Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 3 تشرين الأوّل 2021                  

العدد 40

الأحد (15) بعد العنصرة

اللّحن 6- الإيوثينا 4

أعياد الأسبوع: *3: الشَّهيد في الكهنة ديونيسيوس الأريوباغِيّ أسقف أثينا، البارّ إيسيخيوس *4: إيروثيوس أسقف أثينا، البارّ عَمُّون المصريّ *5: الشَّهيدة خَارِيتِينِي، البارَّة ماثوذيَّة، البارّ إفذوكيموس *6: الرَّسول توما *7: الشَّهيدان سرجيوس وباخوس، الشَّهيد بوليخرونيوس *8: البارَّة بيلاجيا التّائبة، تائيس التَّائبة، القدّيس سرجيوس رادونيج *9: الرَّسول يعقوب بن حلفا، البارّ أندرونيكس وزوجته أثناسِيَّا، إبراهيم الصِّدِّيق ولوط.

كلمة الرّاعي

محبّة الأعداء

"أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" (لو 6: 35)

يقول الفيلسوف والكاتب الإيطاليّ أُومبرتو إيكو ”Umberto Eco“ (ولد في كانون الثاني 1932—توفي في شباط 2016) في دراسة له بعنوان "اختراع العدوّ"، "إنّ وجود العدوّ مهمّ ليس لتحديد هويّتنا فحسب؛ وإنّما -أيضًا- ليوفّر لنا عائقًا نَقِيسُ إزاءَه قِيَمَنَا، ونُثْبِتُ -أثناء محاولتنا تخطّيه- قيمَتَنَا".

 هكذا عاشت الشّعوب والبشر منذ بدء التّاريخ. لهذا قتل قايين هابيل، لأنّه حين رضي الله عن ذبيحة هابيل شعر نفسه غير موجود بإزاء أخيه فأراد أن يلغي وجودَه لكي يبقى هو وحده موجودًا أمام الله.

ليس من تنافس إيجابيّ بين البشر إلّا من خلال الإيمان، لأنّ المنافسة الحقيقيّة مبنيّة على المحبَّة للآخَر، وبهذا المعنى تصير المنافسة اقتداء بالتّسامي بين البشر، فيصير الواحد للآخَر مرقاةً بالتّناوب، وهكذا يكون الارتقاء مُعمَّمًا.

أمّا حين لا تنوجد المحبَّة، يصير البشر أعداء، وحياتهم المشتركة تصير تزاحُمًا على الانوجاد، وانوجاد الواحد يعني إقصاء الآخَر. بالحقيقة، لا يوجد موقف ثالث بين المحبّة والعداوة. أنتَ إمَّا تُحبّ الآخَر أو تستعديه!... وما عدا ذلك ليس سوى كذب وتمثيل...

*          *          *

لا يستطيع الإنسان من ذاته أن يحبّ، هذه هي خبرة القدّيس سلوان الآثوسيّ الَّذي يُصرِّح: ”لم يكن ممكنًا لي أن أتحدّث عن هذه المحبَّة لو لم يعلّمني إيّاها الرّوح القدس“. المحبَّة، إذًا، تُقتَنى بالتّعلُّم أي بمشيئة الإنسان وبفعل النّعمة الإلهيَّة. هذا لا يعني أنّ المحبَّة ليست من طبيعة الإنسان، بل لأنّ المحبَّة كباقي الطّاقات الَّتي يتمتّع بها الإنسان يجب تنميتها وصقلها واستثمارها. فكما أنَّ مَلَكَةَ الكلام موجودة عند الإنسان ولكن يجب تعليمه الكلام، كذلك المحبَّة كامنة في صورة الله الّتي في الإنسان ومعلِّمها هو الرَّبّ في ابنه بروحه القدّوس، لأنّ الله هو المحبَّة. لا يستطيع بشر أن يُعَلِّمَ المحبّةَ الإلهيّةَ ما لم يكن نقيَّ القلب. ما عدا ذلك، محبّته مشوّشة ومختَلِطَة مع شهوته بالتّملُّك للحصول على اللَّذّة والطّمأنينة على المستوى العاطفيّ والنّفسيّ.

الإنسان الدَّهريّ (séculaire) حين لا يستطيع أن يحصل على الطّمأنينة واللَّذة من الآخَر يجعله عدوًّا له. البشر إمّا أن يتماهَوا وإمّا أن يتصادموا. لماذا؟ لأنّه خارج المحبَّة الإلهيَّة لا يوجد آخَر. لا يمكن للإنسان أن يعترف بالآخَر كشخص مستقلّ وموجود بإزائه إلّا حين يحيا بالمحبَّة الّتي أحبّنا بها المسيح. لا وحدة بين النّاس إلّا في المسيح، أي انطلاقًا من سرّ الإنسان صورة الثّالوث القدّوس. من هنا، البشر أعداء لبعضهم البعض إلى أن يتعلّموا أنّه ”لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ“ (يو 15: 13).

*          *          *

في المسيحيّة، قيمة الإنسان تأتي من كونه صورة الله، ولكن تحقيق هذه الصّورة أي أن نصير مثل الله هو ما يحدِّد هويّته الأبديّة كابن الله ووارث له.

نحن لا نطلب، كمؤمنين، استمراريَّة أبديَّة لهذا العالم، إذ ”الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ“ (1 يو 2: 17). المؤمن يطلب الله، أوَّلًا، وقبل وفوق كلّ شيء أو أحد، لأنّ من له المسيح فله كلّ شيء وهو قد دخل سرّ شركة الحبّ الإلهيّ مع الله ومع النّاس. يدخل الإنسان في سرّ الشّركة الإلهيّة بالإيمان وطاعة الكلمة وبنعمة الرّوح القدس. من يتواضع يتعلّم الصّلاة، والرّبّ يعطيه أن يطلب بالصّلاة محبّة الأعداء، كما يكشف لنا القدّيس سلوان الآثوسيّ حين يعلّمنا كيف نصلّي لنطلب هذه النّعمة: ”أيّها السّيّد، علّمني بروحك القدُّوس أن أحبّ أعدائي وأصلّي من أجلهم بدموع… يا ربّ، كما صلّيت من أجل أعدائك، هكذا علّمني أيضًا، بالرّوح القدس أن أحبّ أعدائي“. لا يصل الإنسان إلى هذه القناعة بجوهريّة وصيّة محبَّة الأعداء إلّا حين يكتشف أنّه يستعدي الله حين لا يطلب منه نعمة محبّة الأعداء، لأنّه لا شركة بين النّور والظّلمة وبين المحبَّة والحقد...

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، نحن نبقى في العداوة ما لم نمت عن منطق العالم الَّذي فينا بوعي أو بلاوعي عن إدراك أو بغير إدراك. الكلمة الإلهيَّة واضحة وقاطعة: ”أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَحَبَّةَ الْعَالَمِ عَدَاوَةٌ للهِ؟ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحِبًّا لِلْعَالَمِ، فَقَدْ صَارَ عَدُوًّا للهِ“ (يع 4: 4). لا يوجد حلول وسطيّة تُرضي نزعات الإنسان المختلفة، لكلّ شيء ثمن، للمحبّة ثمن وللعداوة ثمن. للمحبَّة ثمار وللعداوة ثمار. للمحبَّة قوّة إلهيّة وللعداوة قوّة  بشريّة، لكنّ البشريّ زائل أمّا الإلهيّ فسَرْمَديّ.

الطّريق إلى السّلام والرّاحة هو المحبّة والتّواضع. على الإنسان أن يجاهد. ”في البداية أَجْبِرُوا قلبَكم على محبّة أعدائكم“، يُوصي القدّيس سلوان، ويحثّنا قائلًا: ”أرجوكم أن تجرّبوا“، ويطمئننا للنّتيجة إذ يقول: ”إذ يرى الرَّبُّ نيّتك الحسنة يساعدك في كلّ شيء“.

المسألة بسيطة، لأنّ الله بسيط ووصيّته بسيطة، فمن هو الإنسان الَّذي يريد أن يحيا في بساطة المحبّة الإلهيّة ليقتني كمالها في محبّة الأعداء؟!...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)

إنَّ القواتِ الملائكيّة. ظَهروا على قبرِكَ الموقّر. والحرَّاسَ صاروا كالأموات. ومريمَ وقفَت عِند القبرِ طالبةً جَسَدَكَ الطاهر. فسبَيْتَ الجحيمَ ولَمْ تُجرَّبْ مِنها. وصادفتَ البتولَ مانحًا الحياة. فيا مَنْ قامَ من بينِ الأموات. يا ربُّ المجدُ لك.

طروباريّة القدّيس ديونيسيوس الأريوباغي (باللَّحن الرّابع)

لمّا تعلّمتَ الصّالحات واستيقظتَ في جميع الأحوال، لابسًا النّيّة الصّالحة كما يَليق بالكَهنوت، تلقّنتَ من الإناء المُصطفى الأسرار الغامضَة الوَصف، وإذ أنّكَ حفظتَ الإيمان أتممتَ السَّعي القويم، أيّها الشّهيد في الكهنة ديونيسيوس، فتشفًّع إلى المسيحِ الإله أن يخلّص نفوسنا.

قنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرِّسَالَة (2 كو 4: 6-15)

خلِّصْ يا رَبُّ شَعْبَكَ وبَارِكْ ميراثَكَ

إليكَ يا رَبُّ أَصْرُخُ إلهِي

يا إخوةُ،  إنَّ اللهَ الَّذي أَمَرَ أَنْ يُشْرِقَ من ظُلمةٍ نُورٌ هو الَّذي أشَرَق في قلوبِنا لإنارَةِ معرِفَةِ مجدِ اللهِ في وجهِ يسوعَ المسيح. ولنا هذا الكنزُ في آنِيةٍ خَزَفيَّةٍ ليكونَ فضلُ القوَّةِ لله لا مِنَّا، مُتَضَايِقِينَ في كُلِّ شَيءٍ ولكن غيرَ مُنحَصِرِين، ومُتحيِّرينَ ولكن غيرَ يائِسِين، ومُضطَّهَدين ولكن غيرَ مَخذُولِين، ومَطروحِين ولكن غيرَ هالِكِين، حامِلينَ في الجَسَدِ كُلَّ حينٍ إماتَةَ الرَّبِّ يسوعَ لتَظْهَرَ حياةُ يسوعَ أيضًا في أجسادِنا. لأنَّا نحنُ الأحياءَ نُسلَّمُ دائمًا إلى الموتِ من أجلِ يسوعَ لِتَظْهَرَ حياةُ المسيحِ أيضًا في أجسادِنا المائِتَة. فالموتُ إذَنْ يُجْرَى فينا والحَيَاةُ فيكم. فإذ فينا روحُ الإيمانِ بِعَينِهِ على حَسَبِ ما كُتِبَ إِنِّي آمَنْتُ ولذلكَ تكلَّمْتُ، فَنحنُ أيضًا نؤمِنُ ولذلِك نَتَكلَّم، عالِمِينَ أَنَّ الَّذي أقامَ الرَّبَّ يسوعَ سيُقِيمُنَا نحنُ أيضًا بيسوعَ فننتَصِبَ مَعَكُم، لأنَّ كلَّ شيء هو من أجلِكُم، لكي تتكاثَرَ النِّعْمَةُ بشُكْرِ الأكثَرِينَ فتزدادَ لمجدِ الله.

الإنجيل (لو 6: 31– 36) (لو قا 2)

قالَ الرَّبُّ: كما تُرِيدُونَ أنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بكم، كذلك افْعَلُوا أنتُم بهم. فإنَّكُم إنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذينَ يُحبُّونَكُم فَأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأةَ أيضًا يُحِبُّون الَّذين يُحِبُّونَهُم. وإذا أَحْسَنْتُم إلى الَّذين يُحْسِنُونَ إليكم فَأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأَةَ أيضًا هكذا يَصْنَعُون. وإنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذينَ تَرْجُونَ أنْ تَسْتَوفُوا منهم فأَيَّةُ مِنَّةٍ لكم، فإنَّ الخَطَأَةَ أيضًا يُقْرِضُونَ الخطأةَ لكي يستَوْفُوا مِنْهُمُ المِثْلَ. ولكِن، أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُم وأَحْسِنُوا وأَقْرِضُوا غَيْرَ مُؤَمِّلِينَ شيئًا، فيكونَ أَجْرُكُم كثيرًا وتكونُوا بَنِي العَلِيّ. فإنَّهُ مُنْعِمٌ على غيرِ الشَّاكِرِينَ والأشرار. فكونُوا رُحَمَاءَ كما أنَّ أباكُم هو رَحِيمٌ.

حول الرّسالة

(٦): يعتبر الرَّسول بولس أنَّ البشارة بالإنجيل تعتمد على قوَّة الله. فكما خلق الله النُّور بعد أن كان العالم كلّه ظلامًا، هكذا أنار قلوبنا في العهد الجديد بعد أن كانت مظلمة.

(٧): الكنز هنا هو معرفة المسيح والتّبشير به. وهو النّعمة الإلهيّة الّتي تسكن الإنسان بالروح القدس. "أوانٍ خزفيّة"، يُشبِّه بولس نفسه وكلّ الخدّام بآنية ضعيفة من الخارج مثل الخزف ولكنّها عظيمة بما هو داخلها وهو الإيمان والغيرة على الكرازة بالإنجيل ونعمة الرّوح القدس.

(٨-٩): يتكلّم بولس عن مشاكل الخدمة ومعطّلاتها بالإضافة إلى ضعفاته هو وباقي الخدّام أمام تحدّيات هذه الخدمة. لكنّه مع كلّ هذا هو مُتَيَقِّن من أنّ نعمة الله ستسنده وتذلّل كلّ معوّقات هذه الكرازة.

(١٠-١١): "إماتة الرَّبّ يسوع"، يُقصد بها الآلام الّتي يُقاسيها الخدّام الأمناء وتكاد تودي بحياتهم لأنّهم يتعرَّضون دومًا للاضطهادات والمضايقات والموت. الجسد المائت يُقصَد به الجسد الضَّعيف القابل والمُعَرَّض للموت.

(١٢): الظّاهر في الرُّسُل والخدّام هو احتمال الآلام والاضطهادات والتَّعرُّض الدّائم للموت. فإذ يرى المؤمنون ثبات هؤلاء الخدّام وقوّة كلمة الله فيهم يتمسَّكون برجائهم بالله ويطردون عنهم كلّ خوف.

(١٣): إنّ الآلام الّتي واجهها بولس في خدمته لم تعطّله عن الاستمرار في الكرازة لأنّه مؤمن بالمسيح الّذي يقوّيه ويسنده. كما آمن داوود قديمًا فاحتمل الآلام والاضطهادات. "آمنت لذلك تكلَّمت": هذه الآية المباركة تضعنا أمام مسؤوليّة كبيرة، فالإيمان بطبيعته ليس أخرسًا والمسيحيّة انتشرت بالكَلام والكِرازة والنُّطق ببشرى الخلاص. إذًا البشارة نتيجة طبيعيّة للإيمان.

(١٤- ١٥): "يحضرنا معكم": لنلتقي جميعًا في الملكوت حول المسيح. يتشجّع بولس في احتمال الآلام بالنَّظر إلى أمجاد الأبديّة ويُعلِن إيمانَه بالقيامة الأخيرة الّتي ينتظرها كلّ خائفي الرَّبّ. "جميع الأشياء": هي احتمال الرُّسُل للآلام وعمل نعمة الله فيهم. يرى بولس أنّ كلّ ما يتمّ معه من اضطهادات وآلام هو بسماحٍ من الله ليس فقط لفائدته بل أيضًا لفائدة كلّ من يكرز لهم في كورنثوس حتّى يثبت إيمانهم ويرفعوا صلوات من أجله. فتزداد عليه نعمة الله بصلوات الكثيرين ممّا يدفعه هو وكلّ كنيسة كورنثوس لشكر الله، فيتمجّد الله فيهم.

 هل تشعر يا أخي القارئ أنّ كلّ ألمٍ وتجربة تحتملها بشكرٍ وبدون تذمُّر تعطي مجدًا لله. فاقبلها واطلب معونة الله واثقًا من أنّ هذا يتحوَّل إلى بركة روحيّة في حياتك هنا وأمجادٍ في السّماء.

تفسير القدّاس الإلهيّ (الجزء الثّالث)

بعد نشيد "يا كلمة الله..."، والطّلبة الصُّغرى الثّانية، نصل إلى الإيصودون الصّغير. كلمة "إيصودون" في اللّغة اليونانيّة تعني الدّخول، وذلك لأنّه في القديم كان يتمّ في هذا الوقت دخول الكاهن لبدء الخدمة الإلهيّة. حتّى القرن السّابع كان القدّاس الإلهيّ يبدأ بدخول الإنجيل الشّريف. وكان الكاهن يرتدي حلّته الكهنوتيّة في المكان الّذي تُحفظ فيه الأدوات الكنسيّة. ومن هناك يأخذ الإنجيل ويدخل مع المؤمنين إلى صحن الكنيسة. وفي حال وجود الأسقف في الخدمة فكان يدخل إلى الكنيسة في ذلك الحين ويرتدي حلّته أمام المؤمنين ثمَّ يدخل إلى الهيكل المقدّس. أمّا اليوم، فأثناء ترتيل الطّروباريّة، يأخذ الكاهن الإنجيل عن المائدة ويطوف به نحو الباب الملوكيّ في الهيكل. لأنّه اليوم أصبح يصوّر خروج المسيح إلى البشارة والشّموع الّتي تتقدّم الكاهن ترمز إلى نور الإنجيل كما هي صورة عن القدّيس يوحنّا المعمدان الّذي سبق وهيّأ الطّريق "هوّذا أنا مُرسِل أمام وجهك ملاكي ليّهيء طريقك قُدَّامك" (مر 1: 2).

عند وصوله إلى أمام الباب الملوكيّ يُبارك الهيكل راسمًا علامة الصّليب ويقول: "مبارك دخول قدّيسيك كلّ حين..." إشارة إلى دخول شعب الله إلى الملكوت. يقول الكاهن بعدها الإيصوديكون أي "القطعة الخاصّة بالدّخول"، وهي في الأيّام العاديّة: "هلمّوا لنسجد ونركع للمسيح ملكنا وإلهنا.." وتختلف باختلاف العيد الّذي نقيمه. وهنا نسجد للمسيح ملكنا وإلهنا واعين أنّه لا مَلِكَ آخَرَ على قلوبنا وهو يُدخلنا إلى ملكوته حيث سنتذوّقه كلمة مُعلنة (الإنجيل) والأخرى نتناولها على شكل جسده ودمه الإلهيّين. يضع الكاهن الإنجيل المقدّس على المائدة المقدَّسة. ويتابع الخورسان ترتيل الطّروباريات وطروباريّة صاحب الكنيسة الّذي نطلب شفاعته دائمًا في كلّ قدّاس.

بعد ذلك، يُعلن الكاهن "لأنّك قدّوس أنت يا إلهنا ولك نرسل المجد..." وترتّل الجوقة "قدّوس الله.." أو ما يُعرف بالنّشيد المثلّث التّقديس، يفسّره القدّيس جرمانوس بطريرك الإسكندريّة قائلًا: "قدّوس الله، أي الآب. قدّوس القويّ، أي الابن لأنّه قيّد الشّيطان المستقوي علينا وأبطل بالصّليب من له عزّة الموت ومنحنا الحياة والقوّة والسُّلطان لكي ندوسه. قدّوس الّذي لا يموت، أي الرّوح القدس الّذي يمدّ الخليقة كلّها بالحياة، وبه تهتف قائلة: ارحمنا. ويُقال ثلاث مرّات لأنّه يليق بكلّ من الأقانيم الثّلاثة ذات اللّاهوت الواحد هذا الهتاف ذو الثّلاث تقديسات".

بعد ذلك تُتلى الرّسالة. تحتوي الرّسائل المختارة على التّعاليم العقائديّة والرّوحيّة الملهمة من الله وأجوبة على المشاكل الّتي كانت مطروحة في فجر المسيحيّة وتوجيهات للسّلوك المسيحيّ في كافّة نواحي الحياة، فتستنير أذهاننا بالمعرفة الإلهيّة ونثبت في الإيمان والرّجاء والمحبّة.

أثناء قراءة الرّسالة يتلو الكاهن إفشين قبل الإنجيل "أشرق قلوبنا بنور معرفة لاهوتك... وافتح حدقتي ذهننا حتّى ندرك تعاليم إنجيلك... "فالإنجيل لا يدركه في عمقه وجوهره إلّا الّذي فتح قلبه لله واستنار بنور الله. بعد الرّسالة نقرأ مقطعًا من الإنجيل، حسب الرّزنامة اللّيتورجيّة، يَليه عظة تفسّره. والعظة مرتبطة ارتباطًا عضويًّا بقراءة الكتاب المقدَّس، وكانت في الكنيسة الأولى جزءًا من "اجتماع الجماعة" والعمل اللّيتورجيّ الجوهريّ للكنيسة، والشّاهد الدّائم على الرّوح القُدُس الحيّ في الكنيسة الّذي يُرشدها إلى جميع الحقّ" (يو 16: 13).

انقر هنا لتحميل الملف