Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ١ أيلول ۲٠١٩

العدد ٣٥

الأحد (١١) بعد العنصرة

اللّحن ۲- الإيوثينا ١١

أعياد الأسبوع: *1: اِبتداء السَّنة الكنسيَّة، البارّ سمعان العاموديّ، الصِّدِّيق يشوع بن نون، الشَّهيد إيثالا *2: الشَّهيد ماما، يوحنَّا الصَّوَّام بطريرك القسطنطينيَّة *3: نقل عظام القدِّيس نكتاريوس، الشَّهيد في الكهنة أَنْثِيمُس، البارّ ثاوكتيستُوس، القدِّيسة فيـﭭـي  *4: النّبيّ موسى، الشَّهيد بابيلَّا أسقف أَنطَاكِيَة وتلاميذه الثَّلاثة *5: النَّبيّ زخريَّا والد السَّابِق *6: تذكار أعجوبة رئيس الملائكة ميخائيل في كولوسِّـي *7: تقدمة عيد ميلاد السَّيِّدة، الشَّهيد صوزن، البارَّة كاسياني.

كلمة الرّاعي 

استقامة القلب

أَحْمَدُكَ بِاسْتِقَامَةِ قَلْبٍ عِنْدَ تَعَلُّمِي أَحْكَامَ عَدْلِكَ“ (مزمور ١١٩: ٧).

البشر، بعامّة، لا يريدون الحقّ لأنّهم مُلتَوون خدَّاعون في أنفسهم ومع أنفسهم أوَّلًا. من يحتمل الحقّ؟!... من يقبل أن يعترف بأنّه خاطئ، أي مُنافِق يعوِّج الحقّ؟!...

قد يقول لك قائل، بأنّ هذا كلام كبير وفيه دينونة... إذا كان الأمر كذلك فكيف تفسِّر تبريرك لنفسك ونظرتك لذاتك بأنَّك بارّ وأنت ترفض أن تقبل بأنَّ الإنجيل هو كلمة لتعيشها في حياتك وليس لتتغنَّى بها أمام الآخَرين. افحص نفسك وكن صادِقًا، هل أنت حقًّا ترغب بعيش الكلمة الإلهيّة وطاعتها طاعة كاملة دون أيّة معارضة ودون أيّة شروط؟!... هل تعترف بأنّ المسيح أعطانا ذاته مثالًا، أوَّلًا، ولم يتكلّم بشيء إلَّا وقد عاشه وحقَّقه؟! هل تُقرّ بأنّ كلمة الرّبّ موجَّهة إليك لتعرف ضعفك؟! وهل تعترف بأنّك لا تعيش كلمة الله؟! هل تميِّز الحقّ من الباطِل فيك بتسليط نور كلمة الإنجيل على نواياك وأفكارك وأعمالك؟!...

*          *          *

” إِنْ قَالَ أَحَدٌ: ’إِنِّي أُحِبُّ اللهَ ‘وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ“ (١ يوحنَّا ٤: ٢٠).

مقياس استقامة القلب هو محبَّة الأخ. واستقامة القلب من استقامة الفكر، بدءًا. وأخيرًا، تصير استقامة الفكر من استقامة القلب. لأنَّك تسعى إلى معرفة الحقّ بفكرك وعقلك، ومتى انْتَقَلَت هذه المعرفة إلى قلبك بخبرة التّوبة والصَّلاة بواسطة النّعمة الإلهيّة، حينها تصير مُمَيِّزًا للحقِّ في كيانك بحضور المسيح الَّذي فيك. المسيح هو الحقّ، وبقدر ما تماثله بقدر ما تصير شفَّافًا في قلبك وحياتك العلنيّة... لأنَّ روح الرّبّ هو ”روح الحقّ“، كما نقول في صلاتنا.

هذه الشَّفافية تجعلك شاهِدًا شهيدًا لأنَّك لن تقول عن الظُّلمة بأنّها نور ولا عن النّور بأنّه ظلمة. على بداهة هذه المعادلة، لكنّ واقع البـشـريّة هو الانحراف والاعوجاج، لأنّ البشر، غير المتطهِّرين، لا يحكمون إلّا بحسب أهوائهم وشهواتهم وضعفاتهم  وخوفهم من انكسار تماثيل آلهتهم الّتي صنعوها للبشر الَّذين صاروا عبيدًا وعبَّادً لهم وليحافظوا على صورتهم أمام أنفسهم وأمام الآخَرين...

هذه هي مأساة البشريّة: ”عدم استقامة القلب“ أي الميل والسّير وراء الباطِل على صعيد الكيان الدّاخليّ. بكلام آخَر، المسألة هي هل أنت تطلب نعمة التّوبة؟! هل تريد أن تزيل ”قناع أهوائك“ عن قلبك؟!... أم أنت مستريح وراضٍ عمّا أنت فيه من ”الأخلاق“ و“القيم“ الَّتي تسعى جاهدًا ليراها النّاس فيك دون أن تكون هي تعبير عن حقيقة قلبك الخفيَّة؟!...

*          *          *

اِسْتِقَامَةُ قَلْبِي كَلاَمِي، وَمَعْرِفَةُ شَفَتَيَّ هُمَا تَنْطِقَانِ بِهَا خَالِصَةً“ (أيوب ٣٣: ٣).

من مخزون القلب يتكلّم اللّسان. الإنسان المستقيم هو إنسان عرف نفسه، عرف سقوطه وخطيئته وحـقـارته وجـبـنه وكسله وعدم رغبته بالخلاص بل بتمسّكه بما في هذا العالم أي ”شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ“ (١ يوحنَّا ٢: ١٦).

مُستقيم القلب لا يقبل الزّغل والغشّ والمحاباة والتَّزوير، هو يعمل الحقّ برحمة ويصنع الرّحمة في الحقّ أي للرّاغبين بالتَّحرُّر من كلّ عبوديّة. هؤلاء يسمعون الرّسول بولس يقول لهم: ”لاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ“ (رومية ١٢: ٢).

كلّ شيء في حياتنا له ثمن ندفعه لنحصل عليه، أمّا نعمة الله فهي لا تقدَّر بثمن ولا يمكن أن نقتنيها إلّا بطاعة الرّبّ أي أن نتوب لكيما تتنقَّى قلوبنا وأذهاننا وحواسّنا وعقولنا، فنصير مميِّزين للحقّ من الباطِل ومستعدِّين لكلّ ثمن وتضحية مهما كانت كبيرة لأنّ المسيح هو حياتنا والحقّ الَّذي نطلبه، وهو نور قلوبنا وقدوتنا ومثالنا إلى التَواضع والوداعة لنجد الرّاحة فيه والأمان واستقامة القلب فيه وبنعمة روحه القدّوس...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني) 

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروبارية الإنديكتي (باللَّحن الثَّانِي)

يا مُبْدِعَ الخليقة بأسرها يا مَنْ وَضَعْتَ الأوقاتَ والأزمِنَة بذاتِ سُلطَانِك، بارِكْ إكليلَ السَّنَة بصلاحِك يا رَبُّ، واحفَظْ بالسَّلامَة الملوكَ ومدينَتَك، بشفاعاتِ والدةِ الإله، وخلِّصْنَا.

طروبارية السَّيِّدَة (باللَّحن السَّابِع)

إفرَحِي يا والدةَ الإلهِ العذراءَ المُمْتَلِئَة نعمةً، يا ميناءَ وشفيعةَ جنسِ البشر، لأنَّه منكِ تَجَسَّدَ منقِذُ العالم، وأنتِ وحدك أمٌّ وبتول، ومبارَكة دائمًا ومُمَجَّدة، فتشفَّعِي إلى المسيح الإله، أن يهَبَ السَّلامةَ لكلِّ المسكونَة.

طروباريَّة أبينا البارّ سمعان العاموديّ (باللَّحن الأوَّل)

صِرْتَ للصَّبر عامودًا، وللآباءِ القُدَماءِ ضارعتَ مباريًا. لأيُّوب بالآلام وليوسف بالتَّجارِب، ولسيرة عادمي الأجساد وأنت بالجسد، فيا أبانا البارّ سمعان توسَّل إلى المسيح الإله، أن يخلِّصَ نفوسنا.

قنداق الأنديكتي (باللَّحن الرَّابِع)

يا إلهَ الكلِّ، الفائق الجوهر بالحقيقة، يا مُبْدِعَ الدُّهور وسيِّدَها بارِكْ دَوْرَ السَّنة، مُخَلِّصًا برحمتِك الَّتي لا تُحْصَى أيُّها الرَّأُوف، جميع الَّذين يعبُدُونَك أيُّها السَّيِّدُ وحدَك، ويهتِفُونَ نحوكَ بخوفٍ قائلين: أيُّها الفادِي اِمْنَحْ للجميعِ عامًا مُخْصِبًا.

الرّسالة (1 تيمو 2: 1– 7)

عظيمٌ هو رَبُّنَا وعظيمةٌ هي قوَّتُه

سبِّحُوا الرَّبَّ لأنَّهُ صالِحٌ

يا ولدي تيموثَاوُسَ، أَسْأَلُ قبلَ كلِّ شيءٍ أَنْ تُقَامَ تَضَرُّعَاتٌ وصَلواتٌ وتوسُّلاتٌ وتَشَكُّراتٌ من أجلِ جميعِ النَّاس، من أجلِ الملوكِ وكلِّ ذي مَنْصِبٍ، لِنَقْضِيَ حياةً مُطْمَئِنَّةً هادِئَةً في كلِّ تَقْوَى وعَفَافٍ، فإنَ هذا حَسَنٌ ومَقْبُولٌ لدى اللهِ مخلِّصِنا الَّذي يُرِيدُ أنَّ جميعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وإلى مَعرفَةِ الحَقِّ يَبْلُغُون. لأنَّ اللهَ واحِدٌ والوَسِيطَ بينَ اللهِ والنَّاسِ واحِدٌ وهُوَ الإنسانُ يسوعُ المسيح الَّذي بَذَلَ نفسَهُ فِداءً عنِ الجميعِ، وَهُوَ شَهادَةٌ في آوِنَتِهَا، نُصِبْتُ أنا لها كارِزًا ورسولًا، الحقَّ أقولُ لا أَكْذِب، مُعلِّمًا للأُمَمِ في الإيمانِ والحَقّ.

الإنجيل (لو 4: 16–  22)

في ذلك الزَّمان أتى يسوعُ إلى النَّاصِرَةِ حيثُ كان قد تربَّى، ودخلَ كعادتِهِ إلى المجمعِ يومَ السَّبتِ وقام ليقرَأَ، فدُفِعَ إليهِ سِفْرُ أَشِعْيَاءَ النَّبِيِّ. فلمَّا فتحَ السِّفْرَ وجدَ الموضِعَ المكتوبَ فيه: إنَّ روحَ الرَّبِّ عَلَيَّ، ولأجلِ ذلكَ مَسَحَنِي وأَرْسَلَنِي لأُبَشِّرَ المساكينَ وأشْفِيَ مُنْكَسِرِي القلوبِ وأُنادِيَ للمأسُورِينَ بالتَّخْلِيَةِ وللعُمْيَانِ بالبَصَرِ وأُطْلِقَ المُهَشَّمِينَ إلى الخلاصِ وأَكْرِزَ بسَنَةِ الرَّبِّ المَقْبُولَةِ. ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ ودفعَهُ إلى الخادمِ وجلسَ. وكانَتْ عيونُ جميعِ الَّذين في المجمعِ شَاخِصَةً إليهِ، فجعلَ يقولُ لهم: اليومَ تمَّتْ هذهِ الكِتَابَةُ الَّتي تُلِيَتْ على مسامِعِكُم. وكان جميعُهُم يشهَدُونَ لهُ ويتعجَّبُون من كلامِ النِّعمةِ البارِزِ من فمِهِ.

حول  الرّسالة

يتكلَّمُ هذا المَقطع عن عطفنا ومسامحتنا للآخرين نتيجًة لتَحنُّنِ الله علينا. فالمَديون تُجاه الله هو كلُّ إنسان، لأنّ الخطيئة في الكتاب المقدَّس تُعتبر دينًا إلى الله، ومحبّة الله يُعبَّر عنها عن طريق محو الدَّين أي غفران الخطايا. فالله يتحنَّن علينا إذ نتوسَّل إليه وليس لنا ما نوفيه، ويترك لنا الدَّينَ ويُطلِقنا. أمّا نحن فكيف نتصرَّف؟! في أغلب الأحيان نُنكر الجميل ونتصرَّفُ مثل العبد الشّرِّير بقساوةٍ خاليةٍ من الرَّحمة والشَّفقة.

مَنْ مِنَّا يُسامح أخاهُ إن أهانه أو أحزنه؟ أيُّ زوجٍ يسامح زوجته على أخطائها وهفواتها، رُغم أنّ رصيده في التَّقصير والخطايا يكون أكبر؟! من هي الزَّوجة الّتي تتغاضى عن إساءات زوجها وتداوي قسوته وكبرياءه بحكمتها ومحبّتها؟! أين همُ الأهل الّذين يكونون مدرسةً لأولادهم في المسامحة والغفران وعدم استخدام الشّتائم في كلِّ خلاف؟! وأين هم الأولاد والأخوة والأصدقاء الّذين يزيِّنون صداقتهم وأخوَّﺗﻬم بالعفو عن الدُّيون الصَّغيرة "الهفوات" الّتي لأصدقائهم؟! الإنجيليّ متَّى يريد أن يركِّز هنا أنَّ على الإنسان اتّخاذ وتبنّي موقفَ وداعةٍ ومسامحةٍ تُجاه أخيه الإنسان، فعلاقة المسيحيّ مع الله لا يمكن أن تكون مستقلّة عن تصرُّفه تجاه بقية النّاس، وإلّا صار مُرائيًا.

وإذا فعلنا العكس فلنسمع ما يقوله الرَّبّ لكلٍّ منَّا شخصيًّا: "كان عليك أن ترحم رفيقك كما رحمتُكَ أنا...، هكذا يفعل أبي السَّماويّ بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كلُّ واحدٍ لأخيه زلّاته". الله يريد أن نعيشَ المُسامحَة والمحبّة لأنّه وكونُه خالق النَّفسِ، يعرف أنَّ نفوسَنا بذلك ترتاحُ وتفرحُ وتكون في سلام. أمّا نحن وبجهلٍ نعيش الحقد والكراهية والمُشاحَنات، والكثير الكثير من العائلات مزَّقتها الأحقاد، حتّى تَخاَلهم أعداءَ ألدَّاء! ولذا فنفوسُنا لا ترتاح، بل تُجلَدُ بالاضطرابِ والعذاب، وهؤلاء همُ الجلّادون الّذين يجلدون النَّفس ويُعذِّبوها.

ما هكذا أرادَ الله لنا، ما هكذا شاء، كلٌّ منَّا أيّها الأحبَّاء اختبرَ رحمَة الله له بشكلٍ أو بآخر، فلننقل خبرة المحبّة والمُسامحة للآخَرين، وهكذا نُبشِّرُ بيسوع المسيح المُحِبّ والرَّحوم، هكذا نصيرُ رُسلًا ومبشِّرين، والعالم اليوم يريد بِشارةً صامتة بِشارةً فاعلة، فقد سئمَ النّاسُ الكلام. المحبّة والرَّحمة والمُسامَحة والغفران هي أزهارٌ إلهيّة، تحتاجها قلوبٌ جفَّت، فهل نزرعها نحنُ في صحراء هذا العالم؟!

+ مقتطفات من سيرة القدّيس البارّ بيمين

+ كان الأنبا بيمين رقيقًا جدًّا، كلّه محبّة، يهتمّ بأعمال الرَّحمة والمحبّة. وقد قدّم لتلاميذه ذات يوم هذا المَثَل. قال كان لرجل ثلاثة أصدقاء. سأله الأوّل أن يأتي معه إلى المَلِك فسار به إلى مُنتصف الطَّريق. وسأله الثّاني الأمر عينه وذهب به حتّى بلاط القصر. أمّا الثّالث فدخل به إلى داخل البلاط وأوقفه بين يدَي المَلِك وتكلّم عنه في كلّ ما يريده من المَلِك. فلمّا سأله الإخوة أن يفسِّر لهم المَثَل، قال: الصّديق الأوّل هو "النُّسك والحرمان". هذان يبلِّغان الإنسان منتصف الطّريق لكنّهما أعجز من أن يُكمِلاها معه. والصَّديق الثّاني هو الطّهارة. أمّا الثّالث فهو "الحبّ" أو أعمال الرَّحمة الّتي تدخل بالإنسان إلى حضرة الله وتشفع فيه بدالَّة قوّية. هذا المَثَل أخذه بيمين عن أحد العامّة ممَن جاؤوا لزيارة الرُّهبان. ولمّا ألحّ عليه القدّيس أن يقول له كلمة تنفعه قال له هذا المَثَل.

+ وممّا قيل عن ترفّقه بالخطأة أنّ رئيس أحد أديرة الفرما جاءه مرّة مُستعينًا. كان قد طرد بعض الرُّهبان لأنّهم ينزلون إلى المدن ويفقدون روح رسالتهم. لكنّه شعر بتبكيت ضمير فسأل بيمين في الأمر. قال له بيمين "أيّها الأخ، هل خلعت عنك الإنسان العتيق حتّى لم يبق فيك شيء البتّة؟" قال: "لا! للأسف لا زلت أعاني الكثير من عبوديته". فأجابه الأنبا بيمين: "إذًا لماذا تقسو هكذا على إخوتك وأنت لا زلت تحت الآلام؟ اذهب وابحث عن ضحاياك وأحضرهم إليّ". ففعل وكانوا نادمين. فقبلهم بيمين ونصحهم وأطلقهم بسلام إلى ديرهم.

+ لم يكن الصَّمت عند القدّيس بيمين غاية في ذاته. قال: "الصَّمت مِنْ أجل الله جيّد كما الكلام من أجل الله جيّد". من أقواله في هذا الشّأن: "قد تجد إنسانًا يظنّ أنّه صامت لكنّه يدين الآخرين بفكره، فمَن كانت هذه شيمته فهو دائم الكلام... وآخر يتكّلم من الصّبح إلى المساء لكنّ كلامه فيه نفع للنّفس. مثل هذا أجاد الصّمت".

+ حين كان زائر يرغب في الحديث إليه في الأمور السَّامِيَة كان يلزم الصَّمت. ولكن إذا سأله في الأهواء وفي كيفيّة تعافي النّفس كان يجيبه بفرح. إجاباته كانت موزونة على قياس سامعيه ليجعل طريق الفضيلة لديهم سالكة.

+ وقد علّم أن ثلاثة تنفع في تنقية النّفس، أن يُلقي المرء بنفسه أمام الله، ولا يقيس نفسه، ويُلقي عنه كلّ مشيئة ذاتيّة. كذلك قال: بِلَوْم النّفس والصَّحو تنبني النّفس وتتقدّم إلى الكمال. حين كان يرى أخًا نائمًا في الكنيسة كان يجعل رأسه على ركبتيه ليريحه. أمّا صَحْوَه، من جهة نفسه، فكان صارِمًا فيه عالمًا أنّ مبدأ كلّ الرَّذائِل هو التَشتُّتْ. وقبل أن يخرج من قلاّيته كان يُمضي ساعة جالسًا يفحص أفكاره.

انقر هنا لتحميل الملف