Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 2 شباط 2020

العدد 5

أحد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل

اللّحن 8- الإيوثينا 11

أعياد الأسبوع: *2: عيد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل*3: سمعان الشّيخ، حنّة النّبيِّة *4: البارّ إيسيذوروس الفرميّ *5: الشّهيدة أغاثي *6: الشّهيد إليان الحمصيّ، بوكولوس أسقف أزمير، فوتيوس بطريرك القسطنطينيّة *7: برثانيوس أسقف لمبساكا، البارّ لوقا الّذي كان في استيريون (اليونان) *8: ثيوذوروس قائد الجيش، النّبيّ زخريّا.

كلمة الرّاعي 

تكريسنا لله في المسيح

”وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا

مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ“ (يوحنّا 17: 19)

في الشّريعة اليهوديّة البكر مفروز للهيكل، ”قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي“ (الخروج 13: 2). لكن،  فقط أبناء سبط لاوي يحقّ لهم البقاء في الهيكل وخدمته، ”وَهَا إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ اللاَّوِيِّينَ مِنْ بَيْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بَدَلَ كُلِّ بِكْرٍ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُ اللاَّوِيُّونَ لِي“ (عدد 3: 12). لذلك، يجب أن يُفتَدى كلّ بكر ليس من سبط لاوي بحسب ما يحدّده النّاموس، ”كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ كُلِّ جَسَدٍ يُقَدِّمُونَهُ لِلرَّبِّ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ، يَكُونُ لَكَ. غَيْرَ أَنَّكَ تَقْبَلُ فِدَاءَ بِكْرِ الإِنْسَانِ. وَبِكْرُ الْبَهِيمَةِ النَّجِسَةِ تَقْبَلُ فِدَاءَهُ“ (عد 18: 15).

المسيح ومع أنّه هو واضع النّاموس، إلّا أنّه تمَّم النّاموس، فأتى به يوسف الخطيب وأمّه إلى الهيكل ليفتدياه كونه ليس من سبط لاوي بل من سبط يهوذا. من هو منشأ الكهنوت يرفض من الشّريعة خادمًا في هيكل الرَّبّ، لأنّه يأتي لينشئ هيكلًا جديدًا للرَّبّ وكهنوتًا أبديًّا شموليًّا غير محصور بسبط أو شعب، لأنّ الآتي من لدن الآب طفلًا إلهيًّا محمولًا على السّاعِدَين يحضر ليحقِّق في ذاته مشروع الله للبشريّة، والّذي يعبّر عنه بطرس الرّسول قائلًا: ”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ“ (1 بطرس 2: 9).

*          *          *

المسيح أتى وصنع كلّ ما صنع لأجلنا أي لصالحنا لخيرنا لخلاصنا، لكيما نحقِّق غاية وجودنا فيه. هو حقَّق كلّ شيء في ذاته، ليكون قدوة ومثالًا وبداية ونهاية لما  خُلقنا لأجله. انتظار الخليقة والبشريّة تحقَّق بتجسّده، وهو قد تمَّم ما أتى لأجله أي أن ينقلنا من حالة العبوديّة للنّاموس إلى حرّيّة أبناء الله. من هنا تأتي دعوة بولس الرّسول للمسيحيّين في كلّ زمان بأن ”اثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ“ (غلاطية 5: 1). لأنّه حيث المسيح فهناك الانعتاق والتّحرُّر، ومن ينتظر الرَّبّ يأتيه بالخلاص، وهذا ما حصل مع سمعان الشّيخ الّذي صرخ حين أبصر الطّفل الإهيّ قائلًا: ”الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ ...“ (لوقا 2: 29—30؛ أنظر أيضًا: أمثال 20: 22؛ سفر إشعياء 25: 9). الطّفل الإلهيّ أتى خصّيصًا لأجل هذا الشّيخ سمعان، وهو يأتي إلى كلّ من يطلبه بإيمان ويثق بأنّه لا بدّ آتٍ لأجله. من تنازل من سماه وصار بهيئة عبد محتملًا موت الصّليب لأجلنا (راجع فيليبي 2: 5—11) لا يمكن أن يخذل المتّكلين عليه ... هو قُدِّس من الآب وفُرز من الثّالوث ليردَّنا إلى الله، وقد كشف لنا، في سرّ قدومه إلى الهيكل، أنّه هو الحمل المذبوح لأجل تطهيرنا واعتاقنا من خطايانا. البشريّة في مريم ويوسف وسمعان الشّيخ وحنّة النّبيّة تقبَّلت في من قُدِّم إلى الهيكل سرَّ تكريسها النّهائيّ لله في الَّذي قُدِّم، كونه حمل البشريّة كلّها في ذاته صائرًا باكورة الخليقة الجديدة الّتي بتكريس الصَّليب تحمل في جسدها سماته (راجع: غلاطية 6: 14—17) .

*          *          *

المسيح كشف لنا تقديسه ذاته لإجلنا لمّا قَبِلَ أن نقدِّمه إلى الهيكل في مريم ويوسف، لكيما يُقَدِّسنا فيه ويقرّبنا لله الآب خدَّامًا لعهده الجديد بدم الحمل الفصحيّ المنتظر ذبحه منذ إنشاء العالم لافتداء كلّ الخليقة الَّتي ”تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا“ (رومية 8: 22—23). لقد أتى بالجسد ليفتدي أجسادنا المائتة بموته وقيامته، فيدخلنا معه في سرّ تنازله مكرَّسًا لهيكل الرَّبّ بذبحه عن خطايانا، لنصير معه وفيه وبه، أيضًا، مذبوحين عن الخطيئة لنفتدي العالم السّاقط الّذي فينا بطاعة الكلمة المتجسِّد واتّباعه. في المعموديّة والميرون والإفخارستيّا وسائر الأسرار نُقدَّم مع المسيح إلى هيكله-جسده لنصير إيّاه وفيه وهو إيّانا وفينا، وهذا كلّه يتمّ، فقط، إن أسلَمْنا ذواتنا له وأودعناه كلّ حياتنا وبعضنا بعضًا. من اقتبل المسيح سيّدًا وربًّا هو مقدَّس ومكرَّسٌ له في كلّ آن وزمان، ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ أَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ“ (1كورنثوس 6: 19—20) عبر محبّة الإخوة الّتي هي برهان قيامتنا في المسيح ...

ومن استطاع أن يقبل فليقبل!

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّامن)

انحدرتَ مِنَ العُلوِّ أَيُّها المُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثّلاثةِ الأيّام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

طروباريّة دخول السّيّد إلى الهيكل (باللّحن الأوّل)

إفرحي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمتلئةَ نعمة، لأنَّ منكِ أشرقَ شمسُ العدلِ المسيحُ إلهُنا، مُنيرًا لِلّذِينَ في الظّلام. سُرَّ وابتَهِجْ أنتَ أيّها الشّيخُ الصِّدّيق، حاملًا على ذِراعَيكَ المُعتِقَ نفوسَنا، والمانحَ لنا القيامة.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللَّحن الأوّل)

يا مَنْ بمَوْلدكَ أيُّها المسيحُ الإله، المُستَوْدَعَ البَتوليّ قدَّسْتَ. ويَدَي سمعان كما لاقَ بارَكْتَ. وإيّانا الآن أدركتَ وخلَّصْتَ. احفَظ رعيَّتَكَ بسلامٍ وأيِّد الّذين أحببتَهُم، بما أنَّكَ وحدَكَ مُحبٌّ للبَشَر.

الرّسالة (عبر 7: 7– 17)

يا إخوةُ، إنَّهُ ممَّا لا خِلافَ فيهِ أنَّ الأصغرَ يأخُذُ البركَةَ من الأكبر. وههنا إنَّما يأخُذُ العشورَ أُناسٌ يَموتون. فأمَّا هناكَ فالمشهودُ لهُ بأنَّهُ حيّ. فيسوغُ أن يُقالَ إنَّ لاويَ نفسَهُ الّذي يأخُذُ العشورَ قد أدَّى العشورَ بإبراهيم، لأنَّهُ كانَ في صُلبِ أبيهِ حينَ التقاهُ ملكِيصادق. ولو كانَ بالكهنوتِ اللّاويّ كمالٌ (فإنَّ الشّعبَ عليهِ قد أخذَ النّاموس)، إذنْ أيَّةُ حاجةٍ كانت بعدُ أن يقومَ كاهنٌ آخرُ على رتبةِ ملكيصادق؟ ولم يُقَلْ على رتبَةِ هرون، لأنَّهُ متى تَحوَّل الكهنوتُ فلا بدَّ من تَحوُّل الناموس أيضًا. والحالُ أنَّ الّذي يُقالُ هذا فيهِ إنَّما كانَ مشتركًا في سِبطٍ آخرَ لم يُلازِمْ أحدٌ منهُ المذبح، لأنَّهُ مِنَ الواضِحِ أنَّ ربَّنا طلَعَ من يهوذا، مِنَ السِّبطِ الّذي لم يتكلَّمْ عنهُ موسى بشيء من جهةِ الكهنوت. وممَّا يزيدُ الأمرَ وضوحًا أنَّهُ يقوم على مثالِ ملكيصادقَ كاهنٌ آخرُ غيرُ منصوبٍ حسَبَ ناموس وصيّةٍ جسَديّة، بل حسَبَ قوَّةِ حياةٍ لا تَزول، لأنَّهُ يشهَدُ أنْ أنتَ كاهنٌ إلى الأبدِ على رُتبَة ملكيصادق.

الإنجيل (لو 2: 22– 40)

في ذلك الزَّمان، صعِدَ بالطّفلِ يسوعَ أبَواهُ إلى أورشليمَ لِيُقَدِّماهُ للرَّبّ، على حسب ما هو مكتوبٌ في ناموس الرَّبِّ مِنْ أنَّ كلَّ ذكَرٍ فاتِحةِ رَحمٍ يُدعى قُدُّوساً للرَّبّ، وَلِيُقَرِّبا ذبيحةً على حسب ما قيل في ناموس الرَّبّ، زوجَ يمامٍ أو فَرخَيْ حمام. وكان إنسانٌ في أورُشليم اسمُهُ سِمعان، وكان هذا الإنسان بارًّا تقيًّا ينتظِرُ تعزيةَ إسرائيل، والرّوحُ القُدُسُ كان عليهِ، وكان قد أُوحيَ إليهِ من الرّوحِ القُدُسِ أنَّهُ لا يَرى الموتَ قبل أن يُعايِنَ مسيحَ الرَّبّ، فأقبلَ بالرُّوحِ إلى الهيكل. وعندما دخل بالطّفلِ يسوعَ أبَواهُ لِيَصنَعا لَهُ بِحَسَبِ عادةِ النّاموس، اقَتَبَلهُ هو على ذِراعَيْهِ، وبارك الله وقال: "الآنَ تُطلِقُ عبدَك أيُّها السّيّدُ على حسب قولك بسلام، فإنَّ عينيَّ قد أبصرتا خلاصَك الّذي أعددتَهُ أمام وجوهِ جميع الشّعوب، نورَ إعلانٍ للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل“.

وكان يوسفُ وأمُّهُ يتعجّبان ممّا يُقال فيهِ. وباركَهما سمعانُ، وقال لمريمَ أُمّهِ: "ها إنَّ هذا قد جُعل لسقوطِ وقيامِ كثيرين في إسرائيل، وهدَفًا للمخالفة، وأنتِ سيجوز سيفٌ في نفسكِ، لكي تُكْشَفَ أفكارٌ عن قلوبٍ كثيرة. وكانت أيضًا حنَّةُ النّبيَّةُ ابنةُ فَنُوئيلَ مِن سِبطِ أشير، هذه كانت قد تقدَّمت في الأيَّام كثيرًا، وكانت قد عاشت معَ رَجُلها سبعَ سنين بعد بُكوريَّتها، ولها، أرملةً، نحوُ أربعٍ وثمانين سنةً لا تُفارق الهيكل مُتعبّدةً بالأصوام والطّلبات ليلًا ونهارًا. فهذه قد حضرت في تلك السّاعةِ تشكر الرَّبَّ وتُحدِّثُ عنهُ كلَّ مَن كانَ ينتظر فداءً في أورشليم. ولمَّا أتمّوا كلَّ شيءٍ على حسب ناموس الرَّبّ رجَعوا إلى الجليل إلى مدينتهم النّاصرة. وكان الصّبيُّ ينمو ويتقوَّى مُمتلئًا حكمةً، وكانت نعمةُ اللهِ عليه.

حول الرّسالة

ملكيصادق ملك ساليم كاهن الله العليّ استقبل ابراهيم أبا الآباء راجعًا من كسره الملوك فباركه، وقدّم له ابراهيم العُشور من كلّ ما يمتلكه. ملكيصادق هذا رمز السّيّد المسيح مبارك الكلّ وملك السّلام الحقيقيّ. يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم: "ما كان يمكن لإبراهيم الخليل أن يقدّم عشوره لشخصٍ غريب لو لم يكن متيقّنًا أنّه أعظم منه". يركّز الرّسول بولس على فكرة أنّ ملكيصادق حيّ دائمًا طالما هو يشير إلى المسيح (الطّريق والحَقّ والحياة). فهو أيّ ملكيصادق يتخطّى الموت لأنّ فيه الحياة دائمًا. العشر المُقدَّم لملكيصادق من إبراهيم يتسامى بلا قياس على العشور الباقية، إذ عندنا هنا فعل خضوع واحد من إبراهيم مقابل فعل بركة واحد من ملكيصادق. وكأنّ ملكيصادق لم يكن بحاجة إلى مادّة العشر من إبراهيم، لأنّ العشر في مفهومه الرّوحيّ هو خضوع لله، الأمر الّذي قابله فعل البركة على المستوى الرّوحيّ الّذي تجلّى في مجيء المسيح من نسل إبراهيم.

كذلك فإنّ العشور في تعدّدها وتكرارها عند الكهنوت اللّاوي منسوبة لعلّة الموت الّذي يمنع آخذيها عن البقاء والدّوام. أمّا العشر الواحد غير المُتكرِّر في كهنوت ملكيصادق فهو منسوب لديمومة الحياة وعدم الموت. وبعد إبراز الرّسول بولس علوّ شأن كهنوت ملكيصادق، يوضح أنّ الكهنوت اللّاوي غير كفؤ أن يكمل الخلاص، في مقابل كهنوت المسيح. ثمّ يؤكّد الرّسول على فكرة أنّ كلّ كهنوت يقوم على الذّبائح الحيوانيّة هو فاشل ولا يفي بالغرض لأنّه وضع على أساس جسديّ (طهارة الجسد فقط) وليس على أساسٍ روحيّ. يزداد الأمر وضوحًا عندما يعود الوحي المُقدّس وهو له السّلطة القانونيّة المُقدَّسة، ليذكر أنّ كهنوتًا آخر غير لاوي وكاهنًا آخر غير سبط لاوي بل على طقس ملكيصادق هو الّذي ستنال البشريّة على يده الفداء والخلاص بذبيحته الوحيدة على الصّليب.

لقاء المسيح في هيكل نفوسنا

يُسمّى عيد دخول المسيح إلى الهيكل أيضًا عيد "اللّقاء المُقدّس"، ويُعبِّر عن لقاء سمعان الشّيخ وحنّة النّبيّة بالرَّبّ، كما يُعبِّر عن لقائنا الشّخصيّ به، كما تقول ترنيمة العيد: "هلّموا بنا نحن أيضًا نستقبل المسيح، ونتقبّله بالتّسابيح الإلهيّة ...". وهذا اللّقاء يسبقه انتظار وتهيئة، على مثال هذين القدّيسَين.

لقد تمّ اللّقاء المُقدّس أوّلًا بتجسّد المسيح نفسه، إذ فيه اتّحدت الألوهة بالطّبيعة البشريّة. وبالمعموديّة المقدّسة، مُنحنا عطيّة الرّوح القدس، وأصبح بإمكان هذا التّألّه أن يتحقّق فعليًّا فينا. يبقى علينا أن ننمّي هذه العطيّة بحرّيّة، وبمعونة النّعمة الإلهيّة.

نحن مدعوّون إلى بناء هيكل روحيّ بالصّلاة والصّوم، والدّموع والجهاد، بالنّقاوة وإفراغ الذّات والتّوبة، فتأتي طاقة الرّوح القدس وتنسكب في قلوبنا وفي كياننا، كما انسكبت في قلب سمعان وكيانه، وتجعلنا مثله حاملين الإله، فنقول مع الرّسول بولس: "لست أنا بعد أحيا، بل المسيح يحيا فيّ".

يقرع المسيح على باب قلوبنا باستمرار، هو يريد أن يأتي ليزور هذا الهيكل الّذي هو جسدنا وقلبنا، ويسود عليه، وإن شرّعنا له الأبواب، يدخل ويتعشّى معنا، وتصبح حياتنا عيدًا مُقيمًا.

يأتي المسيح نحونا بطُرق متعدّدة: عبر قريبنا؛ إنّه هو الّذي نستقبله في كلّ مرّة نستقبل فيها قريبنا ونُظهر له محبّتنا. يأتي أيضًا ليزورنا عبر محننا، وتعبنا، وأمراضنا، فإن استقبلنا ما يسمح به الرّبّ بصبرٍ وشكر، يكون المسيح أيضًا هو من نستقبله. وفي كلّ مرة نطبّق وصيّة الله، نؤهّل لنقتبّل المسيح في قلوبنا.

كلّ ليتورجيّا هي نفسها لقاء مقدّس، فيها يكون حاضرًا سرُّ خلاصنا كلّه، سرّ المسيح كلّه. نحن نأتي إلى الكنيسة لنعبد الله، لا لإتمام واجب. نأتي فنتحوّل، فنتجلّى، ونخرج من الكنيسة مختلفين عمّا كنّا عليه عندما دخلناها، لأنّنا التقينا فيها بمن له القدرة على تحويلنا.

لنتوسّل اليوم إلى الله أن يؤهّلنا أن نقبل المسيح في نفوسنا، لتدخل هذه المَسحة، الّتي هي المسيح، إلى قلوبنا، لتُذيب أنانا، وتُنيرنا، فنحمل المسيح فينا، ونستنير بنوره على الدّوام، ونشعّ كأنوار في وسط هذا العالم، لمجد الآب والابن والرّوح القدس، آمين.

أقوال للقديس مكاريوس الكبير

+ إذا قامت النّفس في الله بإيمان وطلبت منه ملح الحياة الّذي هو الرّوح الطّيّب والمحبّ للبشر، عندئذٍ يأتي الملح السَّماوي ويقضي على كلّ الدّيدان القبيحة وينتزع النّتانة مطهّرًا النّفس بقوّة الملح السّماوي، وهكذا تعود العافية إلى النّفس فتنعتق من جراحها بالملح الحقيقيّ كي تكون نافعة من جديد (القدّيس مكاريوس الكبير).

+ على الّذين يسمعون الكلمة أن يشهدوا لعملها في نفوسهم لأنّ كلمة الله ليست جامدة بل لها عملها الخاصّ في النّفس، لهذا السّبب يقال إنّها "عمل" (القدّيس مكاريوس الكبير).

+ الويل للجسد إذا اكتفى بطبيعته فحسب فهو سينحلّ ويموت، والويل للنّفس إذا اكتفت من طبيعتها فحسب ولم تحظى بمشاركة في الرّوح القدس، فهي تموت ولا تستحقّ الاشتراك بالحياة الإلهيّة الأبديّة (القدّيس مكاريوس الكبير).

+ بتجديد الأذهان واختبار السّلام والهدوء في أفكارنا، فضلًا عن محبّة الرّبّ ومحبّة الأمور السّماويّة، تتميّز كلّ خليقة جديدة في المسيحيّين عن سائر النّاس العائشين في هذا العالم. (القدّيس مكاريوس الكبير).

انقر هنا لتحميل الملف