Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 23 تشرين الأوّل 2022          

العدد 43

الأحد (19) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *23: الرَّسُول يَعقوب أخو الرَّبّ وأوَّل أساقفة أورشليم *24: الشَّهيد أريثا (الحارث) ورفقته *25: الشَّهيدين مركيانوس ومرتيريوس، القدّيسة طابيثا الرَّحيمة الَّتي أقامها بطرس *26: القدّيس العظيم في الشُّهداء ديمتريوس المُفيض الطِّيب، الزَّلزلة العظيمة *27: الشَّهيد نسطُر، القدّيسة بروكلا امرأة بيلاطس *28: الشَّهيدين ترنتيوس ونيونيلا وأولادهما، القدّيس استفانوس السّابويّ *29: الشّهيدة أناستاسيّا الرّوميّة، البارّ أبراميوس ومريم ابنة أخيه.

كلمة الرّاعي

كورة الجرجسيّين

”مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَالَّذِي صُنِعَ فَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ،

فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ“ (جا 1: 9)

            نعيش اليوم في عالم شبيه بكورة الجرجسيّين أي عالم يخاف الحقّ ويعيش في الظُّلم وفي عبوديَّة الشّياطين. ”رئيس هذا العالم“ (يو 12: 31) تزداد قبضته على البشريّة إذ النّاس أحبّوا ”الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“ (يو 3: 19).

            حين يخضع الإنسان للفكر الشّرّير يصير مجنونًا ويسكن القبور، لأنّه يقضي  بنفسه على نفسه كونه يستسلم لأعمال الظّلمة، والمصيبة أنّه يُسَرُّ بذلك إذ يعتقد أنّ السّعادة تأتيه عبر هذا الطّريق.

            لا شكّ أن طريق الشّرّ قد يولّد للإنسان رضًا أو يدغدغ كبريائه ويُشبِع أنانيّته ويغذّي شهواته الّتي يعتقدها أنّها هي معنى الحياة، لكنّ الحقيقة هي أنّ الإنسان في كلّ مرّة يطلب فيها هوًى يسقط من إنسانيّته لأنّه يُغَلِّب في ذاته نزعة طبيعته الحيوانيّة المادّيّة على صورة الله الّتي فيه.

*          *          *

            ”ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العَلِيّ. أطلُبُ إليكَ ألَّا تُعَذِّبَني“ (لو 8: 28). هكذا صرخ الشّياطين الّذين كانوا يسكنون الرّجل حين وصل يسوع إلى كورة الجرجسيّين.

الشّيطان أحضر الرّجل إلى يسوع علّه يترك الكورة، لكنّ يسوع أتى إلى هذه الأرض لأجل هذا الرّجل المعذَّب من الشّياطين. وهنا نرى كذب الشّيطان الَّذي يتّهم يسوع بأنّه يسبِّب عذابًا بينما الحقيقة هي أنّ الشّياطين كانت تعذّب هذا الرّجل سنين طوال. الشّيطان ”كذّاب وأبو الكذّاب“ (يو 8: 44) لذلك فهو قتّال للنّاس.

            الإنسان المَسكون من الشّياطين كان عريانًا ويعيش في القبور، إبليس نزع عنه كلّ لباس الإنسانيّة وجعله وحشًا تائهًا حائرًا مدمِّرًا ومدمَّرًا.

            مهما تدهورت حالة الإنسان الأهوائيّة ومهما قُيِّد من الشّيطان المسيحُ لا يتركه بل يبحث عنه ويجده ليشفيه. لذلك، حين رأى الشّياطين يسوع مُقبِلًا إلى هذه المنطقة -الَّتي هي منطقة وثنيّة واليهود لا يخالطون الوثنيّين- عرفوا أنّ يسوع آتٍ ليطردهم من الرّجل وليحرّره من العذاب الَّذي كان يعيش فيه. الأهواء تُحقِّر الإنسان وتملأه اضطرابًا وتُفقده سلامَه.

            الغباء الَّذي نعيشه هو أنّنا نتوقّع الخير من الشِّرير أكان إنسانًا أم روحًا. لا خير إلّا بروح الرّبّ، وما عدا ذلك جنون مُطبِق.

            الإنسان يطلب أن يحيا بكرامة، ولكن لا كرامة لمن يسير في طريق أرواح الشّرّ لأنّه ترفعه أوَّلًا لتخبطه إلى أسفل ثانيًا فتدمّره تدميرًا شاملًا.

            العديدون يذهبون لاستشارة ”شيوخ روحانيّين“ هم ليسوا بالحقيقة سوى كذبة ومستحضرين لأرواح الشّرّ. من يذهب إلى هؤلاء يخرب نفسه ويدمّر حياته ويصير مسكونًا من الشّياطين.

            الشّيطان يريد تدميرك بالكلّيّة أفتفتحُ له أبواب قلبك؟!... أنت قرّرت ذلك حين تبعت ملذّات الجسد وشهوات السُّلطة ودغدغات العُجْبّ وعشق المديح...

*        *        *

            أيّها الأحبّاء، نحن في زمن الشّيطان بامتياز، حيث كلّ ما يخالف صورة الله في الإنسان صار مشرَّعًا بالقوانين ويمارَس على المؤمنين الضّغوط ليقبلوا بما ليس من حقيقة الإنسان في خلق الله له.

            الزّمن زمن مواهجة بين أبناء النّور وأبناء الظّلمة. الكثير ون أظلمَت عقولهم وسكن الشّياطين قلوبهم، فصاروا ينادون بما هو ضدّ الطّبيعة، ويناصرون ما هو مخالف لكلمة الله، ويناصرون من هم عبيد لإبليس... هذا كلّه بكذبة الحرّيّة المنطلقة من الأنا وعبادة الذّات.

            الكثيرون تلوَّثت أذهانهم وأظلمت أفكارهم فصاروا عراةً من نعمة الله وخسروا صورته فيهم الّتي جُدِّدت بالمعموديّة. لماذا هذا كلّه لأنّهم سقطوا من حيث لا ينظرون إذ ظنّوا في أنفسهم كمال المعرفة.

            المتكبِّر لا يمكن إلّا أن يصير شَبِقًا فينحطّ بسبب عبوديّة الشّهوة، شهوة السُّلطة وشهوة  الجسد.

*        *        *

            مجنون كورة الجرجسيّين جُنَّ لأنّه شعبه أيضًا في عبوديّة إبليس، ولكن بقدر ما تسلَّط على النّاس تسلَّط عليه شياطين، فخسر نفسه وكرامته وسلطته ومجده وجماله وسلامه ومقتناياته إذ تعرّى من كلّ شيء... دخل في عدميّة الأهواء وجحيمها اللّانهائيّ...

           يسوع أتاه وشفاه وردّه إلى صورة الله الّتي فيه، فصار غريبًا عن شعبه منبوذًا ولكنّه وُهب أن يصير بشيرًا ورسولًا حاملًا صورة المعلِّم وقوّته في كيانه. بعدما صار المجنون صحيح العقل كُشف جنون أهل كورته...

            فهل من عاقل طالب الرَّبّ؟!... أم نحن نخضع لابتزاز العالم ومنطق العالم فنخشى ونخاف على مصالحنا وصورتنا أمام النّاس في حين تكون صورتنا أمام الله مشوّهة!...

          مَنْ الأوْلَى بالطَّاعة الله أم النّاس؟!...

            من له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريّة الرَّسول يعقوب أخي الرَّبّ (باللّحن الرّابع)

بما أنَّكَ تلميذٌ للرَّبِّ تقبَّلتَ الإنجيل أيُّها الصِّدِّيق، وبما أنَّكَ شهيدٌ فأنت غير مردود، وبما أنّك أخٌ للإله فلك الدَّالَّة، وبما أنَّكَ رئيس كهنة فَلَكَ الشَّفاعَة. فابتهل إلى المسيح الإله أنْ يُخَلِّصَ نُفوسَنَا.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

 يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة(غلا 1: 11-19)

إلى كلِّ الأرضِ خَرَجَ صَوْتُه

السّماواتُ تذيعُ مجدَ الله

يا إخوةُ، أُعْلِمُكم أنّ الإنجيلَ الَّذي بشَّرتُ بهِ ليسَ بحسبِ الإنسانِ، لأنّي لم أتسلَّمْهُ أو أتعلَّمْهُ من إنسانٍ بل بإعلان يسوعَ المسيح. فإنَّكم قد سمعتُم بسِيرتي قديمًا في مِلَّةِ اليَهودِ أنّي كنتُ اضطهِدُ كنيسة اللهِ بإفراطٍ وأدمِّرُها، وأَزيدُ تقدُّمًا في ملَّةِ اليهودِ على كثيرين مِنْ أتْرابي في جِنسي بِكَوْني أوْفَرَ مِنْهُم غَيرةً على تَقليداتِ آبائي. فلَّما ارتضى الله الَّذي أفرزَني من جَوْفِ أمّي وَدَعاني بنعمتهِ أنْ يُعلِنَ ابنَهُ فيَّ لأُبَشِّرَ بهِ بينَ الأُممِ، لَساعتي لم أُصغِ إلى لَحمٍ ودَمٍ ولا صَعِدتُ إلى أورشليمَ إلى الرُّسُلِ الَّذين قبلي بل انطلقتُ إلى ديار العربِ وبعدَ ذلكَ رجعتُ إلى دمشق. ثمَّ إنّي بعدَ ثلاثِ سنينَ صَعِدتُ إلى أورشليمَ لأزورَ بطرسَ فأقمتُ عندَهُ خمسةَ عَشَرَ يومًا، ولم أرَ غيرَهُ من الرُّسُلِ سوى يعقوبَ أخي الرَّبّ.

الإنجيل (لو 8: 27-39)(لوقا 6)

في ذلك الزَّمان، أتى يسوعُ إلى كورَةِ الجِرجِسيّينَ، فاستقبَلهُ رجُلٌ منَ المَدينَةِ بِه شياطينُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ، ولم يَكُنْ يلبَسُ ثوبًا ولا يأوِي إلى بَيتٍ بل إلى القبور. فَلَمّا رأى يسوعَ صاحَ وخَرَّ وقالَ بِصوتٍ عظيم: "ما لي ولكَ يا يسوعُ ابْنَ اللهِ العَلِيّ. أطلُبُ إليكَ ألَّا تُعَذِّبَني". فَإنَّهُ أمَرَ الرُّوحَ النَّجِسَ أن يَخرُجَ منَ الإنسانِ لأنَّهُ كانَ قد اختطفَهُ مُنذُ زَمانٍ طويلٍ. وكانَ يُربَطُ بسلاسِلَ ويُحْبَسُ بِقُيودٍ فيَقْطَعُ الرُّبُطَ وتسوقه الشَّياطين إلى البَراري. فسألَهُ يسوعُ قائلًا: "ما اسمُك؟" فقالَ: "لَجْيُون"، لأنَّ شياطينَ كثيرينَ كانوا قد دَخلوا فيهِ وطلبوا إليهِ أنْ لا يأمُرَهُم بالذَّهابِ إلى الهاوية. وكانَ هُناكَ قَطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعَى في الجبلِ، فَطَلَبوا إليهِ أن يأذنَ لهم بالدُّخولِ فيها فأذِن لهم، فخَرَج الشَّياطينُ من الإنسان ودخَلوا في الخنازيرِ، فوَثَبَ القطيعُ عَن الجُرْفِ إلى البُحَيْرةِ فاختنقَ. فلمَّا رأى الرُّعاةُ ما حَدَثَ هَربوا فأخبَروا في المدينةِ وفي الحقول، فخرجوا ليَرَوا ما حَدَث، وأتَوا إلى يسوعَ فوَجدوا الإنسَانَ الَّذي خَرَجَتِ مِنهُ الشَّياطينُ جَالِسًا عندَ قَدَمَيْ يسوعَ لابِسًا صحيحَ العقل فَخافوا. وأخبَرَهُم النّاظِرونَ أيضًا كيْف أُبْرِئَ المجنونُ. فسألَهُ جمِيعُ جُمهورِ كُورَةِ الجرجسِيّينَ أن ينصَرِفَ عَنهم لأنَّهُ اعْتَراهم خوفٌ عَظيم. فدَخَلَ السَّفينةَ ورَجَعَ، فسَألَهُ الرَّجُلُ الَّذي خرَجَت مِنه الشَّياطينُ أن يكونَ مَعَهُ. فَصَرَفهُ يسوعُ قائلًا إرجِعْ إلى بيتِكَ وحَدِّث بما صَنعَ اللهُ إليك. فذهَبَ وهُوَ ينادي في المدينة كُلِّها بما صَنعَ إليه يَسوع.

حول الرّسالة

يكشف الرَّسول بولس أنّ اهتداءه للمسيحيّة كان من قبل الرَّبّ، وهذا ما حصل معه علی طريق دمشق، وأنّه تعلّم أُسُس اﻹيمان الَّذي ينقله للغلاطيّين من الوَحي اﻹلهيّ مباشرةً مقارِنًا بين ما كان عليه وهو في النّاموس والختان من جحود للمسيح واضطهاد لأتباعه وما صار إليه بعد دعوة المسيح له.

”بإفراط“ أي أكثر من الحدود المعقولة. ”وأتلفها“ بمعنی يهلكها. في اﻵية ١٤ يتكلّم على الدَّوافع الَّتي قادته لهذا الاضطهاد الجنونيّ للكنيسة. فالغيرة إذا كانت خالية من النِّعمَة والحقّ تنشئ ضلالةً حتمًا، أمّا إذا كانت بحسب قلب الله تكون مباركة، ''حسنة هي الغيرة في الحسنی'' (غلاطية ٤ : ١٨). في اﻵيتين ١٥ و١٦ يعود بولس ليركّز علی ترابيّته ولا شيئيّته هو بالذّات لأنّ كلّ الفضل لصيرورته رسولًا يرجع لنعمة الله. هذا هو بولس إناء التّواضع الحقيقيّ.

”للوقت لم أستشـر لحمًا ودمًا“ فطالما أنّ الله معه من بطن أمّه، فهو ليس بحاجة لأن يستشير أحدًا في إرساليّته. بولس ينبّه ذهن الغلاطيّين أنَّه رسول من قِبَل الله مباشرة ومعيَّن للأمم. وكلّ تحرّك يقوم به هو بوحي من الرَّبّ الَّذي يقوده، وهو (أي بولس) مستسلم بالكامل لإيحاءات  الله "ﻷنّنا به نحيا ونتحرّك ونوجد'' (أعمال ١٧: ٢٨).

رُفات القدّيسين

الإنسان هو هيكل الله الحيّ. ما يعني أنّه كما تسكن نعمة الله، نعمة الرّوح القدس في الكنيسة، ينطبق الأمر نفسه على الجسد البشريّ ونحن هياكل الله الحيّ. ونحن نؤمن بالله ونقبله، لأنّه يُقيم فينا ونحن هيكله. لا يعني القدّيس بولس أنّ جزءًا من الوجود هو هيكل الله، بل يَعني أنّ الشّخص كلّه مُقدَّرٌ له أن يصبح هيكل الله. هذا هو السَّبب الَّذي يجعلنا نُظْهِر احترامًا وشرفًا كبيرين للشّخص البشريّ.

عندما نُكَرِّم قدّيسي الكنيسة، الّذين هم أناسٌ أكّدوا أنّهم حقًّا هياكل للإله الحيّ، فإنّنا لا نكرّم أرواحهم أو تعاليمهم، ولكن كبشرٍ تقدّسوا في كامل أرواحهم وأجسادهم. لهذا نُبَجِّل ذخائر القدّيسين المقدّسة في الكنيسة وعظامهم الّتي نالت نعمة الرّوح القدس وهي هياكل للإله الحيّ. نحن نحتضن بقايا القدّيسين وأشياءهم والإيقونات المقدَّسة لأنّنا نؤمن حقًّا أنّنا بهذه الطّريقة نتواصل بنعمة الرّوح القدس الَّذي اقتناه هؤلاء القدّيسون، ليس فقط في هذه الحياة، بل هم ازدادوا به، إذ يَحْيَون في حضرة الله.

القدّيسون هم بالطّبع أخلاقيّون ومستقيمون، لكنّ نعمة الرّوح القدس تتخطّى هذه السّمات البشريّة والدّنيويّة، وهي قوّة الله غير المخلوقة الَّتي تُغَطِّي كيان الشّخص بأكمله بحيث يتقدّس كلّه. كما هو مذكورٌ في الإنجيل، ذهبت المرأة الَّتي تُعاني من نَزْف الدَّم ولمست طرف ثوب المسيح وشُفِيت. هل من الممكن أن يكون الثّوب قد صنع المعجزة؟ بالطّبع لا. كان المسيح هو الفاعل. وكما ذكر سِفْر الأعمال، أنّه بمجرّد أن يسقط ظِلُّ الرَّسول بطرس على المرضى، كانوا يُشفَون. حتّى أنّ عباءات الرّسل استُخدِمت لعمل المعجزات. كانت ولا تزال المعجزات تتمّ بالإيمان ونعمة الله. نعمة الرّوح القدس السّاكن في القدّيسين وأشيائهم تعمل جنبًا إلى جنبٍ مع إيمان النّاس، وتصنع المعجزات والعلاجات الّتي تؤدّيها الرُّفات المقدّسة والإيقونات المقدّسة لكلّ الَّذين يقاربونها بإيمان.

عندما نعتمد، نعتمد بكاملنا، لأنّنا نتقدّس ككلٍّ مُوحَّد. لهذا السّبب يتمّ دائمًا احترام رُفات القدّيسين الرّاقدين والحفاظ عليها جيّدًا.

المسيح سلامُنا

المطران جورج خضر 

قال الرَّسول بولس لأهل أفسس في رسالته: «المسيح هو سلامُنا». هذا يعنى أنّ الّذين ينتسبون إلى المسيح يُجابهون كلّ قوّة بهذا القول: «المسيح هو سلامنا»، ويعني أيضًـا أنّ الّذي يستعمل وسائل غير وسيلة المسيح لا يساهم في بناء السّلام الّذي جاء النّاصريّ ليؤكّده.

قيل عن يسوع في الكتاب المقدّس أنّه هو السّلام، لأنّ السّلام من أسماء الله، وبالتّالي لا يستطيع أن يأتي بسلام لا ذاك الّذي يُقرّ العدل، وبعد أن يُقرّ العدل يُقرّ المحبّة. فلا محبّة بلا عدل، ولا عدل إذا تعمّدنا قتل الأبرياء، ولا عدل إذا قصدنا الحرب ونحن نتكلّم بالسّلام. فقد قال نبيّ لليهود في ما مضى: »سلام، سلام، وليس سلام« (إرميا ٦: ١٤) أي أنّهم يقولون »سلام« وهم يُضمرون الحرب.

من أراد إحلال السّلام يُقرّ أوّلًا أنّ العدل هو السّلام. يبدأ من العدل لا من الخوف. يُقرّ العدل لكلّ النّاس، لمن نتخوّف منهم ولمن لا نتخوّف منهم. الإنسان العادل يطرح الخوف خارجًا حسب قول يوحنّا الرّسول في رسالته الأولى: ”لا خوف في المحبّة، بل المحبّة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج“ (٤: ١٨).

«المسيح هو سلامُنا»، والمسيح لا يعني أنّ النّاس يجب أن يتوسّطوا أو أن يتصدّوا للنّاس حتّى يكونوا أبناء العدل. كلّ الّذين يعدُلون، مهما كان معتقدهم، تنطبق عليهم هده الكلمة ««المسيح هو سلامُنا». كم من دولة لا تقوم على العدل وتفرّق بين الكبير والصّغير وبين القويّ والضّعيف هي ساحقة ليسوع النّاصريّ وترفعه اليوم على خشبة.

«المسيح هو سلامُنا»، العدل سلامُنا. هذه هي اللّغة الّتي نتخاطب بها بين الشّعوب. اللّغة المسيحيّة الواحدة هي لغة العدل، وبعد ذلك نتكلّم عن معموديّة منسوبة بالمعموديّة وبالتّسميات وبالتّاريخ، وهو »الّذي يجعل الإثنين في نفسه إنسانًا واحدًا«، إذا تخاصم إثنان، يأتيان إليه، وما عدا ذلك فتسوية. يأتي الإثنان إليه أي إلى البِرّ وإلى الحقّ. فالمسيح وحده محا »حائط السّياج الحاجز أي العداوة. «العداوة لا تبطُل على موائد السّلام، ولا تبطُل في قوى حفظ السّلام، العداوة تبطُل في القلب. وإذا كانت القلوب مشحونة بالبغضاء وبالاحتقار لمن أذلّوا مئات السّنين، فلا خلاص إلّا بالمسيح هو الّذي مع المسحوقين ومع المظلومين كائنًا من كانوا.

المسيح هو الّذي يجعل ابن البشر إنسانًا واحدًا جديدًا بإجرائه السّلام. هو يُصالح كليهما في جسدٍ واحد مع الله بقتله العداوة. جاء وبشّرهم بالسّلام البعيدين منهم والقريبين. ولهذا نحن مدعوّون لتحقيق السّلام في بلادنا وفي جوارنا، هذا ما معناه أننا أبناء السّلام. المسيحيّ هو الّذي يعطي الثّقة لأنّ الثّقة لا تقتل الشّعوب ولأنّ الثّقة تُطْلق الصَّدِيق والعدو.

فإن كنّا أبناء القيامة، فهذا يعني أنّ لنا ثقة بأنّ الحياة تأتي من الموت. وإن كنّا أبناء القيامة، فهذا يعني أنّنا بثقتنا نشجّع الخائفين. وإن كنّا من أبناء القيامة، فهذا يعني إقرارًا أكيدًا وصريحًا وعميقًا ومُخلّصًا أنّ العدل والسّلام يسودان الأرض وأنّ المسيح سيّد الكلّ.

أنقر هنا لتحميل الملفّ