Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 30 كانون الثّاني 2022      

العدد 5

الأحد (15) من لوقا (زكّا)

اللّحن 7- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *30: الأقمار الثّلاثة: باسيليوس الكبير، غريغوريوس اللّاهوتيّ، يوحنّا الذّهبيّ الفم، وأمّهاتهم: آميليا – نونة - أنثوسة *31: كيرلُّس ويوحنّا العادما الفضّة، الشّهيدة أثناسيّا وبناتها *1: تقدمة عيد الدُّخول، الشّهيد تريفن *2: دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل *3: سمعان الشّيخ، حنّة النّبيّة *4: البارّ إيسيذوروس الفرميّ *5: الشّهيدة أغاثي.

كلمة الرَّاعي

الصَّبر

"بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ" (لو 21: 19)

"صَبَرَ الشَّخصُ" تعني لغويًّا أنّه رَضِي، تَجَلَّدَ، تَحَمَّلَ، اِحْتَمَلَ، انتظر في هدوء واطمئنان دون شكوى ولم يتعجَّل. من هنا لا يقوم صبرٌ دون قوَّةٍ داخليَّة في الإنسان، ومَنْ حافَظَ في الشَّدائد على صبره واطمئنانه دون أن يشتكي أن يتذمَّر فهذا نعمة الله حالّة فيه.

بولس الرَّسول يربط الصَّبر بالرَّجاء، فيقول: "عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا" (رو 5: 3 – 5).

بدون صبرٍ لا يستقيمُ عملٌ ولا يستمرُّ ولا ينجحُ مسعًى لإنسانٍ في أيّ مجال. الطّبيعة نفسها تعلّمنا أنّ الصَّبر هو في جوهرها، فالإنسان بعد أن يتمّ الحبل به يصبر تسعة أشهر ليتكوَّن كاملًا، ومن ثمّ ينتظر سنين وسنين لينمو ويكبر ويتعلّم ويعمل ويحقِّق ذاته وأحلامه... لا شيء ينمو بدون صبرٍ ورجاء، لأنَّ غياب الرّجاء يولّد يئسًا واليأس شكلٌ من أشكالِ الموت الجحيميّ...

*          *          *

يقول الأب إشعياء (ناسك في مصر من القرن الرّابع – الخامس): "إذا كنت بحاجة ماسّة إلى شيء، فلا تترجّاه من إنسان ولا تحزن بسببه ولا تتذمَّر، بل احتمل ذلك بصبرٍ جميل دونما اضطراب، وفكِّر أنَّك بسبب خطاياك تستحقُّ كلَّ ضيقٍ، ولو شاء الله أن يرحمك لرحمك. وإذا فكَّرت هكذا أتمّ الله حاجاتك" (عن كتاب "كيف نحيا مع الله. مختارات إفريتينوس – الجزء الثّالث، منشورات التّراث الآبائيّ، 1991، ص. 190).

قد يصدمنا هذا الكلام، وكثيرون قد يرفضونه ولا يفهمونه. لماذا؟!... لأنَّنا لا نحيا مع الله بالثّقة فيه والاتّكال عليه مُسْلِمِينَ له حياتَنا، كما أنّنا لا ننظر إلى حياتنا من منظارٍ روحيّ أي من زاوية عيشنا لوصيّة الله وعيشنا معه بل من منطلق حاجاتنا في هذا العالم ومشاريعنا الّتي نُساق إليها في كثير من الأحيان بسبب من الاِقناع الَّذي يمارسه علينا العالم ومَنْ حولنا، بناءً على الخطط الّتي يضعها "أسياد" هذا العالم ومعطياتهم وأهوائهم.

*          *          *

يقول المتروبوليت جورج (خضر) راعي أبرشيّة جبل لبنان السّابق، أطال الله بعمره، "ليس صبورًا إلّا الَّذي هو مقتنع بأنّ كلّ ما يحصل له يأتيه من الله" (من حديث له في دار المطرانية في برمانا، الجمعة 27 آب 2021).

ماذا يعني هذا الكلام؟ هذا يعني أنّ الصّبر نعمة من الله يعترف فيها الإنسان أنّ الله هو "الضّابط الكلّ"، وأنّه إذ يطيعه طاعة كاملة فالرَّبّ يؤتيه ما يحتاجه في حينه ويمنحه أن يصبر ويصطبر إلى يأتي الوقت الَّذي يحقّق الله فيه وعده له بالخلاص، لأنّ لا شيء في حياة المؤمن خارج عن سرّ تدبير الله لخلاصه الشَّخصيّ وتقديسه. ليست المسألة أنّ الله يسبّب الضّيقات بل أنّه حاضر مع الإنسان ومرافق له ليهبه كلّ خير ونعمة وقوّة لينمو في الفضيلة ويواجه الشّرّ والشّدائد. الخطيئة وحدها تدمّر الإنسان وتُفقدُه الرّجاء حين تصير فيه هوًى. طبعًا، هذا لا يعني أنّ الإنسان في الشّدائد يبقى عازفًا عن أيّ عملٍ يقوم به، بالعكس هو مطلوب منه أن يعمل في الرَّجاء وبروح الكلمة الإلهيّة الّتي هي تشدّده وتعزّيه وتفتح له باب الغلبة.

أن نقبل ما يأتينا على أنّه من الله يعني أنّنا مكرِّسون حياتنا لله، وله أن يفعل ما يشاء، لأنّ مشيئته هي أنّه جاء لتكون لنا "حياة ولتكون أفضل" (يو 10: 10). فـ "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ ..." (يع 1: 17).

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، يقول كاتب المزامير "لَكَ يَا رَبُّ صَبَرْتُ، أَنْتَ تَسْتَجِيبُ يَا رَبُّ إِلهِي" (مز 38: 15). لا يوجد شكٌّ في استجابة الرَّبّ للصَّابِر الواثِق، إنّه لا يتركنا، فهو دومًا يكون " حِصْنًا لِلْمِسْكِينِ، حِصْنًا لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ، مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ، ظِّلًا مِنَ الْحَرِّ ..." (إش 25: 4).

لا يخسر من يصبر للرَّبّ لأنّ الخالق أمين أن يحفظ مختاريه ويجعلهم نورًا وتعزيةً للعالم، "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل" (مت 5: 14). الرّجاء الَّذي يحتاجه الإنسان هو أن يكون الإنسان قابلًا للتَّغيير. لأنّ المسيح إلهنا أتى ليُجدِّد الإنسان ليصير العالم "خليقة جديدة" (2 كو 5: 17).

الضّيقات والتّجارب يصنعها الإنسان حين يستجيب الشّرّير وليس الله، حين يعيش لنفسه وليس لمن يحبّهم، حين يصنع مشيئته وليس مشيئة الله، حين يعتبر نفسه سيّد الكون وليس مخلوقًا سيَّدَه الخالقُ على خليقته لأنّه يًحبُّه وخلقه على صورته.

حين ينسى الإنسان أنّه عَدَمٌ وأنّه لا شيء دون الله تأتي الشّدائد ليعرف أنّه لا ثبات له ولا وجود دون باريه. إذا تاب البشرُ وصار اللهُ ملكًا على الجميع حينها يصير العالم ملكوتًا. الأحزان والآلام المتأتّية من الضّيقات سببها خطيئة البشر، الرّجاء مصدره محبّة الله اللّامتناهية الّتي يختبرها الإنسان بالتّوبة انطلاقًا من تحقيق وعد الله بخلاص البشريّة في يسوع المسيح الإله-المتأنّس.

ماران أثا... فلنَتُب...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّابع)

حطمْتَ بِصَليبِكَ المَوت. وفتحتَ للِّصِّ الفِرْدَوس. وحوَّلتَ نَوْحَ حامِلاتِ الطّيب. وأمَرْتَ رُسلَكَ أن يَكرزِوا. بأنَّكَ قد قُمتَ أَيُّها المسيحُ الإله. مانِحًا العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة القدّيسين الأقمار الثّلاثة (باللّحن الأوّل)

هلمُّوا بنا لنلتئم جميعًا، ونكرِّم بالمَدائح الثَّلاثَة الكواكبَ العظيمة، للّاهوت المثلَّث الشُّموس، الَّذين أناروا المسكونة بأشعّة العقائد الإلهيَّة، أنهارَ الحكمةِ الجارِيَةِ عسلًا، الَّذين روَّوا الخليقة كلَّها بمجاري المعرفةِ الإلهيّة، أعني بهم باسيليوسَ العظيم، وغريغوريوسَ المُتكلِّم بالإلهيّات، مع يوحنّا المجيد الذَّهبيّ اللِّسان، لأنّهم يتشفعّون إلى الثَّالوثِ على الدَّوام من أجلنا نحن المُحِبِّينَ أقوالَهم.

قنداق دخول السّيّد إلى الهيكل (باللّحن الأوّل)

يا من بمولدِكَ أيُّها المسيحُ الإلهُ للمستودع البتولِّي قدَّسْتَ، وليَدَيْ سمعان كما لاقَ باركْتَ، ولنا الآن أدركْتَ وخلَّصْتَ، إحفظ رعيَّتكَ بسلامٍ في الحروب، وأيِّدِ المؤمنين الَّذين أحبَبْتَهم، بما أنّكَ وحدكَ مُحبٌّ للبشر.

الرّسالة (عب 13: 7-16) 

إلى كلّ الأرضِ خرج صوتُهم

السّماواتُ تذيعُ مجدَ الله

يا إخوةُ، اذكروا مدِّبريكم الَّذينَ كلَّموكم بكلمةِ الله. تأمَّلوا في عاقبةِ تصرُّفهم واقتدوا بإيمانهم. إنَّ يسوعَ المسيحَ هُوَ هُوَ أمسِ واليومَ وإلى مدى الدَّهر. لا تنقادوا لتِعاليمَ متنوِّعةٍ غَريَبة. فإنَّهُ يَحسنُ أن يثَّبتَ القلبُ بالنِّعمة لا بالأطعمة الَّتي لم ينتَفعِ الَّذين تَعاطَوها. إنَّ لنا مذبحًا لا سُلطانَ للَّذينَ يَخدمونَ المسكنَ أن يأكُوا منهُ، لأنَّ الحيواناتِ الَّتي يُدخَلُ بدمِها عن الخطيئَة إلى الأقداس بيدِ رئيس الكهنةِ تُحرَقُ أجسامُها خارِجَ المحلَّة، فلذلكَ يسوعُ أيضًا تألَّم خارِجَ الباب ليقدِّسَ الشَّعبَ بِدَم نفسِه. فلنخرُج إذنْ إليهِ إلى خارجِ المحلَّةِ حامِلينَ عارهُ، لأنَّهُ ليسَ لنا ههنا مدينةٌ باقيةٌ بل نَطلُبُ الآتية. فَلنقرّبْ بهِ إذنْ ذبيحةَ التَّسبيحِ كلَّ حينٍ وهو ثمرُ شِفاهٍ معترفةِ لاسمهِ. لا تنسَوا الإحسانَ والمؤاسَاةَ. فإنَّ اللهَ يرتَضي مثلَ هذه الذَّبائح.

الإنجيل (لو 19: 1-10) 

في ذلك الزَّمان، فيما يسوع مجتازٌ في أريحا، إذا برجلٍ اسمه زكّا كان رئيسًا على العشّارين، وكان غنيًّا، وكان يلتمس أن يرى يسوع من هو، فلم يكن يستطيع من الجمع لأنّه كان قصيرَ القامة. فتقدَّم مُسرِعًا وصعد إلى جمّيزةٍ لينظره، لأنَّ يسوعَ كان مزمعًا أن يجتاز بها. فلمّا انتهى يسوع إلى الموضع رفع طرْفه فرآه فقال له: يا زكّا، أسرع انزل، فاليوم ينبغي لي أن أمكث في بيتك، فأسرع ونزل وقبله فرِحًا. فلمّا رأى الجميع ذلك تذمَّروا قائلين إنّه دخل ليحلّ عند رجلٍ خاطىء. فوقف زكّا وقال ليسوع: هاءنذا يا ربّ أعطي المساكين نصف أموالي. وإن كنتُ قد غَبنتُ أحدًا في شيء أردّ أربعة أضعاف. فقال له يسوع: اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت، لأنّه هو أيضًا ابن ابراهيم. لأنّ ابن البشر إنّما أتى ليطلب ويخلِّص ما قد هلك.

حول الإنجيل

يذكر الكتاب الـمُقدَّس في إنجيل اليوم، أنّ زكّا كان غنيًّا ورئيسًا للعشَّارين، ولكنّ التّفصيل الأهمّ الَّذي ذكره الإنجيليّ لوقا: أنّه كان "قصير القامة"، بمعنى آخر كان قصير القامة روحيًّا، أي أنّ جهاده الرُّوحيّ وأعماله الحسنة كانت ضعيفة، إذا لم نقل معدومة. عَرَف زكّا هذا الأمر؛ إن بقي فكره محصورًا في هذا العالم فلن يخلص، لذلك كالابن الشَّاطر، أراد أن يرجع ويلبس "الحلّة الأولى" الَّتي خسرها، فهَمَّ وصَعِدَ على جميّزةٍ، والمقصود بالصُّعود هنا هو الصُّعود الرُّوحيّ الَّذي يحتاج إلى تضحية وتعب. وصل زكّا إلى مكانٍ عالٍ كما يقول الكتاب، عندها، نظر الرَّبّ "إِلَى فَوْقُ فَرَآهُ" وَقَالَ لَهُ: «يَا زكّا، أَسْرِعْ وَانْزِلْ، لأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَمْكُثَ الْيَوْمَ فِي بَيْتِكَ". رآه المسيح بين كلّ النّاس، زكّا لم ينزل وحسب بل أسرع ونزل، والجمَّيزة شجرةٌ يصعب الصُّعود عليها والنُّزول منها، فماذا حدث بزكّا عندما أسرع ونزل؟ ماذا حدث لثيابه الحريريّة؟ ماذا حدث لجسده؟ هذا كلّه لم يكن بحسبانه، إنّما فقط استغنام الفرصة الَّتي قدّمها له المسيح، لأنَّه أحبّ المسيح وأراد أن يرجع ويتغيّر. وعندما دخل المسيح إلى بيت زكّا، "قبِله بفرح" كما يقول النَّص الإنجيليّ.

لن يرى المسيح مَن فكره محصور في العالم، أي من يرفض الإله. فقط الَّذين يتعبون ويجاهدون روحيًّا، أي الَّذين يطلبونه، هؤلاء يراهم المسيح لأنّهم برغبتهم ومشيئتهم يفتحون قلوبهم له، ويتجاوبون مع محبّته: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (1 يو 4: 19). ومع ذلك نقول، أن الله يرحم من يرحم ويترأف على من يترأف (راجع خر 33: 19)، هذا سلطانه وهو يفعل ما يشاء. مِنَ المؤكَّد أنّ الَّذي يكره ويُعادي ويحقد ويغبن ويغتصب حقوق الضعفاء، سيكون كزكّا قبل أن يعرف المسيح أي "قصير القامة". المشكلة الكبيرة ليست إذا نحن لم نعرف المسيح، لكن إذا لم يعرفنا المسيح، أي إذا أنكَرَنا لأنَّنا أنكرناه (راجع مت 10: 32 و33). لأن لا خلاص لنا إلّا به كمّا أوضح في إنجيل يوحنا: "أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى" (يو 10: 9).

محبَّةُ الجمالِ في الكنيسة

”لَقَدْ أَحْبَبْتُهَا وَالْتَمَسْتُهَا مُنْذُ صِبَائِي، وَابْتَغَيْتُ أَنْ أَتَّخِذَهَا لِي عَرُوسًا، وَصِرْتُ لِجَمَالِهَا عَاشِقًا“ (الحكمة ١:٨).

هو مَن اتّخذنا أوّلًا من ترابٍ، وسكبَ فينا جمالَه بنفخة الرّوح الَّتي أعطانا إيّاها، ثمّ عاد وأنهضنا من وُحول الخطيئة بعد أن تمرّغنا فيها، وجمّلَنا وجعل منّا ومن كنيسته ”لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلَا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ“ (أف ٢٧:٥).

هذا هو إلهنا، هذا هو مجد الكنيسة الَّتي استمدّت مجدَها من الَّذي غسلها بدمه الكريم من كلّ شائبة! كلُّ شيءٍ في الكنيسة يذكّرنا بالبهاء، لكي ومن ههنا، تُرافقنا كلّ أيامِ حياتنا، حتّى بواسطة دموع التَّوبةِ المنهمرةِ،  لكي تُطهّر طالبيها دومًا من أدران الخطيئة! إلهُنا إلهُ الجمال، لذلك نحن لدينا الشَّوق لكي نتلمَّسَ عذوبة وجه يسوع، ساعين في كلّ مرةٍ نتوب فيها، إلى أن يمسح الله فينا كلَّ دمعةٍ، لكي يُبدّد كلّ حزنٍ ويحوّله إلى فرحٍ وعزاءٍ ورجاء!

جمالُ الكنيسة ليس فقط في بنيانها الأرضيّ، أي في بيوت اللّه الَّتي يُجمّلهاالإنسان بكلّ ما أُوتيَ من قوةٍ ومهارةٍ -لأنّ كنيستنا الأرثوذكسيّة تعكِس مجدَ الله في كلّ شيءٍ من حولها: في البناء، والأيقونة الَّتي تملأ رحابها، والأواني المقدّسة... الأهمّ من ذلك كلّه هو أن تتذكَّر وأنتَ داخلٌ بيتَ الله أنّكَ إنّما ترابٌ مجبولٌ ليس فقط من طينٍ، بل من قوَّةِ وفاعليّةِ موت المسيح وقيامته، بماء المعموديّة الحالَّة عليكَ بنعمةِ الرُّوح القدس!...

ما بالكَ أيّها الإنسان المُثقَل والرّازح تحت عبء الخطيئة والموت؟ إلهنا منذ حضوره إلى الأرض بدّد حزنها وحوّل لياليها القاتمة إلى نور. تذكَّر ليالي بيت لحم المُظلِمة، كيف تحوّلَ مساؤها إلى نهار، وأضحت بيت لحم ومذودها محلًّا شاروبيميًّا فيه اتّكئ الإله الآتي لكي يُشرق نوره للمظلومين وتعساء هذه الأرض! تذكَّر أيّها الإنسان أنّكَ مدعوّ أنْ تتشارك نوره مع القدّيسين والأبرار ”حِينَئِذٍ يُضـِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ“ (مت ٤٣:١٣).

هذه هي مسيرة الكنيسة وهدفها الأوّل: أن تتشارك مع أبنائها هذا النُّور والجمال الَّذي لا يذبل أو يضمحلّ! جمال الكنيسة هو في توبة شعبها. جمال الكنيسة في وحدة أبنائها. جمال الكنيسة في صلاتها وبرّها. جمال الكنيسة في تعزية كلّ وَحيدٍ، وبثّ الرَّجاء في قلبٍ أَدْمَتْهُ الخطيئة والحزن والألم. جمال الكنيسة يتحقّق عندما نهدم ”ظُنُونًا وَكُلَّ عُلْوٍ يَرْتَفِعُ ضِدَّ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَمُسْتَأْسِرِينَ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ! (١ كور٥:١٠).

أنقر هنا لتحميل الملفّ