Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 11 نيسان 2021

العدد 15

أحد البارّ يوحنّا السّلّميّ 

اللّحن 3- الإيوثينا 11

أعياد الأسبوع: *11: (البارّ يوحنّا السّلّمي)، الشّهيد أنتيباس أسقف برغامس *12: باسيليوس المُعترف أسقف ڤارية، أكاكيوس الآثوسيّ *13: مرتينوس المُعترف بابا رومية *14: أريسترخس وبوذس وتروفيمس وهم من الرُّسل السَّبعين *15: خميس القانون الكبير، الشَّهيد كريسكس *16: المديح الكبير، الشَّهيدات أغابي وإيريني وشيونيَّة الأخوات العذارى، القدّيسة غالينيه *17: الشّهيد في الكهنة سمعان الفارسيّ ورفقته.

كلمة الرّاعي 

أحد القدّيس يوحنّا السّلّمي

”هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ

إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ“ (مرقس 9: 2)

أساس الحياة الرّوحيّة، أي الحياة مع الله وله وفيه وبه، هو الجهاد الرّوحيّ. وهذا رُكناه الأساسيَّان هما الصّلاة والصّوم. بدون صوم لا يوجد صلاة حقيقيّة، وبدون صلاة لا يقوم صوم. هما جناحا الإنسان في جهاده للاِرتقاء عن ”العالم“ وللعيش في سرّ الدَّهر الآتي. إنّهما سلوك ضدّ طبيعتنا الثّانية، الأهواء، للرّجوع إلى العيش بحسب طبيعتنا الأولى الّتي على صورة الله.

الإنسان، بعد السُّقوط الأوّل، صار يصارع نفسه، هو يحارب ميله نحو الله وطاعته له لأنّ ثِقَلَ طبيعته يشدُّه إلى الشَّرّ، هذا ما عبَّر عنه الكتاب، إذ رأى الرّبّ ”أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ“ (تكوين 6: 5).

الإنسان ما زال يجدِّد حدث السُّقوط في كلّ مرّة يختار فيها ما يخالف الوصيّة الإلهيَّة. للخطيئة بُعدٌ كونيّ، لأنّ خطيئتي تطال الطّبيعة البشريّة والكون كلّه، إذ الإنسان ”كون مصغَّر“ (micro cosmos). وخطيئتي تمسّ بعلاقتي مع الله ومع الآخر الّتي تصير خاضعة لأنانيّتي ومزاجيّتي ورغباتي الَّتي تتحكّم بخياراتي وأفكاري وأحكامي وأعمالي...

*          *          *

القدّيس يوحنّا السّلّميّ، الّذي تُخصِّص له الكنيسة هذا الأحد، سلك درب الجهاد الرّوحيّ في العمق واجتنى منه ثمار النّعمة الإلهيَّة وكشف لنا مراحل هذا الطّريق نحو الكمال الَّذي هو الاتّحاد بالله في السّكون والصّلاة واللّاهوى والمحبَّة الإلهيَّة. لكن، بداية الطّريق الصّعوديّ هي الزّهد في العالم كغربة خارجيَّة وداخليّة، كخطوة أساسيّة للانطلاق في العمل (praxis) للوصول إلى الوحدة مع الله في الثّاوريَّا (théoria) أي المعاينة الإلهيَّة. البناء ينشأ على أربعة أعمدة هي: الطّاعة والتّوبة وذكر الموت والنّوح، تكون الدّعامة في محاربة الأهواء الجسديّة كالشّراهة والزّنى وحبّ المقتنيات والنّفسيَّة كالغيظ والضَّجر والحزن واليأس، الَّتي كلّها ترتبط بالأهواء الأكثر خبثًا الّتي هي عدم الحِسّ والعُجب والكبرياء والأنانيَّة. من ينجح في مجاهدته بثبات يقتني نعمة الله الّتي تمنحه ثمار الوداعة والتّواضع والتّمييز، الَّتي تكوِّن الأرضيَّة الثّابتة للوحدة مع الله والعيش فيه وسكناه في الإنسان الَّذي يصير حُرًّا في الرَّبّ ومملوءًا من حضوره وقوّته وحياته.

*          *          *

طريقنا نحو الله يبدأ بالإيمان وينتهي بالعيان. لكنّ التّواضع هو أساس لثباتنا في الطّريق. من لا يثبت في التّواضع لا يستطيع أن يثبت في الفضيلة، لأنّ الله هو مصدر كلّ فضيلة وليس الإنسان. فمن اعتقد ببرّ ذاته لا برّ عنده، ومن عرف خطيئته وضعف إيمانه، يصير قابلًا لفعل النّعمة في كيانه. الكبرياء يطرد عنّا نعمة الله والتّواضع يستنزلها علينا.

كلمات والد الصّبي في إنجيل اليوم، ”أُومِنُ يا سيِّد، فأغِث عَدَم إيماني“، يجب أن تكون لسان حالنا في هذا الاتّكال الكلِّيِّ على الرّبّ، عالمين أنّ لا يوجد من يقدر أن يساعدنا غيره. صرخة والد الصّبي، قد تظهر على أنها آتية من يأس، لكنّها بالحقيقة تعبير صادق عن حقيقة الإنسان الضَّعيف في إيمانه والواثق في آن بأن لا أحد قادر على انتشاله من واقعه المؤلم والمدّمر سوى الله وحده.

هكذا، علينا أن نتعلّم بأنّ الحياة مع الله في طاعته ليست نزهة أو طريقًا سهلًا، إذ ”مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!“ (متّى 7: 14). الإنسان يتوق إلى الرّاحة، ويريد أن يحصل على كلّ شيء دون تعب، هذا وهم من الشّيطان.

الطّريق إلى الكمال، رسمه لنا القدّيس يوحنّا السّينانيّ من خلال كتابه ”السُّلّم“، إذ نقل لنا خبرة الكنيسة في اقتناء الفضائل الإلهيّة والحرب الدّاخليَّة الّتي تدور في فكر وقلب وكيان الإنسان وكيفيَّة التّغلُّب على الأهواء والتّحرُّر من الخطايا. السّؤال يُطرح اليوم على كلّ منّا: هل تريد أن تخلص؟!... إذا كان جوابك ”نعم“، جهِّز نفسك للتّعب المريح، وللألم المعزِّي، وللحزن المفرح، وللضّيقة المؤدِّية إلى الرَّحب... هل تريد أن تجد هذا الطّريق أم أنت تبحث عن طريق آخَر؟!...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّالث)

لِتفرحِ السَّماوِيَّات. ولتَبتَهِجِ الأرضِيَّات. لأنَّ الرَّبَّ صنعَ عِزًّا بساعِدهِ. ووَطِئَ المَوْتَ بالمَوْت. وصارَ بِكرَ الأموات. وأنقذَنا من جَوفِ الجحيم. ومَنَحَ العالمَ الرَّحمةَ العُظمى.

طروباريّة القدّيس يوحنّا السلّميّ (باللَّحن الثّامن)

للبَرِّيَّةِ غَيرِ المُثمرةِ بمجاري دُموعِك أَمْرَعَتْ، وَبالتنهُّداتِ التي منَ الأعماق أَثْمَرَتَ بأتعابِكَ إلى مئةِ ضِعفٍ، فَصِرتَ كَوكَباً للمَسْكونةِ مُتلألئاً بالعجائِب يا أبانا البارَّ يوحنا. فتشفَّعْ إلى المسيح الإله في خلاصِ نفوسِنا

قنداق (باللَّحن الثّامن)

إنّي أنا عبدكِ يا والدة الإله، أكتب لكِ راياتِ الغلبة يا جُنديّةً مُحامية، وأقدّم لكِ الشُّكرَ كمُنقِذَةٍ من الشَّدائد، لكنْ بما أنّ لكِ العِزَّةَ الّتي لا تُحارَب، أعتِقيني من صنوف الشّدائد، حتّى أصرخ إليكِ إفرحي يا عروسًا لا عروسَ لها.

الرّسالة (عب 6: 13– 20)

الرَّبُّ يُعطي قُوَّةً لشَعبْه

قَدِّموا للرَّبِّ يا أبناءَ الله

يا إخوة، إنَّ الله لمّا وَعَدَ إبراهيمَ، إذ لم يُمكِن أن يُقسِمَ بما هُوَ أعظَمُ منهُ، أقسَمَ بنفسِهِ قائلًا: لأباركَنَّكَ بركةً وأُكثِّرنَّكَ تكثيرًا. وذاك إذ تَأنّى نالَ المَوْعد. وإنّما النّاسُ يُقسِمونَ بما هُوَ أعظَمُ منهمُ، وتنْقَضِي كلُّ مُشاجَرَةٍ بينُهم بالقَسَم للتَّثْبيتِ. فَلِذلك، لمَّا شاءَ اللهُ أنْ يَزيد وَرَثَةَ الموعِد بَيَانًا لعدَمِ تَحوُّلِ عزْمِهِ، توسَّط بالقسَم حتَّى نَحصُلَ، بأمْرَيْنِ لا يتحوَّلان ولا يُمكِنُ أن يُخِلِفَ اللهُ فيهما، على تعْزيَةٍ قوَّية نحنُ الّذين التجأنَا إلى التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ الموضوعِ أمامَنا، الّذي هو لنا كَمِرساةٍ للنَّفْسِ أمينةٍ راسِخةٍ تَدْخُلُ إلى داخِلِ الحِجاب حيث دَخَل يسوعُ كسابقٍ لنا، وقَدْ صارَ على رُتبةِ مليكصادَق، رئيسَ كهنةٍ إلى الأبَدِ.

الإنجيل (مر 9: 17– 31)

في ذلك الزّمان، دَنا إلى يسوع إنسانٌ وسَجدَ له قائلًا: يا مُعَلِّمُ قد أتيْتُك بِابْني بِه روحٌ أبْكَم، وحيثما أخذهُ يصرَعُهُ فيُزْبدُ ويصْرفُ بأسنانِه وَييبَس. وقد سألتُ تلاميذَكَ أن يُخرجوهُ فلم يَقدِروا. فأجابَهُ قائلًا: أيُّها الجيلُ غيرُ المؤمِن، إلى متى أكونُ عِندَكُم؟ حتّى متى أَحْتَمِلُكُم؟ هَلمَّ بهِ إليَّ. فأَتَوهُ بهِ. فلمّا رآهُ للوَقتِ صَرَعَهُ الرّوحُ فسَقَطَ على الأرض يَتَمَرَّغُ ويُزبدُ. فسأل أباهُ: منذ كَمْ مِنَ الزّمان أصابَهُ هذا؟ فقالَ: مُنذُ صِباهُ، وكثيرًا ما ألقاهُ في النّار وفي المياهِ ليُهلِكَهُ، لكنْ إنّ استَطَعْتَ شيئًا فَتَحَنَّنْ علينا وأغِثنا. فقال لَهُ يسوعُ: إن استَطَعْتَ أن تُؤمِنَ فكُلُّ شيءٍ مُستطاعٌ للمؤمِن. فصاحَ أبو الصّبيّ مِنْ ساعَتِه بدموع وقالَ: إنّي أُومِنُ يا سيِّد، فأغِث عَدَم إيماني.

فلمّا رأى يسوعُ أنَّ الجميعَ يتبادَرون إليهِ انتهَرَ الرّوحَ النَّجِسَ قائلًا لَهُ: أُّيُّها الرّوحُ الأبْكمُ الأصَمُّ، أنا آمُرُكَ أن أُخرُج مِنهُ ولا تعُدْ تَدخُلُ فيه، فصرَخَ وخبَطهُ كثيرًا وخرجَ مِنهُ فصارَ كالمَيْت، حتّى قال كثيرون إنَّه قدْ ماتَ. فأخذَ يسوعُ بيدِه وأنهضه فقام. ولمّا دخلَ بيتًا سأله تلاميذه على انفراد: لماذا لم نستطع نحن أن نخرجَه؟ فقال لهم: إنّ هذا الجنسَ لا يُمكِنُ أن يخرجُ بشيء إلّا بالصَّلاة والصَّوم. ولمّا خرجوا من هناك اجتازوا في الجليل ولم يُرِدْ أن يدريَ أحَدٌ، فإنّه كان يُعَلِّمُ تلاميذَه ويقولُ لهم: إنَّ ابنَ البشرِ يُسَلَّمُ إلى أيدي النَّاس، فيقتُلُونَهُ، وبعد أن يُقْتَلَ يقومُ في اليوم الثَّالِث.

حول الرّسالة

أراد الله تأكيد وَعْدَهُ لإبراهيم بقسمٍ، كما كانت عادة النّاس في تلك الأيّام لكي يؤكّدوا كلامَهم، وإذ لم يجد شخصًا أعظم منه أقسم بنفسه ليؤكّد صدق ما وعد به. وَعَد الله ابراهيم ببركاتٍ كثيرة إن أصغى لصوته، وبِنَسْلٍ يصعب إحصاؤه لكثرته. كان بين الوعد لإبراهيم وتحقيقه بميلاد إسحق نحو ٢٥ سنة وهذه الفترة لإنسان قد بلغ المائة سنة لهو زمان مَديد وفوق الصّبر البشريّ. وهكذا يمثّل ابراهيم فضيلة الصّبر ببُعدها الرّوحيّ الحقيقيّ.

أراد بولس أن يقرّب إلى ذهن هؤلاء العبرانيّين المتنصرين معنى القسم وحقيقة علوّ شأنه. فأعطى هذه الصّورة المُتداوَلة بين النّاس حيث أنّهم يقسمون بأغلى ما عندهم ليعزّزوا قولهم وصدقهم.

 *    *     *

عندما أراد الله تأكيد وعده لإبراهيم ولأولاده الّذين هم نحن المؤمنين، استخدم القسم لكي يفرّحنا ويثبّت رجاءنا "الموضوع أمامنا" أي أنّه ليس رجاء "نتطلّع إليه من بعيد بل هو ملقى" في طريقنا وفي قلوبنا أي أنّه في متناول أيدينا، كقارب نجاةٍ إن أحسنّا التّمسّك به. ولكنّ الرَّجاء بدون إيمان هو خيال وأوهام، أمّا بالإيمان فيصبح حقيقةً في متناول اليد. فالرَّجاء إكليل المؤمنين. هو قلادةٌ من نور يلبسها الّذين ركضوا في طريق الإيمان في عتمة ليل العالم الطّويل وبلغوا نهاية الشَّوْط "من يثبت إلى المُنتهى فذاك يخلُص".

*    *     *

الحجاب هو السِّتر الّذي يفصل بين القدس وقدس الأقداس، ولا يجتازه إلّا رئيس الكهنة مرّةً واحدةً كلّ عام ومعه دم ليكفّر به أمام تابوت العهد الموجود في قدس الأقداس عن خطايا الشّعب. واجتياز الحجاب يرمز إلى اجتياز المسيح بالموت وقيامته وصعوده إلى السّماوات كرئيس كهنةٍ ليشفع فينا ويُعدّ لنا مكانًا هناك. يشبّه بولس الرّسول الرَّجاء بمرساةٍ تثبّت الإنسان الرّوحيّ في محبّة الأبديّة، الّتي أعدّها لنا المسيح واجتاز كـ”سابق“ لنا إليها بصعوده بعد قيامته، ويظلّ هناك يشفع بنا إلى الأبد لأنّه كاهنٌ على رتبة ملكي صادق أي الكهنوت الأبديّ وليس كهنوت هرون المؤقّت الرّمزيّ والمستخدمة فيه الذّبائح الدّمويّة. أخي المؤمن: أنظر إلى رجاء الحياة الأبديّة ووعود الله لك لكي تتشجّع مهما أحاطت بك الضّيقات، فهي مؤقّتة. وثِقْ بمحبّة الله الّتي تحوّل الضّيقات إلى بركات ويعطيك بدلًا منها أمجادًا في السّماء.

العقيدة في حياة الإنسان المسيحيّ

العقيدة (Dogma- δόγμα) من الفعل اليونانيّ "δοκώ" تعني أعتقد وأؤمن. وتعني حرفيًّا ما يراه المرء صحيحًا وصالحًا، أي المعتَقَد أو الإيمان. العقيدة هي صيغة لغويّة محدّدَة وواضحة للإيمان. والعقيدة في الكنيسة الأرثوذكسيّة هي دراسة حقائق الإيمان المسيحيّ والّتي لا توجد منفصلة عن الكنيسة، فالكنيسة هي الّتي تشرح وتُفسِّر العقيدة وتنقلها من دون تغيير من أجل خلاص الإنسان.

لا يستطيع المؤمن أن يعرف العقيدة من دون الكنيسة الّتي أعلن فيها الله حقيقته أوّلًا بتجسّده. ثانيًا بخبرةِ آبائها الـمُستنيرين القدّيسين الّذين عرفوا الله بالخبرة الرّوحيّة. هذه الخبرة الرّوحيّة الّتي يهبنا الله إيّاها، هي الحقيقة المطلَقَة الّتي لا تتغيّر مع الزّمن وتبقى ثابتة وكاملة.

العقيدة حصن الكنيسة وسلاحها في مواجهة التّعاليم الخاطئة، أي الهرطقات الّتي لم تتوقّف يومًا عن مُحارَبَة الكنيسة من حيث هي امتداد محبّة الله في البشر. وأيضًا، معرفة الله الحقيقيّة والثّابتة ضروريّة حتّى يستطيع الإنسان المؤمن أن يدرك من يَعبد ومن يخاطب في الصّلاة. وإن لم يستطع أن يعرف من هو ربّه وإلهه ومخلّصه الحقيقيّ فلن يستطيع أن يعبده "بالرّوح والحقّ". يُخطئ مَن يظنّ أنّ المسيحيّة هي مجرّد تقوى وعاطفة وأنّ العقيدة لا أهميّة لها. استقامة الحياة الرّوحيّة ترتبط باستقامة العقيدة دون انفصال. فلا ننس ما يشدّد عليه يعقوب الرّسول " كما أنّ الجسد دون روح هو ميت، هكذا الإيمان أيضًا بدون أعمال ميت" (يعقوب 2: 26).

تجسّد المسيح وعاش بيننا فأسّس الكنيسة الّتي هي جسده. ومن بعد موته وقيامته أكمل الرّسل ومن بعدهم الأساقفة نشر الإنجيل في العالم، عاملين على تبشير كلّ إنسان إلى محبّة الله حتّى يتمكّن الجميع من النّموّ في النّعمة. وقد تسلّمنا العقيدة الأرثوذكسيّة القويمة من الكتاب المقدّس والتّقليد الشّريف وتعلّمنا أنّ العقيدة أساسيّة للخلاص إلى جانب أعمال البِرّ. يُوصينا القدّيس كيرلُّس الأورشليميّ: "ما الفائدة أن تعرف صحّة العقائد الخاصّة بالله، إن كنت تعيش في الدّعارة؟ وما الفائدة أن تكون معتدلاً بنبيل الطّبع، إن كنت مجدّفاً جاحدًا؟".

العقيدة السّليمة تعني السّلوك السّليم، وليس هناك من حياةٍ روحيّة من دون عقيدة قويمة، فالإيمان والأعمال مترابطة. وعلينا أن نحفظ وديعة الإيمان كما حافظ عليها آباؤنا وأجدادُنا بالفهم أوّلًا، ثمّ بالتّعليم والبشارة، ونسلّمها بأمانٍة إلى أولادنا وأحفادنا بلا عيب أو تَشَوُّش.

لا نهملنّ خلاصنا لأن "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته" (يوحنا ١٧: ٣).

في الكبرياء: من كتاب السّلّم إلى اللهّ

+ الكبرياء جحود لله، صنع الشّياطين، ازدراء للنّاس، أمّ للإدانة، ابنة للمدائح، علامة للعقم، ابتعاد عن معونة الله، نذير بضلالة العقل، نصيرة للسّقطات، علّة للعصبيّة، ينبوع للغضب، وليّة لقساوة القلب، جهل بالحنوّ، محاسبة مُرةّ، قاضية ظالمة، خصمة لله، وأصل للتّجديف.

+ حيثما حلّت سقطة فهناك سبق وسكنت الكبرياء، لأنّ حضور الكبرياء يُنبئ بحلول السّقطة … فإن كان ملاك قد سقط من السّماء لكبرياءه فقط دون أيّ هوى آخر، فلننظر لعلّنا نستطيع الصّعود إلى السّماء بالتّواضع وحده من دون أيّة فضيلة أخرى، فإنّ التّكبّر إتلاف لمكاسبنا وأتعابنا.

+ عاتبَ شيخٌ أحدَ الإخوة على تكبّره معاتبة روحيّة، فأجاب الأخ: "اغفر لي يا أبي فاني لست متكبّرًا" ، فقال به الشّيخ كليّ الحكمة: "يا ولدي، أي برهان تعطينا علي تكبّرك أوضح من قولك: "لست متكبّرًا".

+ لا تطمئنّ إلى ذاتك ومصيرك قبل صدور الحكم الأخير عليك، ولا تتشامخ وأنت من الأرض، لأن كثيرين قد أهبطوا وقد كانوا في السماء.

انقر هنا لتحميل الملف