Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 19 تمّوز 2020

العدد 29

أحد  آباء المجمع المسكونيّ الرّابع

اللّحن 5- الإيوثينا 6

أعياد الأسبوع: *19: البارّة مكرينا أخت باسيليوس الكبير، البارّ ذِيُّس *20:  النَّبيّ إيلياس التَّسبيتيّ *21: البارَّان سمعان المُتبالِه ويوحنَّا رفيقه في النُّسك *22: مريم المجدليَّة المُعادِلَة الرُّسُل، الشَّهيدة في العذارى مركيلَّا *23: نقل عظام الشَّهيد في الكهنة فوقا أسقف سينوبي، النَّبيّ حزقيال *24: الشَّهيدة خريستينا *25: رقاد القدِّيسة حنَّة أمّ والدة الإله الفائقة القداسة.

كلمة الرّاعي 

روح الغيرة الإلهيّة عند الآباء والنّبي إيليَّا 

"قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْـــــــــــــــرَائِــيــــلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ،

وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي،

وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَـــــــفْسِـــــــــــي لِيَأْخُذُوهَا" (1 ملوك 19: 10)

لست وحدك يا إيليَّا لأنّ الرّبّ أبقى لنفسه "فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الّتي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ" (1 ملوك 19: 18). الله لا يترك نفسه بدون شهود، وشهوده في كثير من الأحيان شهداء على مذبح الحقّ. لا يَهاب رجال الله الموت إذا ما واجهوه لأجل حقّ الله والأمانة له. هكذا عاش الأنبياء وكذا سلك آباء الكنيسة على مرّ القرون. من يقرأ تاريخ الكنيسة يعرف أنّ كلّ مرحلة من مراحل إعلان العقيدة القويمة كانت مخاضًا نتج عنه شهود كُثُر أكانوا شهداء أم معترفين. الأساس هو هذه الغيرة على الحقّ والأمانة لرسالة الخلاص الّتي كشفها لنا الرّبّ في ذاته حين أتانا إنسانًا تامًّا وهو الإله الكامِل...

*          *          *

الآباء الّذين نعيّد لهم اليوم هم آباء المجمع المسكونيّ الرّابع الّذين اقرُّوا العقيدة الخاصّة بأقنوم الكلمة المُتجسِّد بأجلى بيان، فحدَّدوا الآتي: "إنّ المسيح هو نفسه تامّ في الألوهة وتامّ في البشريّة، إله حقّ وإنسان حقّ. إنّه مساوٍ للآب في الألوهة ومساوٍ لنا في البشريّة، شبيه بنا في كلّ شيء ما خلا الخطيئة. قبل كلّ الدّهور وُلد من الآب بحسب الألوهة، وفي الأيّام الأخيرة هو نفسه، لأجلنا ولأجل خلاصنا، وُلد من مريم العذراء و الدة الإله، بحسب البشريّة. واحدٌ هو، وهو نفسه المسيح، ابن الله، الرّبّ، الّذي يجب الاعتراف به في طبيعتين متّحدتين دون اختلاط ولا تحوّل ولا انقسام ولا انفصال. وهو لم ينقسم ولم ينفصل إلى شخصين، بل واحدٌ هو، وهو نفسه الابن الوحيد، الإله الكلمة، الرّبّ يسوع المسيح".

*          *          *

هذا الإيمان هو نور حياة المؤمنين، لأنّه يكشف حقيقة الإنسان في قصد الله. شابَهَنَا الله في ما لنا لنشابهه في ما له. هذه هي الخلاصة الجوهريّة من عقيدة خلقيدونية، أنّ الألوهة اتَّحَدَت بالطّبيعة البشريّة، اشتركت الطّبيعة البشريّة بما للألوهة في أقنوم الرّبّ يسوع المسيح الإله المتجسّد. هذا نتج عنه ما نسـمّيه ”تبادل الخصائص“ (communication des idiomes) أي أن ننسب إلى أقنوم الإله-الإنسان الواحد كلّ ما يختصّ بالألوهة والطّبيعة البشريّة. كيف نرى هذا في الإنجيل؟ على سبيل المثال لا الحصر، يقول الرّبّ لليهود: ”قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ“ (يوحنا 8: 58). نرى في هذا التّصريح إعلان الرّبّ يسوع عن ألوهيّته ووجوده الأزليّ. هو يتكلّم مع اليهود كإنسان واقف أمامهم، ولكنّه في نفس الوقت الإله الّذي كلّم إبراهيم، وهو ”الكائن“ (كما عرّف عن نفسه لموسى في حدث العلَّيقة المُلتهِبة في خروج 3) الّذي خلق الكون وحرَّر إسرائيل من عبوديّة مصر. من ناحية أخرى ننسب للألوهة ما يختصّ بالطّبيعة البشريّة، كما يعبِّر بولس الرَّسُول قائلًا: ”لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ“ (1 كورنثوس 2: 8). الرّبّ لا يمكن أن يصلب ويتألّم ويموت، ومع ذلك يقول بولس بأنّهم ”صلبوا ربّ المجد“. هكذا ننسب ما هو للطّبيعة البشريّة إلى الألوهة دون أن يعني هذا أنّ الألوهة صُلبت، ولكن أقنوم الإله الكلمة صُلب بالجسد.

ما نتيجة هذا علينا نحن البشر؟ الألوهة تستقرّ في جسدنا بالنّعمة، فنصير ”شركاء الطّبيعة الإلهيّة“ (2 بطرس 1: 4)، أي نصبح بشرًا متألِّهين أي نحمل صفات الله وحياته وقوّته...

هذه هي عقيدة المجمع الرّابع المَسكونيّ، وهذا هو معنى الخلاص في المسيحيّة، إنّه الحصول على الحياة الأبديّة عبر الاشتراك بحياة الله، ذاتها، غير المخلوقة بالنّعمة الّتي نحصل عليها عبر اتّحادنا بالمسيح في الرّوح القدس من خلال أسرار الكنيسة المُقدَّسة والصّلاة وكلّ عمل نقوم به بروح الرّبّ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

طروباريَّة الآباء (باللَّحن الثَّامِن)

أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقيّ، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (تي 3: 8– 15)

مُبارَكٌ أنتَ يا ربُّ  إله أبائنا،

لأنَّك عَدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

يا ولدي تيطُسُ صادقةٌ هي الكَلِمةُ وإيَّاها أُريدُ أن تقرِّرَ، حتَّى يهتمَّ الّذين آمَنُوا باللهِ في القِيامِ بالأعمالِ الحَسَنَة. فهذه هي الأعمالُ الحَسَنَةُ والنَّافِعَة. أَمَّا المُباحَثَات الهَذَيانِيَّةُ والأَنْسَابُ والخُصوُمَاتُ والمُمَاحَكَاتُ النّاموسِيَّةِ فاجْتَنِبْهَا. فإنَّها غَيرُ نافعَةٍ وباطِلةٌ. ورجُلِ البِدْعَةِ بعدَ الإنذارِ مرَّةً وأُخرى أَعْرِضْ عنهُ، عالِمًا أنَّ مَن هو كذلك قدِ اعْتَسَفَ وهُوَ في الخطيئةِ يَقضي بنفسِهِ على نَفسِه. ومتَى أرسلتُ إليكَ أَرتِمَاسَ أو تِيخيكُوسَ فبادِرْ أن تأتِيَنِي إلى نيكوبُّولِس لأنِّي قد عَزَمْتُ أن أُشتِّيَ هناك. أمّا زيناسُ معلِّمُ النّاموسِ وأَبُلُّوسُ فاجتَهِدْ في تشييعهِمِا مُتَأَهِّبَيْنِ لئلَّا يُعْوِزَهُمَا شيءٌ. وَلْيَتَعَلَّمْ ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصَّالِحةِ للحاجاتِ الضَّروريَّة حتَّى لا يكونوا غيرَ مُثْمِرِين. يُسَلِّمُ عليكَ جميعُ الّذين معي، سَلِّمْ على الّذين يُحبُّونَنا في الإيمان. النِّعمةُ معكم أجمعين.

الإنجيل (مت 5: 14– 19)

قال الرَّبُّ لتلاميذِه: أنتم نورُ العالَم. لا يمكنُ أَنْ تَخفْى مدينةٌ واقِعَةٌ على جبلٍ، ولا يُوقَدُ سِراجٌ ويُوضَعُ تحتَ المِكْيَال لكِنْ على المنارةِ ليُضِيءَ لجميع الَّذين في البيت. هكذا فليُضِئْ نورُكُم قدَّام النّاس ليَرَوْا أعمالَكُم الصَّالِحَةَ ويُمَجِّدُوا أباكُمُ الَّذي في السَّماوات. لا تَظُنُّوا أنِّي أَتيتُ لأَحُلَّ النَّاموسَ والأنبياءَ، إنّي لم آتِ لأَحُلَّ لكن لأُتمِّم.

الحقَّ أقولُ لكم إنَّهُ إلى أن تَزولَ السّماءُ والأرضُ لا يزولُ حَرْفٌ واحدٌ أو نُقطةٌ واحِدةٌ من النّاموس حتّى يَتمَّ الكلُّ. فكلُّ مَن يَحُلُّ واحِدةً من هذه الوصايا الصِّغار ويُعَلِّمُ النّاسَ هكذا، فإنَّهُ يُدعَى صغيرًا في ملكوتِ السّماوات. وأمَّا الّذي يعمَلُ ويُعلِّمُ فهذا يُدْعَى عظيمًا في ملكوت السّماوات.

حول الإنجيل

في أحد تذكار آباء المجمع المسكونيّ الرّابع (الخلقيدوني)، تقرأ علينا الكنيسة المقدّسة المقطع الإنجيليّ المسمّى بـ"نور العالم"، لتذكيرنا بأنّ آباء الكنيسة القدّيسين كانوا منارات للإيمان القويم في المسكونة، عملًا بقول الرَّبّ لنا "أنتم نور العالم". فقاوَموا البِدَع على أشكالها، وحفظوا وديعة الإيمان الّتي تَسلَّموها من الرُّسُل على مَرِّ الأزمان. وبالنّسبة للنّور في إنجيل اليوم هو فكرة محوريّة جدًّا. فمنذ البدء، خلق الله النّور بكلمةٍ منه، "فكان نور" وبعده جاءت كلّ الخلائق إلى الوجود. نلاحظ من خلال ذلك الأهميّة القُصوى للنّور في الخلق، إذ هو أساس كلّ حياة على الأرض. كما أنّنا نجد تعبير "النّور" في أسفار عديدةٍ من العهد القديم. اليوم يخاطبنا الرَّبّ يسوع ويُطلِق علينا الصّفة نفسها الّتي أطلقها على نفسه، بقَوْلِهِ لنا "أنتم نور العالم". بذلك، إنّه يساوينا بنفسه، ويرفعنا في الكرامة إلى مُستواه الشّخصيّ "إذ يكفي التّلميذ أن يكون مثل معلّمه". وهو أيضًا يضعنا في نفس مستوى الأهميّة، الّتي للنّور الطّبيعيّ في حياة الخلائق. لذلك، نحن "إذ اعتمدنا في المسيح، فقد لبسنا المسيح". بمعموديّتنا، أصبحنا أعضاء في جسده السّرّيّ أي الكنيسة، مُستنيرين من الرّأس أي المسيح لنصبح بدورنا "نورًا من نور". بمعموديّتنا، قد تخلّينا عن روح العالم، روح الخطيئة والظّلمة، واخترنا اتِّباع المسيح "نور العالم". لقد أصبحنا أبناءً لله بالنّعمة، وعلى صورة إبن الله بالجوهر "نور العالم". وبالتّالي، لا بُدَّ لِثِمار هذه البُنُوَّة أن تظهر في حياتنا. إنْ عَكَسْنا نور المسيح بإيمانٍ وصدقٍ، كُنّا فعلًا نورًا للعالم، ولا نكون كذلك لأجل أنفسنا بل لأجل حياة العالم. في الطّبيعة، لا يُضيء النّور لذاته، بل لتستضيء به كلّ الخليقة. النّور يبذل نفسه في سبيل الآخَرين، ونحن مدعوّون لحمل البشارة وصولًا إلى بذل الذّات لأجل حياة العالم.وف ىيصل

في أدب الإكليل

(للمتروبوليت جورج خضر) 

إلى أربعة قرون مَضَتْ كان الإكليل يتمّ في القدّاس الإلهيّ ككلّ أسرار الكنيسة. كان شيئًا يخصّ الجماعة كلّها وما كان حصرًا ذلك الشّيء العاطفيّ المَحصور في العائلة والأصدقاء. والعروسان يتناولان جسد الرَّبّ ودمه، والرَّبّ المُعطى في القرابين إلى الرّجل والمرأة هو الّذي يُوَحّدهما وينشئ الزّواج.

بالرّغم من انعزال الإكليل عن القدّاس في الثّلاثينات من القرن العشرين، يُقام يوم الأحد كأثر من آثار القدّاس وامتدادًا له. وقد منعت الكنيسة أن يُقام في السّبوت عشيّة الآحاد، لأنّ إقامة العلاقة الزّوجيّة عَشِيَّة المُناولة ممنوعة على النّاس جميعًا، ومِنْ بابٍ أوْلى لا يُقام العُرس. مع ذلك دخلت عادات غريبة علينا وتحوَّلت الأعراس كثيرًا إلى السّبوت.

وطغى الطّابع الدّنيويّ على الأعراس طُغيانًا كبيرًا وأخذت المسرّات بالسّهر والإسراف في الشّرب تحيط بالإكليل، وكذلك الاستقبالات الفخمة الّتي هي معثرة للفقراء، وتُبذل فيها مبالغ طائلة من المال ولا أحد يحسّ بحاجة الجائعين إلى هذا المال المَهدور؛ كأنّ هذا الرّباط المُقدَّس المُرتبط بالعفّة والخشوع يجب أن يكون مناسبة للتّفلُّت. هناك حفلات وموائد فيها الكثير من الوَقاحة وما يُعطى للكنيسة في كثرة من الأحيان نزرٌ قليلٌ يحسّ المَسؤولون عن الكنيسة على أنّه من باب "رفع العتب".

وقد طَغَتْ أيضًا عادة تزيين الكنائس في هذه المُناسبات، وهي بدعة لأنّ الكنيسة هي الّتي تزيّننا بأيقوناتها وترتيلها. كلّ شيء باطل ما عدا زينة المسيح للنّفس. ويتبع ذلك طغيان آلات التّصوير طغيانًا مزعجًا مقلقًا للصّلاة وهدوئها، كأنّ المهمّ لا أن تجري الصّلاة في حضرة الله بل أن تسجّل للذّكرى، كأنّ تسجيل الاحتفال أهمّ من الاحتفال وعمقه. هنا لا أودّ أن أناقِش الطّابع الوَثنيّ الّذي يحمله هذا التّصوير الآليّ أعني تثبيت اللّحظة العابرة الماضويّة أي التّركيز المَرَضيّ على الماضي ونضارة الماضي، وما كان يحمل من فتوّة شيء يبدو مُنافيًا لقدسيّة كلّ زمان نحن نحياه.

المسيحيّة لا تقوم على التّذكُّر بل على طاعتنا لله في الوقت الّذي نحن فيه. نحن لتذكّرنا العهد الزّوجيّ وطهارته وإخلاصه نرعى المحبّة بما تتطلّبه من شظفِ عَيْشٍ ومواجهة صعاب. ليس الإكليل لنرعاه حنينًا بالصّوَر.

غير أنّ أَفْتَكَ ما في الأعراس انتهاك الحشمة. غلاء الثّياب وجدّتها عند النّساء، وفحشها في كثير من الأحيان ظاهرة وكأن الأعراس هي المكان الأمثل لهَتْكِ طهارة العيون. إنّ الكتاب المُقدَّس يحرّض النّساء على الاحتشام الدّائم وليس فقط في المناسبات بقوله: "فأريد أن يُصَلّي الرِّجال ... وكذلك أنّ النّساء يُزيِنَّ ذواتهنَّ بلباس الحشمة مع وَرَعٍ وتعَقُّل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثّمن" (1 تيموثاوس ٢: ٩). عندما تكون الكنيسة نفسها مَعْرَضًا للأزياء فكيف يصحّ أن يقول المَرء: "عهدًا قطعت لعيني فكيف أتطلّع في عذراء؟" (أيوب ٣١: ١). ما عدا ذلك الجسد مشاع لكلّ عين نهمة.

إنّ من أدرك بهاء السِّرّ لا يستطيع أن يدنِّسه بما هو من روح العالم. الصّحو والوَرَع والهدوء هي جمالات الإكليل وبها نشارك الفرح.

أخبارنا

البطريرك يوحنا العاشر في رسالةٍ إلى البطريرك المسكوني

"نأسف لقرار الحكومة التركية الأخير بشأن كنيسة الحكمة المقدسة ونعبر عن استنكارنا وشجبنا لكل ما يمكن أن يزيف الهوية التاريخية لبلادنا".

دمشق، 13 تموز 2020.

استنكر البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس القرار التركي الأخير بشأن كنيسة الحكمة المقدسة في القسطنطينية. موقف البطريرك جاء في رسالة بعث بها إلى البطريرك المسكوني برثلماوس جاء فيها:

الأخ الكلي القداسة،

"كجلال الجَلَد العقلي أظهرت حسن المسكن المقدس السفلي مسكنِ مجدك يا رب.

فشدده إلى دهر الداهرين واستجب لنا نحن المقدمين لك فيه التضرعات بلا انقطاع بشفاعة والدة الإله

يا حياة الكل وقيامتهم.

بهذه الكلمات اختارت يراع ناظم التسابيح وصف كنيسة الحكمة المقدسة التي دشنت في القسطنطينية أواسط القرن السادس. وبهذه الكلمات دشنت كنيسة القسطنطينية المقدسة، ومعها كل مسيحيي المشرق، هذه الدرة الكنسية والمعمارية المقدسة والنفيسة ناظرةً فيها شيئاً من بهاء المسكن السماوي مسكن الله القدوس العلي. وقد بقيت الكلمات ذاتها في الليتورجيا الكنسية وكأنها تذكرنا أن مجد الأرض فيه شيء من مجد السموات مهما تسامى ذاك الآخر عليه. صحيحٌ أن مجد السموات هو مجد النفس العامرة بالتواضع لكن هذا لا يلغي أن عين الإنسان تواقة أيضاً لترى شيئاً من عظمة السماء ومن رمز السماء هنا على الأرض. إذ نقول كل هذا يرتسم أمامنا لاهوت كنيسة أنطاكية التفسيري والذي ينطلق من الملموس والعينيّ ليداني غير الملموس ويشدد على الجسد كما يشدد على الروح أيضاً.

إذ نقول كل هذا ترتسم أمامنا صورة كنيسة الحكمة المقدسة في القسطنطينية والتي يعكس مجدها الأرضي شيئاً من عظمة السماوي. نقول هذا وكلنا يعرف تاريخ هذه الكنيسة وما آلت إليه في أوائل القرن العشرين. نقول هذا ونحن نعلم نوازل وصواعد التاريخ التي أدت إلى تحويلها متحفاً في القرن الماضي.

أيها الأخ الكلي القداسة،

سمعنا وببالغ الأسف قرار الحكومة التركية تحويل كنيسة الحكمة المقدسة من الوضع الذي كانت عليه إلى جامع. نأسف لهذا القرار ونعبر عن استنكارنا وشجبنا لكل ما يمكن أن يزيف الهوية التاريخية لبلادنا. إن القرار الأخير يصب في خانة تهميش الوجود المسيحي في الشرق إن لم نقل محاولة الإجهاز على ما تبقى من دور ريادي ووجودٍ مسيحي متعايش بسلام مع بقية المكونات الدينية؛ وشواهد التاريخ على التسامح والأخوة الدينية ضمن الاحترام المتبادل هي كثيرة. يأتي هذا القرار لينسف كل الجهود التي تتطلع عبرها دول هذا الشرق لبناء دول المواطنة التي تحترم التنوع الديني وتعزز قيم العلمنة الإيجابية. فإذ به يعود إلى نكء جراحٍ تعزز ويا للأسف التطرف وإلغاء الآخر.

نحن معكم أيها الأخ الكلي القداسة في وحدة صلاة من أجل كنيستكم المقدسة ومن أجل هذا الشرق الجريح. نحن معكم في كل جهدٍ تضعونه لتعززوا وجودكم في أرضكم وأرض أجدادكم في كنيسة القسطنطينية روما الجديدة التي تربطنا إليها كل أخوةٍ ووحدة إيمانٍ بيسوع المسيح رباً ومخلصاً.

وإذ نعانق قداستكم في المسيح، ننقل إليكم تضامن مؤمنينا في كنيسة أنطاكية وسائر المشرق ونسأل الرب المخلص أن يمنحكم سنين مديدة في خدمة الرعية المقدسة موردين إياها منابع الخلاص".

انقر هنا لتحميل الملف