الثَّاني هو أنَّ الوجه البشريّ الَّذي أصبح بسبب تشويه الخطيئة له لا صورة له ولا منظر فحمَلَه الإله الكُلِّيّ الجمال، وبصليب قبِل أن يُشوَّه وجهَهُ عليه، كَرَجُل الأوجاع الَّذي يصفه أشعياءُ النّبيّ، أعاد هكذا إلى وجهنا البشريّ صورة الجمال القديم.

ألا نقول للسَّيِّد في قنداق هذا العيد: “تجلَّيتَ أيُّها المسيحُ الإله في الجبل وحسبما وسع تلاميذك شاهدوا مجدك حتّى إذا عاينوك مَصلوبًا يفطنوا أنّ آلامَكَ طَوْعًا باختيارك ويكرزوا للعالم بأنَّك أنت بالحقيقة شُعاع الآب”، متذكِّرين أنّ التَّلاميذ لم يكونوا قادرين أن يشاهدوا المَجْد الإلهيّ لأنّه كما قيل قديمًا لموسى وبعده لإيليّا (الظّاهرين مع الرَّبِّ يسوع في التَّجليّ) لم يكن ممكنًا لبشر أن يُعايِنوا الله ولكنّ نِعْمَة الله أَهَّلَتْ التَّلاميذ الثَّلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا أن يَرَوْا مجدَهُ في يسوع المسيح الإله المُتَجسِّد، مَكَّنَتْهم على قدر ما يستطيع بشر مثلهم أن يتمتَّعوا بالرُّؤيَة الإلهيَّة المَحجوبة عنهم قديمًا، فرَأوْها في مَن تنازَل مِنْ عَلْياء سَمائِهم فحَمَلَ بشرتهم لكي يتمكَّنوا أن يتمتَّعوا ولو بشكلٍ باهِتٍ بمَجْدِ ألوهته.

وإذ يُتابِعون معه المَسيرَة ويَصِلُون هم بأنفسهم إلى رؤية مُعاناة آلامه الخلاصيّة سوف يَدعون أنْ يَعوا أنّ الآلام هي “طَوْعًا باختياره” وسوف ينقلهم مَنْ هو “شُعاعُ الآب” إلى المَجْدِ الإلهيّ ويتمتَّعون به كُلِّيًا في أنوار القيامة المَجيدة.

هذا هو العيد الإلهيّ النّورانيّ الَّذي عّيَّدْنا له، نسألُ الله أنْ يؤهِّلَنا أن نبقى دائمًا مُعايِنين له في أعماق قلوبنا المُلتَهِبَة بنورِ محبَّتِهِ الإلهيّة، آمين.

أنقر هنا لتحميل الملفّ