Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 28 حزيران 2020   

العدد 26

الأحد (3) بعد العنصرة

اللّحن 2- الإيوثينا 3

أعياد الأسبوع: *28: نقل عظام كيرُس ويوحنا العادمَا الفضّة *29: بطرس وبولس هامتا الرُّسُل *30: تذكار جامع للرُّسل الإثني عشر *1: الشَّهيدان قزما وداميانوس الماقتا الفضَّة *2: وضع ثوب والدة الإله في فلاشرنس *3: الشَّهيد ياكنثس، أناطوليوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة *4: القدِّيس أندراوس الأورشليميّ رئيس أساقفة كريت، أندره روبلاف.

كلمة الرّاعي 

ما بين البِرِّ والبراغماتيّة

"أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ" (مزمور 45: 7)

كلّ من اعتمد على اسم الثّالوث القدُّوس صار ممسوحًا للرَّبّ، مسيحًا صغيرًا مدعوًّا للنّموّ "إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ" (أفسس 4: 13). الممسوح أي المسكوب عليه روح الرَّبّ القدُّوس، ممتلئ من نعمة الإله المثلّث الأقانيم، وبالتّالي عليه أن يتجاوب مع عمل الله فيه ليصير أيقونة حيَّة للمسيح الإله المتجسِّد. الممسوح للرَّبّ يصنع البرّ ويطلبه ولا يحتمل الإثم ويمجّه، في داخله أوَّلًا وفي العالم ثانيًا...

*          *          *

البراغماتية (Pragmatism)‏ أو المذهب العمليّ هو تقليد فلسفيّ بدأ في الولايات المتّحدة حوالي عام 1870. غالبًا ما تُنسب أصول هذا المذهب إلى الفلاسفة تشارلز ساندرز بيرس (1839- 1914) وويليام جيمس (1842 - 1910) وجون ديوي (1859 - 1952). وصفه بيرس في مقولته البراغماتيّة: "فَكِّرْ في التّأثيرات العمليَّة للأدوات من خلال تصوُّرك. من ثمّ، فإنَّ تصوُّرَك لهذه التّأثيرات هو كلّ تصوّرك لتلك الأدوات". وذهب وليام جيمس إلى أن المنفعة العمليَّة هي المقياس لحقيقة الأشياء. ويؤكِّد جيمس أنّ الحقيقة هي مجرّد منهج للتّفكير، كما أنّ الخير هو منهج للعمل والسّلوك؛ فالحقُّ اليوم قد يصبح باطلًا غدًا، والايديولوجيّات المنطقيّة والثّوابت الّتي ظلّت تُعتَبر حقائق لقرون خَلَتْ ليست حقائق مطلَقة، بل ربّما أمكننا اعتبارها باطلة. ويعتقد جيمس أنَّ العمل هو مقياس الحقيقة، "فالفكرة حقَّانيّة عندما تكون مُفيدة. ومعنى ذلك أنَّ النَّفع والضَّرر هما اللَّذان يحدِّدان الأخذ بفكرة ما أو رفضها".

ويعتبر البراغماتيُّون بأنَّ الَّذي ندعوه "الحقّ" إنما هو فرضيَّة عمليَّة، أي أداة مؤقَّتة نستطيع بها أن نُحيل قطعة من الموادّ الأوّليّة إلى قطعة من النِّظام. وهذا التّعريف للعالم، يعني أنّه خاضع للتَّحوُّلات والتَّغيرُّات الدَّائمة، ولا يمكن أن يستقرَّ على حال، "فما كان حقًّا بالأمس، أي ما كان أداة صالحة أمس، قد لا يكون اليوم حقًّا. ذلك بأنّ الحقائق القديمة، كالأسلحة القديمة، تتعرَّض للصَّدأ وتغدو عديمة النَّفع". بالنّسبة للبراغماتيِّين إنّ معظم الموضوعات الفلسفيّة، مثل طبيعة المعرفة، اللّغة، المفاهيم، المعنى، المعتقد والعلوم يُنظر إليها، على أفضل وجه، من حيث استخداماتها العمليّة ونجاحاتها. من هنا، ينظر البراغماتيّون إلى المعرفة على أنّها ما ينبغي لنا أن نصدّقه ونؤمن به، أمّا القيم فما هي سوى فرضيّات حول ما هو جيّد في العمل.

*          *          *

المسيحيّة لا تنسجم مع البراغماتيّة، لا بل تتناقض معها، لأنّ غاية المسيحيّة هي الحياة الأبديّة بينما غاية العملانيَّة هي حياة هذا الدَّهر. الإنسان العملانيّ ليس عنده مبادئ ثابتة، بل تتغيَّر بحسب ما يناسب مصالحه، ومصلحة الشّخص قبل أيّ مصلحة. من هنا ترتبط البراغماتيّة بالفردانيَّة (Individualism) ارتباطًا وثيقًا، كون الفردانيّة تدعو إلى تحقيق أهداف الفرد ورغباته لتكون قِيَمُهُ مستقلةً ويكون معتمدًا على نفسه. وتعتبر الفردانيّة أنّ الدّفاع عن مصالح الفرد مسألة جذريّة يجب أن تتحقّق فوق اعتبارات الدّولة والجماعات.

العالم اليوم تتحكّم فيه الفردانيّة البراغماتيّة، ولذلك صار الإنسان المعاصِر بعيدًا عن الإيمان كون ثقافته تدفعه بعيدًا عن الآخَر غذ الآخَر ليس سوى أداة لتحقيق الغايات الفرديّة الّتي يشاؤها ويُحدِّها الفرد بحسب شهواته وأهوائه الّتي تصدر عنه أو تُزرع فيه من خلال الإعلام والإعلان...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، ليست هذه الحياة غاية بحدّ ذاتها وليس الإنسان قيمة قائمة في نفسه. الله هو أعطى الإنسان ماهيّته وحقيقته وغاية وجوده، الإنسان يحقِّق المنفعة من حياته حين يحقِّق وجوده أي حين يحيا لأجل الآخَر وليس لأجل نفسه. كلّ ما يجمعه الإنسان لذاته بعيدًا عن خالقه لا قيمة له لأنّه "بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ" (جامعة 2: 11). فقط ما يُجنى من الحبّ هو ثمرة "شجرة الحياة" (تكوين 2: 9)، ما عدا ذلك يبعث الموت في الإنسان لأنّه من ثمار "شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ".

لا ننخدعنَّ، يا أحبّائي، بما يعرضه علينا العالم من حرّيّة ومعرفة وسعادة زائفة، الحقّ يصنع حياتنا ونحن لا نصنعه، إمّا أن نأتي منه وإمّا أن نموت في ذواتنا. ليس لنا حياة في أنفسنا والعالم زائل وفانٍ... فقط الله هو كبير وهو المعنى الأخير لوجودنا...

"لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ..." (متّى 6: 33).

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الثّاني)

عندما انحدرتَ إلى المَوْت. أَيُّها الحياةُ الَّذي لا يَموت. حينئذٍ أَمَتَّ الجحيمَ بِبَرْقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَرى. صرخَ نحوكَ جميعُ القُوّاتِ السّماويّين. أَيُّها المسيحُ الإله. مُعطي الحياةِ المَجدُ لك.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (رو 5:  1-10)

قوَّتي وتسبحتي الرَّبُّ

أدبًا أدَّبني الرَّبُّ

يا إخوةُ، إذ قد بُرّرنا بالإيمان فلنا سَلامٌ معَ اللهِ بربِّنا يسوعَ المسيح، الّذي بهِ حصلَ أيضًا لنا الدُّخولُ بالإيمان إلى هذه النّعمةِ الّتي نحنُ فيها مُقيمون ومفتَخِرون في رجاءِ مجدِ الله. وليسَ هذا فقط بل أيضًا نفتَخِرُ بالشّدائدِ عالِمينَ أنّ الشِّدَّةَ تُنشئُ الصّبرَ والصّبرَ يُنشئ الاِمتحانَ والاِمتحانَ الرّجاءَ والرّجاءَ لا يُخزي. لأنَّ محبَّة اللهِ قد أُفيضَت في قلوبِنا بالرّوحِ القدسِ الّذي أُعطيَ لنا. لأنَّ المسيحَ، إذ كُنَّا بعدُ ضُعفاءَ، ماتَ في الأوانِ عنِ المنافقين ولا يكادُ أحدٌ يموتُ عن بارٍّ؛ فلعلَّ أحدًا يُقدِمُ على أن يموتَ عن صالحٍ. أما الله فيَدُلُّ على محبّتهِ لنا بِأنَّه، إذ كنَّا خطأةً بعدُ، ماتَ المسيحُ عنَّا. فبالأحرى كثيرًا إذ قد بُرّرنا بدمِه نخلُصُ بهِ من الغَضَب، لأنَّا، إذا كنَّا قد صُولِحنا معَ اللهِ بموتِ ابنِهِ ونحنُ أعداءٌ، فبالأحرى كثيرًا نَخلُصُ بحياتِه ونحنُ مصالَحون.

الإنجيل (متّى 6: 22-33) (متّى 3)

قال الرَّبُّ: سراجُ الجسدِ العينُ. فإنْ كانت عينُك بسيطةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ نيِّرًا. وإن كانت عينُك شرّيرةً فجسدُك كلُّهُ يكونُ مُظْلمًا. وإذا كان النّورُ الّذي فيك ظلامًا فالظّلامُ كم يكون! لا يستطيع أحدٌ أنْ يعبُدَ ربَّينِ، لأنُّهُ إمَّا أنْ يُبغِضَ الواحِدَ ويُحِبَّ الآخَرَ أو يلازِمَ الواحِدَ ويَرْذُلَ الآخَر. لا تقدرون أن تعبُدوا اللهَ والمالَ. فلهذا أقولُ لكم لا تهتمُّوا لأنفسِكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادِكم بما تلبَسون. أليستِ النّفسُ أفضلَ مِنَ الطّعامِ والجسَدُ أفضَلَ من اللّباس؟ أنظروا إلى طيور السّماءِ فإنَّها لا تزرعُ ولا تحصِدُ ولا تخزُنُ في الأهْراءِ وأبوكم السّماويُّ يَقوتُها. أفلستم أنتم أفضلَ منها؟ ومن منكم، إذا اهتمَّ، يقدِرُ أنْ يَزيدَ على قامتهِ ذراعًا واحدة؟ ولماذا تهتمّونَ باللّباس؟ اعتبِروا زنابقَ الحقلِ كيف تنمو. إنَّها لا تتعبُ ولا تَغْزِل، وأنا أقولُ لكم إنَّ سليمانَ نفسَه، في كلِّ مجدِه، لم يلبَسْ كواحِدَةٍ منها. فاذا كان عشبُ الحقلِ الّذي يُوجَدُ اليومَ وفي غدٍ يُطرَحُ في التَّنُّورِ يُلبِسُهُ اللهُ هكذا أفلا يُلبِسُكم بالأحرى أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكلُ أو ماذا نشربُ أو ماذا نلبَسُ، فإنَّ هذا كلَّهُ تطلُبهُ الأُمم. لأنَّ أباكُمُ السّماويَّ يعلمُ أنَّكم تحتاجون إلى هذا كلِّهِ. فاطلُبوا أوّلًا ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ وهذا كلُّهُ يُزادُ لكم.

حول الرّسالة

باكورة ثمار التّبرير نوال سلام قلبيّ من الله ما بعده سلام. هذا التّبرير الّذي نلناه نتيجة فداء المسيح للبشريّة على الصّليب. أمّا من جهّتنا نحن ما علينا سوى الإيمان. بالصّليب تصالحت البشريّة الخاطئة مع الله وزال سمّ العداوة فليس بعد ثمّة خطيئة تعطّل الاتّصال بالله. وفي (1 كورنثوس 13:13) يعتبر الرّسول بولس أنّ الإيمان والرّجاء والمحبّة لبّ الحياة المسيحيّة وأساسها. وعلى مثال المعلّم الإلهيّ ينبغي على كلّ مؤمن حقيقيّ أن يختبر حمل صليب هذه الحياة من ضيقات وشدائد وأتعاب مختلفة حتّى إذا ما صبر عليها واجتاز الامتحان بنجاح وثبات ينال الإكليل الّذي ينتظره. الأقانيم الثّلاثة اشتركت في عمل الخلاص: الآب أرسل الابن (بالتّجسّد) والابن افتدانا من لعنة النّاموس بدمه الكريم ثمّ أرسل الرّوح القدس المعزّي ليمكث مع البشريّة العاجزة الضّعيفة ويسند جهادها في معارك هذه الحياة ويقوّيها. جوهر الثّالوث القدّوس هو المحبّة وهذه المحبّة تجلّت بالتّدخُّل الإلهيّ وإنجاز الفداء على الصّليب لمعالجة خطيئة الإنسان وانفصاله عن أصله وتغرّبه عن الله حينما انقاد لغواية الحيّة (إبليس). المسيح ناب عن البشريّة بدفع ثمن الخطيئة فصار لعنةً من أجلنا حينما علّق على خشبة، وكلّ هذا بسبب فيض المحبّة الإلهيّة. هذه المحبّة الّتي دفعت المسيح لاقتبال الموت هي ذاتها الّتي أرسلت الرّوح القدس يوم العنصرة ليحيا فينا ويباركنا في كلّ يوم. فالقوّة الّتي قام بها السّيّد المسيح من الموت هي نفسها القوّة الّتي خلّصَتنا. فثق يا عزيزي المؤمن أنّك من بداية حياتك مع المسيح (بالمعموديّة)، لك ذخيرة من القوّة والمحبّة تحيا بها لتواجه تحدّيات وتجارب هذا الزّمن، إذن أنت لست متروكًا وحدك.

بين البتوليّة والعفّة

لا يميّز معظم النّاس، عمومًا، بين العفّة والبتوليّة. يعتقدون أنّ العفّة هي الامتناع عن شهوة الجسد أو الانقطاع عن الزّواج، وهكذا يخلطون بين البتوليّة والعفّة. العفّة هي طهارة القلب، هي غاية كلّ إنسان اعتمد على اسم الثّالوث القدّوس، وبدونها لا نستطيع أن نرتقي ممّا هو أرضيّ إلى ما هو سماويّ إلهيّ. هي تُدخلنا إلى عالم القيامة لأنها تُميتنا عمّا في العالم وأهوائه، وتحرّرنا من سلطة الموت. الله خلقنا على صورته كمثاله، لنحيا في القداسة والنّقاوة والبِرّ. البتوليّة هي الحالة الطّبيعيّة لإنسان ما قبل السّقوط، هي حياة الشّركة مع الله. بعد السّقوط أصبحت العفّة حالة جهاد جميع المؤمنين المتزوّجين ومنهم والمتبتّلين.

أمّا البتوليّة، فهي ليست هروبًا سلبيًّا من الزّواج وتَحَمُّل مسؤوليّة العائلة أو طلبًا للرّاحة، بل هي المسعى لعيش الحياة في طهارة القلب والنّفس والجسد. والبتول هو من ملأ حبّ المسيح قلبه وكيانه وشَغَله عن كلّ ما في نفسه أو ما يبعده عن محبوبه. هي التصاقٌ بالله من كلّ القلب والنّفس والجسد، هي تسليمُ الإنسان حياته بالكُلّيّة لله وطاعةُ كلمته، هي إفراغٌ للنّفس بالكلية وسكبها بالكُلّيّة للآخَر مِنْ حولنا، وبذلٌ دون حسابٍ أو قيد أو شرط، فلا يعود للإنسان شيء يحتفظ به لنفسه بل كلّ شيء يقدّمه لله وحده. لهذا، تختلف البتوليّة بالكُلِّيَة عن العزوبيّة المجرَّدة، لأنَّها ليست قمعًا لصوت الطّبيعة في الإنسان أو قتل ميلٍ ما في داخله، بل هي اشتمال الله بالكامل للإنسان، واستجابة الإنسان وتسليم ذاته بمحبّة كُلّيّة للرَّبّ. والإنسان لا يستطيع تمجيد الله بالحقّ إلّا بمشابهة طهارته المقدّسة، بالنّعمة، بالرّوح القدُس. فالقلب المُحبّ الله والّذي يتوق إليه دومًا دون آخر سواه، هو فقط يستطيع أن يحافظ على البتوليّة عبر الصّلاة النّقيّة.

أمّا العِفّة أو التّعفُّف فهو إحدى ثمار الرّوح القدُس. في العمق لا وجود للحبّ بدون العفّة، إذ لا يستطيع أحدٌ أن يُحبّ إن لم يكن عفيفًا، لأنّه يُصبح مُستأسَرًا لأهوائه ولأنانيّته ولرغباته ولمصالحه. الزّواج لا يحمي الإنسان، لأنّه قد يكون مجالًا واسعًا جدًّا للأنانيّة. الإنسان ضمن الزّواج يستحيل عليه أن يُحبّ شريكه ما لم يضبط أهواءه وأنانيّته ورغباته ومصالحه، ما لم يكن مُستعدًّا لأن يخرج من ذاته، أي أن يبذل، أن يضحّي، أن يمَّحي أمام من يفترض به أن يُحبَّه، ما لم ينعطف تجاهه، ما لم يقدّمه على نفسه ويحتضنه ويرعاه ويصبر عليه. وإذا كانت الزّيجات من دون حبّ تصبح، حينها، زيجات تحتضن الزّنى.

الحبّ هو الموقف العميق في القلب من الآخر، لهذا فالعفّة ليست شرطًا للحبّ بين النّاس، فقط، ولكنّها، أيضًا، شرط للحبّ بين الإنسان وخالقه.

البتوليّة، في لاهوتنا، هي أن يسكن الله فينا، أن نصبح هيكلًا وبيتًا له، هو يسكن فينا ونحن نسكن فيه. هي سُكنى الله فينا بالحبّ، وهو ليس حبًّا من طرفٍ واحد. لهذا، فالعفّة شرطٌ أساسيّ للبتوليّة، إذ هي تهيّئ الإنسان للبتوليّة لكي يقيم الله فيه. وغير السّالك في العفّة لا يقدر أن يكون بتولًا، لهذا فالعذراء مريم هيَّأت نفسها بالعفّة فحلّ عليها الرّوح القدس وأضحت بتولًا.

هكذا، كلّ من اعتمد على اسم الثّالوث القدّوس، عليه أن يسلك في العفّة ليصبح بتولًا لله على مثال مريم البتول. والعفّة تُعِدُّ الإنسان للبتوليّة، هي شرط لها. العفيف هو من يسلك في الفقر المسيحيّ، الاتّضاع، حفظ الحواس، العِشْرَة مع الله والصّلاة. هي جهد بشريّ ونعمة إلهيّة في الوقت عينه. لهذا، فالعفّة ممكنةٌ في هذا الزّمن وفي كلّ زمان، في هذا المكان وفي كلّ الأمكنة... هي حقيقة الإنسان المسيحيّ الحقّ...

انقر هنا لتحميل الملف