Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 17 تمّوز 2022             

العدد 29

الأحد (5) بعد العنصرة

(آباء المجمع المَسكونيّ الرّابع)

اللّحن 4- الإيوثينا 5

أعياد الأسبوع: *17: آباء المجمع المسكوني الرابع،  القدّيسة مارينا العظيمة في الشَّهيدات *18: الشَّهيد إميليانوس، البارّ بمفو     *19: البارّة ماكرينا أخت القدّيس باسيليوس الكبير، البارّ ذيّس *20: النّبيّ إلياس التَّسبيتيّ *21: البارّين سمعان المُتبالِه ويوحنّا رفيقه في النُّسك *22: القدّيسة مريم المجدليّة المعادلة الرُّسُل الحاملة الطّيب، ماركيلّا الشَّهيدة في العذارى *23: نقل عظام الشّهيد في الكهنة فوقا أسقف سينوبي، النّبيّ حزقيال.

كلمة الرّاعي

العقيدة والحياة: طبيعتا المسيح

”إنّ المسيحَ هو نفسُه. تامٌّ في الألوهة وتامٌّ في البشريّة.

إلهٌ حقٌّ وإنسان حقّ“ (المجمع المسكونيّ الرّابع)

كلمة الله صادقة لأنّها تحمل الحقّ أي تكشف سرّ الله. فلا حقّ ينوجد خارجًا عن الكلمة الإلهيَّة. كلّ ما ومَن هو من الله ينسجم مع كلمته ويترجمها حياة في كلّ آنٍ. ليست الكلمة الإلهيّة فلسفة أي يمكن أن تبقى على مستوى التَّنظير العقليّ، بل هي حياة حقيقيَّة مُختَبَرَة، هي عيش بالرُّوح القدس.

آباء الكنيسة على مرّ العصور هم الَّذين يحفظون الإيمان في حياتهم اليوميّة وفي تعليمهم. هم يَلدون أبناء الكنيسة في إنجيل الحقّ لحياة جديدة، إذ ينقلون إلينا خبرة عيش ”الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ“ (يهوذا 1: 3).

تحديدُ العقيدة جاء كردِّ فعلٍ على نشوء هرطقات تخالف بتعليمها خبر حياة الكنيسة والمؤمنين، ممّا اضطرّ الكنيسة إلى الالتئام في المجامع المحليّة أو المسكونيّة (الَّتي كان يدعو إليها الأباطرة) لتوضيح الإيمان ونبذ التّعاليم المخالفة للحقيقة وتحديد الإيمان من خلال الصِّيَغ العقائديّة الّتي هي وليدة خبرة الآباء والكنيسة في عيش الإيمان بالرَّبّ وعطيّة الرّوُح القدس الَّذي ألهم واضعيها.

*          *          *

انعقد مجمع خلقيدونية سنة 451 للنَّظَر بمسألةٍ كانت تقضّ مضجع الكنيسة وهي تتعلّق بشخص الإله المتجسّد. كان أوطيخيوس (Εὐτυχής) رئيس دير في القسطنطينيّة يضمّ أكثر من ٣٠٠ راهبًا، يدعمه ديوسقورس بطريرك الإسكندريّة، هذا قال إنّ طبيعتَي المسيح، الطَّبيعة الإلهيّة والطَّبيعة البشريّة، اتّحدتا وصارتا بعد تأنّسه طبيعة واحدة، إذ ابتلعت الطَّبيعة الإلهيّة الطَّبيعة البشريّة. وقد سند تعليمه هذا كانت على مقولة لعامود الإيمان القدِّيس كيرلُلس الإسكندريّ وهي أنّه يوجد "طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسِّد"، حيث كان يقصد قدّيسنا بكلمة ”طبيعة“ الشَّخص أو الأقنوم. رفض الأقباط والسّريان والأرمن، تعليم مجمع خلقيدونيّة الَّذي أكدّ إيمان الكنيسة بوحدة شخص المسيح وبـ"الطَّبيعتين في المسيح"، الطَّبيعة الإلهيّة الكاملة والطَّبيعة البشريّة الكاملة. بالنّتيجة انشقّ الأقباط والسّريان والأرمن عن الكنيسة لرفضهم عقيدة وحدانيّة أقنوم الكلمة الإلهيّ الَّذي هو شخص واحد في طبيعتين كاملتين إلهيّة وبشريّة.

تعليم أوطيخا يرفضه اليوم الَّذين انشقّوا عن مجمع خلقيدونية، وخاصّة أنّه يؤمن بوجود طبيعتين للمسيح قبل التَّجسُّد (وفي هذا يتشابه مع أوريجنّس الإسكندريّ في نظريّة الوجود الأزليّ للأرواح)، غير أنّه لم يعترف سوى بطبيعة واحدة بعد التَّجسُّد إذ اعتبر أنَّ اللّاهوت قد امتصَّ النّاسوت وأذابه فيه كما تذوب نقطة عسل عندما تسقط في محيط من الماء. الحوار العقائديّ بين الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة والمشرقيّة قد أظهر أنّ الاختلاف العقائديّ أساسه في جزء كبير منه لغويّ.

*          *          *

مسألة وحدة شخص الرَّبّ يسوع المسيح ومحافظة كلّ طبيعة من طبيعتَيه على خصائصها  هي مسألة جوهريّة للخلاص، لأنّه لو لم تعد الطَّبيعة البشريّة الّتي للمسيح موجودة في أقنومه أي لو أنّها ذابت في الطَّبيعة الإلهيّة، حينها لا يعود من معنًى للتَّجسُّد ولا إمكانيّة لتألّه الإنسان إلّا بذوبانه في الله أي خسارته لوجوده الشّخصيّ. من هنا، إنّ اتّحاد الطَّبيعتين الإلهيّة والبشريّة في أقنوم الكلمة الإلهيّ هو ”دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال“. هذا يؤدِّي إلى ما سمّاه الاباء تبادل الخصائص من خلال الوَحدة في الأقنوم. فما هو للإله نطلقه على الإنسان وما هو للإنسان نطلقه على الإله. فالإله مات ولكن بالجسد أي بالطَّبيعة البشريّة وليس الإلهيَّة، لهذا يقول الرَّسول بولس        عن اليهود بأنّهم ”لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ“ (1 كو 2: 8). أيضًا، ما هو للإله صار مُشتركًا مع الإنسان، لذلك الألوهة كشفها يسوع لتلاميذه حين تجلَّى أمامهم على جبل ثابور وفي كلّ أعماله وعجائبه.

نتيجة هذا علينا كبشر، أنّا في المسيح صرنا مشاركين الحياة الإلهيّة أي ما لله صار مُعطى لنا، وقوّة الألوهة وصفاتها فاعلة فينا. على هذا الأساس صرنا أبناء الله أي مشاركين ليسوع المسيح ابن الله الوحيد في ميراث أبيه أي في ملكوته أي في تغيُّر طبيعتنا لتصير متّحدة بالطَّبيعة الإهيّة بواسطة النّعمة غير المخلوقة.

*          *          *

أيّها الأحبّاء، هذه هي دعوتنا في المسيح أن نصير آلهة بالنَّعمة وليس في الجوهر أي أنّ الله بيسوع المسيح يهبنا في الرُّوح القدس صفاته وحياته ويُتْحِدُنا به إلى الأبد.

إذا لم يكن للمسيح طبيعتين متّحدتَين في أقنومه الواحد الإلهيّ بدون انقسام أو انفصال أو امتزاج أو اختلاط فلا شركة لنا مع الله ولا روح قدس يسكن فينا بالنِّعمَة ولا ميراث لنا في الله لأنّنا لا يمكننا أن نتّحد به.

الله يريدنا أن نصير مثله لذلك أعطانا ابنه الَّذي وحّدنا فيه ليقيمنا معه ”خليقة جديدة“ كاملة في الكامِل...

ومن استطاع أن يَقبَل فليَقبَل ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

 

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروبارية الآباء (باللَّحن الثّامن)

أنتَ أيّها المَسيحُ إلهنا الفائق التّسبيح، يا مَن أسّستَ آباءَنا القدّيسين على الأرض كواكب لامعة، وبهم هَدَيتنا جميعًا إلى الإيمان الحقيقيّ، يا جزيل الرّحمة المجد لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة(تيطس 3: 8-15)

مباركٌ أنت يا ربُّ إلهَ أبائنا،   

لأنَّك عدلٌ في كلِّ ما صنعتَ بنا

يا ولدي تيطُسُ، صادقةٌ هي الكَلِمةُ، وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ، حتَّى يهتمَّ الَّذين آمنوا باللهِ في القيام بالأعمال الحَسَنَة. فهذه هي الأعمالُ الحَسَنَةُ والنَّافِعَة. أمّا المُباحَثات الهَذَيانيَّةُ والأنسابُ والخُصوُمَاتُ والمُماحَكاتُ النَّاموسِيَّة فاجتنِبْها. فإنَّها غَيرُ نافعةٍ وباطلةٌ. ورجُلِ البِدْعَةِ بعدَ الإنذار مرَّةً وأُخرى أعرِض عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعتَسفَ، وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أرتمِاسَ أو تِيخيكوسَ فبادِرْ أن تأتيَني إلى نيكوبولِس لأنّي قد عزمتُ أن أُشتّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ النَّاموس وأبُلُّوسُ فاجتَهد في تشييعهما متأهّبَين لئلّا يُعوزَهما شيءٌ. وليتعلَّم ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصَّالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مثمرين. يسلّمُ عليكَ جميعُ الَّذين معي. سَلِّمْ على الَّذين يُحبُّوننا في الإيمان. النِّعْمَةُ مَعَكُم أجمعين. آمين.

الإنجيل(متّى 5: 14-19)

قال الرَّبُّ لتَلاميذهِ: أنتم نورُ العالَم. لا يمكنُ أن تَخفْى مدينةٌ واقعةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَد سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المِكْيال لكِنْ على المَنارة ليُضيءَ لجميع الَّذين في البيت. هكذا فليُضئْ نورُكم قدَّام النَّاس ليَروا أعمالكم الصَّالِحةَ ويُمَجِّدوا أباكم الَّذي في السَّماوات. لا تَظُنّوا أنّي أتيتُ لأحُلَّ النَّاموسَ والأنبياءَ، إنّي لم آتِ لأحُلَّ لكن لأُتممّ. الحقَّ أقول لكم إنَّهُ إلى أن تَزولَ السَّماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ مِنَ النَّاموس حتّى يَتمَّ الكلُّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحدةً من هذه الوصايا الصِّغار ويُعَلّمُ النّاسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيرًا في ملكوتِ السَّماوات. وأمَّا الَّذي يعمَلُ ويُعلّم فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السَّماوات.

حول الإنجيل

يتميّز إنجيل اليوم بموضوعَين،النُّور والشَّريعة. "أنتم نور العالم"، قال الرَّبّ، النُّور هو انعدام الظُّلمة. النُّور هنا ليس صفة بل هو النِّعمَة غير المخلوقة الَّتي تُلازم كلَّ من تتلمذ على إنجيل يسوع وحفظ وصاياه. النُّور هو يسوع المسيح المخلِّص.

أمّا النُّور الخارج من الإنسان بقول الرَّبّ للرُّسُل "أنتم نور العالم"، لا بُدَّ أن ينعكس تمجيدًا لله الآب السّماويّ، لأنّ النُّور وبهذه الحالة لم يأتِ من لا شيء، إنّما هو انعكاسٌ لصورة الإنسان الدَّاخليّة المُستَنيرة في إتمامه الأعمال الصَّالحة الَّتي ذكرها الرَّبّ يسوع في عظته على الجبل (متّى ٥: ١-١٢)، ووصف أصحابها في العظة بفقراء الرُّوح، الودعاء، المحزونين، الجياع والعطاش إلى التَّقوى، الرُّحماء، الأنقياء، سُعاة السَّلام والمضطهَدين لأجل إيمانهم وتقواهم للرَّبِّ، هم يستحقّون ملكوت السّماوات. أصحابها هذه الأعمال هم أنوار لا يمكن أن تُخفى، بل من الضَّروريّ أن تَظهر علنًا وتقود العالم بواسطة التَّعليم والكرازة بالإنجيل إلى النُّور الأزليّ. فالإستنارة الآتية والَّتي أتت على يد التَّلاميذ تقود وتدين وتخلِّص العالم.

 لا يمكن أن نُخفي نور الله السّاكن في محبّيه وخائفيه، كما لا يمكن إخفاء الأعمال الصّالحة لأنّ الله يريد لها الظّهور حتّى يتعلّم منها النّاس، ولتكون سبب تمجيدٍ وشكر لله على أعماله المُضيئة، كما أضاءت ولمعت في القدِّيسين والآباء الَّذين نعيّد لهم اليوم وغيرهم من آباء المجامع المسكونيّة.

"لا تظنّوا أنّي جئت لأبطل الشَّريعة..." حاول علماء اليهود أن يُطفئوا نور يسوع الآتي إلى العالم دون جدوى، إذ أدانوه مرَّةً بنَقْضِ الشَّريعة ومرّةً بمخالفتها. أمّا يسوع فلا يكتفي بتحقيق النُّبوءة، بل يريد أن يبلغ بالشّريعة إلى كمالها، فيُعيد لها معناها الحقيقيّ، ويجعلها تُدرك كمالها الجذريّ وتستعيد بساطتها الأصليّة لذلك كان ينادي بأهمّ أركان الشّريعة كالمحبَّة والسَّلام والحقّ والبِرّ لإكمال الشّريعة. لذلك قال للنّاس: "إن لم يَزِد برّكم على بِرِّ الكتبة والفَرِّيسيّين، لا تدخلوا ملكوت السَّماوات" (متّى ٥: ٢٠).

المُفَسِّر واللّاهوتيّ أفثيميوس زيغافينوس (١٠٥٠-١١٢٠) يُعَلِّق بشأن الشَّريعة مُلَخِّصًا التَّقليد الآبائيّ: "لقد أتمّ الرَّبُّ أقوال الأنبياء...كما طبَّقَ هو نفسه النَّاموس دون أن يتجاوزه بشيء ولو صغير... ومن جهةٍ ثانية أضاف عليه ما كان فيه ناقصًا".

كلَّ من لا يبالي بالشَّريعة ويعّلم ازدراءها ويتمسَّك بالتّفسير اليهودي، يُعَدُّ صغيرًا ويُقصى من ملكوت الله، بينما من يعمل ويعلِّم سوف يدخل ملكوت الله.

الزّواج المسيحيّ

”ليس لأحدٍ حُبّ أعظم مِنْ هذا، أنْ يَضَع أحد نفسه لأجل أحبّائه“ (يوحنّا ١٣:١٥).

تختصر هذه الكلمات القليلة سِرَّ الفِداء بأسره، لأنَّه سِرُّ الحُبّ، النّابع من محبّة الله للبشر، وبهذا تختصر علاقة المسيح بالكنيسة.

والمُلفت أنّ الرَّسول بولس يستعمل هذه الصّورة في رسالته إلى أهل أفسس عند حديثه عن الزّواج، إذ يشبّه علاقة الرَّجل بالمرأة بعلاقة المسيح بالكنيسة: ”أيّها الرِّجال أحبّوا نساءكم كما أحبَّ المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكيّ يقدّسها مطهّرًا إيّاها“ (أفسس ٢٥:٥-٢٦).

هدف الحُبّ هذا هو القداسة، فالزّواج يشكّل أحد درْبَيْ القداسة والدَّرب الآخَر البتوليّة، لأن الحُبّ هو الرَّكيزة الأساسيّة فيهما .لذلك وبحسب مفهوم الكتاب المُقدّس، إذا أردنا أن نتعلّم معنى الحُبّ، وبخاصة الحُبّ الزّوجيّ، علينا أن ننظر إلى حبِّ المسيح للكنيسة ونتعلّم منه كيف يكون الحُبّ الأعظم.

عندما أحبَّ المسيح النّاس مات من أجلهم على الصَّليب ولم ينظر إلى ضعفاتهم وعُيوبهم. هكذا في الزّواج، يعلن الواحد أنّ الآخر مبتغاه بكلّ عيوبه، وأنّه مستّعد أن يبذل نفسه لأجل من يحبّ ”لذلك اقبلوا بعضكم بعضًا كما أن المسيح قبلنا لمجد الله“ (رومية ٧:١٥) على هذا الأساس يضع الكاهن إكليلَيْ الشَّهادة على رأسَيْ العروسين.

الزَّواج في جوهره محاولة لتحقيق هذه الوحدة حيث الإثنان يصيران ليس فقط روحًا واحدًا بل جسدًا واحدًا. الله أرادهما واحدًا عندما خلقهما. إذًا الزَّواج مؤسّسة إلهيّة -بشريّة منذ فجر الخليقة وليس مُجَرَّد عقد اتِّفاق بين شخصين كما يقول البعض. وحدة الحُبّ هذه انكسرت بالسُّقوط في الخطيئة وصار الحُبّ مشوبًا بالنّزعة نحو امتلاك الآخر والسّيطرة عليه .لكن المسيح عبر سرّ الفداء الَّذي أتمّه، أعاد الزّواج إلى أصالته، عبر الحُبّ الَّذي أفرغه فينا. أعاد إلينا النّموذج الثّالوثيّ الأوّل للحبّ بين الآب والابن والرُّوح القدس.

كمسيحيّين، نحن مدعوّين في الزّواج أن يكون المسيح هو المُكَمِّل لنا في كلّ شيء. هو يحمي علاقتنا إنْ كان ملجأ لنا في صلاتنا ومحبّتنا وحياتنا المُشتركة. الزَّواج شراكة ولكن يدخل فيها طرف ثالث هو المسيح، ليس من قابل للاتِّفاق على شيء فيه إلّا من خلال المسيح.

الشَّبيبة والتَّكريس

كلمة "مسيحيّ" بحدّ ذاتها تدلّ على التَّكريس الكلِّيّ لله والمسيح. لأنّ المسيحيّ هو الَّذي اتّبع المسيح وشابهه في كلّ شيء يوم تعمّد على اسم الثّالوث القدّوس.

العالم اليوم بحاجة ماسّة إلى مُكَرَّسين، إلى قدِّيسين. لأنّ المسيح الرَّبَّ يطلب شهودًا له مستعدّين أن يبذلوا الغالي والرَّخيص في سبيل نقل بشراه المُفرِحة إلى أبناء هذا الدَّهر.

*           *           *

لا شكّ في أنّ الشَّبيبة المؤمنة هي في طليعة الَّذين يستطيعون القيام بهذه المهمّة المقدَّسة كون الشَّباب مندفعين للحقّ ومتشوّقين إليه ولم يُسْحَقوا بعد بهموم العالم وملذّاته إذ لا زالت عندهم هذه الثّورة الطّبيعيّة على الظّلم والشَّرّ.

لكن، بالرُّغم من ذلك، لا نرى، حتّى لدى الشّبيبة الخادمة في الكنيسة بشكل عامّ، هذا التَّوْق الكبير إلى التَّكرُّس الكُلّيّ لله في الرَّهبنة، وحتّى في الكهنوت والشُّموسيّة.

*           *           *

أيُّها الأحبّاء، أيُّها الشَّبيبة، الرَّبُّ يدعوكم لتكونوا جنودًا له ولتجاهدوا في سبيل نشر كلمته ومحبّته للعالم وسلامه. لا تخافوا العالم ولا همومه ولا شهواته فإنّ الَّذي فيكم أقوى من العالم وقد غلب العالم وقوَّض سلطان "أمير هذا العالم" أعني إبليس. كونوا أبناء أبيكم الَّذي في السَّماوات عبر مماثلتكم لابنه الوحيد إلهنا المتجسِّد. واعلموا أنّكم مدعوّون لمشاركة الرَّبّ في عمله الخلاصيّ.

*           *           *

أيُّها الشَّبيبة قدّموا "أجسادكم (وحياتكم كلّها) ذبيحة حيّة عقليّة مَرْضِيَّة لدى الله" (رو 12: 1)، تكرَّسوا في الرَّهبنة والكهنوت وألقوا على الرَّبِّ رجاءكم، ولا تخافوا الشِّرّير، لأنّكم متى أسلمتم كلّ حياتكم للمسيح الإله تقتنون روحه القدُّوس فيَخْلُص مِنْ حَوْلِكُم الآلآف وتصيرون مصدرًا لِبَثِّ روح الله في هذا العالم.

"افتدوا الوقت فإنَّ الأيّام شرّيرة" (أف 5: 16)

ماران أثا

أنقر هنا لتحميل الملفّ