Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 23 آب 2020  

العدد 34

الأحد (11) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 11

أعياد الأسبوع: *23: وداع عيد الرُّقاد، الشَّهيد لوبُّس *24: الشَّهيد في الكهنة أفتيشيس، قُزْمَا الإِيتُوليّ *25: عودة جسد برثلماوس الرَّسول، الرَّسول تيطس *26: الشَّهيدان أدريانوس ونتاليا ورفقتهما *27: البارّ بِيمِن، الشَّهيد فانوريوس *28: البارّ موسى الحبشيّ *29: قطع رأس يوحنَّا المعمدان (صوم). 

كلمة الرّاعي 

البُنوّة في المسيح

كلّ من اعتمد على اسم الثّالوث القدّوس صار ابنًا لله بالتّبنّي في يسوع المسيح، لأنّ من يعتمد يلبس المسيح. هذا، من ناحية، يعني أنّه يلبس قوّة من العلاء، نعمة الثّالوث القدّوس الّتي تسكن في الإنسان وتجعله شبيهًا بالله في صفاته. من ناحية أخرى، تُحمِّل هذه المعموديّة والنّعمة الّتي ترافقها الإنسان مسؤوليّة كبرى إذ لا يحقّ له بعد أن صار ابنًا لله أن يعود ليصير ابنًا للجسد، لأنّ من وُلد من الله (راجع يوحنّا 1: 13) لا يستطيع، بعدُ، أن يكون ابنًا للّحم والدّم.

*          *          *

في المسيح يسوع، ابن الله المُتجسّد والقائم من بين الأموات، صرنا من أبناء ملكوت السّماوات بسبب تبنّينا من الله في ابنه، ممّا يستتبع أنّنا نحيا بالرّوح القدس، وثمار الرّوح هي: ”مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ“ (غلاطية 5: 22 و23). هذه هي صفات الإنسان المسيحيّ. طبعًا، نحن أُعطينا هذه الصّفات في أسرار الدّخول إلى الكنيسة (المعموديّة، المَيرون والمناولة المُقَدّسة) بواسطة روح الرَّبّ الّذي سكن فينا كوننا صرنا على صورة ابن الله. ”النّعمة الإلهيّة الّتي للنّاقصين تُكمِّل“ (من خدمة الرّسامات للدّرجات الإكليريكيّة) سكنت في طبيعتنا البشريّة، لكنّها بحاجة إلى تفعيل لأنّ نعمة الله مرتبطة بمشيئته، ومشيئتنا تحدِّد للنّعمة مجال عملها فينا، لأنّ حياتنا مع الله مبنيّة على مبدأ التّآزر (Synergia) المرتبط بالمشيئة الحُرَّة للإنسان في علاقته مع الرَّبّ.

*          *          *

ما أسهل أن ندّعي بنوّتنا لله بالكلام، ولكن هل نفقه مدى عِظَم هذه المسؤوليّة؟ نعم، إنّها مسؤوليّة أمام الله لأنّنا مؤتمنون على نعمته الإلهيّة وعلى كلمة بشارته. كيف يكون الإنسان ابنًا للرَّبّ وهو لا يصنع أعمال أبيه؟!... ليست المسيحيّة شعارات ومشاعر إنّها إيمان وأفعال تليق بكوننا أبناء الله. وأمّا عمل الله فقد كشفه لنا الرَّبّ يسوع المسيح أنّه عمل الآب، ”لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلَّا مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ ...“ (يوحنّا 5: 19 و20). هكذا نحن نفعل، ما نرى يسوع يعمله نعمله بدورنا بقوّة المسيح الّتي بنعمة الرُّوح القدس السّاكن فينا... ما هو عمل يسوع؟ أن يصنع مشيئة أبيه (راجع يوحنّا 5: 30). وما هي مشيئة الآب؟ ”أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ“ (1 تيم 2: 4). الإنسان المسيحيّ يطلب الحَقّ ويحيا فيه ويسعى إليه عبر طاعة الكلمة الإلهيّة وعيشها بتَنزُّل القوى الثّالوثيّة غير المخلوقة عليه من الآب في الابن بالرُّوح القدس. من هنا، ليست المسيحيّة أخلاقًا بل روحًا مُحييًا، حياةً جديدة في المسيح القائم من بين الأموات والغالب الموت والخطيئة وكلّ شرّ. من صار ابنًا لله في المسيح يموت عن مشيئته وكبريائه وأنانيّته ويسلك في درب المحبّة الّتي علّمنا إيّاها قدوتنا المسيح يسوع الإنسان الوسيط الوحيد بين الله والبشر (راجع 1 تيم 2: 5). من هنا، لا يصير المسيحيّ ابنًا لله ما لم يتشبّه بيسوع، ولا يستطيع أحد أن يتمثَّل بيسوع ما لم يسكن فيه روحه. بناء عليه، بنوّتنا لله هي حياة على شبه حياة ابن الله الوحيد فيما بيننا...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، ما معنى هذه الحياة دون المحبّة والسّلام والفرح؟! ... ما قيمة الإنسان لو لم يكن على صورة الله ويسكن فيه روحه؟! ... يا إنسان أنت لست سوى ”تراب ورماد“ (تكوين 18: 27) دون روح الله ... ربُّ السّماء والأرض وخالق الكلّ تنازل ”آخذًا صورة عبدٍ“ (في 2: 7) فمن أنت لتستكبر على الآخَرين أو تظنَّ نفسك أفضل منهم؟! ... أَوَ تعتقد بأنّك أفهم وأجمل وأذكى واغنى وأقوى ... من غيرك ... ما هذا سوى ”قبض الرّيح“ (جامعة 1: 14). ابن الله هو التّقيّ، والأقرب إلى الخالق هو الأتقى، والأتقى هو الأكثر تواضعًا ووداعة، ولا يتواضع إنسان ما لم يدرك هشاشته ومعطوبيّته وبعده كلّ البعد عن صنع مشيئة الله بسبب عبوديّته لأهوائه وغرقه في الخطيئة والحياة الّتي بحسب العالم السّاقط ... من يعرف هذه الأمور عن نفسه ويستكبر؟! ...

اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ ...“ (متى 11: 29).

هذا هو مقياس بنوّتنا لله ...

ومن استطاع أن يفهم فليفهم! ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

طروباريَّة رُقَاد السَّيِّدة (باللَّحن الأوَّل)

 في ميلادِكِ حَفِظْتِ البتولِيَّة وصُنْتِهَا. وفي رُقَادِكِ ما أَهْمَلْتِ العالم وترَكْتِهِ يا والدةَ الإله. لأنَّكِ ﭐنْتَقَلْتِ إلى الحياة بما أَنَّكِ أُمُّ الحياة. فبِشفاعاتِكِ أَنْقِذِي من الموتِ نفوسَنَا.

قنداق رُقاد السَّيِّدَة (باللَّحن الثَّانِي)

 إنَّ والِدَةَ الإلهِ ﭐلَّتِي لا تَغْفَلُ في الشَّفاعَات، والرَّجَاءَ غيرَ المردُودِ في النَّجَدَات، لم يَضْبُطْهَا قَبْرٌ ولا مَوْتٌ، لكنْ بما أَنَّها أُمُّ الحياة، نَقَلَهَا إلى الحياة الَّذي حَلَّ في مُسْتَوْدَعِهَا الدَّائِم البَتُولِيَّة.

الرّسالة (1 كو 9: 2– 12)

قُوَّتِي وتَسْبِحَتِي الرَّبُّ

أَدَبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ وإلى المَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي

يا إخوةُ، إنَّ خَاتَمَ رسالتي هوَ أنتمُ في الرَّبِّ. وهذا هو احتجاجي عندَ الَّذينَ يَفْحَصُونَنِي. ألعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أنْ نأكُلَ ونَشَرَب. ألعَلَّنَا لا سُلْطَانَ لنا أن نَجُولَ بامرَأَةٍ أُخْتٍ كسائِرِ الرُّسُلِ وإِخْوَةِ الرَّبِّ وصَفَا. أم أنا وبَرنابا وحدَنا لا سُلْطَانَ لنا أن لا نَشْتَغِلَ. مَنْ يَتَجَنَّدُ قَطُّ والنَّفَقَةُ على نَفْسِه؟. مَن يَغْرِسُ كَرْمًا ولا يأكُلُ من ثَمَرِهِ؟. أو مَنْ يَرْعَى قطيعًا ولا يأكُلُ من لَبَنِ القطيع؟. ألعلِّي أتكلَّمُ بهذا بحسبِ البشرِيَّة، أم ليسَ النَّاموسُ أيضًا يقولُ هذا. فإنَّهُ قد كُتِبَ في ناموسِ موسى: "لا تَكُمَّ ثورًا دارِسًا". ألعَلَّ اللهَ تُهِمُّهُ الثِّيران، أم قالَ ذلك من أجلِنَا، لا محالَة. بل إنَّمَا كُتِبَ من أجلِنَا. لأنَّه ينبغي للحارِثِ أنْ يحرُثَ على الرَّجاءِ، وللدَّارِسِ على الرَّجاءِ أن يكونَ شريكًا في الرَّجاءِ. إن كُنَّا نحنُ قد زَرَعْنَا لَكُمُ الرُّوحِيَّات أَفَيَكُونُ عَظِيمًا أَنْ نَحْصُدَ مِنكُمُ الجَسَدِيَّات. إنْ كانَ آخَرُونَ يشتَرِكُونَ في السُّلْطَانِ عليكم أَفَلَسْنَا نحنُ أَوْلَى. لَكِنَّا لم نَسْتَعْمِلْ هذا السُّلْطَانَ، بل نَحْتَمِلُ كلَّ شيءٍ لِئَلَّا نُسَبِّبَ تَعْوِيقًا ما لِبِشَارَةِ المسيح.

الإنجيل (مت 18: 23– 35)(متى 11)

قال الرَّبُّ هذا المَثَل: يُشْبِهُ ملكوتُ السَّماواتِ إنسانًا مَلِكًا أرادَ أن يُحَاسِبَ عبيدَهُ. فلمَّا بدأَ بالمحاسَبَةِ أُحْضِرَ إليهِ واحِدٌ عليهِ عشَرَةُ آلافِ وَزْنَةٍ. وإذْ لم يَكُنْ لهُ ما يُوفي أَمَرَ سيِّدُهُ أن يُبَاعَ هو وامرأَتُهُ وأولادُهُ وكلُّ ما لهُ ويُوفَى عَنْهُ. فَخَرَّ ذلكَ العبدُ ساجِدًا لهُ قائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ كلَّ ما لَكَ. فَرَقَّ سَيِّدُ ذلك العَبْدِ وأَطْلَقَهُ وتَرَكَ لهُ الدَّيْن. وبعدما خرجَ ذلك العبدُ وَجَدَ عَبْدًا من رُفَقَائِهِ مَدْيُونًا لهُ بمئةِ دينارٍ، فَأَمْسَكَهُ وأَخَذَ يَخْنُقُه قائلًا: أَوْفِنِي ما لِي عَلَيْك. فَخَرَّ ذلك العبدُ على قَدَمَيْهِ وطَلَبَ إليهِ قائلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ كلَّ ما لَك. فَأَبَى ومَضَى وطرحَهُ في السِّجْنِ حتَّى يُوفِيَ الدَّيْن. فلمَّا رأى رُفَقَاؤُهُ ما كانَ حَزِنُوا جِدًّا وجَاؤُوا فَأَعْلَمُوا سَيِّدَهُم بكلِّ ما كان. حينَئِذٍ دعَاهُ سَيِّدُهُ وقالَ لهُ: أيُّها العبدُ الشّرّيرُ، كلُّ ما كانَ عليكَ تركْتُهُ لكَ لأنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ، أَفَمَا كانَ ينبغِي لكَ أنْ ترحَمَ أنتَ أيضًا رفيقَك كما رَحَمْتُك أنا. وغَضِبَ سَيِّدُهُ ودَفَعَهُ إلى المُعَذِّبِينَ حتَّى يُوفِيَ جميعَ ما لَهُ عَلَيْهِ. فهكذا أبي السَّماوِيُّ يَصْنَعُ بِكُم إنْ لم تَتْرُكُوا من قُلُوبِكُم كلُّ واحِدٍ لأَخِيهِ زَلَّاتِهِ.

حول الإنجيل

فنحن لا نقرأ اليوم فقط عن المغفرة بل عن حجم مغفرة الله مقارنةً بما هو مطلوبٌ منّا. فقد غُفِر لنا دين عشرة آلاف وزنةٍ وطُلِب منّا أن نغفر لقريبنا دين مئة دينار. يا لعظم محبّة الله لنا، فنحن المثقلين بالدّيون لا نقدر على إيفائها. قد سومِحنا، ولكنّنا نعود ونستدين بشكلٍ مستمرّ.

أين المقارنة بين محبّة الله للإنسان ومحبّة الإنسان لله أو حتّى محبّة الإنسان للإنسان الآخر؟ لقد امتدّت محبّة المسيح حتّى إلى الّذي خانه، كما نقرأ في خدمة الأناجيل الإثني عشر: "أيّ سببٍ جعلك يا يهوذا أن تُسلِم المخلّص؟ هل فصلك من صفّ الرّسل أم حرمك من موهبة الأشفية؟ هل تناول العشاء مع أولئك وأقصاك عن المائدة؟ هل غسل أرجل البقيّة وأعرض عنك؟ فيا لكم من الخيرات صرت ناسياً، وعزمك غير الشّكور قد افتضح. وأمّا طول أناة السّيّد الّتي لا تقدّر، فيشاد بها وبمراحمه العظمى".

يقول بولس الرّسول: "فإنّه بالجهد يموت أحدٌ لأجل بارّ. ربّما لأجل الصّالح يجسر أحدٌ أيضًا أن يموت. ولكنّ الله بيّن محبّته لنا، لأنّه ونحن بعد خطأةٌ مات المسيح لأجلنا" (رو 7:5-8). من هذه المحبّة تأتي مغفرة خطايانا عندما نسألها بتوبةٍ، ولكنّ شرط المغفرة هذه هو الرّحمة تجاه قريبنا، الأب والأمّ والأخ والأخت والجار والعدوّ وجميع النّاس والمغفرة لهم. ثمّة من يعتقد، وهذا إيمان البعض ممّن يدّعون المسيحيّة، أنّ ما من شيءٍ يعملونه قد يُلغي مغفرة الله لهم، لكنّ المسيح يصحّح هذا الفهوم الخاطئ في مَثَل اليوم. غفران خطايانا مرتبطٌ حصرًا بغفراننا خطايا الآخرين.

إضافةً إلى ذلك، نعرف من هذا النّصّ الإنجيليّ أنّ أذيّة الآخرين لنا هي فائدة. يبدّد القدّيس بطرس الدّمشقيّ الأفكار الّتي تقول "لماذا يؤذينا فلان" بقوله إنّنا جميعنا في وقتٍ من الأوقات أذينا الله وقريبنا وجارنا وأخينا وأهلنا، وبالتّالي لتتبدّد تلك الأفكار تجاه من يؤذينا. وبَدَلًا من الانتباه إلى أذيّة الآخرين لنا، نحصل على فرصة الحصول على المغفرة، لأنّه "لا يمكن لشيءٍ أن يغفر خطايانا بسرعةٍ سوى هذه الفضيلة (أي أن نغفر للآخرين)".

يقول القدّيس يوحنّا كرونشتادت: "أنسب أخطاء قريبي إلى فساد الطّبيعة، أو عمل الأرواح الشّرّيرة وحيلها، أو نقص التّربية أو سوئها، أو ظروف الحياة غير المؤاتية، أو طبيعة الأهل والمعلّمين. وبمعرفتي لخطيئتي وحقدي وعدم نقاوتي وضعفي، لا أستطيع أن أكره الآخرين وأنا أملك الضّعف والرّذائل نفسها".

إنّ الله فعليًّا لا يَديننا، بل نحن من نَدين أنفسنا. لا يُبعِد الله عن أيّ أحدٍ جائزة الملكوت السّماويّ، لكنّنا نحن من نبدّدها بعدم المغفرة والضّغينة والحقد. لهذا يقول الرّبّ يسوع: "لأنّكم بالدّينونة الّتي بها تدينون تدانون، وبالكَيْل الّذي به تَكيلون يُكالُ لكم" (مت 2:7).

أنا أتمجّد بهم

"مجد الله" عبارة تتواتر بوفرة في الكتاب المقدّس والطّقوس ومن المفيد لحياتنا في الكنيسة أن ندرك، بما أعطي لنا من النّعمة، مضمون هذه العبارة ومعانيها، لأنّ هذا المجد قد كُشف لنا نحن البشر لمنفعتنا، لنعيش في الأرض مجد الله الأزليّ لتَلْتَقِيَ الأرض بالسّماء.

مجد الله، ببساطة، هو ما أُعطيناه من الله لنشاركه حياته ومحبّته. هو الله المتنازل إلينا حبًّا بنا. لا فرق بين الله ومجده سوى أنّ الأخير قابل لإدراكنا، إدراك يفوق العقل والحواس دون أن يلغيَهما، إدراك يجعلنا شركاء لله في مجده، في عظمته، في محبّته وفي غلبته. هذه كلّها أُعطيت لنا منه مجّانًا ونحن غير قادرين أن نبادله هذه المجّانيّة وأن نزيد على مجده مجدًا وعلى عظمته عظمة، لا أن نضيف ونحن المضاف إلينا ولا أن ننقِصَ ونحن المخلوقون المبتدئون والمنتهون وهو الخالق الكامل. مخطئون إن ظننّا أنّنا في شركتنا معه نُكسبه أو نزيده مجدًا فنحن الكاسبون مجدًا والمُزادونه "المجد الّذي أولَيتني أوليتُهم إيّاه" (يو17 ،22).

يقول يسوع، في صلاته الكهنوتيّة الّتي وجّهها للآب قبل آلامه، "أنا أتمجّد بهم" أي بتلاميذه وبسائر المؤمنين به من بعدهم. مجده لم يأتِهِ إلّا من أبيه "مجّدني الآن يا أبتي بما كان لي من المجد عندك قبل أن يكون العالم" (يو 17: 5). هو مجد أزليّ أبديّ لا ينقص ولا يزيد فكيف نفهم هذه العبارة أو، بالأحرى كيف يتمجّد الله بنا؟

بتجسّد الابن صرنا مستقَرًّا لمجده إذ صار هو الإنسان الأوّل الّذي حمل في بشريّته ملء المجد الإلهيّ وأولانا إيّاه لنكون منارة مجده في المسكونة. نحن لا نقدّم لله مجدًا نحن دُعينا أن نتلقّى هذا المجد ونكون أمينين له لا لتقديسنا فحسب بل لتقديس الآخرين. "أنا مجّدتك في الأرض" (يو17، 4). يتمجّد الله في الأرض عندما يُعرف مجدُه عبرنا، في حياتنا وسلوكنا وتواضعنا ومحبّتنا. الله يتمجّد بنا عندما "ننقص ليزيد هو". عندما نعترف أنّ ما لنا ليس منّا ولا يحقّ لنا أن نتملّكه لمجدنا البشريّ بل أن ننقله لمن هم حولنا ليعرفوا مجده هو ويمجّدوا أباهم الّذي في السّماوات. عندما "نُلعَن فنبارك، نُضطهَد فنحتمل، يشنَّع علينا فنردّ بالحسنى" (1كور4: 12).

يتمجّد الله بنا عندما نكون أهلًا للصّورة الإلهيّة الّتي بثّها الله فينا ويبثّها، لنكون رسله عبر عيشنا الصّادق لتعاليمه الّتي تجسّدت أمامنا في شخصه وكما عرفناها في الكتاب المقدّس وفي كتب الله الحيّة، مناراتِ العالم الّتي نُصبت في الأرض مذابحَ حيّةً، أنبياءً ورسلًا وشهداءً وأبرارًا. هؤلاء كلّهم، إن تميّزوا عنّا فبأنّهم لم يجدوا مبرّراتٍ لضعفاتهم ليرتاحوا لها بل تابوا وأحبّوا. لم يساوموا على الالتزام بالحياة الإلهيّة الّتي قرأوها في الكتاب المقدّس الورقيّ وفي كتب الله الحيّة.

اشكروا لله وكالتَه لكم أن تكونوا نقلة مجده إلى العالم. إن تهاونتم أقصيتم أنفسكم عن مجده وسيلد الله من الحجارة أولادًا لإبراهيم "يؤدّون الثّمر في أوانه".

انقر هنا لتحميل الملف