Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 5 شباط 2023      

العدد 6

أحد الفَرّيسيّ والعشّار

اللّحن 1- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *5: أحد الفرّيسيّ والعشّار، الشّهيدة أغاثي *6: الشّهيد إليان الحمصيّ، القدّيس بوكولوس أسقف أزمير، القدّيس فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة *7:القدّيس برثانيوس أسقف لمبساكا، البارّ لوقا *8: القدّيس ثاوذوروس قائد الجيش، النّبيّ زخريّا *9: وداع عيد الدّخول، الشّهيد نيكيفورُس *10: الشّهيد في الكهنة خارالمبوس العجائبيّ، البارّ زينون *11: الشّهيد في الكهنة فلاسيوس ورفقته، القدّيسة الملكة ثاوذورة أفغوستي.

الكلمة الإفتتاحيّة 

زمن التَّهيئة...

بِرٌّ ذاتيّ، أم تواضعٌ وتوبة

في مثل هذه الأيَّام نحن على أهبّة الاستعداد لاستقبال أجمل أيّام السَّنة... فيستيقظَ فِكرُنا على أمرٍ يشغلنا بعفويّةٍ في مساحةٍ مِن لاوَعْيِنا!! نتنبّه فيوقِظُنا إخلاص زكَّا العَشَّار، وصدقُ دافعه في عيش رغبته. تلك الرَّغبة الَّتي جعلته يسعى قُدُمًا بتواضع إمكانيّته، حتّى تكلّل سعيه بوصوله لهدفه.

نحن كمسيحيّين نتهيَّأ لصوم الفصح المبارك، وليس لنا هدفٌ غير الوصول إلى شخصِ المسيح.  المسيح هو فكرنا وهدفنا وحياتنا، وبذات الوقت الطَّريق الَّذي نخطو خُطاه لنصل منه إليه. مستلهمين من شخص زكّا الَّذي استطاع أن يُجنِّد طاقته كلّها الَّتي انبلجت من معين رغبته: فَوصَل.

هذا الأحد له هدفٌ مماثل، وهو أن ننالَ مِنَ المسيح قبولًا، حيث يأتى المسيح كعادته إلينا، ويبقى انطلاقنا نحوه متوقّفًا على مدى إصغائنا وعمق فهمنا للمَعاني الَّتي يطرحها علينا في الإنجيل على هيئة أمثال. والمثل الآن يقتصر على شخصين: أحدهما فَرّيسيّ والآخر عَشَّار، وكِلاهما يحمل الرَّغْبَة نفسها. رغبة الوقوف أمام وجه الله وإرضائه، لكنَّهما لا يتمتَّعان سويَّةً بذات الطَّريقة! لأنّنا نجد أنَّ كُلًّا منهما توجَّه نحو رَبِّه بصلاة. فالفَرِّيسيّ مثلًا كانت صلاته تقوم على الافتخار بنفسه، فاستعمل فيها صيغة (أنا) خمس مَرّات، أمّا صلاة العشَّار فتبدأ بوقوفه بمكانٍ مُنْزوٍ، لكي لا يراه النّاس، لكنّه كان الوحيد الَّذي يرى ذاته بمنظار نفسه، فشعر بالاستياء منها؛ علاوةً على ذلك لم يتجرَّأ على النَّظَر إلى فوق، حيث يُقيم الله، كما فعل الفَرِّيسيّ!! بل استبدل ذلك بالقَرْعِ على صدره، "وصلّى" قائلًا: "ارحمني يا الله لأنِّي إنسانٌ خاطئ".

هذا الفعل، أي فِعْل الصَّلاة، هو صوت النِّداء الَّذي أراد يسوع من خلال المثل تنبيهنا إليه. حيث حمل لنا يسوع بمثله هذا تأكيدًا على أنَّ الصَّلاة لا تكون صلاةً حقّةً دون وجود فضيلتين أساسيَّتَيْن: هما التَّواضع والتَّوبة. بل إنّ تعاطينا مع الله ومع بعضنا البعض، لا يَصحُّ إنْ لم يرتكز عليهما، وإنّ الكبرياء هي صوت الصَّلاة الَّتي لا تغادر أنفسنا فلا تصعد إلى الله. لقد تَصرَّفَ العشّار بتواضعٍ ملحوظ. أمّا الفَرّيسيّ فكانت صلاته كأنّهُ القدِّيس الوحيد في هذا العالم.

نختم القَوْل بأنّ علينا أن نسأل أنفسنا، هل نحن نقوم بما قام به الفَرّيسيّ لنؤكِّد بمعاييرنا قُدسيّة ذاتنا ونتجاسر على أن نرى أنفسنا أفضل من الآخرين وأكثر بِرًّا منهم؟

أم أنّنا نقتدي بالعشَّار الَّذي وقف بتواضعٍ كما لو كان ليس أهلًا للاقتراب من الله فندرك بوضوحٍ أنّنا مذنبون وغير صالحين، بالمقارنة مع الوصايا والتَّعاليم الإلهيَّة؟

فإنْ سَلَكْنا هذا الطَّريق، طريق تواضع العشَّار في زمن التَّهيئَة  للصَّوم، فسنصل ختامًا إلى رؤية القبر الفارغ، أمّا إذا لم نفعل، فسينتهي بنا المطاف بالاِدِّعاء بأنّ يسوع ليس بقائمٍ، وأنّ غيابه إنّما يَدُلُّ على أنّه قد سُرِقَ!

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريّة دخول السّيّد إلى الهيكل(باللّحن الأوّل)

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمتلئةَ نعمة، لأنَّ منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، مُنيرًا لِلّذِينَ في الظّلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشّيخُ الصِّدّيق، حاملًا على ذِراعَيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، للمُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ولِيَدَيّْ سمعانَ كما لاقَ بارَكْتَ. ولنا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ في الحروب وأيِّد المؤمنين الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة(2 تيمو 3: 10-15)

صَلُّوا وَأوْفوا الرَّبَّ إلهَنا

أَللهُ مَعْروفٌ في أرضِ يهوذا 

يا ولدي تيموثاوس، إنّك قد استقرأتَ تعليمي وسيرتي وقَصدي وإيماني وأناتي ومَحبَّتي وصَبْري واضطهاداتي وآلامي، وما أصابني في أنطاكية وإيقونيّة ولسترة، وأيّةَ اضطهاداتٍ احتملتُ، وقد أنقذني الرَّبُّ مِن جميعها. وجميعُ الَّذين يريدون أن يَعيشوا بالتَّقوى في المسيح يسوعَ يُضطهَدون. أمّا الأشرارُ والمُغوونَ من النّاس فيزدادون شرًّا مُضلِّين وضالِّين. فاستمِرَّ أنتَ على ما تعلَّمته وأيقنتَ به، عارفًا مِمَّن تعلّمتَ، وأنَّك منذ الطّفوليّةِ تعرف الكتبَ المُقَدَّسة القادرةَ أن تصيّرَك حكيمًا للخلاصِ بالإيمانِ بالمَسيحِ يسوع.

الإنجيل (لو 18: 10-14) 

قال الرَّبُّ هذا المَثَل: إنسانانِ صعِدا إلى الهيكلِ ليُصَلِّيا، أحدُهما فَرِّيسيٌّ والآخَرُ عَشَّار. فكان الفَرّيسيُّ واقفًا يُصلِّي في نفسه هكذا: أللّهمَّ إنّي أشكرك لأنّي لستُ كسائر النَّاس الخَطَفَةِ الظّالمين الفاسقين، ولا مثل هذا العَشّار. فإنّي أصومُ في الأسبوع مرّتين وأعشّر كلّ ما هو لي. أمّا العَشّار فوقف عن بُعدٍ ولم يُرِدْ أن يرفع عينيه إلى السَّماء، بل كان يَقرَعُ صدرَه قائلًا: "اللّهمَّ ارحمني أنا الخاطئ". أقولُ لكم إنّ هذا نزل إلى بيته مبَرَّرًا دون ذاك. لأنّ كلَّ من رفع نفسه اتَّضع، ومن وضع نفسه ارتفع.

حول الإنجيل

يضرب الرَّبُّ يسوع مَثل الفرِّيسيّ والعشَّار بشكل قصَّة، ذلك ككلّ مثلٍ لإدراك السِّرِّ الَّذي يريد أن يكشفه لسامعيه. لا يهدف هذا المثل إلى  التَّعليم فقط، بل وبالأخص إلى  حمل سامعيه على التَّأمُّل في سلوكهم وعلى الإدلاء برأيهم في أنفسهم، وهذا ما يؤدِّي إلى  تغيير السُّلوك.

فما يقوله يسوع لكلٍّ منّا، هو كما أخطأ الفَرِّيسيّ بتباهيه وتبريره أعماله الرُّوحيَّة ومِنْ ثَمَّ إدانته واحتقاره العشَّار الخاطئ، كذلك أنت أيُّها السَّامع عليك بعدم الافتخار كالفَرِّيسيّ بأنَّك تُصَلِّي وتَصُوم وتُعَشِّر من أموالك ولا تَدين غيرك من الخطأة مهما كنت بارًّا.

وهذا لا يعني بالمُقابِل أنَّ كلَّ الفرِّيسيّين سيّئين لِحَدِّ الكبرياء كهذا الفَرِّيسيّ. للأسف أنّ للفرِّيسيّين سمعة سيّئة، وهذا ليس من العدل، فَهُمْ على العُموم أتقياء. أخذ عنهم يسوع تربيته وطريقته في الصَّلاة إلى الله. هم حريصون على قداسة الله ويواظبون على الصَّلاة والتَّأمُّل في شرعته. ولم يكونوا بالضَّرورة مُرائين، إذ عندما صرَّح الفرِّيسيّ أنَّه يصوم مرَّتَيْن في الأسبوع ويُعطي الفقراء عِشْرَ أمواله، فذلك يعني أنَّه يقول ما يفعله. ولكنّ خطأ الفرِّيسيّين يكمن في اعتقادهم أنَّهم يستطيعون أنْ يعتمدوا على قداستهم الشَّخصيَّة للتَّقرُّب مِنَ الله وأنَّهم قد ربحوا السَّماء باستحقاقهم. وما قَوْلُ الفَرِّيسيّ "أللَّهمَّ إنّي أشكرك"، قد يبدو حسنًا لو لم يتبعه كلمات الإدانة والاحتقار فوقع في كبرياءٍ خفيٍّ أبعده عن التَّبرير الإلهيّ.

لم يكتفِ يسوع كأبٍ ومُعلِّمٍ ومرشدٍ إلى الخلاص، أن يستعرض الصَّلاة المريضة الَّتي أدَّاها الفرِّيسيّ، بل قدَّم لنا نموذج الصَّلاة الشَّافية من الخطيئة مع العشَّار التَّائب بقوله: "أللَّهُمّ ارحمني أنا الخاطئ".

العشَّار ليس من فئة دينيّة كالفرَّيسيّ، بل هو موظَّف يجبي الضَّرائب مِنَ اليهود لِصالح السُّلطة الرُّومانيّة الحاكمة في ذاك الوقت. وكان الشَّعب يكره فئة العشَّارين لأنَّهم يخدمون الرّومانيّين المحتلِّين، ولأنَّ العديد منهم ظالمون سارقون يأخذون أكثر ممّا يَحُقّ لهم. وقد رأينا قصصًا حقيقيّة عن العشَّارين في الإنجيل مِمَّن تابوا وتبعوا يسوع، ومنهم زكّا العشَّار ومتّى الرَّسول.

ردَّد العشَّار صلاة العهد القديم "اللَّهُمّ ارحمني أنا الخاطئ"، وهي نفسها صلاة العهد الجديد المعروفة بصلاة يسوع "أيُّها الرَّبُّ يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ". إضافة إسم يسوع الَّذي به وحده الخلاص، له قوَّة روحيَّة عجائبيّة خاصّة.

إذن هذه الصَّلاة الَّتي أدّاها العشَّار جعلت يسوع يبرِّره أي يجعله بارًّا فاضلًا تقيًّا بسب إظهاره لتوبته بتواضعه وانسحاقه فرفعه أي جذبه إليه، أمَّا الفَرِّيسيّ وللأسف لم يقبل يسوع صلاته الَّتي كانت سببًا لإدانته بخطيئة الكبرياء، إذ أظهرت جحوده لنِعْمَةِ الله وعمله في الإنسان. من هنا إذا أردت أن تكون صديقًا وابنًا ليسوع، فلن تكون كذلك إلّا إذا تواضعتَ وصلَّيت بتوبةٍ، حينها لا بُدَّ مِنْ أن يبرِّرُك يسوع ويرفعك ويجذبك إليه. وهكذا عن طريق التَّواضع نُحَضِّر ونُدَرِّب نفوسَنا وقلوبَنا بصلاةِ توبةٍ نقيَّةٍ للوُصول إلى صَوْمٍ مُبارَك.

الجهاد من أجل الخلاص

من أبرز تعاليم الكنيسة الأرثوذكسيّة أنّ الجهاد من أجل الخلاص عملٌ مستمرٌّ حتّى آخر لحظة من حياتنا. فالله قد تمّم كلّ ما هو مطلوبٌ من جهته من أجل أن يفتح لنا باب الخلاص من جديد بعد سقوط الجدّ الأوَّل، ويعود للمؤمن الآن مهمّة الجهاد من جهته الخاصَّة ليعود إلى الله ويتّحد به. لا يكفي إذًا أن نقول أنّنا أبناء الله وقد نلنا الخلاص، لا بل علينا أن نتصرّف على أنَّنا أبناء الله، علينا أن نسلك طيلة حياتنا على أنَّنا كائناتٌ إلهيّة!

يقول القدّيس أثناسيوس الإسكندريّ الكبير: "تجسَّد الإله ليتألّه الإنسان"، وهذا في صِلب تعليمنا الأرثوذكسيّ الخلاصيّ. في رسالته الشَّهيرة ضد أبوليناريوس، قال القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيٍّ: "ما لا يُتَّخذ لا يُشفى!"، وبالتّالي، وبفعل محبّته الفائقة للبشر، أخلى كلمة الله ذاته آخذًا صورة عَبْدٍ، ليدخل بتجسُّدِهِ في علاقة وشركة مع الإنسانِ مْن جديد. شابَهَنا في كُلِّ شيء ما عَدَا الخطيئة، وخَلَّصنا بموته الاختياريّ على الصَّليب، مُكَسِّرًا أبواب الجحيم وأمخالَهُ، وفاتحًا لجميع المؤمنين به طريق القيامة والحياة الأبديَّة والسُّكنى معه، ماحِيًا بالتّالي صكّ آدم الأوَّل وحوّاء، ومظهرًا لكلّ واحدٍ منّا الطَّريق القويم لبلوغ الملكوت.

ما هو هذا الطَّريق؟ هو طريق الجهاد الَّذي يتعبّد بالتَّوبة والتَّواضع والانسحاق والموت عن الأهواء والتَّحرُّر منها للخروج مِنَ الأنا نحو الآخر، هو سلّم الفضائل الَّذي نتقدّم فيه بشكلٍ مُستَمِرّ نحو الله بفضل تآزرنا مع نعمة ربّنا المنسكبة علينا والمفعّلة بجهادنا وتمسّكنا بالتَّقليد المقدّس والأسرار الإلهيَّة وأهمُّها تناول جسد ودم ربّنا يسوع المسيح، أو نَتُوهُ عنه ونسقط بسبب خطايانا ورذائلنا وقرارنا الشَّخصيّ بالابتعاد عن الحضن الأبَوَيّ ومُلازمة بشريّتنا السَّاقطة مبتكرين لأنفسنا طريقًا آخَر يُودي بنا إلى الهلاك.

وهكذا في اليوم الأخير، إمّا نكون قد شابهنا الله فنلتصق به ويغمرنا نوره الأبديّ، إمّا نكون مغايرين له فنسقط ونبقى خارجًا. قرار العَوْدة بِيَدِنا وطريق الجهاد لا بُدَّ إذًا لنا أن نسلكه كي نصل للخلاص! هذا ما علّمه الرَّبُّ يسوع، وسلّمه إلينا مرّةً واحدةً، وعاشته الكنيسة واختبره الآباء القدِّيسون، وها هو اليوم يطرق باب كلِّ واحدٍ منّا، فهل من يسمع ويفتح ويبدأ المسير؟!...

في الكبرياء

(للقدّيس يوحنّا السُّلَّميّ)

+ الكبرياء جُحودٌ لله، صُنْعُ الشَّياطين، ازدراءٌ للنَّاس، أمٌ للإدانة، إبنةٌ للمَدائح، علامةٌ للعُقْم، ابتعادٌ عَنْ مَعونَة الله، نذيرٌ بضلالة العقل، نَصيرةٌ للسَّقَطات، عِلَّةٌ للعَصَبِيَّة، ينبوعٌ للغضب، وَلِيَّةٌ لقساوةِ القلب، جهلٌ بالحُنوّ، مُحاسَبَةٌ مُرَّة، قاضيةٌ ظالمة، خصمةٌ لله، وأصلٌ للتَّجديف.

+ حيثما حَلَّتْ سَقْطَةٌ فهناك سَبَقَ وسَكَنَتْ الكبرياء، لأنَّ حضورَ الكبرياء يُنْبِئُ بحلول السَّقطة… فإنْ كان ملاكٌ قد سقط من السَّماء لكبريائه فقط دون أيّ هوى آخَر، فلننظر لعلَّنا نَستطيع الصُّعودَ إلى السَّماء بالتَّواضُع وَحْدَه من دون أيَّة فضيلة أخرى، فإنَّ التَّكَبُّر إتْلافٌ لِمَكاسِبِنا وأتعابِنا.

+ عاتَبَ شيخٌ أحدَ الإخوة على تكبُّرِه مُعاتبة روحيَّة، فأجاب الأخ: "اغفر لي يا أبي فإنّي لَسْتُ متكبِّرًا" ، فقال به الشّيخ كُلِّيُّ الحكمة: "يا ولدي، أيُّ بُرهانٍ تُعطينا على تكبُّرِكَ أوْضَحَ مِنْ قَوْلِكَ: 'لَسْتَ متكبراً."

+ مِنَ الخِزي أن يفتخر الإنسان بِمَحاسِنِ غيره، ولكنَّه مُنتهى الجنون أنْ يَتباهَى بمواهبِ الله فيه، إنْ أرَدْتَ أن تفتخر فافتخر بما حقَّقْتَهُ قبل أن تولد، لأنّ ما حققته بعد ولادتك قد وَهَبَكَ اللهُ إيّاه كما سبق وَوَهَبَكَ الوِلادة نفسها، وكلّ الفضائل الَّتي صِرْتَ فيها حكيمًا بِغَيْرِ عقلك هي وحدها الَّتي حقًّا لك، لأنَّ العقل قد وهبك اللهُ إيّاه، وكذلك سائر المُحارَبات الَّتي خُضْتَها بدون جسدك هي وَحْدَها الَّتي تمّتْ بِهِمَّتِكَ أنتَ، لأنّ جسدك ليس لك بل هو خليقةُ الله.

+ لا تطمئنّ إلى ذاتك ومَصيرِكَ قبل صدورِ الحُكم الأخير عليك، ولا تتشامخ وأنتَ مِنَ الأرْض، لأنَّ كثيرين قد أُهبِطُوا وقد كانوا في السَّماء.

+ إنَّ الغُرور يَنْشَأ مِنْ نِسيان الزَّلات، لأنَّ ذِكْرَ الزَّلّات يُؤَدِّي إلى الاتِّضاع، فالكبرياء طامَة كُبرى لِنَفْسٍ فقيرَةٍ تتوهَّم الغِنى! فتكون في الظَّلام وتتخيَّل النُّور، إنَّ الكبرياء النَّجِسَة لا تمنعنا مِنَ التَّقدُّم فقط، بل تُسقطِنا أيضًا مِن عُلُوِّ الفَضائل، لأنَّ المُتَكَبِّر لا يحتاج إلى شيطانٍ لإسقاطِهِ، لأنَّه قد صار شيطانًا وعَدُوًّا لذاته. فكما أنَّ الظَّلام غريبٌ عن النُّور، فإنَّ المتكبِّر غريبٌ عن الفَضيلة. ففي قلوب المتكبِّرين تنشأ أقوالُ التَّجديف بينما في نفوس المُتَّضِعين تأمُّلات سماويَّة.

أنقر هنا لتحميل الملفّ