Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد (17) بعد العنصرة

العدد 40

الأحد 4 تشرين الأوّل 2020

اللّحن 8- الإيوثينا 6

أعياد الأسبوع: *4: إيروثيوس أسقف أثينا، البارّ عَمُّون المصريّ*5: الشَّهيدة خَارِيتِينِي، البارَّة ماثوذيَّة، البارّ إفذوكيموس *6: الرَّسول توما *7: الشَّهيدان سرجيوس وباخوس، الشَّهيد بوليخرونيوس *8: البارَّة بيلاجيا التّائبة، تائيس التَّائبة، القدّيس سرجيوس رادونيج *9: الرَّسول يعقوب بن حلفا، البارّ أندرونيكس وزوجته أثناسِيَّا، إبراهيم الصِّدِّيق ولوط *10: الشَّهيدان إفلَمْبيوس وأخته إفلمبيَّة.

كلمة الرّاعي

توبوا

تُوبُوا لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ“ (متّى ٤: ١٧).

ما هو دافع الإنسان إلى التّوبة؟ كيف يتوب؟ عن ماذا يتوب؟ هل يستطيع فعلًا أن يتوب؟ ما هي التّوبة؟ ... هذه الأسئلة وغيرها تطرحها علينا كلمة الرَّبّ يسوع هذه.

*          *          *

”هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: تُوبُوا وَارْجِعُوا عَنْ أَصْنَامِكُمْ، وَعَنْ كُلِّ رَجَاسَاتِكُمُ اصْرِفُوا وُجُوهَكُمْ“ (حزقيال ١٤: ٦).

هل ما زلنا نعبد الأصنام اليوم؟ هل نصنع رجاسات في حياتنا؟

اخترع الإنسان أصنامًا ليعبدها لأنّه تعرَّض للخوف والعبوديّة. الخوف ممّن أو ما هو أقوى منه، والعبوديّة لمّا يرى نفسه مَقودًا منه دون أن يستطيع مقاومته داخليًّا. الخوف والعبوديّة هما حركتان في النّفس البشريّة تسيِّران حياة الإنسان وتَأُولان به إلى أماكن لا يعرف كَنَهَها تجعله مسلوب الإرادة طوعًا أو كرهًا.

قد نظنّ كمؤمنين بأنّنا نرفض عبادة الأصنام ونعبد الإله الواحد الوحيد الحيّ، لكن ما هي الأصنام يا ترى؟ إنّها مخاوفنا وأهواؤنا وشهواتنا. إنّها صورتنا المثاليّة الّتي نُظهِرُها أمام النّاس والّتي ليست محقَّقة فينا بل هي سبب آلامنا، لأنّنا لا نستطيع أن نكونها حقًّا فنكونها بالظّاهر ونكون عكسها ربّما في الدّاخل. هذه الصّورة- الصَّنم قد نسقطها على من نرى فيهم شيئًا منها أو من يشدّوننا، فيصير هؤلاء صنمنا الّذي نعبده دون الله. من هنا نرى أنَّ صورة الله مربوطة بصورة الأب، فإذا سقط الأب من صورته المثاليّة في أعين أولاده يسقط الله معه من الوجود. لذا، في مثل هذه الحالة يثور النّاس وتسيطر عليهم حالة من الهستيريا المرضيّة، الفرديّة و / أو الجماعيّة، ويفقدون كلّ سيطرة على أفعالهم لأنّهم فقدوا كلّ ثبات ورجاء وانهارت صورة الإله في عيونهم، لم يعد يوجد لديهم ملجأ أمين ومصدر للأمان. هذه الحالة تولِّد خوفًا كيانيًّا وجوديًّا تدفع النّاس أن يستشرسوا بإزائها ليحافظوا على بقائهم لأنّ حياتهم مبنيّة، بالأساس، على البشر وليس على الله. لأنّه لو كان الله أساس حياتهم لما تزعزعوا، ولكن كيف يكون الله أساسًا لحياتهم إذا لم ينموا ويتربّوا على الإيمان والثّقة بالله أي إذا لم يعرفوا الله بخبرتهم معه؟!...

لمّا ينشأ الإنسان دون نموّ روحيّ وفي بيئة بعيدة عن الحياة الكنسيّة يخسر نعمة كبيرة، إذ في عمر الطّفولة يتشرّب الإنسان الإيمان إلى أعماق كيانه، وهذا الإيمان الدَّفين في أعماقه يستيقظ في أزمنة الشّدائد ويحوّل حياته ويمنحه أن يبني علاقة ناضجة مع الله تؤهّله أن يواجه انهيارات الصُّوَر المثاليّة.

*          *          *

 الإنسان مُستَعبَدٌ لأهوائه وشهواته، وهذه تجعله ضعيفًا هشًّا أمام التّجارب ما يؤدّي به إلى قساوة القلب وعدم الحسّ وتضخّم الأنا الاستهلاكيّ للوجود والآخَر. يوجد عبوديّة قسريّة وعبوديّة طوعيّة. اللَّذّة تأسرُ الإنسان تمنحه نشوة وألمًا لأنّها هي الّتي تسود عليه دومًا. فيثور الإنسان لكرامته وحريّته وإنسانيّته فيحاول التَّخلُّص من قيودها، ولكنّه ما يلبث أن يعود إليها صاغِرًا مستسلمًا، إلى أن يتحجَّر القلب من التّلذُّذ والألم. حينها يصير الإنسان في سبات الموت الرُّوحيّ. إنّها حالة ”كوما“ الخطيئة والرَّجاسة وعبادة الأصنام.

*          *          *

يتوب الإنسان لمّا تنيره النّعمة الإلهيّة عبر الضّمير. لأنّ الضّمير يخبو ولكنّه لا يموت، يستيقظ برحمة الله. نور النّعمة يولّد آلامًا رهيبة في الإنسان لمَّا يرى  من أين سقط آدم، وأيّة حالة من الفوضى الدّاخليّة والعواصف والأوساخ تتواجد في كيانه، فينوح على حالته كأمّ أرملة فقدت وَحيدها. يصير كأنّه بلا رجاء مع يقينه بوجود رجاء، وهذا ما يثبّته ويدفعه للاستمرار رغم شبه اليأس الّذي يعصف بقلبه. الصَّبر بإيمان ومثابرة على الصّلاة وتنقية الفكر والقلب من قذاراته وأوساخه. الرّبّ يمنحه المعرفة والرُّؤية والألم والنّدم وقوّة التّغيير، يجعله يعبر الموت عن إنسانه العتيق ويلده جديدًا بنعمته، فيتحرَّر الإنسان من كلّ صورة مثاليّة تأسره أو تسيطر عليه من خلال الأصنام والأهواء فيعرف أنّ التّوبة حياة جديدة بالكلّيّة وخبرة قوّة الله في حياة الإنسان.

فلنصلّي على الرّبِّ قائلين: "يا ربّي يسوع المسيح يا ابن الله الوحيد امنحني روح توبة وخلّصني".

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (2 كو 6: 16– 18، 7: 1)

صَلُّوا وأَوْفُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا 

اللهُ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ يَهُوذَا

يا إخوةُ، أَنْتُمُ هيكَلُ اللهِ الحيِّ كما قالَ الله: إنّي سأَسْكُنُ فيهم، وأَسِيرُ فيما بينَهم، وأكونُ لهم إلهًا، وهم يكونونَ لي شعبًا. فلذلِكَ اخْرُجُوا من بينِهِم واعتَزِلُوا، يقولُ الرَّبُّ. ولا تَمَسُّوا نَجِسًا فأَقبَلَكُم وأَكُونَ لكم أبًا، وتكونونَ أنتمُ لي بنينَ وبناتٍ، يقولُ الرَّبُّ القَدِير. وإذ لنا هذهِ المواعِدُ، أيُّها الأحبَّاءُ، فَلْنُطَهِّرْ أنفُسَنَا من كلِّ أَدناسِ الجسَدِ والرُّوحِ، ونكمِّلِ القداسَةَ بمخافَةِ الله.

الإنجيل (لو 6: 31– 36)(لو قا 2)

قالَ الرَّبُّ: كما تُرِيدُونَ أنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بكم، كذلك افْعَلُوا أنتُم بهم. فإنَّكُم إنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذينَ يُحبُّونَكُم فَأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأةَ أيضًا يُحِبُّون الَّذين يُحِبُّونَهُم. وإذا أَحْسَنْتُم إلى الَّذين يُحْسِنُونَ إليكم فَأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأَةَ أيضًا هكذا يَصْنَعُون. وإنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذينَ تَرْجُونَ أنْ تَسْتَوفُوا منهم فأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأَةَ أيضًا يُقْرِضُونَ الخطأةَ لكي يستَوْفُوا مِنْهُمُ المِثْلَ. ولكِن، أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُم وأَحْسِنُوا وأَقْرِضُوا غَيْرَ مُؤَمِّلِينَ شيئًا، فيكونَ أَجْرُكُم كثيرًا وتكونُوا بَنِي العَلِيّ. فإنَّهُ مُنْعِمٌ على غيرِ الشَّاكِرِينَ والأشرار. فكونُوا رُحَمَاءَ كما أنَّ أباكُم هو رَحِيمٌ.

حول الإنجيل

كلّ إنسانٍ مسيحيّ واعٍ لمسيحه، يسأل دومًا عن تصرّفه وسلوكه، إذا كان مُتوافِقًا مع تعاليم ووصايا الرَّبِّ يسوع، وإذا كان الرَّبُّ يسوع راضيًا عنه وعن أخلاقه وضميره.

لذلك كانت القاعدة الذّهبيّة في الآية الّتي سمعناها من الرَّبِّ في الإنجيل: "كما تريدون أن يفعل النّاس بكم كذلك افعلوا أنتم بهم". يطلب منّا الرَّبُّ لا أن نعامل إخوتنا بالمثل، بل أن نقدّم لهم ما نشتهيه لأنفسنا، بِغَضِّ النّظر عمّا يفعلونه معنا. فنقدّم الحبّ بِلا مُقابِل من جهة الغير، إذ يقول: "وإن أحببتم الّذين يحبّونكم فأيّة مِنَّةٍ لكم، فإنّ الخطأة أيضًا يحبّون الّذين يحبّونهم". ويتابع الرَّبُّ بهذه الوصايا في نفس المَضمون، أي من الآية (٣١- ٣٤) من لوقا، كأنّه يقول لهم: لا تستصعبوا وَصاياي، فإنَّني أقدِّم لكم ما يليق بكم كأبناء للملكوت، فأطالبكم بحياة فاضلة تختلف عمن لا يؤمنون بي، لأنّي عاملٌ معكم وفيكم. فما يميّزكم كمسيحيّين عن الآخرين أيضًا هي محبّتكم لأعدائكم، وقد كرّر الرَّبُّ يسوع "أحبّوا أعداءكم" مرّتين في الإصحاح السّادس، مرّة في المقطع الإنجيليّ الّذي تُلِي علينا اليوم الآية ٣٥ وما سبقها الآية ٢٧. ولا تنتظروا أيّ جميلٍ أو معروفٍ أو أجرٍ من أحد. لهذا يكمل حديثه: "فيكون أجرَكُم عظيمًا وتكونوا بنيّ العَليّ". فالعالم حين يُحبّ يطلب الأُجرة، أمَّا أنتم فأجرتكم العظيمة هي بنوَّتكم لله العَليّ، الّتي تُلزمكم الاقتداء بأبيكم السّماويّ. فتكونوا بذلك رُحماء، "فكونوا رحماء كما أنّ أباكم أيضًا رحيم". في الإصحاح العاشر من لوقا، سأل  أحد علماء الشّريعة الرَّبَّ يسوع: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة". فأجاب الرَّبُّ: "أحبِبْ الرَّبَّ إلهك ... وأحبِبْ قريبَك كنفسك". ومن أجل أن يفسِّر الرَّبُّ يسوع مَعنى "القريب"، إذ كان

المَقصود به عند الأمم  أنّه الصّديق ومن تربطنا به رابطة الدَّم والعرق وإلى ما هنالك. ولكن يتبيّن لنا أن ما يقصده الرَّبّ "بالقريب" أنّه كلّ إنسان يصير قريبًا لنا من خلال عمل الرّحمة وهذا قد يكون حتّى مع من هو عدوّ لنا، وذلك عندما روى مثل السّامريّ الصّالح.

في كتابه "نقاط على الحروف" وتحت عنوان محبّة القريب ونقاوة القلب، يقول الأرشمندريت الرّاهب توما (بيطار): "إذا بوضع أنفسنا لأجل الإخوة نكون قد أحببنا محبّة حقّانيّة، على غِرار محبّة الله لنا"، ويختم بقوله: "زبدة القَوْل أنّ يسوع هو القريب وأصل كلّ قرابة، ولا قرابة إلّا بنقاوةٍ تجعل يسوع حاضرًا فيك أبدًا بالرّوح".

السّلام الدّاخليّ

يقول القدّيس بولس الرّسول في رسالته إلى أهل غلاطية: "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ" (غلاطية 22:5-23). بالتّالي فإنّ السّلام هو الثّمرة الحلوة الثّالثة الّتي تتولّد في نفوسنا من الرّوح القدس، كما يقول كالينيكوس متروبوليت بيريا، وترتبط مباشرةً بالثّمرتين السّابقتين وخاصّةً بثمرة الفرح، فلا يكون سلامٌ دون فرحٍ ولا فرحٌ دون سلامٍ، فالإنسان الفَرِح سلاميٌّ والإنسان المـُسالِم ذو روحٍ مرحة.

يعتبر القدّيس ثيوفان الحبيس في رسائله أنّ كلّ من قام بمراقبةٍ دقيقةٍ لما يجري في داخله، ولو ليومٍ واحدٍ، يدرك بشكلٍ واضحٍ أنّ الرّوح قد سقطت، فثمّة في داخلنا هذا الاضطراب غير الشّرعيّ الّذي يجب إيقافه. إنّ أفكار الذّهن مُوجَّهةٌ كلّها إلى الأرض وليس من سبيلٍ لرفعها إلى السّماوات كون فحواها عبثيّةٌ وحسّيّةٌ وخاطئة. أمّا القلب، فيقع تحتها، ويُقابِل كلّ فكرةٍ بعملٍ ما مثل الفرح، الغضب، الحسد، الخوف، الرّجاء، الفخر، اليأس. هكذا هو اضطرابنا الدّاخليّ وتشوّشنا، ومنه يأتي أيضًا الاضطراب في حياتنا والغمّ الّذي يخيّم علينا، وبالتّالي لن تنتظم حياتنا قبل القضاء على هذا الاضطراب الدّاخليّ.

يضيف القدّيس بأنّ حياتنا الدّاخليّة لا تنتظم فجأةً، فالمطلوب دائمًا هو العمل المكثّف مع النّفس من خلال تفعيل النّعمة بالأسرار بهدف تدمير الاضطراب الـمُسَيْطِر في الدّاخل، وهذا يتبعه السّلام الدّاخليّ وفرح القلب. بالتّالي يجب علينا عمليًّا أن نجعل الله محور اهتمامنا دون انقطاع ومعه سيأتي السّلام الدّاخليّ.

الصّلاة، كما يقول المغبوط الذّكر الأرشمندريت الياس (مرقص)، تحملنا إلى تذوّق أعمق أسرار الله، أي محبّته لنا، محبّته الشّخصيّة المحيية السّابقة منذ الدّهور. وهنا تستريح نفسنا في السّلام الدّاخليّ وتعرف أنّها لا تستطيع شيئًا من ذاتها، لا شيء مُطلقًا، وبهذا لا تقلق. عندها نكون في حضرة الله، فالصّلاة علّمتنا أنّ فينا "منطقةً" عميقةً حيث يعيش الله فينا وينتظرنا، ألا وهي "القلب". لذلك يجب علينا أن نعبّئ نهارنا بهذه النّداءات الدّاخليّة النّابعة من القلب نحو الله، لكي لا نقطع نعمة الصّلاة فينا، وأهمّها صلاة يسوع الّتي وُجِدت لهذه الغاية: "يا ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ".

ما هو الحسد؟

(للمتروبوليت إيروثيوس فلاخوس)

الحسد هو بصورة رئيسيّة الحزن لسعادة القريب والفرح لتعاسته. يشير القدّيس باسيليوس قائلًا: ”إنَّ الحسد هو غذاء المرض وألم إضافي للحسود“. عادةً ما يكون الشّخص الحسود قلقًا ومغلوبًا بحزن لا يُحتَمَل، ليس لأنَّ أمرًا سيّئًا أصابه، لكن لأنَّ أمرًا سعيدًا حدث لقريبه الإنسان. إنَّه لا يلتفت إلى بركاته الشّخصيّة، ولا يشكر الله على الخيرات الممنوحة له كلّ يوم. لكنّه بدلًا من ذلك، يتعذّب بسعادة أخيه. إنَّه حزين لأنَّ أخاه سعيد ويمتلك أشياء أكثر منه. الحسد هو جرح خطير، لأنّه لا يوجد أيّ هوى آخَر يحطّم نفوس النّاس بهذه الدّرجة. إنَّه مرض خطير لأنّه يولد من جذر كلِّ الأهواء، أي من الكبرياء. يشير القدّيس ثالاسيوس إلى أنَّ السِّمَة المميّزة لتقدير الذّات هي الرّياء والكذب، على حين أنَّ السِّمَة المميّزة للكبرياء هي الوقاحة والحسد. عندما نكون مغلوبين من الحسد، نكون من المؤكّد واقعين في قبضة أمّه، أي الكبرياء. قد نبدو متواضعين، لكن كوننا حسودين فنحن متكبّرون. يوجد أيضًا ارتباط قويّ بين الحسد ومحبّة المديح. إنّنا عادةً ما نغار من الآخرين لأنَّهم يُمدحون بينما لا نُمدَح نحن. يقول القدّيس مرقس النّاسك أنَّه أمر مميز أنَّ الشّخص الّذي يمتدح شخصًا على شيء، وينتقد شخصًا آخر على الشّيء نفسه يكون بلا شكّ مغلوبًا بهوى الكبرياء والحسد. عادةً ما يحاول مثل هذا الشّخص أنْ يخفي الحسد في قلبه بتقديم المديح. هذا الأمر مميّز للخبث الّذي يظهر به هوى الحسد نفسه. قد يسكن هوى الحسد خفية داخل أولئك الّذين يمدحون الآخرين باستمرار.

انقر هنا لتحميل الملف