Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 25 تمّوز 2021

العدد 30

الأحد (5) بعد العنصرة

اللّحن 4- الإيوثينا 5

أعياد الأسبوع: *25: تذكار رقاد القدّيسة حنّة أمّ والدة الإله الفائقة القداسة، الشّمّاسة أولمبيا *26: الشَّهيد في الكهنة أرمولاوس، البارّة في الشَّهيدات باراسكيفي *27: العظيم في الشَّهداء بندلايمون الشَّافي، البارَّة أنثوسة المُعْتَرِفَة *28: بروخوريوس ونيكانر وتيمن وبرميناس الشَّمامِسَة، إيريني خريسوﭬلاندي *29: الشَّهيد كالينيكوس، القدّيسة ثاوذوتي وأولادها *30: سيلا وسلوانس ورفقتهما *31: تقدمة عيد زيَّاح الصَّليب الكريم المُحيي، الصِّدِّيق إِفذوكيمُس الصدّيق، يوسف الرَّاميّ.

كلمة الرّاعي

روح الله يغلب روح العالم

"وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ،

لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ" (1 كو 2: 12)

المسيح الإله أتمّ كلّ شيء لأجل أن يهبنا الحياة الأبديّة، وليست الحياة الأبديّة سوى أن نعرف الله الآب وابنه يسوع (راجع يو 17: 3)، ويسوع لم يتركنا يتامى لأنّه ارتفع عنّا بل أرسل لنا روحه القدُّوس "رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ" (يو 14: 17).

المؤمن، في العالم، لا يقدر أن يكون من العالم لأنّه حين وُلد من جرن المعموديّة صار ابنًا للملكوت السّماويّ ومواطنًا مع القدِّيسين، أي له أخلاق أبناء السّماء وليس هو ترابيّ لأنّه بالمسيح صار روحيًّا.

روح العالم هو روح الشّيطان الَّذي يسبينا بالخطيئة والذّنوب إلى الموت الرّوحيّ فيجعلنا أبناء العصيان. هذا ما صنعه إبليس لمَّا أغوى آدم وحواء وغرَّهما بكذبة التّألّه الذّاتيّ فجعلهما خائنَين لمحبّة الله وأمانته.

*          *          *

"رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ..." (لو 4: 18 وراجع إش 61: 1).

حيث روح الرَّبّ فهناك الحرّيّة والفرح والتّعزية والشِّفاء والسَّلام، لأنّ الله هو مصدر "كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ" (يع 1: 17). مَنْ كان للرَّبِّ يقتني صفاته بروحه القدُّوس. لا يقدر أن يكون الإنسان مؤمِنًا ويسكت عن ظُلْمٍ أو باطل، ولا يستطيع أن يقبل بالجهل والغباوة، ولا يُحابي الوجوه ولا يستقوي بإنسان. هو كلّه لله في العقل والقلب وفي الفكر والقول وفي العمل والفعل. هاجسه خدمة المُحتاج وتشديد الضَّعيف وتعزية الحَزين وعضد المتألّم وتحرير المُستَعبَدين لسَلاطين الظُّلمة وأرواح الشَّرّ الّتي في الهواء (راجع أف 6: 12).

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، "بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: ”يَا أَبَا الآبُ" (غل 4: 6). من عرف ذاته ابنًا لله يعيش بمقتضى هذه البنوّة، ويعرف أنّ له سلطانًا، من فوق، ليغلب العالم وما في العالم من شرّ، لأنّه يختبر هذه الغلبة في قلبه، أوَّلًا، حين يتوب عن ذاته ليقوم في الله، وثانيًا، حين يموت عن نفسه ليَحيا في الآخَر ويصير الآخَر حياته. فبهذا "نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ..." (1 يو 3: 14).

وكيف نحيا هذه المحبّة؟!... حين نعرف في أعماق كياننا أنَّنا محبوبون من الله، رغم كلّ ما فينا من ضعف وخطيئة، لأنَّ صورة الله فينا حاضِرة ولم تَزُلْ بل تجدَّدت بماء المعموديّة، وتتجدَّد فينا وتتنقّى بالتّوبة والأسرار والغَسْلُ بعِشْرَة الكلمةِ الإلهيّة، فنقتني حينها السّلام الدَّاخليّ والرَّاحة والفرح والرِّضى والقناعة، وننطلق لنخدم ونبذل ونعطي ونشارك ونتعاون ونتعاضد، إذ ننبذ حبَّ الرِّئاسة ونتمسَّك بروح الوداعة والتّواضع، غير طالبين شيئًا بالمُقابِل إذ نعلم "أَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ. فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ" (رو 14: 8).

روح العالم هو روح الأخذ والانغلاق على الذَّات في طلب المَلَذّات، روح الله هو روح عطاء الذّات الكلِّيّ والانفتاح على الآخَر في طلب فرح لُقْيا الرَّبّ فيه. من لا يطلب وجه ربِّه في نفسه وفي الآخَر لن يلقاه في أيّ مكان آخَر. من لا يحبّ الله أي من لا يحفظ وصاياه لا يستطيع أن يعرف مقدار النِّعمة والخيرات الَّتي أُغدِقتْ عليه في المسيح، ومَنْ أَحَبَّ الله تحرَّر من العالم وغلبه لأنّ روح الله فيه وأمَّا "الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ ..." (2 كو 3: 17).

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطبنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة القدّيسة حنّة (باللَّحن الرّابع)

وَلَدْتِ النَّقيّةَ الّتي وَلَدَتِ الحياة، يا حَنَّةُ البارَّةُ المُتألِّهَةُ اللُّبّ والدّائمَةُ الغِبْطَة. ومِنْ ثَمَّ انتقَلْتِ بسُرورٍ ومَجدٍ، للسّماءِ حيثُ سُكنى كلِّ الفَرِحينَ. كي تَستَمِدِّي غُفرانًا لِمَنْ يُكَرِّمونَكِ.

قنداق للقدّيسة حنّة (اللّحن الثّاني)

لنُعيّدَنَّ بإيمانٍ لتذكار جَدَّيّ المسيح، مُستمدّين مَعونَتَهُما لنجاتِنا جميعًا من كلّ الضِّيقات، نحن الصّارخين كُن معنا أيّها الإله، يا مَن شرّفتهما كما سُرِرت.

الرّسالة (غل 4: 22– 27)

عجيبٌ هو الله في قدّيسيه

في المجامع باركوا الله

يا إخوةُ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، أحدُهما مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ. غير أنَّ الَّذِي مِنَ الْجَارِيَةِ وُلِدَ بحَسَبِ الْجَسَدِ، وَأَمَّا الَّذِي مِنَ الْحُرَّةِ فَبِالْمَوْعِدِ. وَذلِكَ إنّما هو رَمْزٌ، لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا الْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ طور سِينَاءَ، يَلِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، وهُوَ هَاجَرُ. فإنَّ هَاجَرَ بل طورَ سِينَاءَ فجبلٌ في ديار الْعَرَبِ وَيناسب أُورُشَلِيمَ الْحَاليّة. لأنَّ هذه حاصلةٌ في العُبوديَّةِ مَعَ أولادِها. أَمَّا أُورُشَلِيمُ الْعُلْيَا، فهِيَ حُرَّةٌ  وهي أُمُّنَا كُلِّنا. لأَنَّهُ كُتِبَ: ”افْرَحِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. اِهْتِفِي وَاصْرُخِي أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَتَمَخَّضْ، لأنَّ أَوْلاَدَ الْمَهجورةِ أَكْثَرُ مِن أولادِ ذاتِ الرَّجُل“.

الإنجيل (متّى 8: 34،28– 9: 1 (متى 5))

في ذلك الزّمان، لمَّا أتى يسوعُ إلى كورةِ الجُرْجُسِيِّينَ، استقْبَلَهُ مجنونانِ خارجانِ مِنَ القبْورِ شَرِسانِ جدًّا، حتّى إنَّهُ لم يكنْ أحدٌ يقدِرُ على أن يجتازَ من تلكَ الطّريق. فصاحا قائلَينِ: ما لنا ولك يا يسوعُ ابنَ الله؟ أجئتَ إلى ههنا قبل الزَّمانِ لِتُعذِّبَنا؟ وكان بعيدًا منهم قطيعُ خنازيرَ كثيرةٍ ترعى، فأخذ الشّياطينُ يطلبون إليه قائلينَ: إنْ كنتَ تُخرجنا فَأْذَنْ لنا أن نذهَبَ إلى قطيعِ الخنازير. فقال لهم: اذهبوا، فخرجوا وذهبوا إلى قطيع الخنازير. فإذا بالقطيعِ كلِّه قد وثبَ عَنِ الجُرْفِ إلى البحرِ ومات في المياه. أمَّا الرُّعاةُ فهربُوا ومضَوا إلى المدينةِ وأخبروا بكلّ شيءٍ وبأمرِ المجنونَينِ، فخرجَتِ المدينةُ كلُّها للقاءِ يسوعَ. ولمَّا رأَوهُ طلبوا إليهِ أن يتحوَّلَ عن تخومِهم. فدخل السفينةَ واجتازَ وأتى إلى مدينتهِ.

حول الإنجيل

"ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أَجئت إلى هنا قبل الزّمان لتعذبّنا؟" (الآية ٢٨).

ماذا قصَدَتْ الشّياطين بهذه العبارة؟ هل الرَّبّ يسوع يعذِّبْ؟ أين ورد في الكتاب المقَّدس بعهدَيْه أنّ الله يعذّبْ؟ ألم يقل الرَّبّ على لسان حزقيال النّبيّ: "قُلْ لهم: حيٌّ أنا، يقول السَّيِّد الرَّبُّ، إنِّي لاَ أُسَرُّ بموتِ الشِّرِّير، بل بأنْ يَرْجع الشِّرِّير عن طريقه ويحيا. اِرْجِعُوا، ارْجِعُوا عن طُرُقِكُم الرَّدِيئة! فلماذا تموتون يا بيتَ إسرائيل؟" (حز ٣٣: ١١).  الله محبّ ورحيم لا يُعذّبْ ولا يفرح به. إذًا ماذا قَصَدَتْ الشّياطين بتصريحها هذا؟ قَصَدَتْ الآتي: يا ابن الله، إنْ أجبرتنا على الخروج من الإنسان فإنّنا سنتعذّب، لأنّنا نحن نتعزّى بعذاب الخليقة، نفرح بعذاب الإنسان، ونتعذّب بفرح الإنسان. هذا الواقع ينطبق علينا أيضًا نحن البشر، إذ نصبح مثل الشّياطين عندما نُطلق العنان للأهواء؛ فإن كنتُ مثلًا أحسد شخصًا ما، وهذا الأخير كان ناجحًا في حياته، فسأحزن لنجاحه وسأفرح بفشله؛ لماذا يحدث معنا هذا؟ لأنّ هوى الحسد والغيرة مُسَيْطِر علينا. عندما نحزن، لأنّ أخانا أم صديقنا أم جارنا هو أذكى، أجمل، أفضل، أغنى منّا، هذا يعني أنّنا نحسده ونفرح بفشله، وبتعرّضه لحوادث مؤذية على الصَّعيدَيْن المادّي والجسديّ. بالمقابل إذا كنا نفرح لأنّ أخانا أم صديقنا أم جارنا قد نجح أم تفوق في أمرٍ معين، هذا يعني أنّ هذا المرض غير موجود فينا. الحسد هو مرض يضرب النّفس ويؤثّر على الجسد. الحسد هو هوى من أهواء كثيرة تؤثّر على حياتنا وتجعلنا، إن تجذّرتْ، مريضين نفسيًّا. الحلّ لهذه الأمراض الأهوائيّة هو، الرَّبّ يسوع المسيح، لأنّه مثلما أرعب الرَّبُّ الشّياطين بحضوره وأخرجهم، كذلك حضوره في حياتنا- من خلال جهادنا ضدّ الخطيئة- يرعب الشّياطين ويطردهم من حياتنا. إذا لم يحضرْ المسيح في حياتنا وفي فكرنا فإنّنا سنبقى بعذاب في هذا الدَّهر وفي الآتي. فكما كانا هذان الممسوسان يجرحان نفسيهما بالحجارة كما يؤكّد مرقس الإنجيليّ أيضًا، كذلك تفعل بنا الخطيئة، تجرحنا من الدّاخل وتجعلنا مثل هذين المجنونين. إن أردنا الشّفاء فلنتوجّه نحو المسيح الطّبيب الوحيد لهذه الأمراض والخطايا المستعصية. آمين

العناية الإلهيّة ولمسة الله في حياة الإنسان

خلق الله الإنسان على صورته، يملك الحرّيّة، وأراده بهذه الحرّيّة أن يرتقي ليصير على مثاله (الله)، أي مُتألِّه. وإنّ سرَّ التّدبير الإلهيّ وعملَ الله الخلاصيّ هو ليُعيد للإنسان غايته (التّألُّه). أمّا الإنسان من جهةٍ أخرى، فقد ازدرى بهذه المحبّة الإلهيّة وعمل على إرضاء شهواته ورغباته غير مكترث بما أعدَّهُ الله للّذين يحبّونه. وما صنعه آدم وحوّاء في الفردوس من نُكران وعصيان لمحبّة الله، يتكرَّر معنا اليوم وكلّ يوم فنزداد في حزننا وشقائنا.

إنّ سِرَّ خلاص البشريّة مُرتَهِن لأمْرَيْن أساسيَّين، أوَّلَهُما عمل الله الخلاصيّ، وهذا ما تمَّمَه الرَّبّ على الصَّليب وبقيامته الثّلاثيّة الأيّام، والأمر الثّاني هو مشيئة الإنسان نفسه في قبول عمل الله في حياته.

ولكن رغم عدم تجاوب الإنسان مع محبّة الله، نرى لمسة الله واضحة وبارزة في حياة كلّ إنسان. "لأنّ مشيئة الله أنّ الجميع يخلصوا وإلى معرفة الحقّ يقبلوا". فإنّ ما حصل مع القدّيس بولس الرَّسول على باب دمشق، يتكرّر في حياة كلّ واحدٍ منّا، العناية الإلهيّة ولمسة الرَّبّ لشاول غيّرتهُ إلى أعظم رسول. ولكن هل كانت هذه اللَّمسة رغمًا عنه؟ كلّا، لأنّ ما كان يفعله شاول بالمسيحيّين هو بدافع المحبّة والغيرة على الله، وحفاظًا على الإيمان القويم. فالله الّذي لَمَسَ شاول هو يحاول لَمْسَنا في أيّ لحظة نستعدُّ فيها لسماع صوت قرعه على باب قلوبنا. والّذي لمس شاول أيضًا عايَنَ استعداد زكّا العشّار وشوقه لمعاينة الرَّبّ، وأيضًا إيمان نازفة الدَّم والمرأة السّامريّة ولِصّ اليَمين وغيرهم ... ولا يزال حتّى يومنا يبحث عن أشخاصٍ منتظرين الرّاعي الصّالح الّذي يبحث عن الخروف الضّال.

لذلك إنّ عناية الله ومحبّته للبشر تنتظر تنقية قلوبنا وشوقنا تجاهه وهذه تكفي لتجعل عناية ولمسة الله في حياتنا رغم كلّ ضعفاتنا. فلنحاول أن نسلّم ذواتنا لمشيئة الله وهو أمين أن يقودنا إلى ميناء الخلاص، آمين.

 قوّة الصّلاة

 الميتروبوليت جورج (خضر)

الرّوح القدس السّاكن فينا هو الّذي يُصلّي، إذ نقول في مطلع الخدمة الإلهيّة: «أيّها الملك السّماويّ المُعزّي روح الحقّ هلمّ واسكن فينا…»، أي أنّنا نخاطبه بالقوّة الّتي أنزلها إلينا. هو الّذي يغيّرنا من حال إلى حال فيرفع نفسنا إلى الصّلاة.

تكون أنت جرّدت نفسك من شهواتها ونزواتها وجعلتها مسكنًا لله فيحرّكنا إليه وكأنّ الله في صلاتك إليه يخاطب نفسه. الرَّبّ يدخل إليك بالرّوح القدس، فيجرّد نفسك من شهواتها ويجعلها قادرة على التّحدّث إليه. عندما تخاطب الرّوح القدس عند بدء كلّ صلاة «أيّها الملك السّماويّ المُعزّي…»، يهرب عنك روح الشّرّ ويسكن فيك روح المسيح ويُنهضك، ولا يبقى لك كلام إذ ينزل عليك كلام المسيح ويخاطب المسيح فيك نفسه وتصبح بذلك المسيح نفسه.

الصّلاة صحّ القول إنّها ارتفاع النّفس إلى الله ولكن بمعنى أنّها ترتفع بقوّة المسيح نفسه.

قبل دخول روح الله إليها تكون هابطة أو فارغة أو مسودّة أو مكسورة. وإذا دخل الرّوح الإلهيّ إليها تتحرّك بقوّته إلى الآب وتصير نفسًا مجدّدة بالرّوح. تضمّ ذاتها إلى الرَّبّ مجتمعة بكلّ قواها ويصلّي الرّوح القدس فيها. لذلك نقول في مطلع صلواتنا للرّوح القدس: «هلمّ واسكن فينا وطهّرنا من كلّ دنس». ومعنى ذلك أنّنا لا نقدر على أن نصلّي في العمق، إلّا إذا دعونا الرّوح القدس لينزل إلينا ويدفع النّفس إلى الله، فيصلّي الإنسان بقوّة الرّوح الإلهيّ. الصّلاة إذًا منذ أوّل كلمة فيها هي من الرّوح القدس إلى الآب.

معنى ذلك أنّ الصّلاة تبدأ فينا عندما نطرد الأرواح الشّرّيرة عنّا أي فكر الخطيئة. ملازمة الإنسان لروح الله فيه هو الشّرط لحقيقة الصّلاة. ولذلك كانت الصّلاة منذ بدئها توبة بحيث إنّك بها تطلب الله وتطرد ما كان ضدّ الله. يمكنك أن تصلّي وأن تقبل بقاء الخطيئة فيك. هذا يكون تناقضًا. الصّلاة في جوهرها توبة ومن الواضح أنّ الّذي لا يصلّي لا يريد أن يتوب. في كثرة من الأحوال من أهمل صلاته هو إنسان راغب في ألّا يتوب. ومن عاد إليها بعد إهمال قرّر الرّجوع إلى الله. الصّلاة هي الحَبْل الّذي يربطنا بالله. هي إقامة في الله. هي الدّليل الأقوى على الإيمان.

الصّلاة ليست آتية من العقل فقط. هي قوّة الرّوح القدس نفسه فينا. هي دليلنا الواضح على اتّحادنا بالله.

(من نشرة رعيّتي، 10 كانون الأوّل 2017)

انقر هنا لتحميل الملف