Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 5 نيسان 2020   

العدد 14

الأحد الخامس من الصّوم (مريم المصريّة)    

اللّحن 1- الإيوثينا 9

أعياد الأسبوع: *5: (مريم المصريّة)، الشّهداء كلاوديوس وديودورس ورفقتهما، ثاوذورة التّسالونيكيّة *6: افتيشيوس بطريرك القسطنطينيّة، غريغوريوس السِّينائيّ *7: الشّهيد كليوبيوس، جرجس أسقف ميتيلين *8: الرّسول هيروديون ورفقته وهم من السّبعين *9: الشّهيد أفبسيشيوس، رفائيل ونيقولاوس وإيريني (ميتيليني) *10: ترانتيوس وبومبيوس، ورفاقهما *11: سبت لعازر، الشّهيد أنتيباس أسقف برغامس.

كلمة الرّاعي

 خبرة مريم المصريّة اليوم

فتاة متفلِّتة حتّى أبعد حدود الوقاحة، منذ سنّ الثّانية عشرة، حين تركت منزل والدَيها لتحيا في الإباحيّة. هي اختارت اتّباع شبق جسدها وملذّاته. لم تكن تبغي ربحًا مادِّيًّا من ممارستها للدّعارة، بل إشباع وحش اللَّذَة الَّذي استولى على كيانها نفسًا وجسدًا.

سافرت إلى أورشليم لإرضاء غرورها وزهوِّها بنفسها بغية إيقاع أناس جدد في حبال إغوائها. اختارت أن تصعد في سفينة للحجاج الذّاهبين إلى الأراضي المقدَّسة للاحتفال بعيد رفع الصّليب الكريم المقدَّس. أفسدت العديدن من الّشباب الّذين كانوا على متن المركب.

في يوم العيد، سارت مع الطَّالِبين بركة صليب الرّبّ، وحين وصلت أبواب الكنيسة لم تستطع الدّخول، ليس بسبب الازدحام الكبير، ولكن، لأنّ قوّة كانت تدفعها خارجًا. وقع نظرها على أيقونة والدة الإله الكليّة القداسة، فطلبت إليها أن تحصل على بركة السّجود للعود الكريم وستترك العالم وما فيه لتتوب في المكان الّذي تقودها إليه البتول.

بعد أن تباركت مريم من صليب الرَّبّ، وعلى أثر ذلك، سمعت صوتًا من السّماء يقول لها: "إذا عبرت الأُردنّ تجدين راحةً مجيدةً". من ثَمَّ، ذهبت إلى كنيسة السّابق يوحنّا المعمدان، الّتي على الأردنّ، هناك، تناولت القربان المقدَّس، وانطلقت إلى البرّيّة لتقضي بقيّة حياتها. أمنيتها الأخير كانت أن يمنحها الرَّبّ أن تتناول جسده ودمه قبل أن تغادر هذه الفانية، فأرسل لها الله، بعد سبع وأربعين سنة، الرّاهب-الكاهن زوسيما الّذي ناولها الأسرار الإلهيّة، ومن بعدها رقدت في الرَّبّ. سبع وأربعون سنة قضتها في التّوبة في البرِّيَّة تجاهد ضدّ أهواء التّراب الَّذي فيها إلى أن حباها الله بعد سنيها السّبعة عشرة الأولى أن تتحرَّر من حرب شهوة البدن وأفكارها، وأن تستنير ترابيّتها بنور النّعمة الإلهيّة غير المخلوقة. صراع مرير مع أصعب عدوّ الّذي هو الذّات، الأنا ...

نسكها كان حربًا ضروسًا لا هوادة فيها، لأنّ كلّ خليَّة من خلايا كيانها كانت تتحرَّك بالشَّبَق فتتحرَّق هي بالشَّهوة إذ يطلب البَدَنُ لَذَّة الحواسّ ... غلبتها كانت، بنعمة الله، وبثباتها في أمانتها لوعدها لوالدة الإله الّتي أرشدتها في طريق التّوبة ... شوقها كان أن تساهم القُدُسات الإلهيّة قبل رقادها، وقد حباها الله هذه البركة في يوم الخميس العظيم المقدَّس ... فدخلت الحرّيّة الكاملة بالحبّ الكبير الّذي لأجله مُنِحَت الغفران الكبير ...

*          *          *

اليوم، العالم لا يرى شرًّا في ما كانت تعيشه مريم من عبادة للجنس، لأنّ أسياد هذا العالم يُسوِّقون الحياة على أنّها تواتر ملذَّات الجسد. لذلك، من لا يستطيع إرضاء جسده فهو ليس حيًّا، ولكي يستطيع المرء إشباع أوهام السّعادة بحسب ”حضارة“ عالم اليوم، لا بدَّ له من المال. هكذا صار الإنسان مدمنًا العمل للحصول على المال، ليصرف هذا المال على ملذّاته الّتي يُقنعه بها من يحدِّدون للإنسان طريق السَّعادة ... وإذا لم يكن قادرًا على جني المال، يبيع مبادءه الأخلاقيّة وجسده ليحصل على الإثنين، أي اللَّذَّة والمال ...

عالمنا اليوم مَبيع لأسياد الإعلام والإعلان والسّلطة الَّذين يريدون السّيطرة على البشريّة ليصنعوا منها عبيدًا لهم يقودونهم في الطّريق الَّذي يرسمونه لهم، طريق محاربة الله أي إفساد الإنسان وجعله آلة للعمل وآلة للجنس ... فهل ينجحون؟! ...

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، نحن لسنا أبناء العالم نحن أبناء الله، وهذا يحمِّلنا مسؤوليّة، من جهة، وهو عطيّة ما بعدها عطيَّة، من جهة أخرى: ”لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي ...“ (يوحنَّا 15: 16). نحن المسيحيّين لدينا رسالة إلهيّة خلاصيّة ننقلها للعالم، رسالة رجاء بحياة جديدة في المسيح الَّذي مات لأجلنا ووهبنا أن نقوم معه. مريم المصريّة هي مثال عن قوّة الله الّتي تعيد ولادة الإنسان من فوق بمعموديّة دموع التّوق إلى الموت عن الموت وشوق الرّوح القدس فينا إلى الله منتزعًا إيَّانا، بخبرة لطفه اللّامتناهي وحنانه الَّذي لا يُسبَر غوره، من براثن تنِّين الأنا، وهي، أيضًا، نموذج لنا عن حقيقة قيامة الإنسان في المسيح إلى فرح الحبّ الإلهيّ وجِدَّة الحياة بالتّوبة.

*          *          *

اليوم، نحن مدعوون لنتمثَّل بمريم في عزلتها النّسكيّة للتّوبة في بيوتنا، خاصّةً في زمن الكورونا الَّذي يجبرنا على الانكفاء كلّ إلى منزله حفاظًا على نفسه وعلى الآخَرين. فلنجعل بيوتنا برِّيّة توبة، ولنتشوَّق بالتّوبة إلى المسيح، الَّذي نحن محرومون من مساهمة جسده ودمه الإلهيَّين، لكيما نتنقَّى كالمصريّة بدموع المعرفة الكيانيّة لسقوط البشريّة الّتي فينا والّتي نحملها كلّها في ذواتنا، لنرفعها إلى الرَّبِّ مع زفرات قلوبنا ذارفين عَبَرَات الشّوق للرجوع إلى الأحضان الأبويَّة ...

أيُّها الأحبّة، رجاؤنا بالرَّبِّ لا يمكن أن يخيب، نحن على ثقة تامَّة بعناية الله ورحمته، لكن علينا مسؤوليّة أن نساهم بالوعي والصّبر والحكمة لتعبر هذه الأزمة الوبائيّة الّتي يعيشها العالم كلّه بأقلّ الأضرار على الجميع. لتحقيق هذا الأمر، علينا جميعًا الالتزام بالإرشادات الّتي تطلبها منَّا الجهات المختصَّة وأن نتحمَّل زمنًا يسيرًا بُعدَنا عن اللّقاء الجسديّ مع بعضنا البعض وعن مشاركتنا صلوات هذا الزّمن المبارك في الكنيسة، مستفيدين من هذه الخبرة لندخل في عمق الحياة الجديدة في المسيح بالتّوبة الصّادقة والاتِّضاع بالتَّخلِّي عن المشيئة الذّاتيَّة وحمل كلّ إنسان حولنا في صلاتنا وسعينا لمشاركة الخيرات فيما بيننا لكي لا يكون حولنا من لا يستطيع أن يؤمِّن حاجاته ...

هذا هو صومنا الحقيقيّ وصلاتنا الحارَّة وشركتنا في المسيح الحاضر أبدًا معنا وفيما بيننا ...

ألا منحنا الله جميعًا أن نتوب إليه ليتوب إلينا في فصح متجدِّد فينا أبدًا ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروبارية القدّيسة مريم المصرية (باللّحن الثّامن)

بكِ حُفِظَتْ الصّورةُ باحتراسٍ وَثيق أيَّتها الأمُّ مريم، لأنَّكِ حملتِ الصّليبَ وتبِعْتِ المسيح، وعَمِلتِ وعلَّمتِ أن يُتغاضى عن الجسَدِ لأنَّه يَزول، ويُهتمَّ بأمورِ النّفسِ غير المائتة. لذلك تَبتهِجُ روحُكِ مع الملائكة.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (عب 9: 11– 14)

صَلُّوا وأوفوا الرَّبَّ إلهُنا

اللهُ مَعْروفٌ في أرضِ يهوذا

 يا إخوَةُ، إنَّ المسيحَ إذْ قَدْ جاءَ رَئيسَ كَهَنَةٍ للخيراتِ المستقبلةِ، فبمَسْكنٍ أعظَمَ وأكمَلَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بأيدٍ، أيْ ليسَ من هذه الخليقةِ وليسَ بدمِ تُيُوسٍ وعجولٍ بَلْ بدمِ نفسِهِ دَخَلَ الأقْداسَ مرَّة واحدةً فوَجَدَ فِداءً أبَديّا. لأنَّهُ إنْ كانَ دَمُ ثيرانٍ وتيوسٍ ورَمادُ عِجلةٍ يُرَشُّ على المُنجَّسينَ فيُقَدِّسُهُمْ لتطهيرِ الجسدِ، فكَمْ بالأحرى دَمُ المسيح الذي بالرُّوح الأزَليِّ قَرَّبَ نفسَهُ للهِ بلا عيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائرَكُم منَ الأعْمالِ الميتة لِتعْبُدُوا اللهَ الحيَّ.

الإنجيل (مر 10: 32– 45)

في ذلك الزّمان، أخَذَ يسوعُ تلاميذَهُ الإثْنَي عَشَرَ وابْتَدَأ يَقولُ لَهُم ما سيَعْرُضُ لَهُ: هُوذا نَحْنُ صاعِدونَ إلى أورَشليمَ، وابنُ البَشَرِ سَيُسَلَّمُ إلى رؤساء الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ فَيْحكُمونَ عَلَيْهِ بِالموْتِ وَيُسَلِّمونَهُ إلى الأمَم فَيَهْزَأونَ بِهِ ويَبْصُقونَ عَلَيْهِ وَيَجْلدونَهُ وَيَقْتُلونَهُ وفي اليَوْمِ الثالثِ يَقومُ. فَدَنا إليْهِ يَعْقوبُ ويَوحَنّا ابنا زَبَدى قائلينَ: يا مُعَلِّمُ نريدُ أنْ تَصْنَعَ لَنا مَهْما طَلَبنا. فَقالَ لهُما: ماذا تُريدانِ أنْ أصْنَعَ لَكُما. قالا لَهُ: أعْطِنا أنْ يَجْلِسَ أحَدُنا عَنْ يميِنكَ والآخرُ عَنْ يساركَ في مَجدِكَ. فقالَ لَهُما يسوعُ: إنَّكُما لا تَعْلَمان ما تَطْلُبان. أتستطيعانِ أنْ تشرَبا الكأسَ التي أشرَبُها أنا وأنْ تَصْطَبِغا بالصبْغَةِ التي أصْطَبِعُ بِها أنا. فقالا لَهُ نَسْتَطيع. فقالَ لَهُما يسوعُ: أمَّا الكأسُ التي أشْرَبُها فَتَشْرَبانِها وبِالصبْغةِ التي أصْطَبِغُ بِها فَتَصْطَبِغان. أمَّا جُلوسُكما عَنْ يميني وَعَن يَساري فَلَيسَ لي أنْ أعْطِيَهُ إلاّ للذينَ أُعِدَّ لَهُمْ، فَلَمَّا سَمِعَ العَشرَةُ ابْتدَأوا يَغضَبونَ على يعقوبَ ويوحنا فدَعاهُم يسوعُ وقالَ لَهُم قدْ عَلِمْتُمْ أنَّ الذينَ يُحْسَبونَ رُؤَساءَ الأمَم يَسودونَهَم وَعُظماءَهُم يَتَسلَّطون عَليْهم وأمَّا أنْتُمْ فَلا يَكونُ فيكمْ هكذا ولكِنْ مَنْ أرادَ أن يكونَ فيكم كبيراً فليَكُنْ لَكُمْ خادِماً وَمَن أراد أن يكونَ فيكمْ أوَّلَ فَلْيَكُنْ للجميع عَبْداً، فإن ابنَ البَشَرِ لَمْ يَأتِ ليُخْدَمَ بَل ليَخْدُمَ  وليبذل نفسَهُ فِداءً عَنْ كثيرين.

حول الإنجيل

إنّ الرَّبّ يسوع يهيّء تلاميذه لآلامه وموته، ويخبرهم بأنّه سوف يُسَلَّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة والّذين سوف يحكمون عليه بالموت. موضِحًا أنّه بصعوده إلى أورشليم سيتمّم الأمر الإلهيّ الّذي تجسّد من أجله وهو الفداء وشفاء الطّبيعة البشريّة من موت الخطيئة حيث أنّه بموته ستتمّ الغلبة على الموت، ذلك أنّ الرَّبّ يسوع قد سار نحو الآلام باختياره وبسابق معرفته.

ويستحضرني عند قراءة هذا المقطع الإنجيليّ التّرنيمة من قطع الإينوس في صلاة الختن الأولى أي يوم أحد الشّعانين مساءً وفيها يقول المرنّم: "إنّ الرَّبّ لما كان آتيًا، إلى الآلام الطّوعيّة قالَ للرُّسُلِ في الطّريق: ها نحن صاعدون إلى أورشليم وسيُسْلَم ابن البشر، حسبما كُتب عنه. فهَلُمَّ إذًا معنا يا إخوة، لنصحبه بضمائر نقيّة ونُصلَب معه ونَمُتْ من أجله بلَذّات العمر، لكي نعيش معه ونسمعه قائلًا: لستُ صاعدًا إلى أورشليم الأرضيّة لكي أتألّم، بل، إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، وأرفعكم معي إلى أورشليم العلويّة في ملكوت السّماوات".

إنّ كاتب هذه التّرنيمة فهم سرّ هذا الصّعود إلى أورشليم أنّه ليس صعودًا إلى أورشليم الحسّيّة المادّيّة حيث السّلطة الزّمنيّة، بل هو صعود إلى أورشليم العُلويّة. وأنّ هذا الصّعود هو صعود لكلّ ذريّة آدم. وأنّ صعود ذريّة آدم إلى الملكوت أصبح مُمكِنًا مع الرَّبّ يسوع. وأنّ هذه الإمكانيّة مُعطاة لكلّ إنسان يَقتَبل إراديًّا أن يُشارك الرَّبّ يسوع في مسيرته الإورشليميّة نحو الصّليب، فالمطلوب إذًا، أن نَعي أنّ حديث يسوع عن الآلام في الإنجيل هو انسكاب للحُبّ الإلهيّ علينا ومِن أجلنا، وأنّ تلقّفنا للحُبِّ الإلهيّ واشتراكنا الطّوعيّ مع يسوع في مَسيرته نحو الصّليب هو الطّريق الّذي يفتح أمامنا باب الفردوس ويُعطينا أن نفهم سرّ الحياة الحقيقيّة. والحياة الحقيقيّة هي في وَعينا لسِرِّ الحُبّ الإلهيّ، وعندها فقط لا نعود نحسب لأيّ شيء في هذه الحياة من حساب فنُرَدِّد مع الرَّسول أنّ "لا عُلوّ ولا عُمق ولا حياة أخرى تقدر أن تفصِلَني عن محبّة الله الّتي في المسيح يسوع" (رو 8: 39) وهكذا نَستهين بكلّ أمر دنيويّ ونحسبه خسارة، أمّا محبّة المسيح فهي كلّ الرّبّح.

ومن يكتشف سِرَّ الموت عن الأنا أي سِرّ الحُبّ الإلهيّ، لا يخاف لا من "الكورونا" الوَباء الجديد المُنتشِر بقُوَّة ويَحصد الآلاف ولا من أي مرض أو ضيق فيُرَدِّد مع الرَّسول "لإنّنا إنْ عِشْنا فللرَّبِّ نعيش وإن متنا فللرَّبِّ نموت، فإن عشنا وإن متنا فللرَّبِّ نحن" (رو 14:8). إذًا، المرض الذَّي يأتي   علينا نتقبَّله كصليب، ولكنَّنا لا نعرِّض أنفسنا ولا نرمي ذواتنا في تجربةٍ طوعًا لئلَّا نوجَد مجرِّبين لله. أمّا، إذا تعرَّضنا للمرض وارتضيناه بتوبةٍ خالصةٍ، حينئذ، يتحوّل فينا إلى نعمة، وعندها نستحقّ القول المسيح قام حقًّا قام. آمين.

الثّبات في الإيمان

"بصبركم تقتنون نفوسكم".!. (لوقا 21: 19).

"لا لنا يا الله... لا لنا... بل لإسْمِكَ أَعطِ المجد".!.

ونقف نحن الإنسانَ، الآن، إذ نقتربُ من إغلاق أَبوابِ أَنانا، لندخل رافعين الرّأسَ إلى وجه مسيحنا لنفتّق سِرَّ نُطْقِهِ... كلمتَهُ... وصرخته:

"إغفر لهم يا أَبتاه... لأَنّهم لا يدرون ماذا يفعلون".!.

هكذا يبقى سِرُّ الأَلَمِ الّذي لا يستطيع الإنسانُ أَن يُفَتِّقَهُ، وهو عقدة البشريّة الّتي ظَنَّتْ مُدَّعِيَةً أَنّها هي سيّدة الحياة الموقِنَةَ، أَن لا عيش بدون سرِّ المعرفَةِ، والعِلْمِ والثّقافات الّتي يسعى الإنسان لإزالة ما تقدِّمُه له... بَل ليصل إلى المعرفة؛ أَنّه هو ليس الإله.!.؟.

يا ربّي يا ربّ: "... مَن هو الإنسان حتّى تَذْكُرَهُ أَو إبن الإنسان حتّى تَفْتَقِدَهُ... أَنقصته قليلًا عن الملائكة، بالمجدِ والكرامة كلَّلته، وعلى أَعمال يديك أَقمتَهُ"..؟!.. (مز 8: 4).

أَهذا هو سِرُّ التّدبير الوحيد لخلاص البشريّة من موتها الحتميّ أَو انتقالها إلى حياة مائتة، أَو إلى حياة لا موت فيها.؟!... من الحياة الّتي أَعطاها "ربُّ القوّات" إيّاها... جاعلًا منها حياة خاصّته... وخاصّته لم تقبله بها.!؟.

الإنسان يهرب من الموت الّذي فيه، إذا عرف أَنّ الإله يسكن في كيانه.!..

مخيف هو الوقوع في يدي الإله الحيّ.!.

البشريّة لم تُحبِب خالقها.؟!. يعني أَنّها لم تُحِبّ ما قدَّمَهُ لها الإله من حياة جديدة، لا تتجدَّد إلّا بالحبّ الإلهيّ.!!...

لماذا يخاف الإنسان "الحبّ الحقيقيّ النّقيّ".؟!. أَو المنقّى من الأَهواء الجسديّة الّتي تُسيطر على البشريّة.؟!. أَلأَنّ الإنسان لا يسمح للإنسان بخوضِ التّجربة حتّى النّهاية.؟!.

أَصحيح أَنّ الإنسان بأَهوائه وبجسدانيَّته لن يستطيع ضبط نفسه من عيش (الميوعة المليئة بالأَهواء الجسديّة) مهما تحوّل معيار ضربه لأَحاسيسه أَو ضبطها.؟!.

وقال الرّبّ يسوع إلهنا: "تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب... تجدون راحة لنفوسكم"... (متّى 11: 29).

هذا الإيداع للكلمات الأَخيرة، هي الكلّيّة الّتي يبني عليها المسيح الرّبّ حياتنا، لنحيا منه، معه وفيه.!!.

لكنْ قبل يا أَحبّتي... علينا بصبرنا أَن نقتني الملكوت.!!.

قال كتاب المزامير: "صبرًا صبرتُ للرّبّ وهو أَصغى إليَّ ومن جميع أَحزاني خلّصني".!!... ما هي الأَحزان الّتي خلّص الرّبّ الإنسان منها.؟!!.

إسمعوا يا جميع أُناس الأَرض.!.

"الخلاص الحقيقيّ"، هو بإنتقال كلّ إنسان من بيته العتيق (الإنسان العتيق) الّذي يساكنه من يوم إدراكه عَطَبَهُ الحقيقيّ الّذي، يوآكله ويحيا معه (ويضربه) بحائط معرفته وإدّعاءاته، ليجرَّهُ إلى ملء أَو كلّيّة البكاء على ماضيه، وإقتبال ما يرسله له الرّبّ الإله، مهما كان ذاك صعبًا.!.

كلّ جهد الإنسان المؤمِن لا ينفع شيئًا، ولا حتّى في القبول الطّوعيّ لكلّ ما يحصل معه... إذا لم يقتني "الوداعة".!.

هذا هو الحبّ الجديد، المتواضع البسيط، في قول ثمّ عيش ببساطة «النَّعم... واللّا».!!...

انقر هنا لتحميل الملف