Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 7 حزيران 2020  

العدد 23

أحد العنصرة العظيم 

أعياد الأسبوع: *7: الشَّهيد ثيوذُوتُس أسقف أنقرة، الشَّهيد باييسيوس (كفالونيَّة)، صلاة السّجدة *8: إثنين الرّوح القدُس، نقل عظام الشّهيد العظيم ثيوذورس قائد الجيش، الشَّهيدة كاليوبي *9: كيرلّس رئيس أساقفة الإسكندريَّة *10: الشَّهيدان ألكسندروس وأنطونينا *11: الرَّسولان برثُلماوس أحد اﻟ 12 وبرنابا أحد اﻟ 70، إيقونة بواجب الاستئهال *12: البارّين أنوفريوس المصريّ وبطرس الآثوسيّ *13: وداع العنصرة، الشَّهيدة أكيلينا.

كلمة الرّاعي 

روح الرّبّ المالئ الكلّ

”فِي الْبَدْءِ خَـــــــــــــلَــــــــــــــقَ اللهُ السَّــــــــــــــــــــــمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَــــــــــــــتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَــــــــــــــالِـــــــــــــــيَــــــــــةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَـــــــــــــــمْــــــــــــــرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْــــــــــــهِ الْمِـــــــيَـــــاهِ“ (تكوين 1: 1—2).

روح الله مجهول علينا لأنَّنا لا نراه (راجع يوحنّا 14: 17)، مع أنّه حاضِر في كلّ الخليقة المنظورة وغـــــــــــيــــــــــــر الـــــــــــــمــــــــنـــــظـــــــورة كـــــــــــونـــــه ”الــــــــــــصّــــــــــانع الحياة (ζωοποιός). ربّما، نحن المسيحيّين نتعاطى ونتواصل مع الله من خلال علاقتنا بالرَّبّ يسوع المسيح، كونه الإله-المتجسِّد، ولكن لا يمكننا أن نعرف الرَّبّ يسوع بدون نعمة الرّوح القدس: ”لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَـــــــــــقُـــــــــولَ: ’يَسُـــــــــــــــــــــــــوعُ رَبٌّ‛ إِلَّا بِــــالرّوح الْــــقُـــــــــــــــدُسِ“ (1كورنثوس 12: 3). الرّوح القدس هو الَّذي يوصلنا إلى يسوع أو بالأحرى يعطينا يسوع، يهبنا إمكانيّة سُكنى المسيح فينا وسكنانا فيه... بالرّوح القدس يُسْكِنُ فينا الثّالوث القدُّوس بالنّعمة الإلهيّة الّتي نقتنيها عبر اتّحادنا بالمسيح يسوع إذ نصير أعضاء في جسده المقدَّس-الكنيسة...

*          *          *

لا ينفصل عمل الثّالوث في سرّ خليقته، الآب هو الَّذي يريد لنا الوجود مع الابن والرّوح، والابن يتمِّم مشيئة الآب في العالم بالرّوح القدس. هكذا، بعد أن جبل الله الإنسان من تراب الأرض، ”وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً“. زُرِع ”الكلمة المبذور“ (σπερματικός λόγος) في آدم الأوّل بالرّوح القدس، فصار آدم على صورة الله... وعلى آدم الثّاني استقرّ روح الله (راجع متى 3: 16) لأنّه بَهَاءُ مَجْدِ الآب، ”وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ...“ (عبرانيين 1: 3). هكذا الابن المتجسِّد كشف سرّ الآب بعمل الرّوح القدس، ولذلك ”مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرّوح الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً...“ (مرقس 3: 29)، لأنّه يُجدِّف على الله الآب الفاعِل بالابن، كون الابن يعمل أعمال أبيه (راجع يوحنا 5: 19—20). الرّوح القدس يعرّفنا بيسوع ومن خلال يسوع يوصلنا إلى الله الآب، لأنّه يأخذ ما هو من الآب بالابن ليهبنا إيّاه (راجع يوحنَّا 16: 13—15)، ليكون عمل الثّالوث واحدًا غير منقسم ولا منفصل في سرّ الوحدة الّتي بالمحبّة الإلهيّة الثّالوثيّة الموهوبة لنا الّتي من الآب بالابن في الرّوح القدس...

*          *          *

 الرّوح القدس هو روح الحكمة، والحكمة هي رمز الابن الكلمة (Logos). العلاقة بين الابن والرّوح يوضحها سفر الحكمة بصورة رائعة، إذ يكشف سرّ  الوحدة بين الرّوح والحكمة، فإنّ الحكمة ”فِيهَا الرّوح الْفَهِمَ الْقُدُّوسَ، الْمَوْلُودَ الْوَحِيدَ ذَا الْمَزَايَا الْكثِيرَةِ، اللَّطِيفَ السَّرِيعَ الْحَرَكَةِ، الْفَصِيحَ الطَّاهِرَ النَّيِّرَ السَّلِيمَ الْمُحِبَّ لِلْخَيْرِ، الْحَدِيدَ الْحُرَّ الْمُحْسِنَ، الْمُحِبَّ لِلْبَشَرِ، الثَّابِتَ الرَّاسِخَ الْمُطْمَئِنَّ الْقَدِيرَ الرَّقِيبَ، الَّذِي يَنْفُذُ جَمِيعَ الأَرْوَاحِ الْفَهِمَةِ الطَّاهِرَةِ اللَّطِيفَةِ“ (حكمة 7: 22-23). هكذا، الرّوح القدس يأخذ ممّا للكلمة الابن ويعطينا (يوحنّا 16: 14). فكما أنّ كلّ ما للآب هو للابن، كذلك، كلّ ما هو للابن هو للرّوح القدس، وكلّ ما هو للروح القدس يعطينا إيّاه بواسطة الابن في الكنيسة من خلال الأسرار الإلهيّة الّتي تُتْحِدنا بالآب. الرّوح القدس هو روح تقديسنا، هو من يجعلنا على صورة المسيح، من يجدِّد فينا سرّ تألُّهنا في هذا الدّهر ومن يحقِّقه في الدّهر الآتي عبر الاتحاد الكامل مع الله الآب باستقرارنا في الابن ليصير الرّوح القدس حياتنا...

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، فلنطلب الرَّبّ بإيمان صادِق وقلب مستقيم نقيّ، لأنّه لا يُخفي ذاته عن محبّيه الأمناء بل يكشف لهم ذاته بروحه ”لأَنَّ رُوحَ الرَّبِّ مَلأَ الْمَسْكُونَةَ“ (حكمة 1: 7)، وهو سيّد الحياة ومصدرها، فلا يناقض الله ذاته، أي أنّ الموت ليس من الله بل من المنافقين الَّذين سلكوا في خداع الافعوان-إبليس. الموت استدعاه الكذب والحياة يستدعيها الحقّ. من يسلك في روح الكذب يجلب على عالمه الزّوال والخراب بكبريائه وريائه، ومن يسعى في طلب الحقّ تتنزَّل عليه الحياة الأبديّة بالرّوح القدس ويجلب على المسكونة حضور ملكوت الله في أورشليم السّماويّة الّتي هي الكنيسة-جسد المسيح من ”لا فناء لملكه“...

لا ننخدعنّ يا أولادي بالأرواح الّتي في العالم، لأنّ ثمار روح الرَّبّ واضحة وجليّة وهي ”مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ“. هذه هي ثمار من يسلك في الحقّ بطاعة الكلمة الإلهيّة، وهذه لا تَخفى لأنّ الرّوح ينادي  الرّوح في من كان مولودًا من الرّوح ...

ومن استطاع أن يَقبَل فليَقبَل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريَّة العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)

مُبَارَكٌ أَنْتَ أَيُّهَا المسيحُ إِلهُنَا، يا مَنْ أَظْهَرْتَ الصَّيَّادِينَ غَزِيرِي الحِكْمَة إِذْ سَكَبْتَ عَلَيهِمِ الرّوح القُدُس، وبِهِمِ ٱصْطَدْتَ الـمَسْكُونَة، يا مُحِبَّ البَشَرِ، المجدُ لك.

قنداق العَنْصَرَة (باللَّحن الثَّامِن)

عندما نَزَلَ العَلِيُّ مُبَلْبِلًا الأَلْسِنَة كانَ للأُمَمِ مُقَسِّمًا. ولمَّا وَزَّعَ الألسِنَةَ النَّارِيَّة دَعَا الكُلَّ إلى اتِّحَادٍ واحِد. لذلك، بصوتٍ مُتَّفِق، نُمَجِّدُ الرّوح الكُلِّيَّ قُدْسُهُ.

الرِّسالَة (أع 2: 1-11)

إِلى كُلِّ الأَرْضِ خَرَجَ صَوْتُهُم

السَّمَاواتُ تُذِيعُ مَجْدَ الله

لمَّا حَلَّ يومُ الخمسِينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهم معًا في مكانٍ واحِد. فَحَدَثَ بَغْتَةً صوتٌ من السَّماءِ كصوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعصِفُ، ومَلأَ كلَّ البيتِ الَّذي كانُوا جالِسِينَ فيهِ، وظَهَرَتْ لهم أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كأنَّها من نار، فٱسْتَقَرَّتْ على كُلِّ واحِدٍ منهم، فامْتَلأُوا كلُّهم من الرّوح القُدُس، وطَفِقُوا يَتَكَلَّمُون بلغاتٍ أُخرى، كما أعطاهُم الرّوح أَنْ يَنْطِقُوا. وكانَ في أُورَشَلِيمَ رجالٌ يهودٌ أتقياءُ من كلِّ أُمَّةٍ تحتَ السَّماءِ. فلمَّا صارَ هذا الصَّوْتُ اجْتَمَعَ الجُمْهْورُ فتحيَّرُوا لأنَّ كلَّ واحِدٍ كانَ يَسْمَعُهُم يَنْطِقون بِلُغَتِه. فدُهِشُوا جميعُهُم وتَعَجَّبُوا قائِلِينَ بعضُهُم لبعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المتكلِّمُونَ كلُّهُم جَلِيلِيِّين؟ فكيفَ نَسْمَعُ كلٌّ مِنَّا لُغَتَهُ الَّتي وُلِدَ فيها، نحن الفرتيِّينَ والمادِيِّينَ والعيلامِيِّينَ، وسُكَّانَ ما بين النَّهرَيْن واليهوديَّة وكبادوكِيَةَ وبُنْطُسَ وآسِيَةَ وفرِيجِيَّةَ وبَمْفِيلِيَة ومِصْرَ ونواحي ليبِيَةَ عند القَيْرَوَان، والرُّومانِيِّين الـمُسْتَوْطِنِينَ، واليهودَ والدُّخَلاءَ والكْرِيتيِّين والعرب، نسمَعُهُم يَنْطِقُونَ بأَلْسِنَتِنَا بعظَائِمِ الله!.

الإنجيل (يو 7: 37-52)

في اليومِ الآخِرِ العظيمِ من العيد، كانَ يسوعُ واقِفًا فصاحَ قائلاً: إِنْ عَطِشَ أحدٌ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ ويشرَب. من آمَنَ بي، فكما قالَ الكتاب ستَجْرِي من بطنِهِ أنهارُ ماءٍ حَيٍّ. (إِنَّمَا قالَ هذا عن الرّوح الَّذي كانَ المؤمنونَ به مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ إِذْ لم يَكُنِ الرّوح القُدُسُ قد أُعْطِيَ بعدُ، لأنَّ يسوعَ لم يَكُنْ بعدُ قد مُجِّدَ). فكثيرونَ من الجمعِ لمَّا سمعُوا كلامَه قالُوا: هذا بالحقيقةِ هو النَّبِيُّ. وقال آخَرُون: هذا هو المسيح، وآخَرُون قالوا: أَلَعَلَّ المسيحَ من الجليل يأتي! أَلَمْ يَقُلِ الكتابُ إنَّه من نسلِ داودَ، من بيتَ لحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ، يأتي المسيح؟ فحَدَثَ شِقَاقٌ بينَ الجمعِ من أَجْلِهِ. وكانَ قومٌ منهم يُريدُونَ أن يُمْسِكُوهُ، ولكِنْ لم يُلْقِ أَحَدٌ عليه يدًا. فجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكهنَةِ والفَرِّيسِيِّينَ، فقالَ لهُم: لِمَ لم تأتوا بهِ؟ فأجابَ الخُدَّامُ: لم يتكلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مثلَ هذا الإنسان. فأجابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: أَلَعَلَّكُم أنتم أيضًا قد ضَلَلْتُم! هل أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفَرِّيسيِّينَ آمَنَ بِهِ؟ أمَّا هؤلاء الجمعُ الَّذينَ لا يعرِفُونَ النَّاموسَ فَهُم ملعُونُون. فقالَ لهم نِيقودِيمُس الَّذي كانَ قد جاءَ إليه ليلاً وهُوَ واحِدٌ منهم: أَلَعَلَّ نامُوسَنَا يَدِينُ إنسانًا إن لم يسمَعْ مِنهُ أوَّلاً ويَعلَمْ ما فَعَلَ! أجابوا وقالوا لهُ: أَلَعَلَّكَ أنتَ أيضًا من الجليل! إِبْحَثْ وٱنْظُرْ، إنَّهُ لم يَقُمْ نبيٌّ منَ الجليل. ثُمَّ كَلَّمَهُم أيضًا يسوعُ قائلاً: أنا هوَ نورُ العالَم، من يَتْبَعْنِي لا يمشي في الظَّلامِ، بل يَكُونُ لهُ نورُ الحياة.

حول الإنجيل

قِصَّةُ العَنْصَرَة كما يَرويها كاتبُ سفرِ أعمالِ الرّسل مُعَبِّرَة جدًّا. فهي تتكلّم على:

- حلول الرّوح القدس على الكنيسة كلّها. فالنّصّ في أصله يتحدّث على الجماعة كلّها. فالمقطع السّابق، الَّذي يتكلّم على اختيار مَتِّيَّا رسولًا ثانيَ عَشَرَ بدلًا من يهوذا الإسْخَرْيُوطِيّ، يبتَدِئ بذِكر الجماعة كلّها: "وفي تلك الأيّام قام بطرس في وسط التّلاميذ ـ وكان هناك جمع عدد أسمائهم معًا نحو مئة وعشرين ـ فقال: ...". ومن ثمّ يأتي المقطع الَّذي يتكلّم على حلول الرّوح القدس على هذا الجمع: "ولمّا حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنَفْسٍ واحِدَة. وصار بَغْتَة من السّماء صوت كما من هبوب ريح عاصِفَة ... وامتلأ الجميع من الرّوح القدس، وابتَدَأُوا يتكلَّمُون بألسنة أُخْرَى ...". ولكنّ فاتِحَةَ هذا المقطع، كما يُقْرَأُ في الكنيسة، تُقَدِّم لنا قراءة للنَّصّ، هكذا: "لمّا حلّ يوم الخمسين كان الرّسل كلّهم معًا في مكان واحد. فحدث بغتةً صوت...". فبدلًا من "الجميع"، أوردت "الرّسل". إذًا، النّصّ يتحدَّثُ، أصْلًا، على حلول الرّوح القدس على الجماعة كلّها، وامتلائهم جميعًا منه. وهو ما تكلّم عليه يسوع في إنجيله: "من آمن بي تجري من جوفه أنهار ماء حَيّ ...".

- الرّوح القدس نَبْعُ وَحْدَةِ البشريّة. فعلى خلفِيَّة حادثة بلبَلَةِ الأَلْسُن أَبَّان محاولة بناء "برج بابل"، الّتي تَرِدُ في سفر التّكوين، والَّتي زادَت في تمزيق وَحْدَةِ البشريّة؛ قدَّم كاتب سفر أعمال الرّسل الصُّورة النَّقيض، حيث يَمْنَحُ روح الله البشر، من كافّة الأمم واللُّغات، أن يتواصَلُوا ويتفاهَمُوا. فحين أراد البشر أن يتَّحِدُوا في مُضَادَّة الله وتحدِّيه، تفرَّقُوا وتشتَّتُوا. أرادوا بلوغ السّماء فعجِزُوا وما وَجَدُوا إلى ذلك سبيلًا. فأَنْزَلَ اللهُ الرّوح السّماويَّ إلى الأرض، آتى أهل الأرض قَبَسًا من النّور الَّذي يَغْشَى السّماوات، فكان نبع وَحْدَة واجتماع. فإنّ وَحْدَة البشريّة إنّما تتأتَّى من انقيادِهِم بروحِ اللهِ للعملِ بمشيئةِ اللهِ وقَبُولِ إنجيله. وهذا ما يجعَلُهُم يتفاهَمُون بلغةٍ واحِدَة "لغة الحبّ الإلهيّ": "لأنّ محبّة الله قد انْسَكَبَت في قلوبنا، بالرّوح القدس المُعْطَى لنا" (الرّسول بولس، رو 5: 5).

وهذا ما عبَّرَ عنه كاتب قنداق عيد العَنْصَرَة، بقولِه: "عندما انحدرَ العَلِيُّ مبلبلًا للألسن، كان للأمم مقسِّمًا؛ ولمّا وزَّع الألسنة النّاريّة دعا الكلّ إلى اتّحاد واحِد، فلذلك نمجِّد بأصوات متّفقَة الرّوح الكلّيَّ قُدْسُه".

 - الرّوح القدس مُنْزِل الشّريعة الجديدة في قلوب أبناء الله. لقد كان عيد العَنْصَرَة، في اليوم الخمسين بعد الفصح، تَذْكَارًا لإعطاء الشّريعة في سيناء على يد موسى. وأعمدة الشّريعة الموسويّة هي الوصايا العشر الَّتي دُوِّنَت على لوحَين حجريَّيْن. لذا، كان ذلك اليوم هو اليوم الأنسب لحلول الرّوح القدس على الكنيسة، فيدوِّنُ "شريعة الله الجديدة"، "شريعة المحبّة"، في القلوب وليس على ألواح حجريَّة، بحسب قول الرّسول بولس: "مكتوبة بروح الله الحيّ، لا في ألواح حجريَّة بل في ألواح قلب لحميّة" (2 كو 3 : 3).

وهذا ما اسْتَوْحَتْهُ ترانيمُ سَحَرِ العيد: "إنَّ الأَلْكَنَ اللِّسَان (أي موسى) لمّا انْحَجَبَ في الغَمَامِ الإلهيّ، كَرَزَ بالشّريعة المدوَّنَةِ من الله ..."، "يا أولادَ البِيعَةِ المُنِيرِيِّ الشَّكل، إِقْبَلُوا نَدَى الرّوح المُتَنَسِّمِ نارًا، ... لأنّ الشّريعة قد خَرَجَت الآن من صِهْيَون بشكلِ أَلْسِنَةٍ نارِيَّة، الَّتي هي نعمةُ الرّوح القُدُس".

(من نشرة الكرمة- أحد العنصرة العظيم- 31 أيّار 2015).

عيد العنصرة (البنديكوستي)

يطلَق عليه اسم العيد الخمسينيّ لأنّه يقع بعد خمسين يومًا من أحد الفصح ويسمّى أيضًا عيد الأسابيع أو عيد الباكورات أي تقديم باكورات القمح. هو عند اليهود بالأساس عيدٌ زراعيّ للشّكر على بركات الحصاد وفي وقتٍ متأخّر صار ذكرى لنزول الشّريعة على موسى النّبيّ في سيناء الّذي كان في اليوم الخمسين لخروج الشّعب من مصر. في العهد الجديد حلّ في هذا اليوم الرّوح القدس على التّلاميذ المجتمعين في عليّة صهيون حيث ظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار واستقرّت على كلّ واحدٍ منهم. وتَرافَق هذا الظّهور مع سماعهم لصوت ريح عاصفة آت من السَّماء. هذا الرّوح كان قد وعد السّيّد تلاميذه بانحداره عليهم كتعزية روحيّة لهم من العلاء (من هنا أتت تسميته بالمعزّي) وذلك بسبب مُفارَقة المسيح لهم بالجسد بعد الصّعود، "خير لكم أن أنطلق لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يوحنّا 7:16). هذا العيد هو بمثابة حصاد فعل الخلاص الّذي تمَّمَهُ الرَّبّ على الصّليب، بالإضافة إلى المواهب والقوّة الّتي نالها التّلاميذ ومن خلالهم الكنيسة، فتحوّل هؤلاء الرُّسل الجبناء الخائفين المَرعوبين والمختبئين خوفًا من اليهود إلى كارزين شجعان بعمل الفداء وببشارة الملكوت في كلّ أصقاع الأرض. هذه النِّعمة العظيمة والقوّة الفريدة وعد بها التّلاميذ على لسان الرَّبّ يسوع، "لكنّكم ستنالون قوّة متى حلّ الرّوح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كلّ اليهوديّة والسّامرة وإلى أقصى الأرض" (أع 8:1). في المَفهوم المسيحيّ يُشير هذا العيد إلى مواصلة التّجليّات الإلهيّة الّتي كانت للملوك والأنبياء وأصفياء الله في العهد القديم مع فارقين اثنين:

في العهد القديم كان الرّوح القدس يعمل من خارج أمّا في زمن النّعمة (العهد الجديد) فهو يعمل من داخل الإنسان المعتمد.

في العهد القديم كان هذا الرّوح يعمل بشكلٍ متقطّع حين تدعو الحاجة وحين يسمح الرَّبّ بذلك في ظروف معيّنة، أمّا في العهد الجديد فالرّوح القدس يعمل باستمرار ولا شيء يحدّه عند الأفراد المؤمنين الأمناء وفي الكنيسة جمعاء.

عيد العنصرة هو تتويج للفصح ونتيجة حتميّة له إذ بعد أن أتمّ المسيح عمل الفداء الخلاصيّ وصعد وجلس عن يمين الآب أرسل هذا الرّوح للرُّسُل وبواسطتهم للكنيسة كلّها. عيد العنصرة عودة لما قبل تبلبل الألسنة في بابل وابتعاد عن حالة التّشويش والفوضى والخراب الّتي أنتجتها الخطيئة. أيقونة العيد تبرز العناصر الثّلاثة المهمّة للعيد: الرَّسول-الصّيّاد، والمسكونة الممثّلة بالشّيخ المتوَّج، والرّوح القدس بشكل ألسنة ناريّة. لماذا بشكل ألسنة وليس بشكلٍ آخر؟ لعلّ السّبب الرّئيسيّ لهذا أنّ رسالة التّلاميذ الأولى كانت البشارة والكرازة والتّعليم والنّطق بالبشارة الإلهيّة بالإضافة إلى عمل الأسرار الإلهيّة المُقدَّسة.

انقر هنا لتحميل الملف