Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 18 نيسان 2021    

العدد 16

أحد البارّة مريم المصريّة 

اللّحن 4- الإيوثينا 1

أعياد الأسبوع: *18: (البارّة مريم المصريّة)، البارّ يوحنَّا تلميذ غريغوريوس البانياسيّ *19:  الشّهيد في الكهنة بفنوتيوس *20: البارّ ثيوذورس الشّعريّ، القدّيس أنستاسيوس بطريرك أنطاكية المُعترف، زكّا العشّار *21: الشَّهيد في الكهنة يَنوّاريوس ورفقته، أنستاسيوس السّينائي *22:  ثاوذوروس السّيقي، الرّسول نثنائيل *23: العظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر  (يؤجَّل العيد إلى إثنين الباعوث في الثالث من أيار 2021)*24: سبت لعازر، البارّة أليصابات العجائبيّة، الشَّهيد سابا.

كلمة الرّاعي

الشّيطان الجذّاب: روح الزّنى

”اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ“ (1 كورنثوس 6: 18)

من أهداف الصّوم عن اللّحوم ومشتقّات الحيوان ومنتجاته، والابتعاد عن التَّلذُّذ بالأطعمة ومحاربة الشّراهة وحبّ البطن، إخماد نهضات الجسد لمساعدة الرّوح على التَّحرُّر من سطوة الأهواء والشّهوات.

لا يستقيم جهاد روحيّ دون جهاد جسديّ. ومن يهرب من أَتْعَاب الجسد لا قيامة روحيَّة له. ومن سقط في رغبة طلب الأطعمة إن كان للتَّمتُّع أو للتَّنفيس عن ضغطة النّفس، يؤول به الأمر في نهاية المطاف إلى السُّقوط في شهوة الجسد ما لم يضبط نفسه...

الإنسان يحيا في الجسد، والجسد ليس شرًّا بل مركبة القداسة للنَّفس المجاهدة في طاعة الوصيّة الإلهيَّة. جهاد النَّفس تَظهر ثماره في الجسد، وجهاد الجسد يُعطي نتائجه في النّفس. النّفس والجسد معًا يشكِّلان كيان الإنسان في إطار الشَّخص. وكلّ شخص مبنيّ من عناصر نفسيَّة متعدِّدة منذ الحبل به، وما قبل الحبل به وراثيًّا، وبحسب تربيته وعائلته وبيئته ومحيطه. اللّاوعي يختزن معظم سرّ الشَّخصيّة البشريّة وبالتّالي هو مصدر توجُّهات الإنسان في حياته بدرجة كبيرة. الإنسان يحقِّق ذاته وقداسته خلال حياته في الجسد، وأمَّا بعد الموت فليس له أن يجاهد، هو يجتني ثمرة حياته. من هنا، كان الصَّوم والصَّلاة أساسيَّين في تدريب الإنسان نفسه على طاعة الله واستمطار نعمة العليّ لتحرير النَّفس والجسد من سلطان الأهواء والشّهوات والشّفاء من الخطايا.

*        *        *

القدّيسة مريم المصريّة، الَّتي نعيِّد لها اليوم، اِنْغَرَّتْ بحُسنِها وسقطت في الشَّبَق حتّى حدود اللَّاعودة من شهوة الجسد. من كان في مثل حالتها من الهوس باللَّذّة لا يَتوقَّع إنسانٌ رجعتَه إلى ربّه. هذا حكم البشر. حتّى هي، ربّما، ما كانت تظنّ يومًا بأنَّها ستطلب شيئًا آخَر سوى متعتها ولذّتها وسلطانها على البشر بمحاسنها... لكنّ الله اصطادها بشباكه ليُخرجها من بحر الخطيئة الَّذي كانت غارقة فيه وتُغرِّق معها كثيرين...

التّوبة هي لحظة يستفيق فيها الإنسان من ثمالة الأهواء وطياشتها بعطيَّة من الرّبّ، فمَن تجاوب مع نعمة الله المُتَوِّبَة إيَّاه يموت العالم بالنّسبة إليه، في كشف حقيقته السّاقطة ويأتيه نَخَسُ القلب ليجعله يكره خطيئته ويمقتها، لدرجة أنّه يطلب موت إنسانه العتيق الَّذي يستعبده بما لأعمال إنسان الجسد من ”زِنىً، عَهَارَة، نَجَاسَة، دَعَارَة، عِبَادَة الأَوْثَانِ، سِحْر، عَدَاوَة، خِصَام، غَيْرَة، سَخَط، تَحَزُّب، شِقَاق، بِدْعَة، حَسَد، قَتْل، سُكْر، بَطَر“ (غلاطية 5: 19—21).

شيطان الزِّنى غلب مريم المصريّة لكبريائها، والرَّبّ غلب الشّيطان فيها لمّا واضَعَهَا بلمسة حنانه الحارِقة والَّتي أيقظت قلبها المَيْت بالشّهوة والعُجب.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، هذا الزّمن هو زمن شيطان الزِّنى بامتياز، بسبب فلسفة حياة الإنسان المعاصر القائمة على ”الأنا“ ومحوريّته، المتمثّلة بمبدأ الفردانيَّة (Individualism) الَّتي تُشدِّد على القيمة المعنويّة للفرد، وتدعو  إلى ممارسة أهداف الفرد ورغباته لتكون قِيَمُهُ مستقلَّةً، وليكون معتمدًا على نفسه، وتعتبر الفردانيّة إنّ الدّفاع عن مصالح الفرد مسألة جذريّة يجب أن تتحقَّق فوق اعتبارات الدّولة والجماعات. هذا الفكر يجعل مسألة حرّية الإنسان أمرًا بلا حدود وضوابط، على الأقلّ على المستوى الأخلاقيّ الشّخصيّ. وهنا، يدخل شيطان الزّنى بقوّة في حياة حياة الإنسان المعاصِر تحت ستار وشعار الحرِّيّة الشّخصيّة ومبدأ حقوق الإنسان المنطلقة من أهوائيّة الإنسان، فيصير أمرُ إشباع رغباته مسألةَ حرّية شخصيّة لا تقيم اعتبارًا لمبادئ المجتمع الأخلاقيَّة أو الدِّينيَّة، ما خلا ما يتنافى مع القوانين الوضعيَّة للدّولة. من هنا، الإنسان المعاصِر، ولا سيَّما الشّباب، يعيشون في عالم لم يعد يوجد له مبادئ أخلاقيَّة ثابتة، ما خلا مبادئ الإنسان وقيمه وأخلاقه الدّينيَّة إذا كان مؤمنًا، والعالم اليوم محكوم من القوى الّتي تبثّ ”حضارة“ الاستهلاك وفلسفتها، ومن ضمن مواد الاستهلاك  الإنسان نفسه الَّذي صار سلعةً وطُعمَ تسويقٍ للسّلع، ولا سيَّما ”الأنثى“...

ما اختبرته مريم المصريّة من عشق للفسق في ضلالة شبابها، والَّذي كان في حينه يتنافى مع الأخلاق العامَّة، صار يُسمَّى اليوم حقّ الإنسان في الحرّيّة الشّخصيَّة. لقد جمَّل الشّيطان أضاليله بصورة الحقِّ الكاذب ليجعل من طاقة الحبّ لدى الإنسان أداة لإفساده، ومن تزييف صورة الله في البشر (أي الحبّ والحرِّيَّة) وسيلة لتدمير إنسانيّتهم.

الخطايا الجسديَّة تُغري بملذَّاتٍ وأوهامِ سعادة، ”سعادتها“ ابنة لحظتها و“تنعُّمها“ ينتهي بولادتها، أمّا تعاستها فتمتدُّ مدى العمر ومرارتها أبد الدَّهر ما لم يتب الإنسان عنها، ما لم يكرهها لأنّها تجعله أدنى من الحيوانات العُجْم.

من يحبّ الله أوَّلًا يكون أمينًا له وحرًّا في العفَّة بالتَّخلِّي عن العالم، ومن يحبّ نفسه أوَّلًا يخون الله ويزني إزاءه ويصير عبدًا لجسدِه وبشرتِه وأهوائها وملذّاتها. شَبَقُ لذَّة هذا العالم السَّاقِط جحيم الإنسان في هذا الدَّهر وفي الآتي، وشهوة محبَّة الله (أي طاعته) هي خبرة ملكوت الله الآتي والحاضِر منذ الآن في قلب الإنسان وحياته.

لا حياة جديدة بدون موت عن العتيقة، ولا سكنى في الملكوت دون تغرُّبٍ عن العالم، ولا سعادة كيانيَّة أبديَّة بدون حزن وقتيّ جوهريّ في التَّخلِّي عن ملذّات السُّقوط.

”وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ...“.

ومن استطاع أن يقبل فليقبل...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الرّابع)

إنَّ تلميذاتِ الرَّبّ تعلَّمنَ مِنَ المَلاكِ الكَرْزَ بالقيامةِ البَهج. وطَرَحْنَ القَضاءَ الجَدِّيَّ. وخاطَبْنَ الرُّسلَ مُفتَخِراتٍ وقائِلات. سُبيَ المَوتُ وقامَ المَسيحُ الإله. ومنحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروبارية القدّيسة مريم المصرية (باللّحن الثّامن)

بكِ حُفِظَتْ الصّورةُ باحتراسٍ وَثيق أيَّتها الأمُّ مريم، لأنَّكِ حملتِ الصّليبَ وتبِعْتِ المسيح، وعَمِلتِ وعلَّمتِ أن يُتغاضى عن الجسَدِ لأنَّه يَزول، ويُهتمَّ بأمورِ النّفسِ غير المائتة. لذلك تَبتهِجُ روحُكِ مع الملائكة.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ إليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (عب 9: 11– 14)

صَلُّوا وأوفوا الرَّبَّ إلهُنا

اللهُ مَعْروفٌ في أرضِ يهوذا

 يا إخوَةُ، إنَّ المسيحَ إذْ قَدْ جاءَ رَئيسَ كَهَنَةٍ للخيراتِ المستقبلةِ، فبمَسْكنٍ أعظَمَ وأكمَلَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بأيدٍ، أيْ ليسَ من هذه الخليقةِ وليسَ بدمِ تُيُوسٍ وعجولٍ بَلْ بدمِ نفسِهِ دَخَلَ الأقْداسَ مرَّة واحدةً فوَجَدَ فِداءً أبَديّا. لأنَّهُ إنْ كانَ دَمُ ثيرانٍ وتيوسٍ ورَمادُ عِجلةٍ يُرَشُّ على المُنجَّسينَ فيُقَدِّسُهُمْ لتطهيرِ الجسدِ، فكَمْ بالأحرى دَمُ المسيح الذي بالرُّوح الأزَليِّ قَرَّبَ نفسَهُ للهِ بلا عيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائرَكُم منَ الأعْمالِ الميتة لِتعْبُدُوا اللهَ الحيَّ.

الإنجيل (مر 10: 32– 45)

في ذلك الزّمان، أخَذَ يسوعُ تلاميذَهُ الإثْنَي عَشَرَ وابْتَدَأ يَقولُ لَهُم ما سيَعْرُضُ لَهُ: هُوذا نَحْنُ صاعِدونَ إلى أورَشليمَ، وابنُ البَشَرِ سَيُسَلَّمُ إلى رؤساء الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ فَيْحكُمونَ عَلَيْهِ بِالموْتِ وَيُسَلِّمونَهُ إلى الأمَم فَيَهْزَأونَ بِهِ ويَبْصُقونَ عَلَيْهِ وَيَجْلدونَهُ وَيَقْتُلونَهُ وفي اليَوْمِ الثالثِ يَقومُ. فَدَنا إليْهِ يَعْقوبُ ويَوحَنّا ابنا زَبَدى قائلينَ: يا مُعَلِّمُ نريدُ أنْ تَصْنَعَ لَنا مَهْما طَلَبنا. فَقالَ لهُما: ماذا تُريدانِ أنْ أصْنَعَ لَكُما. قالا لَهُ: أعْطِنا أنْ يَجْلِسَ أحَدُنا عَنْ يميِنكَ والآخرُ عَنْ يساركَ في مَجدِكَ. فقالَ لَهُما يسوعُ: إنَّكُما لا تَعْلَمان ما تَطْلُبان. أتستطيعانِ أنْ تشرَبا الكأسَ التي أشرَبُها أنا وأنْ تَصْطَبِغا بالصبْغَةِ التي أصْطَبِعُ بِها أنا. فقالا لَهُ نَسْتَطيع. فقالَ لَهُما يسوعُ: أمَّا الكأسُ التي أشْرَبُها فَتَشْرَبانِها وبِالصبْغةِ التي أصْطَبِغُ بِها فَتَصْطَبِغان. أمَّا جُلوسُكما عَنْ يميني وَعَن يَساري فَلَيسَ لي أنْ أعْطِيَهُ إلاّ للذينَ أُعِدَّ لَهُمْ، فَلَمَّا سَمِعَ العَشرَةُ ابْتدَأوا يَغضَبونَ على يعقوبَ ويوحنا فدَعاهُم يسوعُ وقالَ لَهُم قدْ عَلِمْتُمْ أنَّ الذينَ يُحْسَبونَ رُؤَساءَ الأمَم يَسودونَهَم وَعُظماءَهُم يَتَسلَّطون عَليْهم وأمَّا أنْتُمْ فَلا يَكونُ فيكمْ هكذا ولكِنْ مَنْ أرادَ أن يكونَ فيكم كبيراً فليَكُنْ لَكُمْ خادِماً وَمَن أراد أن يكونَ فيكمْ أوَّلَ فَلْيَكُنْ للجميع عَبْداً، فإن ابنَ البَشَرِ لَمْ يَأتِ ليُخْدَمَ بَل ليَخْدُمَ  وليبذل نفسَهُ فِداءً عَنْ كثيرين.

حول الإنجيل

نحن على عتبة الأسبوع العظيم، يصف الإنجيل صعود الرَّبّ يسوع إلى أورشليم قبل الآلام: ”فأخذ يسوع تلاميذه وابتدأ يقول لهم أنّه سيُسْلَم ويُعَذَّب ويُحكَم عليه بالموت وأنّه سيقوم“.

هل حصل أن يأخذنا المُعلّم أيضًا ويُجري معنا حديثًا ويشرح لنا سِرَّ الفِداء؟

هل نطلب إلى الرَّبّ يسوع أن يجعلنا نتعرَّف أكثر إلى ما يحصل من أجلنا في الجُلْجُلة وما بعد الجلجلة؟

هل نُعطي للرَّبّ يسوع إمكانيّة مُخاطبتنا ونسمع له؟

هل نستغلّ كلّ مناسبة لحديثٍ منفرد مع الرَّبّ؟

هل نصلّي بلا انقطاع ولا نَمَلّ كما طلب الرَّبّ يسوع؟

أم في خِضَمّ لقائنا مع الرَّبّ نفعل مثل إبني زبدى ونطلب أن نجلس معه في مجده وغيرها من الأمور الّتي نراها حقٌّ لنا وهي في الحقيقة خيراتٌ ونِعَمٌ من الرَّبّ ليس لِبِرِّنا إنّما لأجل كثرة محبّته لنا، ولأنّه يُمطر على الأشرار والصّالحين، ولا نستحقّ إلّا أن نكون مثل الابن الشّاطر أُجَراء وليس بَنين لأجل ما نقترفه من خطايا وآثام وإدانة وعدم محبّة، وكما جاء في إفشين المَطالِبسي للقدّيس سمعان المترجم: ”وأيّما قباحة ما صوّرتها في نفسي، فسقًا، كبرياءًا، عجبًا، كلامًا بطّالًا، خطفًا، ظلمًا، عنجهيّة، بغضًا، حسدًا، محبّة الفضّة، غيرة، ذميمة...“ وغيرها من الخطايا؟

هنا يأتي جواب الرَّبّ يسوع لنا ولابنَيْ زبدى "لستما تعلمان ما تطلبان"، ليوضح الفرق بين خطّة الله لخلاص الإنسان مرورًا بالصّليب وآلامه، وبين فكر الإنسان القاصِر والمُرتبط بالأرضيّات وأمجادها الفانية.

وهذا ما يطلبه أيضًا: "الاتّضاع الحقيقيّ". لأنّ من يبذل نفسه وكرامته في خدمة الآخَرين، صار عظيمًا أمام الله. ومن أراد مكانةً عالية في الملكوت، عليه التّخلّي عن كبريائه، كأنّه عبدٌ لا حقوقَ له. علينا أن نتذكّر هذا دائمًا، أن نتمثّل بالرَّبّ يسوع في تجسّده، فقد أتى مُتخلّيًا عن مجده، ولم يطلب الكرامة من أحد، بل خدم الكلّ في بذلٍ حقيقيّ حتّى الموت، فمن يحتمل الضّعفات يتمثّل به، وأمّا من يضرب الآخَرين فيمتثل بِضدّ المَسيح، عَلَّنا نصل إلى الأسبوع العظيم ممتلئين من محبّة المسيح ومستعدّين لِفَرَح القيامة.

من يحبّه الرّبُّ يؤدّبه

يَرِدُ في سِفْر الأمثال في العهد القديم أنّ "الّذي يُحبّهُ الرَّبّ يؤدِّبهُ، وكأبٍ بابنٍ يُسَرُّ به" (أم 12:3). إذًا هناك تماسُك بين المحبّة والتّأديب. لقد خلق الله الإنسان لأجل محبّته. فالله محبّة (1 يو 8:4)، والمحبّة "لا تطلب ما لِنَفسها" (1 كو 5:13). ليس في خلقِ الإنسان هدفٌ نَفعيٌّ، إنّما خَلَقَهُ الله بدافعٍ من محبّته. ولكن لماذا التّأديب؟ لأنّه بعد سقوطِ الإنسانِ أصبحت إرادتُه جانحةً نحو الشّرّ. فقد كتب ناظم المزامير: "الْكُلُّ قَدْ زَاغُوا مَعًا، فَسَدُوا. لَيْــــــــسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحًا، لَيْـــــسَ وَلاَ وَاحِدٌ" ( 3:14). أمام هذه المأساة البشريّة، أَدْخَلَ الله التّأديب. فالإنسان يخاف من الألم، وفي مُعظم الأحيان يتّعِظُ من تجارِبه المؤلِمة: "تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ، وَإِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي" (مز18:117).

إذا تَمَعَّنا في كتاب العهد القديم المُقَدَّس، نراهُ يَصِفُ لنا درسًا رائعًا في تربية الله لشعبه الّذي كثيرًا ما كان يتنكّر لمحبّته. لذلك، كان يأدّبه حتّى يحفظه من الاِنزلاق في الشّرور وعبادة الأصنام، ليهيّأه شعبًا مقدّسًا ليأتي منه مخلّص العالم. وعلى رغم المآسي الّتي عاشها هذا الشّعب، لم يَرَ كُتّاب الأسفار في تأديب الرَّبّ انتقامًا أو تجنّيًا، بل محبّةً ورأفةً كي لا تزداد الشّرور: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ" (مز12:93).

وفي كتاب العهد الجديد، يرى المؤمن نَفَسًا جديدًا في مفهوم التّأديب الإلهيّ للبشر. فالله أبونا، وله الحرّيّة في تأديبنا لأنّنا أبناءه "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ... إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟" (عب 6:12-7). وأيضًا نرى بأنّ الإنسان يلقى التّأديب كي يسلكَ بِحَسَبِ وصايا الله وينعتق من الدّينونة. "وَلكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ" (1 كور 32:11).

ولكن ليس للجميع في ذواتهم هذه القناعة بل كثيرًا ما نتذمَّر على الله لأنّه يؤدِّبنا، وننعته بالقساوة أو بالتّخلّي. هذا الفِكر ينتج من مرض الجَهلِ: "مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ" (أم 7:1). فلنُنقِذْ ذواتنا من الجهل الرّوحيّ ونُسلّم أمرنا للرَّبّ المُحبُّ البشر لأنّه قادرٌ بقيامته المجيدة أن يُحيينا. آمين.

انقر هنا لتحميل الملف