Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 29 أيّار 2022

العدد 22

الأحد (5) بعد الفصح (الأعمى)

اللّحن 5- الإيوثينا 8

أعياد الأسبوع: *29: الشّهيدة ثاودوسيّا، ألكسندروس رئيس أساقفة الإسكندريّة *30: البارّ اسحاقيوس رئيس دير الدّلماتن، البارّة إيبوموني *31: الشّهيد هرميوس *1: وداع الفصح، الشّهيد يوستينوس الفيلسوف *2: خميس الصّعود المقدّس، نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيّة *3: الشّهيد لوكليانوس، الشّهيدة باڤلا *4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيّة، مريم ومرتا أختا لعازر.

كلمة الرّاعي

الظُّلْمَة والبَصَر البَصيرة والنُّور

"اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟" (مزمور 27: 1)

الإنسان المُؤمِن يُحِبّ النُّور ويَمجُّ الظُّلمة. هو لا يستطيع أن يسكن خارج النُّور، لا بَلْ هو لا يَستطيع أنْ يَحْيَا ما لَمْ يَكُن النُّور فيه، لأنّ الله نورٌ لا يُدنى منه ومع ذلك هو نور الحياة وبدونه لا يستطيع الإنسان أن يُبصِرَ شيئًا في العالم، لأنّ الحياة ليست سوى الله ذاته... هكذا كشف لنا يسوع الله، لأنّه هو "نور العالم" (يوحنا 8: 12)، لكنّ النّاس يحبّون الظّلمة أكثر من النُّور لأنّ أعمالهم شرّيرة (راجع يوحنا 3: 19).

هكذا رفض الفرّيسيّون عمل يسوع الإلهيّ إذ شفى الأعمى منذ مولده ناسبين عمله إلى "ضدّ الله" لأنّه خالف شريعة السّبت!... هل يُعقل أن يصل التّحجُّر في العقول إلى هذه الدّرجة والعمى الرّوحيّ إلى هذه الدّركات من الظّلمة؟!... ما هي هذه الطّبيعة الّتي ترفض عمل الله الجَلِيّ بسبب غنى الرَّحمة الظّاهرة فيه؟ كيف يستطيع الإنسان أن يُغلق قلبه إلى هذه الدّرجة من القسوة؟!...

*          *          *

"كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الآيَاتِ؟" (يوحنا 9: 16). الدّينونة المُتَأتّية من الحسد صنعت هذا الرّأي. السّؤال يحوي الجواب، أي أنّ هذا العمل لا يمكن أن يكون عمل إنسان خاطىء، لأنّ ما صُنِع هو عمل الله. لم يتجرّأ الفرّيسيّون أن يمتدّوا في تفكيرهم إلى هذا الحدّ، لأنّهم لا يستطيعون أن يقبلوا بأنّ ابن النّجار يصنع أعمالًا بقوّة الله تفوق ما صنعه أنبياء العهد القديم. من هو هذا السّائح على دروب اليهوديّة جائلًا ومبشِّرًا بملكوت الله بقوّة الكلمة وفعلها كما يُخبِر إشعياء النّبيّ: "كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ" (إشعياء 55: 11).

الأعمى منذ مولده، خَلَقَ له الرَّبُّ عينين من الطّين، لكنّه كان يملك عينَين للقلب مُبْصِرتَيْن. الرَّبُّ رآه أوَّلًا، لأنّه كان ناظرًا إيّاه منذ الحبل به، لا بل قبل أن يُخلَق... هو أتى إليه ليكشف الحقيقة والحقّ، لقد جاء ليُتمِّم ما قاله الرَّبّ في إشعياء النّبيّ: "اذْهَبْ وَقُلْ لِهذَا الشَّعْبِ: اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا. غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلَّا يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى..." (إش 6: 9 - 10) في مجمع محاكمة يسوع من قبل الفرّيسيّين، كان الأعمى هو المُبْصِر والمُستَنير والباقون عَميانًا مَظلِمين...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، حيث نور الوَصِيَّة فهناك الرَّحمة وحيث الرَّحمة فهناك النُّور الإلهيّ. هذا ما نفهمه من مثل السّامريّ الشّفوق (لوقا 10: 25 - 37) ومن إنجيل الدّينونة (متّى 25: 31 – 46). الرَّبُّ أتى إلينا ليكون نور حياتنا، لأنّ بغيره لا يوجد نور إذ ما عداه ظلمة حالكة وإن تغطّت بأنوارٍ كاذبةٍ، فثمار نور المسيح جُرأةٌ في الشّهادة للحقّ وفرح في الضّيق وسلام في الحرب وبَصيرة إلهيّة تميّز ما هو من الله ممّا هو من الشّرّير... مع محبّةٍ للإنسان لا تُقيَّد من بَشَرٍ لأنّها قوّة الله الفاعلة في الإنسان المتقبِّل لنور إعلان ربّنا يسوع المسيح: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ..." (مرقس 1: 15).

"إِنَّ اللهَ سَيُعِيدُ إِسْرَائِيلَ بِسُرُورٍ فِي نُورِ مَجْدِهِ بِرَحْمَةٍ وَعَدْلٍ مِنْ عِنْدِهِ" (باروخ 5: 9)، هذا تجلّى في يسوع الَّذي كشف أنّ الأعمى هو "إسرائيل الله" (غلاطية 6: 16)، الحُرّ بالمحبّة الإلهيّة والرّاجع من سَبِي دينونة "إسرائيل القديم" الَّذي بَقِيَ قابِعًا في عبوديّة الحرف مطفئًا الرّوح في كلمة الله المُعطاة له، لتصير هذه الكلمة للحكم عليه وليس للخلاص...

الرَّبُّ يأتي إلى كلّ واحد منّا مُريدًا أن يخلق لنا حواسًا روحيّة. لا داعي لنطلب هذا بل كلّ ما علينا فعله هو أن نتقبّل عطيّة الله. هكذا صنع الله للأعمى لأنّه عرف استعدادات قلبه. الأعمى لم يطلب شيئًا. يسوع أتى إليه وحرّره من ظلمة العالم الخارجيّ لأنّه كان بالإيمان الدّاخليّ حرًّا من ظُلمة الكيان منتظرًا بأنين الرّوح فيه استعلان نورُ الرَّبّ له...

استعدادنا هو إدراكنا لِعَمانا وطلبنا للنّور في رجاء الإيمان بالتّوبة عن كلّ تعلّق بأنوار هذا العالم الكاذبة أي كبرياء المال والمعرفة والجمال وتسلّط حبّ الظّهور والمديح وقنية البشر وعبوديّة اللّذّة ...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

قنداق الفصح (باللَّحن الثّامن)

وَلَئِنْ كُنْتَ نَزَلْتَ إلى قبرٍ يا مَن لا يموت، إِلَّا أَنَّكَ دَرَسْتَ قُوَّةَ الجحيم، وقُمْتَ غالِبًا أَيُّها المسيحُ الإله، وللنِّسوَةِ حامِلاتِ الطِّيبِ قُلْتَ افْرَحْنَ، ولِرُسُلِكَ وَهَبْتَ السَّلام، يا مانِحَ الواقِعِينَ القِيَام.

الرّسالة (أع 16: 16-34)

أنتَ يا ربُّ تَحْفَظُنا وَتَسْتُرُنا في هذا الجيل

خلّصْني يا ربُّ فإنَّ البارَّ قَدْ فَنِي

في تلك الأيّام، فيما نحن الرُّسُلَ منطلقون إلى الصَّلاةِ، استقبلَتْنا جاريةٌ بها روحُ عِرافَةٍ، وكانت تُكسِبُ مواليَها كَسْبًا جزيلًا بعرافتها، فطفقت تمشي في إثر بولسَ وإثرنا وتصيح قائلةً: هؤلاء الرِّجال هم عبيدُ الله العَلِيّ، وهم يبشِّرونَكُم بِطَريق الخلاص. وصنَعت ذلك أيّامًا كثيرة، فتضجّر بولسُ والتفتَ إلى الرُّوح وقال: إنّي آمُرُكَ باسم يسوعَ المسيح أن تخرج منها. فخرج في تلك السّاعة. فلَمّا رأى مواليها أنّه قد خرج رجاءُ مكسَبهم قبضوا على بولسَ وسيلا وجرُّوهما إلى السّوق عند الحُكّام، وقدّموهما إلى الوُلاةِ قائلين: إنّ هذين الرّجلين يبلبلان مدينتنا وهما يهودّيان، ويناديان بعاداتٍ لا يجوز لنا قَبولُها ولا العملُ بها إذ نحن رومانيّون. فقام عليهما الجمعُ معًا، ومزّق الوُلاةُ ثيابَهما، وأمروا أن يُضرَبا بالعِصِيّ. ولمّا أثخنوهما بالجراح ألقَوهما في السّجن وأوصَوا السّجَانَ بأن يحرسَهما بضبط. وهو، إذ أُوصِيَ بمثل تلك الوصيّة، ألقاهما في السّجن الدّاخليِّ وضبط أرجُلهما في المِقطرة. وعند نصف اللّيل كان بولسُ وسيلا يصلّيان ويسبّحان الله والمحبوسون يسمعونهما، فحدث بغتةً زلزلةٌ عظيمةٌ حتّى تزعزعت أُسُسُ السّجن، فانفتحت في الحال الأبوابُ كلُّها وانفكّت قيودُ الجميع. فلمّا استيقظ السَّجّان ورأى أبوابَ السّجن أنّها مفتوحة، استلَّ السَّيف وهَمَّ أن يقتل نفسه لِظَنِّهِ أنّ المَحبوسين قد هربوا. فناداه بولس بصَوْتٍ عالٍ قائلًا: لا تعمل بنفسك سوءًا، فإنَّا جميعَنا ههنا. فطلب مصباحًا ووثب إلى داخل وخرَّ لبولس وسيلا وهو مرتعد، ثمّ خرج بهما وقال: يا سيّدي، ماذا ينبغي لي أن أصنع لكي أخلص؟ فقالا: آمن بالرَّبّ يسوعَ المسيحِ فتخلصَ أنت وأهلُ بيتك. وكلَّماه هو وجميع من في بيته بكلمة الرَّبّ، فأخذهما في تلك السّاعة من اللَّيل وغسل جراحهما، واعتمد من وقته هو وذووه أجمعون. ثمّ أصعدهما إلى بيته وقدَّم لهما مائدة وابتهج مع جميع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.

الإنجيل (يو 9: 1-38)

في ذلك الزَّمان، فيما يسوعُ مجتازٌ رأى إنسانًا أعمى منذ مولده، فسأله تلاميذه قائلين: يا ربّ، مَن أخطأ أهذا أم أبواه حتّى وُلد أعمى؟ أجاب يسوع: لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمالُ اللهِ فيه. ينبغي لي أن أعمل أعمالَ الَّذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليلٌ حين لا يستطيع أحدٌ أن يعمل. ما دمتُ في العالِم فأنا نورُ العالِم. قال هذا وتَفَلَ على الأرض وصنع من تفلته طينًا وطلى بالطِّين عينَي الأعمى وقال له: اذهب واغتسل في بركة سِلوام (الَّذي تفسيرهُ المرسَل)، فمضى واغتسل وعَاد بَصيرًا. فالجيرانُ والَّذين كانوا يَروَنه من قبلُ أنّه أعمى قالوا: أليس هذا هو الَّذي كان يجلس ويستعطي؟ فقال بعضُهم: هذا هو، وآخرون قالوا: إنّه يشبهه. وأمّا هو فكان يقول: إنّي أنا هو. فقالوا له: كيف انفتحت عيناك؟ أجاب ذلك وقال: إنسانٌ يُقال له يسوعُ صنع طينًا وطلى عَيْنَيّ وقال لي اِذهب إلى بركة سِلوامَ واغتسل، فمضيت واغتسلت فأبصرت. فقالوا له: أين ذلك؟ فقال لهم: لا أعلم. فأتَوا به، أي بالَّذي كان قبلًا أعمى، إلى الفرّيسيّين. وكان حين صنع يسوعُ الطّينَ وفتح عينيه يومُ سبت. فسأله الفرّيسيّون أيضًا كيف أبصر، فقال لهم: جعل على عينيَّ طينًا ثمّ اغتسلتُ فأنا الآن أُبصر. فقال قومٌ من الفرّيسيّين: هذا الإنسانُ ليس من الله لأنّه لا يحفظ السَّبت. آخرون قالوا: كيف يقدر إنسانٌ خاطىءٌ أن يعمل مثلَ هذه الآيات؟ فوقع بينهم شِقاقٌ. فقالوا أيضًا للأعمى: ماذا تقول أنتَ عنه من حيث إنّه فتح عينَيك؟ فقال: إنّه نبيّ. ولم يصدّق اليهودُ عنه أنّه كان أعمى فأبصر حتّى دعَوا أبَوَيّْ الَّذي أبصر وسألوهما قائلين: أهذا هو ابنُكُما الَّذي تقولان إنّه وُلد أعمى؟ فكيف أبصر الآن؟ أجابهم أبواه وقالا: نحن نعلم أنّ هذا وَلَدُنا وأنّه وُلد أعمى، وأمّا كيف أبصر الآن فلا نعلم، أو مَن فتح عينيه فنحن لا نعلم، هو كاملُ السِّنّ فاسألوه فهو يتكلّم عن نفسه. قال أبواه هذا لأنّهما كانا يخافان من اليهود لأنّ اليهود كانوا قد تعاهدوا أنّه إنْ اعترف أحدٌ بأنّه المسيحُ يُخرَجُ من المجمع. فلذلك قال أبواه هو كامل السِّنّ فاسألوه. فدعَوا ثانية الإنسانَ الَّذي كان أعمى وقالوا له: أعطِ مجدًا لله، فإنّا نعلمُ أنّ هذا الإنسانَ خاطئ. فأجاب ذلك وقال: أخاطىءٌ هو لا أعلم، إنّما أعلم شيئًا واحدًا، أنّي كنتُ أعمى والآن أنا أبصر. فقالوا له أيضًا: ماذا صنع بك؟ كيف فتح عينَيك؟ أجابهم: قد أخبرتُكم فلم تسمعوا، فماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟ ألعلّكم أنتم أيضًا تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟ فشتموه وقالوا له: أنتَ تلميذُ ذاك. وأمّا نحن فإنّا تلاميذُ موسى. ونحن نعلم أنّ الله قد كلّم موسى، فأمّا هذا فلا نعلم مِن أين هو. أجاب الرَّجُلُ وقال لهم: إنّ في هذا عجبًا أنّكم ما تعلمون من أين هو وقد فتح عينَيّ، ونحن نعلم أنّ الله لا يسمعُ للخطأة، ولكنْ إذا أحدٌ اتَّقى الله وعمل مشيئته فله يستجيب. منذ الدَّهر لم يُسمع أنّ أحدًا فتح عينَي مولودٍ أعمى. فلو لم يكن هذا من الله لم يقدرْ أن يفعلَ شيئًا. أجابوه وقالوا له: إنّكَ في الخطايا قد وُلدتَ بجُملتك، أفأنتَ تعلِّمُنا؟ فأخرجوه خارجًا. وسَمِعَ يسوعُ أنّهم أخرجوه خارجًا، فوجده وقال: أتؤمن أنتَ بابن الله؟ فأجاب ذاك وقال: فمَن هو يا سيّدُ لأؤمن به؟ فقال له يسوع: قد رأيتَه، والَّذي يتكلّم معكَ هوَ هو. فقال: قد آمنتُ يا ربُّ. وسجد له.

حول الإنجيل

الإنجيليّ يوحنّا يوجّه أذهان المؤمنين إلى أنَّ الرَّبّ يسوع هذا الَّذي قال عنه في بداية إنجيله أن "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا"، يُظْهِرُ اليوم حقيقته في عمليّة خلق تشابه خلقه للإنسان في بدء التّكوين.

أعمى منذ مولده، بحسب الشُّرّاح الأقدمين لم تكن له لا جفنان ولا مُقلتان ولا حتّى علامة عينين أي أنّه يُعاني من نقصٍ في التّكوين، والرَّبُّ جدّد تكوينه أو بالأحرى خلق ما لم يكن فيه. الرَّبّ يسوع يؤكِّد بهذه الأعجوبة قَوْلَه الَّذي أعلنه تمامًا قبل هذا النّصّ: "قبل أن يكون ابراهيم، أنا كائن" والَّذي من أجله حاول اليهود رجمه، أيّ أنَّ الله حاضر مع خليقته بإبنه الوحيد يسوع المسيح.

أعمى شُفِيَ مِنْ عَماه الجسديّ واستنارت نفسه، وأصحاب العُيون الصّحيحة أظلمت بَصيرَتَهم. الأوّل سمح للنُّور الإلهيّ أن يتَغَلغل في خلاياه فيُنيرَ كيانه بمجمله ويسكب الفرح والطّمأنينة فيه، كما حصل مع أبي الآباء ابراهيم "أبوكم ابراهيم تهلَّل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو 56:8). لقاء الرَّبّ وقبوله وسماع كلامه وحده ما يؤمّن الاستقرار والسَّلام الدّاخليّ وأكتاف الملكوت الدّاخليّ في كلّ مؤمن.

بالتّوازي مع الأعمى، يكشف الإنجيليّ يوحنّا أيضًا، بسرده هذه الحادثة الَّتي ينفرد بذكرها، نوعين من النّاس: الجيران والفَرّيسيّين قُساة الرِّقاب. فالجيران مع أنّهم رأوا الأعمى الَّذي يعرفونه تمامًا أظهروا أنفسهم كجهّال للحقّ، وكأنَّ كلام النّبيّ أشعياء ينطبق عليهم حين قال: "أعمى عيونهم لئلّا يُبصروا وأصمًّ آذانهم لئلّا يَسمعوا" وتوجَّهوا بالأعمى إلى من يتّفِق معهم بالرَّأي والمنطق، إلى الفَرّيسيّين.

لم يكن اللّقاء هيّنًا بالنّسبة للأعمى، فمن امتلأ بفرح الشِّفاء، وابتهج قلبه بالرَّبّ، يواجه النّقد والمنطق والجدل على أمل أن يُنكِر عمليّة شفائه، وذلك فقط لِكَوْنِ أصحاب الجَدَل أرادوا أن تظهر عظمتهم مقابل اتّضاع السّيّد، وبقيت هذه العِلّة فيهم وتأصَّلَتْ إلى حَدِّ رغبتهم بإطفاء النُّور وقتل الحقّ "وإنّما أسلموه حسدًا".

نَموذَجَيْن: أعمى يتّصف بالبَساطة والهدوء يحصل على نعمة الله ونوره وأصبح من عِداد " أنتم نور العالم"، أمّا من اعتبر نفسه مُبْصِرًا وفَهيمًا وأغلق قلبه عن نعمة الله بأهوائه وأناه فبقي ثابتًا في خطاياه وفي عتمة القلب.

المسيح لا يتعامل مع خطيئة الإنسان كديّان وإنَّما كَطبيبٍ مُحِبٍّ وعَطوف. الله يُريد الكُلّ أن يخلصوا وإلى معرفة الحَقّ يُقبلوا، أمّا مَن أغلق عيناه طَوْعًا عن نوره فتتمّ فيه كلمة الرَّبّ الَّتي قالها متألّمًا لأصحاب القلوب الجافّة: "لدينونةٍ أتيت إلى هذا العالم حتّى يُبصر الَّذين لا يُبصرون ويعمى الَّذين يُبصِرون"، آمين.

عالم الملائكة

الملائكة كائنات روحانيّة (أرواح) خلقها الله في اليوم الأوّل من أيّام الخلق الواردة في سفر التَّكوين، حينما قال الله "ليكن نور" (تكوين٣:١)، فكان النّور. وجزءٌ من هذا النُّور كان الملائكة حسبما وُصف الملاك بأنَّه "ملاك نور" (١كورنثوس١٤:١٠). الله سمح للملائكة أن يجتازوا في اختبار، فمن نجح منهم تكلّل بإكليل البِرّ. أمّا مَن سقط منهم فصار شيطانًا وفسدت طبيعته وأظلمت. فالملائكة الَّذين سقطوا سُمّوا شياطين. فالشّيطان لم يخلقه الله شيطانًا بل كان ملاكًا من طغمة الكيروبيم. وبسقوطه صار شيطانًا أي مُقاوِمًا ومُعانِدًا لله. قال الله عنه: "أنت الكروب المنبسط المظلّل"(حزقيال ٢٨: ١٤، ١٦). الملائكة ألوف ألوف ورِبوات رِبوات (الرِّبوة عشرة آلاف)، إذن هم كثيرو العَدَد وجمعهم لا يُحصى (دانيال ١٠:٧). الملائكة ذوو قوّة هائلة وقدرة عظيمة ويتميَّزون بطاعتهم العمياء لله دون أيّ تردُّد ”بارِكوا الرَّبّ يا ملائكته المُقتدرين قوّة، الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه“ (مزمور٢٠:١٠٣) . ”فملاك الرَّبّ استطاع أن يضرب من جيش سنحاريب ١٨٥ ألفًا فإذا هم جميعًا جثثًا هامدة“ (٢ملوك٣٥:١٩). أيضًا الملاكان اللَّذان ذهبا إلى سادوم، ضربا بالعمى كلّ ساكنيها الأشرار من صغيرهم حتّى كبيرهم (تكوين ١١:١٩). وملاك القيامة حينما جاء إلى قبر المسيح أحدث زلزلة عظيمة ودحرج الحجر عن باب القبر (متى٢:٢٨). الملائكة طغمات أي فرق ومجموعات (الشّيروبيم والسّيرافيم والعروش والسّيادات والأرباب والسّلاطين والقوّات...). لعلّ من أهمّ أعمال الملائكة تسبيح الله دومًا بدون فتور ولا انقطاع ”قدّوس قدّوس قدّوس ربّ الجنود، السّماء والأرض مملؤتان من مجدك...". والعمل الثّاني تبليغ البشارة الإلهيّة للنّاس أو الإنذارات الإلهيّة لهم.

أنقر هنا لتحميل الملفّ