Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 23 نيسان 2023

العدد 17

أحد توما الرَّسول

أعياد الأسبوع: *23: تجديد قيامة المسيح، وتفتيش القدّيس توما الرَّسول، القدّيس العظيم في الشُّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر *24: أليصابات البارَّة العجائبيّة، الشَّهيد سابا *25: الرَّسول مرقس الإنجيليّ *26: الشَّهيد فاسيلافس أسقف أماسية *27: الشَّهيد في الكهنة سمعان نسيب الرَّبّ *28: التَّسعة المستشهدون في كيزيكوس *29: تذكار الرَّسولَيْن ياسنوس وسوسيباترس ورفقتهما.

الكلمة الإفتتاحيّة

أحد توما أو الأحد الجديد

كان توما من الجليل ومعنى اسمه "التّوأم" كما ذكر يوحنّا الإنجيليّ (١١: ١٦ : ٢١: ٢) دعاه الرَّبُّ يسوع فَلَبَّى الدَّعْوَة وتَبِعَهُ مع بقيَّة التَّلاميذ، ورأى آياته واستمع إلى تعاليمه الإلهيَّة.

مُداخَلات توما في الإنجيل تُظهِر لنا حُبَّه وغيرته، مَرَّةً لمّا أراد الرَّبُّ الذَّهاب إلى بيتَ عنيا لِيُقيمَ لَعازر، اعترضه الرُّسُل بِقَوْلِهم "يا مُعلِّم الآن كان اليهود يطلبون أنْ يَرجُموك وتذهب أيضًا، وأمّا توما فالتفتَ إليهم وقال بِلَهْجَةِ المُحِبّ الوَفِيّ لنذهب نحن أيضًا لكي نموت معه" (١١: ٨- ١٦). ومرَّة ثانيةً فيما كان الرَّبُّ يسوع يتكلَّم في ليلة العشاء الأخير عن ذهابه عنهم، قال له توما "يا سَيِّد لا نعلم إلى أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطَّريق. أجابه الرَّبُّ أنا هو الطَّريق والحَقّ والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلَّا بي" (يو ١٤: ١ -٦).

توما الرَّسول المُشَكِّك الَّذي رفض الإيمان دون تجربةٍ شخصيَّة مباشرة، ونعني أنَّه رفض الإيمان بما يختصُّ بقيامة يسوع وظهوره للرُّسُل الآخَرين، إلى أن رأى ولمس جروح يسوع عندما صُلب على الصَّليب.

وعبر إنجيل يوحنّا عن موقف توما (٢٠: ٢٧- ٢٩) «ثُمَّ قَال يسوع لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا. ومِنْ شِدَّةِ يَقين إيمانه صرخ توما "ربّي إلهي". فقال له يسوع: لأنَّك رأيتني يا توما آمنت! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا».

يُعتبر طلب توما وإصراره ليس شكًّا بالقيامة بقدر ما هو مسيرة نحو اليَقين المَبنيّ على الإيمان والعقل معًا، وذلك مِنْ خلال إصراره على الرُّؤية واللَّمْس.

 يُشير هذا الحدث إلى المحبَّة الإلهيّة للإنسان الضَّعيف والنّاقِص وغير المدرِك. نرى يسوع لا يتردَّد في إظهار تلك المحبَّة في تلبية طلب توما، لأنَّه يُريد للجميع أنْ يبلغوا الحقيقة.

يقول المطران جورج خضر: "توما وَجْهٌ يمثّل الكثيرين مِنَّا، ولَعَلَّه يمثّل الكلّ، وكأنّ الإيمان والشَّكَّ مترافقان في الحياة. الشَّكّ يصعد من شهواتنا إلينا ويجعلنا غير مؤمنين. أن يكون الإنسان مؤمنًا هو أن يعتبر الله أمنه. فالموت الكبير هو الموت الرُّوحيّ، موت النَّفْس بالخطيئة".

ظهر الرَّبُّ في اليوم الثَّامِن مِنْ قيامته لأجل أن يؤمن توما، وأعطاهُ كلّ ما ألحَّ عليه حتّى يكتمل إيمانه ويكتمل إيمان الرُّسُل جميعًا الَّذين ستوضع عليهم مسؤوليّة الكِرازة به وبقيامته في العالم. بهذا الإيمان الرّاسخ قام توما يُبشّر بالإنجيل في اليهوديّة، نظير الرُّسُل. حينما أظهر الرَّبُّ ذاته لبعض تلاميذه على شاطئ بحر طبريَّة بعد قيامته كان توما معهم.

ذلك أنَّ قيامة المسيح ليست حدَثًا فائقًا للطَّبيعة فقط لا تُدرَك بالعقل، لذا جعلنا الرَّبُّ يسوع ومن خلال توما نستطيع أن نراها بوقائع ملموسة. فظهور الرَّبُّ لِتُوما مع التَّلاميذ مَرَّةً أخرى، والتَّأكيد  على آثار المسامير والجروح ووضع يده في جرح الحَرْبة، ينقلنا لمستوى مِنَ الإيمان مرئيًّا وملموسًا، ممّا يَدُلُّ على محبَّة المسيح المعبّر عنها بالإيمان المَبنيّ على المحبَّة والتّواضع القائم على بذل الذّات والتَّضحية لأجل الإنسان وخلاصه.

"شاء ربُّ البرايا بأسرها وسيّدها الجزيل الحكمة أنْ يحقِّق قيامته من الأموات، ولأجل هذا قد أعطى عليها براهين كثيرة إلهيَّة وبشريَّة أشهرها يتضمَّنه نصّ الإنجيل الَّذي يختصّ بأحد توما" (لينكيفوروس ثيوطوكس).

وكما قلنا بشَّر توما أوّلًا في اليهوديّة، وقيل أنَّ توما جال مُبَشِّرًا في بلاد ما بين النَّهرَيْن (العراق)، وفي الرَّها بشمال شرق سوريّة ودفن فيها، كما قيل أنّه عرَّج على بلاد العرب واجتاز البحر إلى بلاد الحبشة، وكرز في بلاد الهند والصِّين وفارس. وقد قضى الشَّطْر الأكبر من حياته التّبشيريّة في الهند، يُعتبر توما الرَّسُول حتّى الآن شفيع المسيحيّين الهنود، إذ يكنُّ هؤلاء احترامًا كبيرًا للقدِّيس توما ويعتبرونه شفيع بلادهم وخاصَّةً الهنود الَّذين يتبعون الكنيسة السّريانيَّة والَّذين يُسَمُّون أنفسهم بمسيحيّي مار توما حيث أنَّهم يؤمنون بأنّ كنائسهم أسِّسَتْ مِنْ قِبَل توما الرَّسُول مباشرةً. استشهد القدِّيس توما بسفك دمه لأجل الرَّبِّ يسوع، إذْ هجم عليه بعض كهنة الأوثان في ملابار وسلخوا جلده وهو حَيّ، ثمّ أخذوا يطعنونه بالرِّماح حتّى الموت.

المسيح قام.!!

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

المسيحُ قامَ من بينِ الأموات، ووَطِئَ الموتَ بالموتِ، ووَهَبَ الحياةَ للَّذينَ في القُبُور.

طروباريّة الأحد الجديد (باللّحن السّابع)

إذ كان القبرُ مختومًا أشرقتَ منه أيّها الحياة. ولمَّا كانتِ الأبوابُ مُغلَقَة، وافيتَ التّلاميذَ أيّها المسيحُ الإلهُ قيامةُ الكلّ. وجدّدتَ لنا بهم روحًا مُستقيمًا، بحسب عظيم رحمتك.

القنداق (باللّحن الثّامن)

ولئن كنتَ نزلتَ إلى قبر يا مَن لا يموت، إلّا أنَّك درستَ قوَة الجحيم، وقمتَ غالبًا أيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حاملاتِ الطِّيب قلتَ افرحنَ، ولِرسلِكَ وَهبتَ السَّلام، يا مانحَ الواقعينَ القيام.

الرّسالة (أع 5: 12-20)

عظيم هو ربُّنا وعظيمة هي قوَّته

سبِحوا الرَّبَّ فإنَّه صالِحٌ

في تلكَ الأيّام جَرَتْ على أيدي الرُّسُل آياتٌ وعَجائبُ كثيرةٌ في الشَّعب. (وكانوا كلُّهُم بِنَفْسٍ واحِدَةٍ في رِواقِ سُليمان، ولم يكُنْ أحَدٌ من الآخَرينَ يَجترِئُ أنْ يُخالِطَهُمْ. لكنْ كانَ الشَّعبُ يُعظِّمُهمُ. وكانَ جماعاتٌ مِنْ رجال ونِساء ينضَمُّونَ بِكَثَرَة مُؤمِنينَ بالرَّبِّ) حتّى إنَّ النّاسَ كانوا يَخرُجونَ بالمَرضى إلى الشَّوارِع ويضعونهُم على فرُشٍ وأَسِرَّةٍ ليَقَعَ ولَوْ ظِلُّ بطرسَ عنِدَ اجتيازِهِ على بعْضٍ منهم. وكانِ يجْتمِعُ أيضًا إلى أورَشَليمَ جُمهورُ المدُنِ الّتي حَوْلَها يَحمِلون مرضى ومعذّْبينَ مِنْ أرواح نَجِسة. فكانوا يُشفونَ جَميعُهُم. فقامَ رئيسُ الكهَنةِ وكلُّ الّذينَ معهُ وهُمْ مِن شيعَةِ الصّدُّوقِيّينَ، وامتلأوا غَيرةً، فألقوا أيدِيَهُم على الرُّسُلِ وجَعَلوهُم في الحبسِ العامّ، ففَتَحَ ملاكُ الرَّبِّ أبوابَ السِّجنِ ليلًا وأخرَجَهُم وقالَ امْضُوا وَقفِوا في الهيكلِ وكَلِّموا الشَّعبَ بِجميع كلِماتِ هذه الحياة.

الإنجيل(يو 20: 19-31)

لمّا كانت عَشيَّة ذلِكَ اليومِ، وَهُوَ أوَّلُ الأُسبوع، والأَبوابُ مُغلَقةٌ حيثُ كانَ التّلاميذُ مجتمِعينَ خوفًا مِنَ اليهودِ، جاءَ يسوعُ ووقفَ في الوَسْط وقالَ لَهم: السَّلامُ لكم. فلمَّا قالَ هذا أراهم يَدَيهِ وجَنبَهُ. ففرِحَ التّلاميذُ حينَ أبصَروا الرَّبَّ. وقال لهم ثانيةً: السَّلامُ لكم. كما أرسَلني الآبُ كذلكَ أنَا أرسِلُكم. ولمّا قالَ هذا نَفَخَ فيهم وقالَ لهم خذوا الرُّوحَ القُدُسِ، مَن غفرتُم خطاياهم تُغْفَرُ لهم، ومَن أمسكتم خطاياهم أُمسِكَتْ. أمَّا توما أحَدُ الاثنيَ عشرَ الَّذي يقالُ لهُ التَّوْأَمُ فلم يكنْ معَهم حينَ جاءَ يسوع. فقالَ لهُ التّلاميذُ الآخرونَ إنَّنا قد رأيْنا الرَّبَّ. فقالَ لهُم إنْ لم أُعايِنْ أثرَ المساميرِ في يدَيْهِ وأضَعْ إصبَعي في أثرِ المساميرِ وأضَعْ يدي في جَنبِهِ لا أُومنِ، وبعدَ ثمانيةِ أيّامٍ كانَ تلاميذهُ أيضًا داخِلًا وتوما معَهم، فأتى يسوُعُ والأبوابُ مُغلقَة، ووقفَ في الوَسْطِ وقالَ: السَّلامُ لكم. ثمَّ قالَ لتوما: هاتِ إصبَعَكَ إلى ههنا وعَاينْ يَدَيَّ. وهاتِ يَدَكَ وضَعها في جَنبي، ولا تَكُنْ غيرَ مُؤمنٍ بَل مؤمنًا.

أجابَ توما وقالَ لهُ رَبِّي وإلهيِ. قالَ لهُ يسوعُ لأنَّكَ رأيتني آمنت. طوبىَ  للَّذينَ لَمْ يَرَوا وآمنَوا. وآياتٍ أُخرَ كثيرةً صَنَعَ يسوعُ أمامَ تلاميذِهِ لم تُكتَبْ في هذا الكتاب، وأمَّا هذهِ فقد كتبَتْ لتُؤمِنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله، ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمِهِ.

حول الإنجيل

"بعد ثمانية أيّام" ظهر الرَّبُّ يسوع للرَّسُول توما مع التَّلاميذ. لماذا انتظر الرَّبّ يسوع فترة ثمانية أيّام لكي يظهر للرَّسُول توما؟ يوضح القدِّيس يوحنّا الذَّهبيّ الفم أنّ هذه الفترة كانت لكي يسمع مِنَ التَّلاميذ خبراتهم مع الرَّبّ يسوع، مع ذكر النبوءات الَّتي تتكلَّم عنه، فيزداد شوقًا والتِهابًا؛ عندها، أي عندما اصبح جاهزًا أنْ يُعايِن الرَّبَّ يسوع، ظهر له الرَّبّ. وعلى الرُّغم مِنْ أنَّه قال سابقًا: إنْ لم أُبْصِر وأضَع يَدي لن أؤمن، لم يلمس توما الرَّسول الرَّبّ، إنّما أعلن إيمانه جهارًا: "ربّي وإلهي". وهنا تكلَّم الرَّبّ قائلًا: "ألأنّك رأيت يا توما آمنت، طوبى للَّذي آمن ولم يرى"؛ وبهذا القول الموجّه لنا نحن المؤمنين به اليوم، حيث يطلب منَّا من جهة، ألَّا نسلك بالعيان لأنّه لن يُفيدنا بشيء، وقد يخدعنا في الكثير من الأحيان، إنّما علينا أنْ نسلُك بالإيمان، أي الإيمان الفاعل، بمعنى آخر أنْ نسلك بحسب الوصايا، حينئذٍ يتكوَّن فينا يَقين ورؤيةٌ داخليّة لا يستطيع أحد في العالم أنْ ينزعها منَّا. ومن جهة أخرى أن يكون لنا ثقة الَّذي هو ضباطُ المسكونة وحافظ حياتنا. وعليه، يجب علينا ألّا نَشُكَّ، مثلما شكَّ توما الرَّسول بالرَّبِّ يسوع. فإنْ هرعنا نحن اليوم وراء الأبراج، والتَّبصير، وأقوال المنجِّمين، والرّقى.. ألا نفعل هذا لأنَّنا نريد أنْ نعرف ما يخبّئه لنا المستقبل، مع أنَّهم هم يتوقَّعون ولا يتنبّؤون؟ ألا يدلُّ هذا على انعدام الثِّقة بالرَّبِّ، وأنَّ إيماننا به بأنَّه هو مدبِّر حياتنا، هو ضعيف لكي لا نقول معدوم؟ فإنْ كان الرَّبُّ بالنِّسبة لنا "الطَّريق والحَقّ والحياة" فلماذا نسلكُ طريقًا آخر؟ لماذا نستشير الشَّياطين لكي نعرف توقُّعاتهم للمستقبل؟ فلنحترز يا إخوة من موضوع العجائب والآيات لأنْ باستطاعة الشَّيطان أنْ يخدَعَنا بها، فسبق أنْ حذَّرَنا الرَّبُّ مِنْ هذه الأمور، فإنْ حَصَلَتْ مَعَنا، فلنُعْطِ مَجْدًا لله، لكي لا يُصيبنا التَّكبُّر والمجد الباطل. وأخيرًا، فلننتبه لأنفسنا، لأنَّه بحسب تعاليم آباء كنيستنا القدِّيسون فإنّ الشَّيطان سوف يُبْهِر النّاس و"سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ، حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا" (متّى 24:24) فعلينا أنْ نسلُك كما علَّمنا بولس الرَّسُول، بالإيمان لا بالعَيان (2 كور 5: 7).

القيامة عند الشَّباب.!!.

الأرشمندريت "الياس مرقص"

لا أدري كيف يفهم الشَّباب القيامة. ولربّما كان مِنَ المُفيد أنْ يُطرَح السُّؤال عليهم وأن تُنشَر الأجوبة... ذلك لأنّه على مدى فهمهم للقيامة يتوقّف عمق عملهم وقيمته ومتانته، بل على مدى فهمهم للقيامة يتوقّف استمرارهم في الطّريق المسيحيّة، وكم من الّذين كانوا في طليعة الملتزمين حماسةً واندفاعًا قد تركونا بين يوم وآخر... المسيح قام حقًا.!!. ويجب أن يدخل ذلك في ذهننا وقلبنا وحياتنا، وإلَّا "فباطلٌ إيمانُنا" وباطلة حماستنا وهي تذهب مع الرّيح...

فالمشكلة إذًا بالنِّسبة للشّباب أن يجسّموا مثاليَّتهم و"يوقّعوها" أي أن تصبح مثاليّتهم واقعًا، وواقعًا مجسّمًا للحياة. وسيتوصّلون إلى ذلك بقدر ما تكون القيامة عندهم لا فكرةً أو ذكرى أو موسمًا فقط بل حقيقة وحقيقة يوميّة: حقًا قام!!..

القيامة عند الرُّسُل والتَّلاميذ هي المسيح القائم من القبر والعائش معهم. هي ظهور المسيح لمريم المجدليّة وللتّلاميذ الذّاهبين الى عمواس وللرُّسُل "والأبواب مغلقة" ولتوما، وللرُّسُل أثناء الصَّيْد، وعندما أكل معهم سمكًا وعَسَلًا... القيامة هي حضور المسيح النّاهض من القبر ومشاركته لحياتنا العمليّة سواءً أكنّا حزانى نفتّش عنه كمريم أم مسافرين كتلميذَي عمواس أو مجتمعين والأبواب مغلقة خوفًا من اليهود أو مشكّكين مثل توما أو أثناء العمل أو عند الطّعام إلخ... إنَّها حضور المسيح الحقيقيّ والسِّرّي معًا في حياتنا اليوّمية ليُعزّينا أو يرافقنا ويُنير أذهاننا أو ليُعطينا سلامه ويثبّتنا أو ليمنح لعملنا الثَّمر الَّذي لا نستطيع أن نجنيه بدونه أو ليبارك طعامنا... وحضوره هذا سرّي وحقيقيّ في آنٍ واحِدٍ، سرّي لأنَّه يتّصل بالعالم الآخر، بالعالم الأبديّ الَّذي أوْشَك أنْ يدخُل إليه يسوع أو دخل إليه ولم يزل بعد على الأرض قبل صعوده، وحقيقيّ لأنّ هذا العالم الأبديّ والسِّرِّيّ قائمٌ بيننا، في هذا العالم المادّي بعينه بكلّ تأكيد، وقد أكَّدَ لنا يسوع ذلك بالقَوْل والفعل: "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة بإسمي أكون في وسطهم"، و"ها أنا معكم إلى انقضاء الدَّهر"، وما حضوره للتَّلاميذ بعد القيامة بهذه الأشكال المختلفة إلَّا بُرهانًا حِسّيًّا لاستمرار حياة المسيح مع تلاميذه في كلّ أشكال ومراحل حياتهم.

ولنلاحظ أنّ حضور المسيح في حياة التّلاميذ بدون ضجّة هو ولا كلام كثير. إنَّه يظهر للمَجدليّة "كأنَّه البستانيّ" واقفًا بجانبها وهي تبكي على سيّدها لأنَّها لا تعرف أين أخذوا جسده... إنَّه يُرافِقُ تلميذَي عمواس كرجلٍ غريب ولا يعتلن لهما إلَّا ويختفي فورًا، ولكنّ قلبهما كان يحسّ بشيء على الطّريق... إنَّه يظهر لبطرس ورفاقه المنهمكين في الصّيد وهو على الشّاطئ من بعيد وهم لا يجرأون أن ينادوه، ولكنَّهم عرفوا "أنّه المُعَلِّم"، وإنَّه يأكل معهم سمكًا مشويًّا وعسلًا دون مقدّمة ولا عتاب كأنَّهم لم ينكروه ويتركوه وحده يتألّم ويصلب ويموت. وبذلك يدخل حياتهم مباشرةً وبكلّ بساطة وحياتهم اليوميَّة في أبسط مظاهرها: العمل والطَّعام. إنَّه يظهر للرّسل مُجتمعين ليمنحهم سلامه ثم يقول لتوما ذلك العتاب الرَّقيق: "لا تكن غير مؤمنٍ بل مؤمنًا"...

هذا هو حضور المسيح بيننا ومشاركتُه لحياتنا ومرافقتُه لنا حقًّا وواقعًا لأنَّه المسيح النَّاهض من القبر حقًّا؛ حقًّا قام... وعندما "نسجد لقيامة المسيح المُقَدَّسَة" فإنّما نسجد ليسوع المسيح النَّاهض مِنَ الأموات والحاضِرِ مَعَنا. ونقول له مع المجدليّة "رابوني، يا معلّم"، ومع الرُّسُل "إنَّه المُعلِّم" ومع توما "ربّي وإلهي".

هذا هو جوابنا للقيامة. هذه هي قيامة المسيح الحقيقيّة الواقعيّة الملموسة، الَّتي ليست فكرة أو تصوّرًا أو ذكرى، بل حقيقة وحياة. وهذا هو الأساس العمليّ لحياتنا وعملنا في الطَّريق المَسيحيّ إذا أردنا أن نتابع الطَّريق...

المرجع: "إنفتح". الأرشمندريت "الياس مرقص". 2008.

أنقر هنا لتحميل الملفّ