Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

 

الأحد 5 كانون الأوّل 2021

العدد 49                       

الأحد (24) بعد العنصرة

اللّحن 7- الإيوثينا 2

أعياد الأسبوع: *5: سابا المُتقدّس المتوشّح بالله، الشّهيد أنستاسيوس *6: نيقولاوس العجائبيّ أسقف ميراليكيّة *7: أمبروسيوس أسقف ميلان، عمّون أسقف نيتريا *8: البارّ بتابيوس المصريّ *9: تذكار التّجديدات، حبل القدّيسة حنّة، حنّة أمّ صموئيل *10:  مينا الرّخيم الصّوت وإرموجانس وإفغرافُس الشّهداء *11: البارّ دانيال العاموديّ، لوقا العاموديّ، الشّهيد برسابا.

كلمة الرّاعي

أهمّيّة القدّيسين في حياتنا

”كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ“ (1 كو 11: 1)

في هذا الأسبوع القادم علينا نُعَيِّد للعَديد من القدّيسين الَّذين تميَّزوا في حياتهم وشهادتهم وقداستهم منهم القدِّيسين سابا المتقدَّس ونيقولاوس العجائبيّ. لهذين القدِّيسَيْن محبّة خاصّة عند المؤمنين نظرًا لحياتهما الاستثنائيَّة.

*          *          *

وُلِد القدِّيس سابا عام ٤٣٩ م. في قيصريّة كبادوكية، ورقد عام ٥٣٣ م. عن عمر ٩٤ سنة. حياتُه المديدة تميَّزت بالصَّلوات والجهاداتٍ من أجل الكنيسة ومِن أجل معشوقه الإلهيّ أي الرَّبّ يسوع المسيح. وقد لمع هذا القدّيس بالمُحافظة على استقامة الرَّأي (الأرثوذكسيّة) في عصر متأزِّم حيث كان له دورًا جوهريًّا في تثبيت المؤمنين والاكليروس في لإيمان الحقَّ، إذ تميَّزت تلك الحقبة بالصّراع مع المونوفيزيتيَّة. أسّس قدّيسنا، بالإضافة إلى اللّافرا أديار عديدة في الأراضي المُقدَّسة، وقد تجمّع حوله مئات الرّهبان. ولم يتوقّف عمله على تأسيس الأديرة بل أسّس، كذلك، خمسة مآوي فقراءٍ وفنادق لاستضافة الغرباء والآباء العابرين. ومن أهمّ أعماله، أيضًا،  كتاب الأصول (التّيبيكون) الَّذي  يُعرَف باسمه، مثلما يُعرَف "بالأورشليميّ". بالاشتراك مع القدّيس ثيودوسيُوس رئيس أديار الشّركة، سنّ القوانين والتّقاليد اللّيتورجيَّة. وقد حدّد القدّيس سابا أيضًا ترتيب الخِدَم وتفاصيلها وتوزيعها على الأيّام المختلفة ولائحة بالأعياد والتّقويم الّذي تتّبعه. جثمانه حُفِظَ كلّيًّا بلا انحلال إلى يومنا هذا، وهو موجود في ديره وتُجرى به العجائب.

*          *          *

ولد القدّيس نيقولاوس العجائبيّ في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من آسيا الصّغرى في النّصف الثّاني من القرن الثّالث للميلاد. تسقّف على ميرا الَّتي تُعرَف اليوم بـ "دمري" في تركيَّا. المُسلمون جعلوا له عند الكنيسة الّتي قيل أنّ القدّيس كان يُقيم الذّبيحة الإلهيّة فيها تمثالًا لمّا أسموه ”NOEL BABA“. عانى القدّيس نيقولاوس  الاضطهاد في أيّام الإمبراطورَين الرّومانيَّين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس واشترك في المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية سنة 325 م. وكان من الَّذين ضحدوا تعليم آريوس الهرطوقيّ، ويُقال أنّه صفع آريوس حين تكلّم بالتّجديف على المسيح الإله. رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرّابع الميلاديّ واستراحت رفاته في الكنيسة الأسقفيّة هناك إلى أن دهم الموضع قراصنة من باري الإيطاليّة عام 1087 م. فسرقوه  إلى بلادهم حيث ما يزال، إلى اليوم، يَفيضُ طيبٌ فوَّاح الرّائحة من رفاته المُقدَّسة الَّتي تُجرى بها العجائب. أخباره عجائبيّة في أكثر تفاصيلها. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. هو أكثر القدّيسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقًا وغربًا. مثاله في وجدان النّاس عبر القرون، هي صورة الرّاعي الصّالح، على مثال معلّمه. لا يترك إنسانًا يستنجد به إلاّ ويهبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته.

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، مثال هذان القدّيسان العظيمان هو نموذج لنا للقدوة والتّمثُّل. هما لنا مُشدِّدَان في احتمال المشقَّات والتّجارب لأجل الثّبات في الإيمان المستقيم الرّأي، بروح حارَّة ومتَّقدة بالغَيْرَة على كنيسة المسيح وشعبها. ولا يستطيع أن يثبت في الحفاظ على نقاوة الإيمان إلّا من حافظ على نقاوة السِّيرة في طاعة الوصيّة أي من تنقَّى بالتّوبة بواسطة الحبِّ الإلهيّ المطهِّر للقلب والفكر والجسد. محبّة الله لنا وفينا إليه في الآخَر هي نار تُحرِقُ خطايانا وتُقوِّض عروش الأهواء المثبَّتة في قلوبنا عبر اقتبالنا الصَّليب فصحًا محرِّرًا لنا من عبوديَّة إبليس وزبانيّته. من تحرَّر صار رجلًا في المسيح وعامودًا ثابتًا متينا في هيكل الرَّبّ أي من أساساته، كما يقول الرَّبّ في سِفر الرُّؤيا: ”مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ“ (رؤ 3: 12).

من يتجاوب مع محبَّة الله له يقوده الرَّبّ في مراقي المعرفة الإلهيَّة والشَّهادة الَّتي تنطوي على الكرازة بسرّ الله المُستَعلن في يسوع المسيح بالرُّوح القدس وعلى بذل الدَّم والحياة والتّضحية بكلّ شيء لأجل حقّ الإنجيل. يعلّمنا مثال هذين القدّيسَين أن نتشدَّد بالرَّبّ وبروح نعمته الَّذي لا يتركنا نحتاج شيئًا لأنّه أمين إن ثبتنا فيه أن يهبنا كلّ ما نحتاجه للخلاص وأن يجعلنا له منارات ومطارح تجلِّي لمجده وحنانه ورحمته وبركاته.

طريق القداسة مُعبَّد بحَيَوَاتِ وجهادات القدّيسين الَّذين تبعوا الرَّبّ يسوع المسيح راسخين في الإيمان به والاتّكال عليه، وحاملين صليب حبِّه في صلابة الإيمان والشّهادة المستقيمَين، صائرين لنا قدوة ونموذجًا حيًّا في كلّ عصر على فِعلِ روح الرَّبّ وظهوره لنا بهم وفيهم، لنتشدَّد ونتّبع مثالهم في السَّيْر وراء إلهنا المتجسِّد الَّذي شاركنا ما لنا لِيَهبنا ما له القدّيسون اقتنوا ما لله لذلك صاروا على شبهه، وكما هم غلبوا وتقدَّسوا كذلك نحن أيضًا إذ ما اتّخذنا روحهم في السَّير وراء المسيح نصل معهم إلى الرّاحة الأبديّة عبر اقتنائه فينا بالرّوح القدس ليكون الله هو الظّاهِر والمُمَجَّد في الجميع والكلّ في الكلّ.

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)

حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة البارّ المتوشّح بالله سابا (باللَّحن الثّامن)

لِلبَرّيَّةِ غَيرِ المُثمِرَةِ، بِمَجاري دُموعِكَ أَمرَعتَ، وَبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعماقِ، أَثمَرَت أَتعابُكَ إلى مائَةِ ضعِفٍ. فَصِرتَ كَوكَبًا للمسكونةِ مُتَلألِئًا بِالعَجائِبِ، يا أَبانا البارَّ سابا. فابتَهِل إلى المَسيحِ الإلَهِ، أَن يُخَلِّصَ نُفوسَنا.

قنداق تقدمة الميلاد (باللّحن الثّالث)

اليومَ العذراءُ تأتي إلى المَغارة لِتَلِدَ الكلمةَ الّذي قبل الدّهور ولادةً لا تُفسَّر ولا يُنطق بها. فافرحي أيّتها المَسكونة إذا سمعتِ، ومجِّدي مع الملائكة والرُّعاة الّذي سيظهر بمشيئته طفلًا جديدًا، وهو إلهُنا قبلَ الدُّهور.

الرّسالة (غلا 5: 22-26، 6: 1-2 )

يفتخر الأبرارُ بالمَجْدِ                 

رنِّموا للرَّبِّ ترنيمةً جديدة

يا إخوةُ، إنَّ ثمرَ الرُّوحِ هو المحبَّةُ والفرحُ والسَّلامُ وطولُ الأناةِ واللُّطفُ والصَّلاحُ والإيمانُ والوداعَةُ والعفَاف. وهذه ليسَ ناموسٌ ضِدَّها. والّذينَ للمسيحِ صلبوا أجسادَهم مع الآلام والشَّهوات. فإنْ كنَّا نعيشُ بالرُّوحِ فلْنَسلُكْ بالرُّوحِ أيضًا ولا نكُنْ ذوي عُجبٍ ولا نُغاضِبْ ولا نَحسُدْ بعضُنا بعضًا. يا إخوةُ، إذا أُخِذَ إنسانٌ في زلَّةٍ فأصلحِوا أنتم الرّوحيينَ مثلَ هذا بروح الوادعة. وتبصَّرْ أنتَ لنفسِكَ لئلَّا تُجرَّبَ أنتَ أيضًا. إحمِلوا بعضُكم أثقالَ بعضٍ، وهكذا أتِمّوا ناموسَ المسيح.

الإنجيل (لو 13: 10– 17)(لو قا 10)

في ذلك الزَّمان، كان يسوع يعلّم في أحد المجامع يومَ السّبت، وإذا بإمرأةٍ بها روحُ مرضٍ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، وكانت منحنيةً لا تستطيع ان تنتصبَ البتَّة. فلمَّا رآها يسوع دعاها وقال لها: إنَّك مُطْلَقةٌ من مرضِك. ووضع يدَيه عليها، وفي الحال استقامَتْ ومجَّدتِ الله. فأجابَ رئيسُ المجمعِ وهو مُغْتاظٌ لإبراءِ يسوعَ في السّبتِ، وقال للجمع: هي ستَّةُ أيَّامٍ ينبغي العملُ فيها، ففيها تأتون وتَسْتشْفون لا في يوم السبتِ. فأجاب الربُّ وقال: أيّها المُرائي، أليس كلُّ واحدٍ منكم يَحُلُّ ثورَهُ أو حمارَهُ في السّبتِ مِنَ المِذْوَدِ وينطلِق بهِ فيسقيه؟ وهذه، وهيَ ابنةُ ابراهيمَ الّتي رَبَطها الشّيطانُ منذ ثماني عَشْرَةَ سنةً، أمَا كان ينبغي أنْ تُطلَقَ مِن هذا الرّباط يومَ السّبت؟ ولمّا قال هذا، خَزِيَ كُلُّ مَن كان يُقاومهُ، وفرح الجمْعُ بجميعُ الأمور المجيدةِ الّتي كانت تَصدُرُ منهُ.

حول الرّسالة

السّالكون بالرّوح الّذين أخضعوا الجسد بكلّ شهواته وجعلوا الرُّوح تسيّر الجسد لا العكس، لهم ثمار وفضائل ظاهرة قسّمها الرَّسول بولس إلى تسعة أصناف مُقسّمة بدورها إلى ثلاثة أقسام، كلّ قسم له ثلاث ثمرات: محبّة، فرح، سلام، طول أناة، لُطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفُّف. لعلّ أعْظَم هذه الثّمار المحبّة الّتي هي الأساس الّذي ترتكز عليه سائر الفضائل. مِنْ هنا رَتَّب الرَّسول هذه الفضيلة في الأوّل. كلّ هذه الثّمار مُتجانِسَة مع ناموس العهد القديم ولا تتعارض معه بل تكمّله وتَسمو به.

(24، 25، 26): المؤمن الحقيقيّ العائش بالرّوح يصلب جسده بمعنى أنّه لا يستجيب لميوله ورغباته بل يخضعها للرُّوح. فالجسد بأهوائه وشهواته هو الذّات (الأنا) الّتي هي الصَّنَم الّذي يعبده الإنسان الجسدانيّ ولا يتحوَّل عن عبادته إلّا متى انتصر على الأنا وأخضع الجسد للرُّوح. السَّالك بالرُّوح يُميت أعمال الجسد بمعنى أنَّه يُرَوِّض جسده لكي يَنصاع للرُّوح. المَطلوب مِن كلّ واحدٍ منّا أن تنحاز إرادته على طول المَدى لقيادة الرُّوح لنَعيش حياة النُّصرة والغلبة على الخطيئة. العُجُبْ بالذّات آفّة خطيرة تدمِّر كلّ الفضائل، فهي تعني الانتفاخ والكبرياء الّتي هي قمّة الخطايا وأخطرها والّتي حذّرنا منها سليمان الحكيم حين قال: "قبل الكسر الكبرياء وقبل السُّقوط تشامخ الرُّوح" (أمثال ١٨:١٦).

(٦: ١-٢): التَّعاوُن المشترك المُقاد من المَحبَّة إذا نشط في الكنيسة كان علامةً لبدء العودة إلى صحّة المَسيرة الرُّوحيّة. هذه الصّحّة في أساسها ترتكز على عدم إدانة الآخَر في ضعفه بل الشّفقة عليه ومساعدته على التَّخلُّص ممّا فيه لأنّ المحبّة تحتمل كلّ شيء. والرَّبّ يسوع قال: "وصيّة جديدة أنا أعطيكم أن تحبّوا بعضكم بعضًا" (يوحنّا ٣٤:١٣). وإن سألتني كيف أحتمل ضعف الضّعيف ولا أرضي نفسي، أقودك إلى قول الرَّسول بولس: "من يَضعُف وأنا لا أضعف، من يعثر وأنا لا ألتهب؟" (٢ كورنثوس ٢٨:١١).

كان يتكلّم معهم كمن له سلطان. ما هو السّلطان؟

وردت هذه الآية في إنجيل متّى حين قال الإنجيليّ: "لأنّه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (متّى 29:7). الكتبة هم جماعة من اليهود برزت منذ فترة السّبي وما بعد مُشكِّلةً هيئةً قياديّةً وسط الشّعب، وكان دورهم تدوين ونسخ النّصوص المقدّسة لخدمة الشّعب اليهوديّ وتفسيرها بشكلٍ صحيح، ما جعلهم يكمّلون الشّريعة المكتوبة بشريعةٍ أخرى شفهيّة. مشكلة الكتبة أنّهم كانوا يكرّرون الكلمات دون أيّ ترجمةٍ عمليّةٍ لأقوالهم على أنفسهم معتبرين أنفسهم خيرة الشّعب وأصحاب الحقّ وحماة الشّريعة على عكس كلام الرّبّ يسوع الّذي لامس قلوب النّاس كونه ترجمه أوّلًا على نفسه.

يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم مفسِّرًا هذه الآية: "من المنطق أن يحزنوا لصعوبة أقواله، وأن يَخدَروا من رفعة أوامره، فقد كانت قوّة المعلّم عظيمةً بحيث أنّها تمكّنت من الكثيرين وتملّكهم الإعجاب العظيم. خَلَبَتهم حلاوة أقواله، فلم يفارقوه إلى أن أنهى كلامه. بعد نزوله من الجبل لم يفارقه السّامعون، بل لحِقوا به. عظيمةٌ هي محبّة أقواله الّتي غرسها فيهم. ذهلوا من سلطانه. لم يُحِلْهم في ما قاله على شخصٍ آخر مثل النّبيّين إيليّا وموسى، فيما قاله، بل كان يشير إلى نفسه في كلّ مكانٍ كمن له سلطان".

لذلك نرى كيف أنّ الرّبّ يسوع المسيح غرس فيهم محبّة أقواله، أي كلامه الّذي جبله بمحبّته للبشر، وهذه المحبّة هي الّتي جعلته أوّلًا يتنازل لضعتنا ويتجسّد ويقوم من بين الأموات. بالتّالي فإنّ السّلطان هو دائمًا سلطان المحبّة، وهذا ما جعل المغبوط أغسطينوس يقول: "أحبب وافعل ما تشاء"، أي أنّك تستطيع أن تمتلك سلطانًا على النّاس بمحبّتك الصّادقة لهم على مثال الرَّبّ يسوع الّذي مات من أجل من له سلطانٌ عليهم.

في أخبار القدّيس نيقولاوس العجائبيّ

يُروى عن القدّيس نيقولاوس، أنّ أخباره عجائبيّة في أكثر تفاصيلها. حتّى الأخبار الّتي يمكن أن تكون عاديّة عنه سكبتها الأجيال المُتعاقِبَة بقالبٍ عجائبيّ تأكيدًا لطابع سيرته العجائبيّ. فلقد جاء عنه أنّه كان يصوم عن الرِّضاعة في طفوليّته يَوْمَي الأربعاء والجمعة إلّا مرّةً واحدةً بعد غروب الشّمس. وأنّ عَمًّا له، اسمه نيقولاوس أيضًا، كان أسقفًا على باتارا، لمّا سامَهُ كاهنًا تنبّأ بالرُّوح أنّ القدّيس سيصبح أسقفًا يومًا ما، وسيكون تعزيةً وخلاصًا لكثيرين. ولمّا اختير أسقفًا على ميرا كان ذلك بتوجيه مِن مَلاك.

وقد كَتَبَ عنه مثوديوس القسطنطينيّ أنّه عايَن في رؤيةٍ مرّةً، الرَّبّ، يسوع المسيح مجلّلًا بالمَجد، واقفًا به وهو يسلّمه الإنجيل الشّريف ووالدة الإله، من الجهة المُقابِلَة، تضع الصّاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنّا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفًا له.

إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المَرويّة عن القدّيس نيقولاوس تبيّنه رؤوفًا مُحبًّا للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. مرّتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مُسافِرًا فيها. مرّةً استجار به البَحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارَهم. مرّةً أوحى في الصّلاة إلى سفينة محمَّلة بالقمح كانت في عرض البحر فاتّجهت صَوْبَ مقاطعة ليسيّة الّتي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرّتان أنقذ غريقًا من الهَلاك. مرّةً أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرّةً أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم.

يُحْكَى عن رجلٍ اسمه يوحنّا عاش في القرن التّاسِع الميلاديّ في القسطنطينيّة، تَقيّ وَرِعْ يحبّ الله ويكرّم قدّيسه نيقولاوس، أنّه سافر مرّةً في البحر لعمل. وبعد ساعات مَعدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السَّفينة الّتي كان مسافرًا فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلًا. في تلك السّاعة خرج الرَّجل إلى ظهر السّفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتّى اضطربت السّفينة يمينًا ويسارًا فاختلّ توازن الرَّجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم. وغار الرَّجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لن تكن هذه نهاية القصّة. فما أن بدأ الرَّجل بالغَرَق حتّى صرخ في قلبه على غَيْر وَعي منه: "يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!" وما أن فعل حتّى وجد نفسه في غير مكان. وجد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولمّا استمرّ في الصّلاة صارخًا، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردّوا وَعْيَهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتّى فهم الجميع من الرّجل أنّه سقط غريقًا في البحر وأنّ القدّيس نيقولاوس هو الّذي أدركه وأعاده إلى بيته سالمًا مُعافى. فتُحُدُّث بهذا العجب في كلّ القسطنطينيّة وشكر الجميع الله وازدادوا إكرامًا لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقًا به واعتمادًا عليه. أمّا يوحنّا فقيل إنّه والد بطريرك القسطنطينيّة مثوديوس الأوّل الّذي اعتلى سدّة البطريركيّة بين العامين 843 و847 م.

أنقر هنا لتحميل الملفّ