Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١ تشرين الأوّل ۲٠١٧

العدد ۲٥

الأحد (۲) من لوقا 

اللّحن ٨- الإيوثينا ٦

كلمة الرّاعي

قلب الإنسان

”اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟“ (ارمياء ١٧: ٩)

هذه هي حقيقة الإنسان الخفيّة على نفسه، أو الّتي لا يريد أن يواجهها في ذاته، لأنّها تكشف له زيف صورته في عين قلبه وأمام الله وأمام النّاس...

صار قلب الإنسان مخادعًا لمّا تجاوب مع الشّيطان—الحيّة، إذ سقطت البشريّة في التّمحور حول نفسها ورفضها لحاجتها الوجوديّة والكيانيّة لله (راجع سفر التكوين الاصحاح ٣).

*           *           *

الإنسان صار في الضّلال لأنّه استغنى عن نور الألوهة فيه، مكتفيًا بنور الطبيعة الإنسانيّة المخلوقة على صورة الله. اكتفى الإنسان بالصورة الظّاهريّة للحياة وبنى نظرته للوجود بناء على الملموس والمعقول... فَقَدَ ”الثّقة بما يُرجى“ أي ”الإيمان“ (راجع عبرانيين ١١: ١). لذلك، تراه صار شكَّاكًا غير مصدِّق للحقّ، لأنّه لم يعد يطلب حقّ الله بل مَظْهَرَ الحقّ الَّذي يُرضي حياته الكاذبة. لقد بَطُلَ الإيمان في قلوب النَّاس، حتَّى الَّذين هم في الظّاهِر من المؤمنين والمعلِّمين. الرّبّ يسوع كشف لنا هذا الأمر لمّا قال: ”كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟...“ (يوحنّا ٥: ٤٤).

*           *           *

يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي“ (أمثال ٢٣: ٢٦). لا يريد الله منّا أعمالًا عظيمة في أعين النّاس بل قلبًا نقيًّا متواضعًا متخشِّعًا منسحقًا حرًّا من كلّ تملُّك وعبوديّة. قد نعطي الله حياتنا، في الظَّاهر، لكن قلبنا بعيد عنه، ”يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا“ (متّى ١٥: ٨).

*           *           *

الإنسان المسيحيّ هو ”إنـسـان الـقـلـب الـخـفـيّ“ (١ بطرس ٣: ٤)، أي حياته ”مُسْتَتِرَة مع المسيح في الله“ (كولوسي ٣: ٣). الله هو الَّذي يرى حقيقة قلب الإنسان بوضوح كلّيّ وهو وحده الَّذي يعرفه. الإنسان نفسه يجهل ما في أعماق قلبه لأنّه لا يستطيع الولوج إلى الدّاخِل دون النّعمة الإلهيّة. 

وكيف نقتني النّعمة الإلهيّة؟ بالصَّلاة والصَّوم! 

وما هي الصّلاة الحقّة وما ارتباطها بالصَّوم؟ هي هذه الرّغبة الصَّادقة بمعرفة الله، والشّوق العميق المُنْطَلِق من مركز القلب، أي الذّهن (نوس—νους)، بكلّ قوّة الكيان الإنسانيّ لفتح أبواب الرّوح على الكشف الإلهيّ. للوصول إلى هذه الصّلاة لا بدَّ من النُّسك، أي جهاد الجسد بالصّوم لتهذيب الإرادة البـــشريّة وتدريبها على طاعة الوصيّة الإلهيّة.

*           *           *

يعرف الإنسانُ حقيقتَه لمّا يكشفُ له اللهُ ذاتَه. فقط بالكشف الإلهيّ يستطيع الإنسانُ أن يعرفَ نفسَه، وأوّلُ ما يـعـرفُـه هـو أنّـه عَـدَمٌ، أنّـه لا شــيء، أنّـه إذا هبَّت فيه الريح ليس يثبت“ (مزمور ١٠٢: ١٦). هذا بدء المعرفة أنّ الإنسان لا يأتي من  نفسه ولا يثبت في نفسه بنفسه بل بمشيئة الله الكائن وحده.

*           *           *

”لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَـنِـينَ وَبَـنَـاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ“ (٢ كورنثوس ٦: ١٧ و١٨).

أيها الأحبّاء، لن نستطيع أن نعرف قلبَنا ونطهّره من كلّ نجاساته واحتيالاته وخبثه إن لم نتب، إن لم نجاهد في عيش كلمة الرّبّ وطاعة وصاياه، إن لم نسهر ونصلّي ونصوم عن أفكارنا ونوايانا الـشّـريرة، إن لم نطلب أن يحرِّرَنا الحقّ.

سقط الإنسان لأنه أغويَ وخُدِعَ بالأكل من شجرة معرفة الخير والشّرّ، وها هو اليوم يسقط باستمرار لأنّه مال إلى الشّرّ وهو لا يريد أن يعرف التّمييز بين الخير والشّرّ إذ ما زال متمسِّكًا برأيه هو ولا يريد أن يرى. إنّ هذه النّعمة، الإبصار، تُعطى للصّادقين والتّائبين والمتواضعين...

فهل من طالب لله حقًّا؟!...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (اللّحن الثّامن)

انحدرتَ مِنَ العُلوِّ يا مُتحنِّن. وقَبِلتَ الدَّفنَ ذا الثلاثةِ الأيام. لكي تُعتقَنا مِنَ الآلام، فيا حياتَنا وقيامتَنا يا رَبُّ المجدُ لك.

القنداق

يا شفيعَةَ المَسيحيِّينَ غَيْرَ الخازِيَة، الوَسِيطَةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المَرْدُودَة، لا تُعْرِضِي عَنْ أَصْوَاتِ طَلِبَاتِنَا نَحْنُ الخَطَأَة، بَلْ تَدَارَكِينَا بالمَعُونَةِ بِمَا أَنَّكِ صَالِحَة، نَحْنُ الصَّارِخِينَ إِلَيْكِ بإيمانٍ: بَادِرِي إلى الشَّفَاعَةِ، وأَسْرِعِي في الطَّلِبَةِ يا والِدَةَ الإِلهِ، المُتَشَفِّعَةَ دائمًا بِمُكَرِّمِيكِ.

الرّسالة (2 كورنثوس 6: 16- 18، 7: 1)

صَلُّوا وَأَوْفُوا الرَّبَّ إِلَهَنَا

اللهُ مَعْرُوفٌ في أَرْضِ يَهُوذَا

يا إِخْوَةُ أَنْتُمُ هيكَلُ اللهِ الحَيِّ كما قالَ اللهُ إِنِّي: سَأَسْكُنُ فيهِم وأَسِيرُ فيمَا بَيْنَهُم وأَكُونُ لهُم إلهًا وهُم يَكُونُونَ لي شَعْبًا. فلذلكَ اخْرُجُوا مِنْ بينِهِم واعْتَزِلُوا يقولُ الرَّبُّ ولا تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلُكُم وأَكُونُ لَكُم أَبًا وتَكُونُونَ أَنْتُمُ لي بَنِينَ وبَنَاتٍ يقولُ الرَّبُّ القَدِير. وإِذْ لنا هذهِ المَوَاعِدُ أَيُّهَا الأَحبَّاءُ فَلْنُطَهِّرْ أَنْفُسَنَا مِنْ كُلِّ أَدْنَاسِ الْجَسَدِ والرُّوحِ ونُكَمِّلِ القَدَاسَةَ بِمَخَافَةِ الله.

الإنجيل (لوقا ٣١:٦-٣٦) (لوقا 2)

 قالَ الرَّبُّ: كما تُريدونَ أنْ يفعلَ النَّاسُ بِكُم كذلكَ افْعَلُوا أنتُم بِهِم. فإنَّكُم إنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذينَ يُحِبُّونَكُم فَأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا يُحبُّون الَّذين يحبوُّنَهُم. وإذا أَحْسَنْتُم إلى الَّذينَ يُحْسِنُونَ إليكُم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخطأةَ أيضًا هكذا يَصْنَعُون. وإنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذينَ تَرْجُونَ أنْ تَسْتَوْفُوا منهم فأيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأَةَ أيضًا يُقْرِضُونَ الخطأَةَ لكي يستَوْفُوا منهُمُ المِثْلَ. ولكِن، أَحِبُّوا أعداءَكُم وأَحْسِنُوا وأَقْرِضُوا غيرَ مؤَمِّلِينَ شيئًا فيكونَ أَجْرُكُم كثيرًا وتكونُوا بَنِي العَلِيّ. فإنَّهُ مُنْعِمٌ على غيرِ الشَّاكِرِينَ والأَشْرَار. فكونُوا رُحَمَاءَ كما أنَّ أَبَاكُم هو رَحِيمٌ.

حول الإنجيل

إنّ التعاليم الروحيّة التي يقدّمها لنا هذا المقطع الإنجيليّ تخترق عالمنا بكلّ مكوّناته: بفكره، بعلاقاته البشريّة، بكلّ ما يتمنّاه الإنسان ويريده. وقد قُدِّمت لنا جميعها بآياتٍ بسيطةٍ قليلة الكلمات، تدلّنا كيف نغيّر أنظمة حياتنا بكلّيّتها.

الأمر الأهمّ في حياة الإنسان هو علاقاته مع الناس. فعلاقاته الناجحة تعطيه السلام والفرح، والعلاقات الفاشلة تصير سبباً للألم والاضطراب. العلاقة الناجحة هي التي تعطي ثمار الروح، أي الفرح والمحبّة والسلام، وبالتالي إنّها العلاقة المبنيّة على "الرحمة" أي المحبّة، لكن للمحبّة ألواناً عديدة.

اللون الأوّل هو المحبّة "الفطريّة" أو "الطبيعيّة" وهي كالتي بين أفراد العائلة، في الفطرة بين الوالدَين وأولادهما. وهذه المحبّة الفطريّة، العائليّة، هي رابطٌ قويٌّ جدّاً ومقدَّسٌ، لكن يظهر هذا الرابط مرّاتٍ كثيرةً أنّه غير كامل. المحبّة الفطريّة رابطٌ شريفٌ لكنّه يحتاج دائماً لتقديسٍ وتنقية. هذا الحبّ الطبيعيّ تخرقه المصالح بسهولةٍ مرّاتٍ عديدةً، ولطالما فرّق المال بين الإخوة، أو أوقعت تفاصيل الحياة بين أفراد العائلة. هذه المحبّة قال عنها السيّد: "فإنّكم إن أحببتم الّذين يحبّونكم فأيّة منّةٍ لكم، فإنّ الخطأة أيضاً يحبّون الذين يحبّونهم".

اللون الثّاني هو "المحبّة الاجتماعيّة" التي تتولّد عن العلاقات الاجتماعيّة، في المدارس والعمل والشـركات والأنشطة، وهذه أكثر ظرفيّةً من السابقة. لذلك يجعلها التبدّل الظرفيّ في الكثير من الأحيان محبّةً لأيّامٍ فقط وعابرةً، هذا إن لم تقتلها على الطريق ضربات الأنانيّة والمصالح والخلافات. هذه المحبّة هي التي أشار إليها يسوع قائلاً: "إن أقرضتم الذين ترجون أن تستوفوا منهم، فأيّة منّةٍ لكم، فإنّ الخطأة أيضاً يفعلون كذلك".

هذان اللونان يسهل خرقهما لأنّهما يتطلّبان في الحبّ شيئاً لذاتهما. أمّا سرّ نجاح المحبّة في المسيحيّة هو المحبّة "الكاملة" التي لا تتطلّب في الحبّ شيئاً لذاتها، كونها مبنيّةً على بناءٍ مسيحيٍّ يجعل الإنسان حاملها رحيماً مثل أبيه السماويّ الرحوم.

والمقياس الأدقّ لدرجة المحبّة هو محبّة الأعداء، لأنّ هذه الأخيرة لا تعرفها المحبّتان الفطريّة والاجتماعيّة، ولا الأعراف والأنظمة، إلّا قلبٌ كقلب السيّد الرحيم.

المحبّتان الطبيعيّة والاجتماعيّة هما بداية المحبّة الكاملة التي يجب أن تكون نهايةً لهما. المحبّة أكثر من علاقةٍ راهنةٍ، المحبّة هي سرّ الرحمة، تقلب حضرة الإنسان من فطرةٍ أو علاقةٍ اجتماعيّةٍ إلى شخصيّةٍ مسيحيّةٍ كأبيها السماويّ الرحيم.

الانغماس في الملذات

لو تطلّعْنا بعناية إلى الناس في مجتمعنا المعاصر بوجه عام، فإننا نرى على الفور أنهم خاضعون لهوى اللذة أو الانغماس في الملذات. عصرنا هو عصر طلب اللذة في أقصى درجاتها. للبشر ميل مستمر نحو هذا الهوى الرهيب الذي يدمّر حياتهم بأكملها، ويحرمهم من إمكانية الشركة مع الله. يفسد هوى الانغماس في الملذات عمل الخلاص، والنفس المنغمسة في الملذات تكون غير جديرة بأنْ تُصبح إناءً للروح القدس، أو لأن تتلقَّى حضور المسيح في داخلها. في البداية ينبغي القول بأنَّ الانغماس في الملذات هو أحد الأسباب الرئيسية لكل خلل في كيان الإنسان الروحي والجسدي، إنه مصدر كل الرذائل وكل الأهواء التي تعتدي على النفس والجسد معاً.

يُعلِّم القديس ثيودوروس أسقف إديسّا أنَّه توجد ثلاثة أهواء عامة تؤدي إلى كل الأهواء الأخرى وهي محبة اللذة، ومحبة المال، ومحبة المديح. تولد الأرواح الشريرة الأخرى من هذه الثلاثة، وبالتالي "من تلك يتولَّد حشد عظيم من الأهواء وكل طريقة للشر"، حيث تشتمل محبة المال ومحبة المديح، على اللذة الحسية الكبيرة المتولِّدة من الثروة والمجد، فإننا نستطيع القول أنَّ الانغماس في الملذات يولِّد كل الأهواء الأخرى. يشوه الانغماس في الملذات قوى النفس. يشير القديس يوحنا الدمشقي للنقطة عينها: "الجذور أو الأسباب الرئيسية لكلِّ هذه الأهواء هي محبة اللذة الحسية، ومحبة المديح، ومحبة الثروة المادية. يكمن أساس كل شرّ في هذه "إنَّ من يريد التحرر من الأهواء، أي تحويلها في الواقع، ينبغي عليه أنْ يجاهد أولاً ضدَّ هوى الانغماس في الملذات الذي هو الأكثر جوهرية. اللذة هي القوة الدافعة التي توجه النفس، بحسب نوع اللذة التي تدفعها، تعمل النفس إما بطريقة غير طبيعية أو بطريقة تفوق الطبيعة. لو أخذنا في الحسبان حقيقة أنَّ اللذة تستعبد النّوس (الذهن) أيضاً، فإننا نبدأ في التحقق من آثارها المهمة على خلاصنا.

لا ترتبط اللذّة الحسّية فقط بالنجاسة وبما يُسمى الأهواء اللحمية، ولكنها ترتبط أيضاً بالهرطقة والكفر وتذكر الأخطاء والإلحاد وما إلى ذلك. يجد بعض الناس لذّة في الإلحاد على حين يتمتع الآخرون بكراهية واضطهاد أقاربهم من الجنس البشري. إنها وحش متعدد الرؤوس وليس من السهل تمييزه. يكون من السهل تحديد اللذّة الحسّية في بعض التعديات الكبيرة والواضحة، إلا أنه يكون من الأصعب إدراكها عندما تكون مرتبطة بالكراهية، أو الكفر، أو الهرطقة. عادة ما يُشبِع الناس رغباتهم الحسّية عندما يحارِبون الله، أو يكرهون أخيهم. يكون أيضاً ميلنا لكسب المديح واقتناء الخيرات المادية طريقة خفية للانغماس في اللذّة الحسّية. إننا نريد المجد، والقوة، والمال لكي نشبع هوى الانغماس في الملذات غير الطبيعي.

ليستْ اللذّة الحسّية مجرد حيوان متعدد الرؤوس؛ لكنه أيضاً متميز جداً. فهذا الحيوان لديه طرق عمل خاصة مميزة تجعله ظاهراً وتفضح وجوده، ولكنها تخفيه أيضاً. لن أتوقف طويلاً عند هذه النقطة لأننا تناولناها بالفعل، لكنني أود التأكيد على أنه، بحسب تعليم القديس يوحنا السلمي الذي أثبتَ أنّهُ معلمٌ للحياة الروحية وكشف كل حركات النفس الخفية، ”عادة ما يبدو الخاضعون للذّة الحسّية متعاطفين، رحماء، ومعرَّضين باستمرار لوخز الضمير“. هذه العبارة غريبة وتظهر كيف يمكن أن تختفي الأهواء الخسيسة، وخصوصاً محبة اللذّة الحسّية، وراء الفضائل الظاهرية.

كيف يمكن لشخص رحوم ومعرّض باستمرار لوخز الضمير أنْ يعرف أن لديه هوى الانغماس في الملذات؟ يُعلِّم القديس مرقس الناسك قائلاً: ”الشخص المنغمس في الملذات يتضايق من النقد والشدائد؛ على حين يتضايق الذين يحبون الله من المديح والتنعم“. عندما يُنتَقَد الرجل المنغمس في الملذات ويُفترى عليه ينزع ثياب الحمل التي للحنو والشعور بالذنب، ويتحول إلى حيوان، إلى ذئب مفترس. الذي يحب اللذة لا يستطيع تحمل الشدائد أو اللوم، على حين أن الذي يحب الله يُحزنه المديح والطمع (المتروبوليت إيروثيوس فلاخوس).

في السّهر الرُّوحيّ (قصة من بستان الرهبان)

كان انسان يريد ان يترهب وكانت أمه تمنعه ولم يزل يلح عليها قائلا أريد ان أخلّص نفسـي حتى توفيت أمه بعد قليل فمضى وترهب وصار متوانيًا في رهبنته فحدث أنه مرض جدًا و خطف عقله إلى موضع الدينونة فرأى أمه مع اللذين يعذبون و لما رأته قالت: " ما هذا يا ولدي و كيف جئت إلى هنا؟ وأين قولك أريد أن أخلص نفسي؟" فبقي حائرًا ولم يدر كيف يجيبها فرجع إلى نفسه وقام من مرضه وعلم أن الله الرحوم قد افتقده ونبهه فحبس ذاته في قلاية لطيفة وجلس يهتم بخلاص نفسه بالتوبة والبكاء على ما سلف من توانيه حتى كان الآباء يطلبون إليه أن يكف عن البكاء قليلًا فكان يجيبهم: " إن كنت لم أحتمل تعيير أمي فكيف يكون حالي إن وقفت قدام المسيح بحضرة الملائكة يوم الدينونة أيمكنني ان أحتمل ذلك الخزي المعد للخطأة؟ ...

انقر هنا لتحميل الملف