Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 6 شباط 2022              

العدد 6

الأحد 17 من متّى (الكنعانيّة)

اللّحن 8- الإيوثينا 11

كلمة الرّاعي

إمتحان الإيمان

”اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ

فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ

غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ“ (يع 1: 2—4)

معظمنا نريد أن نحيا دون تجارب وضيقات، و”نأمل“ أن يمنحنا الرّبّ دائمًا ما نريده وما نتمنّاه. إيماننا في الكثير من الأحيان نتعاطاه كأنّه سِحرِيّ أي نصلّي ونطلب إلى الله متوقِّعين إجابات واستجابات تحلُّ مشاكلنا وصعوباتنا دون أن يكون لنا دورٌ أو جهد. من يعيش الإيمان ويتعاطاه كأنّه مسألة سِحْريَّة هو بالحقيقة لم يؤمن بعد، لأنّ إيمانه مبنيٌّ على الرّغبة بالعيش السّهل والحلول الّتي لا تتطلَّب منه تعبًا وتضحيات. إيمان كهذا هو إيمان نفسانيّ ويولِّدُ راحة كاذبة لأنّها ليست أصيلة كونها مبنيَّة على معادلات نفس-عقلانيّة (psycho-rationnelles).

من كان إيمانه مبنيًّا على العقلانيّات والنّفسانيّات يتمسَّك بظواهر الأمور في علاقته بالله ويتعاطى الوصيَّة الإلهيَّة كشريعة وليس كقوّة الله. من هنا، يكون عرضةً للانجذاب وراء مظاهِر عيش الوصيّة الإلهيَّة وثمارها المرتبطة بالمشاعر والعواطف والنّشاطِيَّة (activisme). إيمان كهذا لا يفقه شيئًا حول ماهيَّة النّعمة الإلهيَّة وعمل الرّوح القدس في الإنسان ولا حول سرّ الاتّحاد بالله في المسيح...

*          *          *

المؤمن يحيا بالرَّجاء وفيه، ورجاؤه مملوءٌ خلودًا (راجع حك 3: 4)، أي إيمانًا بالحياة الأبديَّة والغلبة على الموت والشّرّ. الإيمانُ يُمتَحَن بالشَّدائد الَّتي تأتي من حسد إبليس للبارّ ومن زبانيَّته الأشرار الطّالبين إهلاك الصِّدِّيق ومن الزّلّات والسَّقطات الّتي نقع فيها. هل كان ليوجد فساد في هذا البلد لولا أنّ الأنانيّة متحكّمة في الإنسان؟!... هل كانت لتُسرَق أموال النّاس لو لم يكن من جشع؟!... هل كان ليُظلم الشّعب الفقير لو يكن من مُستَبدِّين؟!... هل كان ليوجد من فقر لو لم يكن من عبيدٍ للمال؟!... إلخ.

يقول الكتاب: ”كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ.  الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ“ (رو 3: 10—12). هذا هو واقع البشريّة اليوم. لذلك، ”الخلاص بالإنسان باطل“ (مز 59 (60): 11). وما هو الخلاص سوى  الخليقة الجديدة الّتي بالمسيح يسوع (راجع: 2 كو 5: 17 وغل 6: 15).

لا خوف في الإيمان بالمسيح، لأنّ ”الله محبَّة“ (1 يو: 4: 8 و16) ومن فدانا بدمه على الصّليب لن يتركنا نتخبَّط في أمواج هذا العالم إذ هو الوحيد القادر على أن يعطينا السّلام والرّاحة والأمان. وبه  علينا أن نكون بعضنا لبعض موانئ سلام واستقرار، حتّى نكون معًا للعالم أرضًا جديدةً يتجلَّى فيها حضور السّماء بالرَّحمة والعدل والانصاف للمسكين والبائس واليتيم والأرملة وكلّ ذي حاجة.

مسؤوليّتنا، كمؤمنين، هي أن نغيَّر العالم بقوّة وحضور الَّذي افتدانا بدمه الكريم على الصّليب. هذا هو بالحقيقة امتحان إيماننا في هذا العالم...

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، الإيمان ليس مسألة شخصيّة تتعلَّق بالإنسان وحده، لأنّ لا أحد يخلص وحده إذ الكلّ مرتبط بالكلّ. وإلّا فما معنى قولة الرّسول بولس: ”اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ“ (غل 6: 2)؟!... من يؤمن بالمسيح يهتمّ بخلاص العالم كلّه لأنَّ معلّمه وربّه قد أتى لخلاص كلّ العالم!... (راجع مر 16: 15 ويو 1: 9 و4: 42 و12: 47 إلخ.).

إنّ امتحان إيماننا ليس بمدى صبرنا في المِحَن وعليها في انتظار خلاص الله، ولكن بالأحرى هو في مدى مساهمتنا في حمل نور الحقّ والشّهادة له بإزاء الظّلم والكذب والمُمالقة والمُحاباة وفي العمل لأجل الإنصاف والعدالة والمساواة. هذا هو الفرح الَّذي نجتنيه بنعمة الله في عمل الصَّبر الَّذي يكون كاملًا إذا انطلق من محبة الله ومحبّة القريب بالثَّبات في الإيمان دون تقلقل أو تشكيك لأنّ الله أمين أن يمنحنا الغلبة بابنه الوحيد.

لا إيمان بدون صبر ولا صبر بدون رجاء ولا رجاء بدون تحقيق لأنّ كلمة الله صادقة. بهذا الصبّر نعيش الإيمان الحقّ النّقيّ الَّذي هو: ”افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ“ (يع 1: 27) ...

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)

انحدرتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتحنِّن. وقَبِلْتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

طروباريّة الشّهيد إليان الحمصيّ (باللّحن الثّالث)

أيها القدّيس اللّابس الجهاد والطَّبيب الشّافي إليان، تشفّع إلى الإله الرَّحيم أن يُنعِم بغُفرانِ الزَّلّات لنفوسِنا.

طروباريّة دخول السّيّد إلى الهيكل(باللّحن الأوّل)

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمتلئةَ نعمة، لأنَّ منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، مُنيرًا لِلّذِينَ في الظّلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشّيخُ الصِّدّيق، حاملًا على ذِراعَيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (2 كو 6: 15-18، 7: 1)

صلّوا وأوفوا الرّبَّ إلهنا

اللهُ معروفٌ في أرضِ يهوذا

يا إخوةُ، أنتمُ هيكَلُ اللهِ الحَيّ، كما قالَ الله: إنّي سأسكُنُ فيهم، وأسيرُ في ما بينَهم، وأكونُ لهم إلهًا وهم يكونونَ لي شعبًا. فلذلك اخرُجوا من بينِهم واعتزِلوا يقولُ الرَّبُّ، ولا تَمَسُّوا نجسًا فأقبلَكم وأكونَ لكم أبًا وتكونوا أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ يقولُ الرَّبُّ القدير. وإذ لنا هذه المواعِدُ أيُّها الأحبَّاءُ، فلنُطهِّرْ أنفُسنا من كلّ أدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ، ونكمِلِ القداسةَ بمخافَةِ الله.

الإنجيل (متى 15: 21-28) 

في ذلك الزَّمان خرج يسوع إلى نواحي صورَ وصيدا، وإذا بامرأةٍ كنعانيَّة قد خرجت من تلك التُّخومِ وصرخت إليهِ قائلةً: ارحمني يا ربُّ يا ابنَ داود. فانَّ ابنتي بها شيطانٌ يعذِّبها جدًّا، فلم يُجبِها بكلمةٍ. فدَنا تلاميذهُ وسألوهُ قائلين: اصرِفْها، فإنَّها تصيحُ في إثرِنا. فأجاب وقال لهم: لم اُرسَلْ إلّا إلى الخرافِ الضّالَّةِ من بيتِ إسرائيل. فأتتْ وسجدتْ لهُ قائلةً: اغِثْني يا ربُّ. فأجابَ قائلًا: ليس حسنًا أن يُؤخَذَ خبزُ البنينَ ويُلقى للكلاب. فقالتْ: نعم يا ربُّ، فانَّ الكلابَ أيضًا تأكلُ مِنَ الفُتاتِ الّذي يسقط من موائد أربابها. حينئذٍ أجابَ يسوع وقال لها: يا إمراةُ، عظيمٌ ايمانُكِ، فليكُنْ لكِ كما أردتِ. فشُفيتِ إبنتُها من تلك السَّاعة.

حول الإنجيل

"نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!"، يا له من تواضعٍ وحكمةٍ وإيمانٍ نجده في هذه المرأة الوثنيّة. يشعر المَرءُ وهو يقرأ هذا المَقطع الإنجيليّ وكأنَّ الرَّبَّ يعاملُ هذه السّيّدة بقساوةٍ شديدة غير متوقَّعة. ولكن بالحقيقة الرَّبُّ يريد أن يكشف لنا ما تحويه هذه السّيّدة من كنوزٍ نفقدها نحن المسيحيّين.

نحن المسيحيّون اليوم نَعتبر أنفسنا أصحاب وأرباب هذه المائدة الَّتي هيَّأها الرَّبُّ لنا. نحن البَنين، أصحاب هذه الوليمة والمائدة ولنا الحقّ بالتَّمتُّع بما فيها من بركات وخيرات، وتأتي امرأة وثنيّة لتغتذي وتجتني من فُتاتِ هذه المائدة ما تحتاجه وما هي بأمَسِّ التَّوقِ إليه، وأمّا نحن فلا نتذوَّق أيّ شيء ... ألم يقل لنا الرَّبُّ يسوع: "إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ" (مت١١:٨_١٢). ما أحوَجنا في هذه الأيّام العَصيبة إلى تواضع هذه السَّيِّدة الّـــتي رضيت أن تساوي نفسها برتبة الكلاب غير المستحقّين لمشاركة الرَّبّ في وليمته، وذلك كي تحظى بخيرات وبركات الرَّبّ، أمّا نحن أصحاب الدَّعوة، وبسبب كبريائنا وغرورنا لا نعرف شيئًا من خيراتها. ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى حكمة هذه السَّيِّدة الّتي عرفت أين هو الكنز الحقيقيّ وتوجَّهت إليه، أمّا نحن فتركنا هذا الكنز غير مكترثين حتّى بالملكوت السَّماويّ من أجل ملذّاتٍ أرضيّةٍ فانية. ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى إيمان هذه السَّيِّدة الّتي شابهت لِصَّ اليَمين فنالَت مُبتغاها وأيضًا مَدْحَ الرَّبِّ على إيمانها الّذي سرقته منّا نحن فاقديه بالكُلِّيَّة.

لنقف يا أحبَّة وقفةً جدِّيَّة أمام أنفسنا سائلين، هل نملك من التَّواضع والإيمان والحكمة بمقدار حَبَّةِ الخردل الّتي نستطيع بها أن ننقل جبال خطايانا وهمومنا وجبال ملذَّات الدُّنيا عن كاهلنا وننظر إلى ما أعَدَّه الرَّبُّ لنا مِنْ خيرات وبركات ونستحقّ العُرس السَّماويّ المدعوّين إليه؟؟؟

الآن تطلق عبدك

تطالعنا هذه العبارة في إنجيل لوقا وتحديدًا في المقطع الإنجيليّ الّذي يُقرَأ في عيد دخول السّيّد إلى الهيكل الّذي يسمّى أيضًا عيد لقاء الرَّبّ بما أنّه يشير إلى اللّقاء الّذي حصل بين سمعان الشّيخ البارّ والرّبّ يسوع المسيح.

يخبرنا الكتاب المقدّس بأنّ سمعان أوحي إليه بالرّوح القدس أنّه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرّبّ (لوقا 26:2)، لذلك انتظر سمعان وقتًا طويلًا.

إنّ عيدنا هذا هو إتمامٌ لما انتظره سمعان، فعندما رأى الطّفلَ الإلهيَّ عرفه وصرخ: "الآن تطلق عبدك يا سيّد حسب قولك بسلامٍ، لأنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك، الّذي أعددته قدّام وجه جميع الشّعوب. نور إعلانٍ للأمم، ومجداً لشعبك إسرائيل" (لوقا 29:2-32).

لا شكّ أنّ انتظار شخصٍ مهمٍّ يتطلّب نباهةً وحذرًا شديدَين كي لا تفوتنا أيّة إشارةٍ على مجيئه، حتّى عندما يأتي نكون حاضرين لا متلهّين. وبما أنّنا كلّنا ننتظر مثل سمعان مجيء المسيح إلينا لذلك علينا أن نعرف كيف ننتظر، وما معنى أن نكون منتظرين الرّبّ؟

إذا كانت أعيننا الرّوحيّة مفتوحةً حقًّا ونحن ننتظر الرّبّ، سنرى الأمور كما هي على حقيقتها، وسوف نلمس حضوره في كلّ لحظةٍ من حياتنا، سواء كانت في غنى أو فقرٍ، ارتفاعٍ أو اتّضاعٍ، ظلمةٍ أو نور. بالتّالي فإنّ انتظار الرّبّ يعني أن نعطيه اهتمامنا كلّه، وأن نضعه أمامنا مهما كانت الظّروف، وأن نرى حضوره في كلّ شخصٍ وكلّ موقف. وهذا يتمّ أوّلًا من خلال الصّلاة الفرديّة والصّلاة الجماعيّة.

لا يجب علينا أن نُحبَط بسبب ضعفاتنا، ولا أن نتوانى بسبب خطايانا، بل ينبغي فقط أن نتّجه نحو الله بكلّ ما أُوتِينا من قوّةٍ وأن نسعى لنشدّ انتباهنا إليه، فننتظر الرّبّ وهو بالفعل يكشف ذاته لنا. علينا أن نخاطبه في لحظة سهرٍ أو صلاةٍ مرفقةٍ بالصّوم. عندها يوم نلقاه سيكون بذلك فرحنا، وسنصرخ كما أنشد سمعان الشّيخ: الآن تطلق عبدك يا سيّد بسلامٍ فقد أبصرت عيناي خلاصك.

ذبيحة العفّة

كثيرونَ يُشَيِّعُونَ اليومَ أنَّ الاِحتفاظَ بالعفّةِ أمرٌ مستحيل، وأنّ الّذين يَدّعونَ العِفّةَ هُم كاذِبُون. نسمعَ هذا يوميًّا على وسائلِ الإعلام، بِنَوعٍ من التّعميمِ الّذي يؤدّي إلى تثبيتِ الفكرةِ كقاعدةٍ حقيقيّةٍ لا مَفَرَّ مِنها. وكثيرونَ أيضًا يلتفّونَ على الفِكرةِ بِنَوعٍ مِنَ التَّكتيكِ السّياسيّ، فَيُنَظِّرونَ أنّ العلاقاتِ الجنسيّة أمرٌ طبيعيّ، لا علاقةَ لَهُ بالخطيئة، لا سيّما إذا كان "الحُبُّ" يَجمعُ الطَّرفَين. وما أدْراكَ ما "الحُبُّ" الّذي يتحدّثُونَ عنه. لَعَمري، ما هُوَ إلّا الشّهوةُ الدّنيئةُ الّتي يَخضَعُ الإنسانُ لَها لكي يُعفِيَ نفسَهُ مِن الجِهادِ الرّوحيّ.

لقد علَّمَنا آباؤُنا الأبرارُ المتبتِّلُون عن أهمّيّةِ عِفّةِ الجَسَدِ للإنسانِ المسيحيّ. يقول القدّيسُ يوسفُ الهدوئيُّ في إحدى رسائلِه: "ليس ثمّةَ ذبيحةٌ لله أزكى مِن عفّةِ الجسدِ المُقتَناةِ بالجِهادِ الدَّمَوِيّ المُرَوِّع".

نعم، إنَّ المسيحيَّ الّذي يُحِبُّ اللهَ عليهِ أن يَسلُكَ في طريقِ العِفّة، عالِمًا أنّ اقتناءَها لا يكونُ إلّا بالصَّبرِ والسَّهَرِ على النّفْس.

لقد علّمَنا آباؤُنا أنّها تتطلّبُ غَصْبًا للنَّفْس. فكيفَ يبدأ الإنسانُ مسيرةَ الجهادِ هذه؟

تكونُ البداية بِرفضِ الأفكارِ القَذِرة، أي عدم مُسايَرَتِها، عدمِ الاِحتفاظِ بها. الكَسَلُ والتَّراخي لا يَنفعان في هذا المجال، بل يؤدّيانِ إلى خسارةٍ روحيّةٍ فادحة. وهذه هي اليقظةُ الّتي تعلّمُنا إيّاها الكنيسة. إنّها السَّهَرُ على النَّفْس وعدم إعطائها كلَّ ما تشتهي.

والصّلاةُ مُعِينٌ قويٌّ لهذا السَّهَر، تَشحَنُ النَّفْسَ بِطاقةٍ مبارَكةٍ، وتجعلُها قادرةً على الاِنتصارِ والنُّهُوض. يستطيعُ الإنسانُ أن يَكسِرَ الأفكارَ القَذِرةَ بالصّلاة. وما يُعِينُنا أيضًا في هذا الجِهادِ عدمُ مراقبةِ أخطاءِ الآخَرِين، وعدمُ الحِقدِ على المُسيئِينَ إلينا.

ونختمُ الكلامَ بِقَولٍ آخَرَ للقدّيس يوسف الهدوئيّ: "حِينَ يَزني المَرْءُ بِأفكارِهِ تفوحُ منه رائحةٌ كريهة، أمّا إذا جاهدَ ليحفظَ جسدَهُ نقيًّا وذِهنَهُ عفيفًا مِنَ الأفكارِ القَذِرة، فإنَّ حياتَهُ وصلاتَهُ ستصعدانِ إلى السّماواتِ كَبَخُورٍ عَطِر.

(من نشرة الكرمة، 03 كانون الثّاني 2021).

أنقر هنا لتحميل الملفّ