Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 31 أيّار 2020

العدد 22

أحد (6) بعد الفصح (آباء المجمع المسكونيّ الأوّل)

 اللّحن 6- الإيوثينا 10

أعياد الأسبوع: *31: الشَّهيد هرميوس *1: الشَّهيد يوستينوس الفيلسوف *2: نيكيفورس المعترف رئيس أساقفة القسطنطينيِّة *3: الشَّهيد لوكليانوس، الشَّهيدة باڤلا *4: مطروفانس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة، مريم ومرتا أختي لعازر *5: وداع عيد الصّعود، الشَّهيد دوروثاوس أسقف صور *6: سبت الرّاقدين، إيلاريون الجديد رئيس دير الدلماتن، الشَّهيد غلاسيوس.

كلمة الرّاعي

أن نصعد مع المسيح...

”لمّا أكمَلْتَ التَّدبير الّذي من أجلنا، وجعلـت الّذين على الأرض متّحدين بالسّماويِّين، صعدتَ بمجد أيُّها المسيح إلهنا، غير منفصل من مكان، بل ثابتًا بغير افتراق وهاتفا بأحبَّائك: أنا معكم، وليــــــس أحد عليكم“

(قنداق عيد الصّعود)

لم ينزل ابن الله الوحيد من السّماء إلّا ليَصعد إليها من جديد. نزل ليتَّخذ طبيعتنا، وصعد ليُصعدها إلى يمين الآب. الّذين على الأرض لا يعرفون إلّا ما في الأرض، وأمّا الّذي من السّماء فهو يعرف كلّ شيء ما فوق وما في الأرض وما تحت الأرض، بما أنّه الإله، ولكن بعد تجسُّده الإلهيّ صارت السّماء والأرض فيه متَّحدتَين، وبعد قيامته صار التّراب مضيئًا بنور النّعمة الإلهيّة الّتي سكبها في العنصرة على رسله في ميلاد الكنيسة.

غاية الوجود أن نكون مع الله، وهو خلقنا لنشاركه سرّ الكينونة الحقّ الّذي فيه. الإنسان دون الله خواء وفراغ وعدم، إنّه لا وجود وهو يصير موجودًا بكلمة الله وروحه... ولا يحيا في الكلمة إلّا من سكن فيه الرّوح، ولا يكمن الرّوح إلّا في من آمن بالكلمة، ومن صار مسكن الله فهو قائم في المسيح بالرّوح عن يمين الله الآب...

*          *          *

”الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا“ (تثنية 30: 14). نعم! بتجسُّد الرَّبّ سكن الكلمة فينا بالرّوح القدس، فلم تعد كلمة الوصيّة شريعة خارجيَّة بل صارت متَّحدَة بنا ونحن متّحدين بها. ”هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا (...) أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا“ (إرمياء 31: 31-33). بالمسيح تمَّم الله وعده بـ ”العهد الجديد“. نصير شعب الله متى دخلنا هذا العهد الجديد، أي متى آمنّا بتجسُّد الكلمة وموته على الصّليب ودفنه وقيامته وصعوده بالجسد وجلوسه عن يمين الآب وإرساله روحه القدّوس. هكذا اتَّحَدَتِ الأرض مع السّماء والتّرابيّون مع اللّاهَيُوليّين...

هذا ما علّمه آباء المجمع المسكونيّ الأوّل المنعقد في نيقية عام 325 م.، وهذا أساس المسيحيّة، وهذه هي الجِدَّة في الوحيدة في الخليقة والوجود. من هو في السّماء سكن الأرض كإنسان، كان فوق وكان أسفل في نفس الوقت لأنّه غير محصور ولا محدود، ومع ذلك حدّ وجوده الظّاهر أمام البشر بجسده الّذي أصبح بعد الموت والقيامة والصّعود وإرسال الرّوح القدس سرِّيَّ الحضور والوجود، لأنّه صار مطرح تجلِّي لقيا السّماء والأرض في الكنيسة المقدَّسة. هكذا، رُدمت الهوَّة بين السّماء والأرض بجسد ابن الله الوحيد، لأنّ الّذي هو غير منفصل عن الآب لا ينفصل أيضًا عن الكنيسة لأنّها جسده. اليوم، الأرض والسّماء متَّحديتين بدون انفصال أو انقسام وبدون اختلاط أو تشوّش في المسيح... هذا هو الإنسان الجديد...

*          *          *

لم يأت المسيح ابن الله المتجسِّد إلى العالم ليمنع موت الجسد بل ليهبنا القيامة العامَّة بالجسد... هذا هو انتظارنا الأخيريّ (eschatologique)، وهذا هو مبدأ حياتنا في المسيح أنّنا نأتي من فوق لأنّنا ولدنا من جرن المعموديّة، رحم الكنيسة، أبناء للدهر الآتي ونحن نعيش من اغتذائنا من ”شجرة الحياة“ أي جسد الرَّبِّ ودمه ومن النّعمة الإلهيّة الّتي تنسكب علينا من فوق لتستردَّنا من عالم السُّقوط إلى عالم الملكوت.

من آمن بالمسيح وبقي يتعاطى العالم كأنّه سرمديّ لا يمكنه أن يعرف القيامة. فقط من أدرك أنَّه بالٍ وأنّه ”تراب ورماد“ يطلب الحياة الأبديّة الّتي بالوصيّة الإلهيّة الجديدة في المسيح. خارج المسيح تبقى الوصيّة ناموسًا وربّما تصير صنمًا، أمّا في المسيح فالوصيّة روح وحياة من فوق. هكذا نصعد من ترابيّتنا ومن طينيَّتنا إلى سرّ لاهيوليّتنا بالرّوح القدس السّاكن فينا بالمسيح. ”إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا“ (2 كورنثوس 5: 17). لم يعد بإمكاننا أن نفكِّر ونعقل ونتصرّف مثل ”الإنسان العتيق“ (أفسس 4: 22) المُنفسِد بثمار الكبرياء والأنانيّة تابعًا شهوات البدن ولذَة حبّ الظّهور والمديح والإكرام وعبوديّة المال والسُّلطة الدّهريّة... هذا كلّه ”باطل وقبض الرّيح“ (جامعة 1: 14).

أيّها الأحبّاء، نصعد مع المسيح حين ننزل معه إلى جحيميّة نفوسنا وأجسادنا، لأنّنا إذا نزلنا وحدنا نموت من اليأس والإحباط، وأمّا معه فهو يكشف لنا بنوره ما في ظلمة قلوبنا وبحنانه ينقّيها مترجّيًا فينا الأمانة له والثّبات في طلب نعمته القادرة على أن تنقلنا من الأرض وتحت الأرض إلى السّماوات إلى قلب الله...

ومن له أذنان للسّمع فليسمع...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

  طروباريَّة القيامة (باللَّحن السَّادِس)

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروباريَّة الآباء (باللَّحن الثَّامِن)

أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.

طروباريَّة الصُّعود (باللَّحن الرَّابِع)

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

القنداق (باللَّحن السَّادِس)

 لـمَّا أَتْمَمْت التَّدبيرَ الّذي من أجلِنا، وجعلتَ الّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.

الرّسالة (أع 20: 16– 18، 28– 36)

مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا            

فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الّتيأقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الّتيﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.

الإنجيل (يو 17: 1– 13)

في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الّذينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.

حول الإنجيل

في المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد، صلاة يخاطب فيها الرَّبّ يسوع أباه الله الآب، يسمّي القدّيس كيرلُّس الإسكندريّ هذه الصّلاة بالكهنوتيّة، لأنّها تُعطي صدىً لذبائح العهد القديم حيث كان الكاهن يقدّمها إلى الله عن المؤمنين بعد رفع الصّلاة له. بالمُقابل نرى يسوع هنا على وشك أن يبذل جسده على الصّليب ذبيحةً عن خطايا البشريّة. يتحدّث مع الآب ويصلّي من أجل تلاميذه ومن أجل الكنيسة وشعبها قُبَيْل تأسيسها، دون أن يسمّيها.

تعلّمنا هذه الصّلاة أن نترك كلّ شيء في وقت الشّدّة ونلتجىء إلى الله، حتّى نُصلّي لا برفع أعيننا الجسديّة فقط، بل برفع أعين ذهننا ونركع بانسحاق قلبٍ، لأنّ المسيح يعلّمنا لا بالكلام بل بالفضيلة كما يقول الذّهبيّ الفم.

يرغب الرَّبّ يسوع أن يسترعي انتباه التّلاميذ بالبراهين أيضًا على أنّ الله أرسله ليؤمنوا، كما حصل في صلاته قبل إقامة لعازر بقوله "لأجل هذا الجمع الواقف قلتُ ليؤمنوا أنّك أرسلتني". يطلب يسوع من الله أن يمجّده كي يمجّده هو بدوره، ومجد يسوع الّذي يتكلّم عنه هو بالصّليب كما عبر القدّيس يوحنّا الذّهبّي الفم، إذ قبل الصّليب لم يعرفه اليهود (أشعياء 1: 3)، وأمّا بعد الصّليب أسرعت المسكونة إلى جانبه، وكأنّي بيسوع يقول مجدٌ من مجدٍ، كما حدّد لاحقًا الآباء الّذين نعيّد لهم اليوم في قانون الإيمان في المجمع المسكونيّ الأوّل: "نور من نور إله حقّ من إله حقّ" للتّعبير عن مساواة الإبن للآب في الجوهر، ردًّا على هرطقة آريوس.

يعلن يسوع للآب أنّه أتمّ العمل الّذي أولاه إيّاه الآب ومجّده كما يجب، ويقول له مجّدني كما كنت عندك ممجّدًا قبل كون العالم وسيتابع لاحقًا أنّه حصل على المجد في التّلاميذ الّذين أعطاهم له الآب، وهنا يتكلّم يسوع عن التّدبير الإلهيّ لأنّ الطّبيعة البشريّة وبحسب الذّهبيّ الفم، لم تكن قد مُجّدت ولبست عدم الفساد ولم تأخذ مكانها على العرش الإلهيّ، من هنا لم يقل على الأرض بل قال الّذي "كان لي عندك". وهنا يشرح المطران جورج خضر بقوله أنّ المسيح لو كان مجرّد مخلوق لمّا كان "قبل كون العالم".

لذلك يقول يسوع للآب: كلّ شيء لي هو لك وكلّ شيء لك هو لي. ممّا يعني أنّ الله واحد والألوهة واحدة في الآب والإبن، وإذا قلنا أنّ الله واحد، يقول المطران جورج خضر: "يظنّ النّاس أنّه ليس اثنين أو ثلاثة"، أي أنّهم يعدّون الله، ولكنّ الله لا يُعدّ وبهذا المعنى لا يجوز أن يُقال أنّه واحد، من عدّه فقد حدّهُ، ألله ليس مثله شيء وليس مثله عدد، أمّا الذّهبيّ الفم فيقول "إنّ الّذي يريد تقليل شأن الإبن سوف يقلّل من شأن الآب".

تكلّم هنا يسوع عن الحياة الأبديّة الّتيسيُعطيها بسلطان الآب للّذين أعطاهم له من البشر وهم لله الآب وقد حفظوا كلام الآب، أي حفظوا الوصايا وتعاليم يسوع الّتيهي وصايا وتعاليم الآب لأنّ الإثنين واحد وعلى اتّفاق كامل في المحبّة. والحياة الأبديّة كما يعبّر عنها يسوع هي أن يعرفوا الله الحقيقيّ ويميّزوه عن الآلهة الكاذبة الّتيللأمم وسيواجهونها عمّا قريب عندما سيرسلهم لكرازتها، لذلك يريد أن يعرفوا اسمه، ذلك إذا عرفوا يسوع أنّه مرسل من الله ومنه خرج، وخروج يسوع من الآب هو سرّ الولادة الأزليّة.

يركز يسوع أيضًا على التّلاميذ أنّهم أُعطيوا له من الآب ليشرح لهم علاقة المحبّة والوحدة والتّواضع بين الآب والإبن، علاقة المحبّة هذه والتّواضع هي أساس الكرازة وإيمان أبناء الكنيسة .

كما يعود ويسأل الآب من أجلهم، ويقول أنّه لا يسأل من أجل العالم بل من أجل التّلاميذ، لأنّ التّلاميذ لاحقًا سيبشّرون العالم. مفسّرًا الذّهبيّ الفم هذا الكلام كلّه أنّه قيل نسبة لضعفهم الرّوحيّ. ويهمّ الرَّبّ أن تُحفظ مبادىء البشارة الّتيستكرز بيسوع المخلّص الإله والإنسان.

يظهر جليًّا أنّ يسوع يتكلّم مع أبيه كما لو كان قد صعد إلى السّماء بقوله: "ولست أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم، وأنا آتي إليك". يُظهر يسوع اهتمامه وعنايته الشّديدين بتلاميذه كما لو كانوا أمانة من الله الآب وضعهم بين يديّ يسوع، ممّا يدلّ أنّ عمل أي من الآب والإبن لم يكن غائبًا أحدٌ منهما عنه. وما يترجمه هذا الكلام هو أنّ الكنيسة المزمعة أن تنشأ والّذين يعتمدون باسم الثّالوث سيشكّلونها، ولكنّ يسوع حتّى بعد ذهابه إلى الآب "وأنا آتي إليك" هو باقٍ "وأنا معكم إلى انقضاء الدّهر" (متّى ٢٨: ٢٠).

بعد إعلان يسوع لأبيه أنّ التّلاميذ قبلوا وآمنوا بالله الحقيقيّ وعرفوا اسمه وتعرّفوا إلى يسوع، يطلب حفظهم بإسم الإله الّذي أُعلِن لهم، حفظهم في رباط الوحدة على مثال وحدة الآب والإبن، حتّى لا يميل أحدهم إلى الشّرّ ويخرج عن الجماعة فيهلك كما حصل مع يهوذا دون أن يسمّيه ومعبّرًا عنه "بإبن الهلاك"، كما تنبّأ عنه الكتاب، وكثيرون غير يهوذا يشملهم هذا الكلام عن الهلاك. لأنّ الرَّبّ أتى لأجل خلاص الإنسان لا هلاكه. يقول الرَّبّ يسوع هذا الكلام، بحسب الذّهبيّ الفم، بطريقة بشريّة وطبقًا لنضوج التّلاميذ الرّوحيّ.

ينتهي المقطع الإنجيليّ بكلام يسوع عن الفرح الكامل له بالتّلاميذ،كي لا يضطربوا كونهم ما زالوا ضعفاء روحيًّا وبحاجة إلى فرح وهدوء كما يفسّر الذّهبيّ الفم. لأنّ لا فرح حقيقيّ إلّا فرح الرَّبّ بتتميم عمله ومشيئته في الإنسان، على غرار إتمامه للعمل الّذي أعطاه إيّاه الآب.

الإدانة والأنانيّة

يقول القدّيس أمبروسيوس أوبتينا: "إنّ أصل كلّ شرٍّ هو الأنانيّة والتّصلُّب ممزوجَين بالحسد وضلال العدوّ". بالتّالي، يجب أن نجاهد بإصرارٍ لاقتلاع هذا الجذر الشّرّير عن طريق التّواضع والطّاعة، مُقلِّدين الرّبّ نفسه الّذي واضع ذاته على صورة عبدٍ وأطاع حتّى الموت، موت الصّليب.

لهذا، نحن بحاجةٍ قبل كلّ شيءٍ إلى التّواضع كما قال أحد الشّيوخ كي لا نستكبر ونقع في الإدانة الّتيوقع فيها الفرّيسيّ بإدانته للعشّار بسبب كبريائه. يعلّم القدّيس دوروثيوس الغزّاويّ أنّ الكبرياء نوعان: الأوّل هو إزدراء الإنسان للآخر واعتباره كأنّه لا شيء وبمرتبةٍ أدنى، والّذي يوصله في حال عدم انتباهه لنفسه إلى النّوع الثّاني وهو أن يقوم الإنسان ضدّ الله نفسه وأن ينسب الأعمال الصّالحة إلى نفسه لا إلى الله. كذلك يعلّم أنّ التّواضع نوعان أيضًا: الأوّل هو أن نحسب أخانا أكثر منّا ذكاءً وأرفع مستوى في كلّ شيء، والثّاني هو أن ننسب إلى الله الأعمال الصّالحة.

"المحبّة تبني والتّواضع يحفظ". هذا هو الزّوج الجليل لمملكة الفضائل. هذا هو معيار صدق فضائلنا وصفائها. لننتبهنّ، إذًا، كي لا نَدين أيّ أحد. فالله، كما يعلّم الشّيخ أفرام أريزونا، يسمح بأن يقع الإنسان الّذي يَدين كي يتعلّم الشّفقة على أخيه الضّعيف. إنّ نعمة الله تعضدنا جميعنا، ولكنّه سيرفع نعمته عنّا ونصبح أسوأ حالًا من الآخرين إذا استكبرنا. ينبغي على كلّ واحدٍ أن يحمل ضعفات الآخرين. لا أحد منّا كاملٌ. كلّنا مرضى، ومن يَدين أخاه لا يدرك أنّه مريضٌ هو أيضًا، لأنّ المريض لا يَدين مريضًا آخر. لننتبه إلى أخطائنا، فهذه تكفي لتسبّب لنا الألم، ولنَدِنْ ذواتنا فنجد رحمةً ونعمةً من الله. لذلك اعتاد الآباء القدّيسون انتقاد فعل إدانة خطايا الآخرين وعيوبهم وشرورهم.

عندما نَدين أخانا نَدين أنفسنا كما قال الرّبّ يسوع نفسه: "لا تَدينوا لكي لا تُدانوا" (متّى 1:7). وعندما يتبادر إلى ذهنك فكر إدانةٍ سارع إلى القول بانتباهٍ: "هبني يا ربّ أن أعرف ذنوبي وألّا أدين أخي" كما يعلّم القدّيس نكتاريوس أوبتينا.

أخبارنا

رسامة الأرشيدياكون إرمياء (عزّام) كاهنًا على مذبح كاتدرائيّة القديس نيقولاوس- الميدان في زحلة

ترأّس صاحب السّيادة المتروبوليت أنطونيوس (الصّوري) راعي الأبرشيّة، بمشاركة صاحب السّيادة المتروبوليت سلوان (موسى) راعي أبرشيّة جُبيل والبترون وما إليهما (جبل لبنان) الجزيلي الاحترام، سحريّة وقدّاس عيد الصّعود الإلهيّ صباح يوم الخميس الواقع فيه ٢٨ آيار ٢٠٢٠ في كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبي- زحلة.

وقد شَرْطَنَ سيادته، خلال القدّاس، بوضع يده الأرشيدياكون إرمياء (عزّام) كاهنًا لله العليّ على مذبح كاتدرائيّة القدّيس نيقولاوس العجائبيّ- الميدان في زحلة.

كما شارك في الخدمة من خارج الأبرشيّة الأرشمندريت رومانوس حنّات رئيس دير سيّدة البلمند-البطريركيّ والأرشمندريت مكسيم الجمل والاكسرخوس إدوار شحادة كاهن رعية كفرمشكي والأب اسحق جريج من كوسبا، بالإضافة إلى الأرشمندريت جورج معلوف وكهنة آخرين وشمامسة وإيبوذياكونيّة.

وحضر الأرشمندريت برثانيوس أبو حيدر مدبّر دير سيّدة النّاطور في أنفة، وعدد من خدّام الكنيسة وطلّاب اللّاهوت من معهد القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ-البلمند، مع كهنة من أبرشيّات أخرى وكهنة الأبرشية.

خدمت القدّاس الإلهيّ جوقة الأبرشيّة، بقيادة المتقدّم في الكهنة جورج معلوف، وجوقة مؤلّفة من أعضاء في جوقة أبرشيّة طرابلس بقيادة المرتل طوني نصر. وقد شارك في القداس الإلهيّ أهل الكاهن الجديد وعدد من أصدقائه ومن أبناء الرّعيّة والأبرشيّة. وقد قامت محطّة التّيليلومييار بتصوير الخدمة لبثّها لاحقًا، وقام أعضاء مجلس الرّعيّة بتنظيم هذا الاحتفال الكنسيّ ومائدة المحبّة. فالشّكر لله على الجميع وعلى كلّ شيء، وندعو بخدمة مباركة وكهنوت مقدّس في فرح الرَّبّ ونعمته للكاهن الجديد.

انقر هنا لتحميل الملف