Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 11 تشرين الأوّل 2020      

العدد 41

أحد آباء المجمع المسكونيّ السّابع 

اللّحن 1- الإيوثينا 7

أعياد الأسبوع: *11: الرَّسول فيلبُّس أحد الشَّمامسة السَّبعة، البارّ اسحق السِّريانيّ، ثيوفانِّس الموسُوم *12: الشُّهداء بروفُس وأندرونيكس وطَرَاخُس، القدّيس سمعان اللّاهوتيّ الحديث *13: الشُّهداء كرْبُس وبابيلوس وأغاثوذورس، أغاثونيكي *14: الشُّهداء نازاريوس ورفقته، قزما المُنشئ أسقف مايوما *15: الشّهيد في الكهنة لوكيانُس المعلِّم الأنطاكيّ *16: الشّهيد لونجينوس قائد المائة ورفقته *17: النبيّ هوشع، الشّهيد أندراوس، أيقونة العذراء القائدة.

كلمة الراعي

أيقونة الله 

تعيّد الكنيسة المقدَّسة، هذا الأحد، لآباء المجمع المَسكونيّ السّابع الَّذين أوضحوا الإيمان بما يختصّ بالتّجسُّد الإلهيّ وجواز رسم صورة الرَّبّ المُتأنِّس وقدّيسيه وإكرام أيقوناتهم.

انعقد المجمع المسكونيّ السّابع في مدينة نيقية، بين الرّابع والعشرين من شهر أيلول والثّالث عشر من شهر تشرين الأوّل من العام ٧٨٧ م.، برعاية الإمبراطورة إيريني بصفتها الملكة الوصيّة على ابنها القاصر قسطنطين السّادس. رأس المجمع البطريرك طراسيوس، بطريرك القسطنطنيّة، وحضره ممثّلون عن البابا أدريانوس وبطاركة كلّ من الإسكندريّة وأنطاكية وأورشليم إلى جانب عدد كبير من الرّهبان. وقد أكّد آباء المجمع على تعليم وتقليد الكنيسة الشّريف بما يختصّ بإكرام الأيقونات واستعمالها في العبادة قائلين: ”(...) إنّنا نحافظ على كلّ تقاليد الكنيسة، حتّى يومنا هذا، بلا تغيير أو تبديل. ومن هذه التّقاليد، الصّور الممثِّلَة للأشخاص (...) وهو تقليد مفيد من عدّة وجوه، ولاسيّما أنّه يظهر أنّ تجسّد الكلمة إلهنا، هو حقيقة وليس خيالًا أو تصوّرًا. لأنَّ الصُّور عدا ما فيها من إشارات، وايضاحات، تحرِّك المشاعر الشَّريفة“.

*          *          *

بالحقيقة، الكون يكشف جمال وعظمة وجلال الخالق، لكنّ الإنسان هو المخلوق الوحيد على صورته (راجع تكوين 1: 26 و27). أيقونة الله الّتي خلقها في البدء، أي الإنسان، شَوَّهَت حقيقتها وأَخْفَتْ حضور خالقها فيها، إذ غَارَتْ صورة الله في الإنسان إلى الأعماق الدّاخليّة واحتجبت في ظلمة قلبه وذهنه. لقد تغرَّب الإنسان عن سرّ وجوده فسكن في الزّمكان (Spacetime)* بعد أن كان مشروع ابنٍ للخالق في الأبديّة والسُّكنى في الله.

لمّا خَلَقَ اللهُ الإنسانَ وضع فيه سرَّه إذ خلقه على صورته. آدم الأوّل هو أيقونة الله المصنوعة على مثال ابن الله المتجسِّد الّذي كشف لنا الله الآب، لأنّه هو ”بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ أُقنُومِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ“ (عبرانيين 1: 3). الابن هو الّذي عرَّفنا بالآب، وبالتّالي، وَهَبنا بنعمة روحه القدوس سرّ الحياة الأبديَّة: ”وهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ“ (يوحنا 17: 3).

لن يعرف الإنسان نفسه ما لم يعرف الله الآب، ولن يستطيع الإنسان أن يعرف الله الآب ما لم يعرف المسيح، وغير ممكن للإنسان أن يعرف المسيح بدون نعمة الرّوح القدس...

*          *          *

أيُّها الأحبَّاء، الرّوح القدس هو من يجعلنا على صورة الله لأنّه بواسطته نتَّحد بالمسيح ونلبسه ونحيا به ونتحرَّك (راجع أعمال 17: 28). لم يترك الله خليقته بعيدة عنه ومنفصلة، بل أعادها في ابنه المتجسِّد إلى غاية وجودها أي إلى أن تصيره!... الصّورة الإلهيّة أُعطيت للإنسان في الخلق لأجل الصّيرورة على مثال الله بالسّيرورة في طاعة الوصيّة الإلهيّة المحيِيَة. لذلك، حين رفض الإنسان وصيّة الله قطع نفسه من ”شركة الرّوح القدس“ (2كورنثوس 13: 14) ودخل في دوّامة الموت الكيانيّ والوجوديّ. حين خسر آدم روح الرّبّ صارت كلمة الله دينونة له وحَرَم ذاته من الحياة الأبديّة. الله لم يترك مشروعه للإنسان ولم يتخلَّى عن من تخلّى عنه، فتجسَّد ابن الله الوحيد وصار لنا منظورًا كإنسان كامل وهو الإله الكامل. من هنا، أصبحت النّعمة الإلهيّة مستقرَّة في جسد المسيح وفي كلّ من يتّحد به في المعموديّة المقدّسة والأسرار.

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، في المسيح تجدَّدت حقيقتنا الإلهيّة إذ صار تشبُّهنا بالإنسان يسوع المسيح تحقيقًا لغاية الله من خلقنا، تحقيقًا لسرّ الإنسان المتألِّه. في المسيح عاد آدم إلى كونه أيقونة الله النّقيّة: ”مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ“ (يوحنّا 14: 9).

لا عذر لنا، نحن المؤمنين، في أن لا نُظهر المسيح في وجوهنا وحياتنا، لأنّنا اقتنينا روحه ولبسناه في المعموديّة: ”لِأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ“ (غلاطية 3: 27). لقد أُعطانا الله ذاته في ابنه بروحه القدّوس لكي يعود الكون بنا من خلال وحدتنا مع المسيح إلى حقيقته الصّالحة الّتي خُلق عليها.

أيُّها الأحبّاء، مهمّتنا هي تقديس الكون، لأن هذه هي مشيئة الله لنا وللعالم فينا. فلنتشبّه بالرّبّ يسوع المسيح عبر طاعتنا الكلّيّة لكلمته الإلهيّة ليستقرَّ فينا روح نعمته فنحقِّق مشيئة الآب الّتي هي أن نُماثِله أي نصير على مثاله، أي أن نصبح أيقونته في المسيح لخلاص العالم، فندخل سرّ الأبديّة منذ الآن ونجعل ملكوت السّماوات حاضرًا وساطعًا كالشمس لتجديد وجودنا بأسره...

ومن له اذنان للسّمع فليسمع!...

*          *          *

* الزمكان (الزمان-مكان) أو الزمان المكاني هو دمج لمفهومي الزمان والمكان، هو الفضاء بأبعاده الأربعة، الأبعاد المكانية الثلاثة التي نعرفها؛ الطول والعرض والارتفاع، مضاف إليها الزمن كبعد رابع، هذا الفضاء الرباعي يشكل نسيج أو شبكة تحمل كل شيء في هذا الكون، كل جسم مهما كان حجمه وكل حدث يخضع لها، فلا وجود للأشياء ولا للأحداث خارج نطاقي الزمان والمكان.

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانِحًا العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريّة الآباء (باللَّحن الثّامن)

أنتَ أيّها المسيحُ إلهُنا الفائقُ التّسبيح، يا مَن أسَّسْتَ آباءَنا القدّيسينَ على الأرضِ كواكبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرّحمةِ المجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعةَ المسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوسيطةَ لدى الخالِقِ غيْرَ المردودةِ، لا تُعرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالحة، نحنُ الصّارخينَ إليكِ بإيمان: بادري إلى الشَّفاعةِ وأَسرعي في الطّلْبَةِ يا والدة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (تي 3: 8– 15)

مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إِلهُ آبائنا

لأنَّكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

 يا ولدي تيطُسُ، صادِقَةٌ هي الكلمةُ، وإيَّاها أُرِيدُ أنْ تُقَرِّرَ، حتَّى يَهْتَمَّ الَّذين آمَنُوا بالله في القِيَامِ بالأعمالِ الحَسَنَة. فهذه هي الأعمالُ الحَسَنَةُ والنَّافِعَة. أمَّا المُبَاحَثَات الهَذَيَانِيَّةُ والأنْسَابُ والخُصُومَاتُ والمُمَاحَكَاتُ النَّامُوسِيَّة فـﭑجْتَنِبْهَا، فإنَّها غيرُ نافِعَةٍ وباطِلَة. وَرَجُلُ البِدْعَةِ بعدَ الإنذارِ مرَّةً وأُخْرَى أَعْرِضْ عنهُ، عالِمًا أنَّ مَنْ هوَ كذلكَ قد اعْتَسَفَ وهُوَ في الخطيئةِ يَقْضِي بنفسِهِ على نفسِهِ.

ومتى أَرْسَلْتُ إليكَ أَرْتِمَاسَ أو تِيخِيكُوسَ فَبَادِرْ أَنْ تَأْتِيَنِي إلى نيكوبُّولِسَ لأنِّي قد عَزَمْتُ أَنْ أُشَتِّيَ هناك. أمَّا زيناسُ معلِّمُ النَّاموسِ وأَبُلُّوسُ فـﭑجْتَهِدْ في تشييعِهِمَا مُتَأَهِّبَيْنِ لِئَلَّا يُعْوِزَهُمَا شيءٌ. وَلْيَتَعَلَّمْ ذَوُونَا أنْ يَقُومُوا بالأعمالِ الصَّالِحَةِ للحاجاتِ الضَّرُورِيَّةِ حتَّى لا يَكُونُوا غيرَ مُثْمِرِين. يُسَلِّمُ عليكَ جميعُ الَّذين معي. سَلِّمْ على الَّذين يُحِبُّونَنَا في الإيمان. النِّعْمَةُ مَعَكُم أَجْمَعِين. آمين.

الإنجيل (لو 8: 5– 15)(لوقا 4)  

قالَ الرَّبُّ هذا المثَل. خرجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ، وفيما هو يزرَعُ سقطَ بعضٌ على الطَّريق فَوُطِئَ وأَكَلَتْهُ طيورُ السَّماءِ، والبعضُ سقطَ على الصَّخْرِ فلمَّا نَبَتَ يَبِسَ لأنَّهُ لم تَكُنْ له رُطُوبَةٌ، وبعضٌ سقطَ بين الشَّوْكِ فَنَبَتَ الشَّوْكُ معهُ فخنقَهُ، وبعضٌ سقطَ في الأرضِ الصَّالِحَة، فلمَّا نَبَتَ أَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْفٍ. فسأَلَهُ تلاميذُهُ: ما عسى أنْ يكونَ هذا المثَل؟. فقالَ: لَكُم قد أُعْطِيَ أنْ تَعْرِفُوا أسرارَ ملكوتِ الله. وأمَّا الباقُونَ فَبِأَمْثَالٍ لكي لا ينظُرُوا وهم ناظِرُونَ ولا يفهَمُوا وهم سَامِعُون. وهذا هو المَثَل: الزَّرْعُ هو كلمةُ الله، والَّذين على الطَّريقِ هُمُ الَّذين يَسمَعُونَ، ثمَّ يأتِي إبليسُ وَيَنْزِعُ الكلمةَ من قلوبِهِم لِئَلَّا يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. والَّذين على الصَّخْرِ هُمُ الَّذين يسمَعُونَ الكلمةَ ويقبلُونَهَا بِفَرَحٍ، ولكن ليس لهم أَصْلٌ، وإنَّمَا يُؤْمِنُونَ إلى حينٍ وفي وقتِ التَّجْرِبَةِ يَرْتَدُّونَ، والَّذي سقطَ في الشَّوْكِ هُمُ الَّذين يَسمَعُونَ ثمَّ يَذهبُونَ فيَختنِقُونَ بهُمُومِ هذه الحياةِ وغِنَاهَا ومَلَذَّاتِهَا، فلا يأتُونَ بثمرٍ. وأمَّا الَّذي سقطَ في الأرضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذين يسمعُونَ الكلمةَ فَيَحْفَظُونَهَا في قلبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ، ويُثْمِرُونَ بالصَّبْر. ولمَّا قالَ هذا نادَى: مَنْ لَهُ أُذُنَانِ للسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.

 حول الإنجيل

لماذا يتكلَّم الرَّبُّ يسوع بالأمثال؟ البعض يقول لأنّ المثل بسيط الفهم؟. هل حقًّا المثل بسيط الفهم؟ إذا راجعنا الأمثال في الكتاب المقدَّس بعَهْدَيْه، القديم والجديد، نرى أنّ هناك صعوبة لفهم المحتوى والتّعليم الكامِن في الأمثال لمن لم يُعطى له ذلك. الرب يسوع والرسل والقدِّيسون فسَّروا لنا المعاني الخَفِيّة. فالمثل في الكتاب المقدَّس لا يُفهَم ما لم يهب الله السامع نعمة، وهذا ما يؤكّده المزمور: "أفتحُ بمثَلٍ فمي، أُذيعُ ألغازًا منذُ القِدَمِ" (مزمور 2:78). لماذا؟ هل يُريدنا الرَّبُّ أن لا نفهم؟ أم قلّة من النّاس هي مخوّلة أن تفهم المكتوب؟ كما ادّعى الغنوصيّون قديمًا أنّ الأسرار والمعرفة عندهم وهم الّذين يفقهون بها فقط!...

 الأمر ليس كما نظنّ، لأنّه بالـمَثَل، لا تكون الكلمة الّتي يقولها الكتاب مُلزِمَة للشَّخص إذا لم يفهمها، لكنّ ذلك يضع عليه دينونة إذا كان رافضًا للفهم ولم يرد أن يسمع، إذ سيُدان من الله على حسب نواياه وأعمالِهِ. من يرفض أن يسمع الكلمة الإلهيّة، لا يمكنه أن يعرف المسيح.

إذا انتبهنا، في إنجيل اليوم، لم يفهم أحد من السامعين المقصود من الـمَثَل، إذ حتَّى التّلاميذ أتَوْا وسألوا المعلّم تفسيرًا: "مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هذَا الْمَثَلُ؟ فَقَالَ: ’لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَال، حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ" (الآية 10). نحن، أيضًا، الأمثال والإنجيل والكنيسة لن تفيدنا بشيء، إذا لم نسأل فهمًا للعيش، فنكون عندئذ فقط سامعين لا يعنينا الكلام، إذا لم نسعَ للمعرفة لتغيير طريقة حياتنا ولم نجاهد روحيًّا. وحدُهم التَّلاميذ، مِنَ الّذين كانوا يسمعون الرَّبَّ يسوع يسرد هذا المثل، سألوه إيضاحًا، فقط التّلاميذ ظهرت عندهم الرغبة لفهم المثل، فهل تجاوبوا مع المعاني الإلهيّة ورغبوا أن يتغيّروا؟!... ما الّذي يجعلنا لا نفهم هذه الأمثال؟ خطيئة الكبرياء. وكلّنا خطأة. يقول أشعياء النّبيّ: "غَلّظْ قلب هذا الشّعب وثَقّلْ أُذُنَيه واطمُسْ عَينيه، لئلَّا يُبصرْ بعينيه ويسمعَ بأُذُنيه ويَفهمَ بقلبهِ، ويرجعَ فَيُشفى" (إشعياء 6: 10).

يا إخوة، من يريد أن يَخلُص عليه أن يسعى لتحقيق هذا الخلاص عبر طاعة الكلمة الإلهيّة. فالسّماع لا يُفيده بشيء إن لم تدخل الكلمة إلى القلب وتصير فعلًا في حياته اليوميّة، لأنّ الرَّبَّ يقول في نهاية هذا المثل: "من له أُذنان للسَّمع فليسمع"، أي من لديه الرَّغبة أن يتغيّر ومن لديه الرَّغبة أن يخلص، فهذا، وهذا فقط، يُعطى له أن يفهم، "فيرجع ويُشفى" آمين.

الصّلاة وحدها لا تكفي

الصَّلاة هي للمُصَلّي وسيلةً يستنيرُ بها من النُّورِ الأزليّ كي يعرف مشيئةَ الله، فيعمل بمُقتضاها. الصَّلاة تكون عقيمة، مُجَرَّد كلمات وأناشيد بلا روح، إنْ لم يتبعها فعل في "الآن وهنا"، في المكان والزّمان الحاضِرَيْن. الصَّلاة هي تذكير للمؤمنين بكونهم مَدعُوِّين إلى تحقيق مشيئة الله في الكون، وبكونهم شركاء لله في صنع السَّلام وعَيْش وصيّة المحبّة بِمِلْئها.

عندما يؤرّخ القدّيس لوقا الإنجيليّ لسيرة المسيحيّين الأوَّلين يقول: "وكان المؤمنون كلّهم مُتَّحِدين، يجعلون كلَّ ما عندهم مُشترَكًا بينهم، يبيعون أملاكهم وخيراتهم ويتقاسمون ثمنها على قدر حاجة كلِّ واحدٍ منهم. وكانوا يلتقون كلّ يوم في الهيكل بقلبٍ واحدٍ ويكسِرُون الخبز (يُقيمون القدّاس) في البيوت، ويتناوَلون الطَّعام بفرح وبساطة قلب. ويسبّحون الله، وينالون رضى النّاس كلهم" (أعمال الرُّسل 2: 44- 47).

ليس صدفةً أن يتكلَّم لوقا على الشَّرِكة الماديّة قبل أن يتحدّث عن الشَّرِكة الرّوحيّة. فلا معنى للصّلاة والقدَّاس والتَّسبيح إنْ لم تكن جميعها تتويجًا للشَّركة في ممارسة المحبّة والرّحمة والعطاء. والرَّبّ نفسه يقول في الموعظة على الجبل، مقدّمًا العمل على التّعليم: "ومَن عمل بالوصايا وعلّمها يعدّ عظيمًا في ملكوت السّماوات" (متّى 5: 19). فالنّاس لا يصدِّقون مَن يعلّم على المَنابِر واعظًا إنْ لم يعمل بما يعلّم ويعظ.

ليست الصَّلاة، إذًا، تخلّيًا عن مسؤوليّة المؤمنين تجاه الّذين يصلّون من أجلهم، ورَمي المسؤوليّة على الله وحده. فكأنّ الله في حاجة إلى مَن يذكّره بمُعاناة النّاس. الصَّلاةُ هي ابتهالٌ إلى الله كي يعينَنا في حمل صليب المعذّبين والمضطهدين، إلى أيّ دين أو طائفة أو عرق انتمَوا. لا ينتهي واجبنا بأداء الصَّلاة، بل بالأحرى يبدأ هذا الواجب بعد انتهاء الصَّلاة.

يقول القدّيس يعقوب الرَّسول في رسالته الجامعة: "فلو كان فيكم أخٌ عُريان أو أخت عريانة لا قُوتَ لهما، فماذا ينفع قَوْلكم لهما: إذهبا بسلام! استدفئا واشبعا، إذا كنتم لا تعطونهما شيئًا ممّا يحتاج إليه الجسد؟ وكذلك الإيمان، فهو بغير الأعمال يكون في حدّ ذاته ميتًا" (2: 15-17).

أمّا القدّيس بولس الرّسول فمَشهود له أنّه كان، في جولاته التّبشيريّة العديدة، يجمع التَّبرّعات ويُرسلها إلى الفقراء في فلسطين.

الإيمان وكلّ ما يترتّب عليه من عبادات، صلاة وصوم وسواهما، باطلٌ، إنْ لم يقترن بالأعمال الّتي هي جزءٌ أصيلٌ منه. وقد دعا الله المؤمنين إلى الاقتداء به في أسمائه وصفاته: "كونوا رُحماء كما أنّ أباكم (الله) رحيم"، "كونوا كاملين كما أنّ أباكم كامل"… فلا جدوى من الدُّعاء "يا ربّ ارحم"، إذا لم يكن قائلها رحيمًا بإخوته من بني البشر.

أهل العراق وسوريا وفلسطين لا تكفيهم الصَّلاة وإضاءة الشُّموع والخطب والمسيرات… بل هم في حاجة إلى تضامن حقيقيّ يستدعي من المؤمنين، ومن القائمين على الكنائس، استثمار كلّ ما لديهم من أجل التّخفيف من معاناتهم عبر وضع كلّ ما تملكه الكنائس من أملاك وأموال وعلاقات في خدمتهم. صلّوا، ولكن أقرنوا الصّلاة بالعمل.

هذا أضعف الإيمان.

(الأب جورج مسّوح، جريدة النّهار- 27 آب 2014).

انقر هنا لتحميل الملف