Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد 8 آذار 2020    

العدد 10

الأحد الأوّل من الصّوم (الأرثوذكسيّة)

اللّحن 5- الإيوثينا 5

أعياد الأسبوع: *8: (أحد الأرثوذكسيّة)، ثاوفيلكتوس أسقف نيقوميذيّة *9: القدّيسون الأربعون المستشهدون في سبسطية *10: الشّهيد كدراتُس ورفقته *11: صفرونيوس بطريرك أورشليم *12: ثاوفانس المُعترف، غريغوريوس الذّيالوغوس بابا رومية، سمعان اللاهوتي الحديث *13: المديح الثّاني، نقل عظام نيكيفورس بطريرك القسطنطينيّة *14: البارّ بنادكتس، البارّ ألكسندروس.

كلمة الرّاعي

أحد استقامة الرأي

” يَحْفَظُنِي الْكَمَالُ وَالاسْتِقَامَةُ، لأَنِّي انْتَظَرْتُكَ“

(مزمور 25: 21)

استقامة الإيمان نعمة من الله، ثمنها الطّاعة الكاملة للرَّبّ في الوصيّة الإلهيّة بالرّوح القدس ...

الرَّبُّ يُنعم على طالبيه الصّادقين ”بروحه الرّئاسيّ“ (مزمور 51: 12) الّذي يُجدِّد فيهم، باستمرار، روح الاستقامة. واستقامة الإيمان أمانة كلّيّة في نقاوة الحبّ لله، إذ يتبتَّل المؤمن للرَّبّ في طلب حياته منه بتَنَزُّلِ النّعمة الثالوثيّة عليه من فوق ...

لا مكان في القلب لغير الله، هذه هي استقامة العقيدة والحياة والجهاد ...

*          *          *

في كلّ سنة نعود، في الأحد الأوّل من الصّوم الكبير المقدَّس، إلى الاحتفال باستقامة الرّأي أو ”أحد الأرثوذكسيّة“، كما نسمّيه. ليس الموضوع مسألة تكرار لأحداث مضت في التّاريخ وكان لها أثر في تحديد إيمان الكنيسة وعقيدتها، الموضوع هو مسألة استمراريّة في جِدَّة الحياة باستقامة الرّأي. لا نكرِّر الذِّكرى، في الكنيسة، لما مضى بل نأوّنه (on l’actualise) أو بالأحرى نستحضره في أبديّة حياتنا اليوميّة في سرِّ الرّوح القدس الحاضِر والفاعِل أبدًا في كنيسة المسيح ...

ليست العقيدة مسألة نظريّة أو فلسفيّة للنّقاش أو التّفكُّر بل هي اقتبال كشف الله عن ذاته كما نطق به الرّوح القدس في الكنيسة المُقدَّسَة بآبائها وفي حياتهم وحياة الشّعب المؤمن. العقيدة تمسُّ خلاص الإنسان الأبديّ، ليست مسألة يستطيع الإنسان أن يُساوِم عليها أو يُقيم حولها تسويات بشريّة، لأنّها ثمرة الكشف النّهائيّ لله عن ذاته في المسيح الّذي أزال الحجاب عن ”الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ“ (يهوذا 1: 3). لم نعد بحاجة أن نعرف شيئًا آخَر غير ما سُلِّم إلينا لنخلُص، ”لقد تمّ“ (يوحنّا 19: 30) كلّ شيء واستُعلِن حين أسلم يسوع الرّوح إلى العالم بالكنيسة المقدّسة- جسده وفيها! ...

*          *          *

أحد الأرثوذكسيّة هو انتقال الإنسان المؤمن بالمسيح من كونه أيقونة غير مكتملة للرَّبّ إلى أيقونة حيّة في المسيح وبه، مكمَّلة بواسطة الرّوح القدس. المسيحيّ ليس مخيَّرًا أن يكون أيقونة للرَّبّ أم لا، هو صار التّحقيق الواقعيّ، في هذا الدَّهر، لحقيقة الإنسان الأخرويّة (Eschatologique)، إذ سكن فيه روح الرّبّ بعد أن لبس المسيح في المعموديّة. سرّ تجسُّد الإله تحقَّقت غايته بتألّه الإنسان في يسوع ابن الإنسان ليصير باكورة البشريّة الجديدة الّتي على مثال الله. ”وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ“ (1 تيموثاوس 3: 16). المسيح لم يعرف خطيئة، ومع ذلك صار خطيئة لأجلنا ليحرِّرَنا من سلطان الخطيئة لكي يبرِّرنا معه بروحه القدّوس السّاكن فينا إذا ما أطعناه منقادين بحبّه إلى ارتقاء الصّليب جسرًا يصلنا بملكوت السّماوات، منذ الآن، في سرّ ”إخلاء الذّات“ (فيليبي 2: 5—11)...

*          *          *

أيها الأحبّاء، الإيمان المستقيم لا يعني انغلاقًا على الذّات الفرديّة أو الجماعيّة في قوقعةٍ ديّانة للآخرين، بل بالعكس هو انفتاح في الحقّ المتجلِّي بالمحبَّة الّتي تطلب خلاص الآخَر من خلال إصلاح الذّات انطلاقًا من الدّور الكونيّ للمؤمن في سرّ حقيقته كمجسِّدٍ لاتّحاد السّماء والأرض في المسيح يسوع الإله-الإنسان ... وكباكورة للخليقة الجديدة في ابن الإنسان وابن الله ...

”إِنَّ هذِهِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلاَ بَعِيدَةً مِنْكَ (...) بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا“ (تثنية 30: 10—14).

من اقتبل روح الرّبّ ساكنًا فيه، يطرد من نفسه كلّ عشق آخَر غير عشق الله. لذلك، هو يعرف الله كيانيًّا بالوحدة معه في استباق تذوّق ملكوت الدّهر الآتي، وبالتّالي، لا يمكنه أن يحيد عن الحقّ المُعلَن مرّة وإلى الأبد في الإيمان لأنّه لا يطلب مجدًا من النّاس بل مجد الله ... ومجد الله أن تصير أيقونته، الإنسان، على مثاله في يسوع المسيح ...

ومن استطاع أن يقبل فليقبل! ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الخامس)

لِنُسَبِّحْ نحنُ المُؤمنينَ ونسجُدْ للكلمة. المُساوي للآبِ والرُّوحِ في الأزَليّةِ وعدمِ الابتداء. المَوْلودِ مَنَ العذراء لِخلاصِنا. لأنّه سُرَّ أن يَعلُوَ بالجَسَدِ على الصَّليب. ويحتمِلَ المَوْت. ويُنهِضَ المَوْتى بقيامتِهِ المَجيدة.

طروباريّة أحد الأرثوذكسيّة (باللّحن الثّاني)

لصورتِكَ الطّاهرة نسجدُ أيّها الصّالح، طالبينَ غُفرانَ الخطايا أيُّها المسيحُ إلهنا. لأنّكَ سُررتَ أن ترتفعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا لتُنجَّيَ الّذينَ خَلَقْتَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ. فلذلكِ نهتِفُ إليكَ بشُكر: لقد ملأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم.

القنداق (باللّحن الثّامن)

إِنِّي أَنا عبدُكِ يا والدةَ الإله، أَكتُبُ لكِ راياتِ الغَلَبَة يا جُنديَّةً محامِيَة، وأُقَدِّمُ لكِ الشُّكْرَ كَمُنْقِذَةٍ مِنَ الشَّدائِد. لكنْ، بما أَنَّ لكِ العِزَّةَ الَّتي لا تُحارَبِ، أَعتقيني من صُنوفِ الشَّدِائِد، حتَّى أَصرُخَ إِليكِ: إِفرحي يا عروسةً لا عروسَ لها.

الرّسالة (عب 11: 24-26، 32-40)

مبارَكٌ أنتَ يا رَبُّ إلهَ آبائنا

لأنَكَ عَدْلٌ في كلِّ ما صنعتَ بِنا  

يا إخوة، بالإيمانِ موسى لمّا كَبُرَ أبى أن يُدعى ابنّا لاِبنةِ فرِعَون، مُختارًا الشَّقاءَ مع شعبِ اللهِ على التَّمَتع الوقتيّ بالخطيئة، ومُعتَبِرًا عارَ المسيح غنىً أعظمَ من كنوزِ مِصر، لأنّه نظر إلى الثَّواب. وماذا أقولُ أيضًا؟ إنّه يَضيقُ بِيَ الوقتُ إنْ أخبرتُ عن جِدعَونَ وباراقَ وشَمشونَ ويَفتاحَ وداودَ وصموئيلَ والأنبياء، الّذين بالإيمانِ قَهَروا الممالكَ وعمِلوا البِرَّ ونالوا المواعدَ، وسَدُّوا أفواهَ الأسود، وأطفأوا حِدَّة النّارِ، ونجَوا من حَدِّ السَّيف، وتقوَّوا من ضُعفٍ، وصاروا أشِداّءَ في الحروبِ، وكَسَرُوا مُعْسْكَراتِ الأجانب. وأخَذَتْ نِساءٌ أمواتَهُنَّ بالقيامة. وعُذِبَ آخرُون بتوتير الأعضاءِ والضَّرب. ولم يَقْبَلُوا بالنَّجاةِ ليَحْصَلُوا على قيامةٍ أفضل. وآخرون ذاقُوا الهُزْءَ والجَلْدَ والقُيودَ أيضًا والسِّجن. ورُجِموا ونُشِروا وامتُحِنوا، وماتوا بِحَدِّ السَّيف. وساحوا في جُلودِ غَنَمٍ ومَعزٍ، وهم مُعْوَزونَ مُضايَقونَ مَجهودون (ولم يَكُنِ العالم مستحقًّا لهم). وكانوا تائهين في البراري والجبالِ والمغاور وكهوف الأرض. فهؤلاء كُلُّهم مشهودًا لهم بالإيمانِ لم ينالوا الموعد، لأنّ الله سَبَقَ فنظر لنا شيئًا أفضل، أن لا يَكمُلوا بدونِنا.

الإنجيل (يو 1: 44-52)

في ذلك الزّمان، أراد يسوعُ الخروجَ إلى الجليل، فوجد فيلبُّسَ فقال له: "اتبَعْني". وكان فيلِبُّسُ من بيتَ صيدا من مدينةِ أندراوسَ وبطرس. فوجد فيلِبُّسُ نثنائيلَ فقال له: "إنّ الّذي كتبَ عنه موسى في النَّاموس والأنبياءِ قد وَجَدْنَاهُ، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الّذي من النَّاصِرَة". فقال له نثنائيلُ: أَمِنَ النّاصرةِ يمكنُ أن يكونَ شيءٌ صالح! فقال له فيلِبُّسُ: "تعالَ وانظر". فرأى يسوعُ نَثَنائيلَ مُقبلًا إليه، فقال عنه: "هُوَذا إسرائيليٌّ حقًّا لا غِشَّ فيه" فقال له نثنائيلُ: "مِنْ أين تَعرِفُنِي؟ أجابَ يسوعُ وقال له: "قَبْلَ أن يدعوَكَ فيلِبُّسُ وأنتَ تحت التّينةِ رأيتُك". أجاب نثنائيلُ وقال له: "يا معلِّمُ، أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل". أجاب يسوعُ وقال له: "لأنّي قلتُ لكَ إنّي رأيتُكَ تحت التّينةِ آمنت. إنّك ستُعاينُ أعظمَ من هذا". وقال له: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم، إنّكم من الآنَ تَرَونَ السَّماءَ مفتوحة، وملائكةَ اللهِ يصعدون وينـزلون على ابنِ البشر.

الأحد الأوّل من الصّوم

تخصّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الأحد الأوّل من الصّوم للإيقونات. لماذا وضعت الكنيسة عيدًا للإيقونات مع أحد الأرثوذكسيّة؟

استشهد آلاف من المؤمنين دفاعًا عن الإيقونة في اضطهاد دام قرابة 120 سنة، على مرحلتين، استشهد فيه الكثير من الإكليروس والرّجال والنّساء والأولاد. السّؤال الّذي قد يخطر على بالنا هنا، أتستحقّ الإيقونة المؤلّفة من خشب وألوان أن يموت من أجلها المسيحيّون؟

لا شكّ أن استشهادهم لم يكن دفاعًا عن الإيقونة بشكلٍ حصريّ إنّما من أجل العقيدة، أي تعاليم الكنيسة، كيف؟ لأنّ الطّرح الأساسيّ هو إذا كان بمقدورنا أن نرسم الرَّبّ يسوع أم لا. الفريق الأرثوذكسيّ يعلم أنّ عدم السّماح برسم الرّبّ يسوع على الإيقونة يحمل دلالات خطيرة، أي بمعنى آخر الّذي وُلد من العذراء هو ليس ابن الله، بالتّالي التّجسُّد لم يحصل، بالتّالي الّذي نرسمه ليس ابن الله. بهذا يضربون مشروع الله الخلاصيّ للإنسان. وهذا يُناقد ما قاله يوحنّا الرَّسول في رسالته الأولى عن الرَّبّ يسوع:" اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ." (1 يو 1:1)

ضف على ذلك أنّ الكتاب المقدَّس هو غير صحيح لأنّه يتكلّم عن الرّبّ يسوع الإله المتجسِّد. أخيرًا يعني أنّ الكنيسة ومعظم ما صدر عنها هو خطأ.

لهذا السّبب دافع المؤمنون عن الإيقونات، فالإيقونات هي مَثَلْ واحد عن أهميّة الدِّفاع عن العقيدة المستقيمة. لماذا؟ لأنّ العقائد المشوَّهة أو المنحرفة، تؤدّي إلى إيمانٍ مُنحرفٍ، والإيمان المنحرف يؤدّي إلى ممارساتٍ مُنحَرفة، والممارسات المنحرفة تؤدّي إلى طريقٍ منحرف، أي طريق الخلاص الّذي رسمه لنا الرَّبّ يسوع.

 إذًا الصّوم الحقيقيّ هو في الإيمان الحقيقيّ، لذلك وضعت الكنيسة عيدًا للإيقونات في الأحد الأوّل من الصّوم وأسمته أحد الأرثوذكسيّة. نختم هنا بحادثة جرت مع القدّيس مكسيموس المعترف، الّذي كان يدافع عن العقيدة المستقيمة، عندما التقى بالبطريرك المسكونيّ، حيث قال له الأخير: "أيعقل أنّ الكنيسة أجمع مع الإمبراطور هم على خطأ وأنت على حقّ". فرّد القدّيس: "الكنيسة الحقيقيّة هي الإيمان القويم بالرّبّ يسوع المسيح" آمين. 

الإلحاد

الإلحاد مجموعة أفكارٍ سلبيّة تعكس أنّ لا إله للكون. لا يشكلّ الإلحاد مذهبًا بل موقفًا ضدّ وجود الله، ولا يُدافع المُلحِدُون عن موقفهم بقدر ما يطلبون من المؤمنين تقديم المبرّرات لوجود الله.

المُلحد إمّا يرفض وجود الله، بالرُّغم من الاعتراف الضّمنيّ لديه بوجوده، أو ينفي وجوده ويرفض النّقاش بالموضوع. كلمة "إلحاد" ليست مناقضة لكلمة إيمان، لأنّ الإلحاد يعبد الذّات ويتّخذ من بعض الأصنام مركزًا للعبادة، ليصبح الإنسان، المادّة، الوجود والطّبيعة برأيه هي مركز الكون، لذلك فإنّ المُلحِد أقرب إلى الوثنيّة. بينما يقوم الإيمان على على معرفة الله والإيمان به على أنّه مصدر الخليقة والكون والإنسان، أي أنّ الله هو الخالق.

الله يدبّر ويعتني بالإنسان والخليقة، لم يبقَ بعيدًا عن الإنسان بل افتقده دائمًا منذ آدم وحوّاء، وعلى أفواه أنبيائه، وتجسّد فصار إنسانًا، ووُلد في مذودٍ من امرأةٍ تحت النّاموس كي ننال التّبنّي، وعاش ومات على الصّليب وقام من بين الأموات في اليوم الثّالث.

غاية الإيمان خلاص الإنسان، بينما غاية الإلحاد المادّة والتّاريخ بحسب ماركس أو الوجود بحسب سارتر. حدود الإلحاد هذا العالم الّذي لن يعرفه ويعرف غايته، بينما غاية الله هو حبّ الإنسان وخلاصه، وأن يؤمن الإنسان بالحياة العتيدة. لذلك وبالرُّغم من أنّ المُلحدين لا يهتمّون بالإيمان ويرفضون وجود الله، فإنّ الله والإيمان يهتمّ بالإنسان وخاصّةً الخاطئ والمريض والمُلحد، لأنّ "الله يريد الجميع أن يخلصوا وإلى معرفة الحَقّ يُقبلوا" (١ تيموثاوس ٢: ٤).

إذا قرأ المُلحِد الإنجيل، يقرأه من خلال خلفيّته الفكريّة ويبقى السّتار مسدولًا أمامه، فلا يشعر بنعمة الله المنبعثة منه إلى المؤمن، وعَلَّ النِّعمة تلمس قلبه إذا كان مُصرًّا على معرفة الكلمة الإلهيّة.

ذلك أنّه حتمًا سيقرأ عن القدّيس الرَّسول توما الّذي شكّك بقيامة المسيح، إلى أن يُعاينه شخصيًّا ويرى أثر المسامير والأشواك ويضع إصبعه في جنبه (يوحنا ٢٠: ٢٥). شكّك توما إلى حَدّ الإلحاد، ولكنّ شكّه كان منهجيًّا، غايته الإيمان. بينما المُلحِد ومن خلال إلحاده، نَراه قلبًا مقفلًا لا غاية عنده من إلحاده، فهو يرفض وجود الله ولا ينتظر رؤيته. لأنّه لا يُريد انقشاع الرّؤية وفتح بصيرته، لأنّ حبّ الذّات والأنانيّة والكبرياء لن تولِّد إيمانًا بالله بل عبادةً للذّات والحرّيّة الشّخصيّة المقَنّعة.

وهكذا يُناقِض المُلحِد نفسه، فمِن جهةٍ يقبل بالبحث الفلسفيّ والتّحليل النّفسيّ، على أسس مُسبقة يعتمدها، ومن جهة يرفض البحث عن الله، وإذا قبل البحث عن الله يقبله بأفكارٍ مُسبقة عن رفضه.

وبالرّغم من ذلك يواجه الدّين ورجال الدّين بالاضطهاد والتّجريح والقتل. لديه مآخذ سلبيّة عن رجال الدّين، وينظر على أنّهم لا يمثّلون تعاليم الإنجيل ولا يجسّدون وَصاياه، متّهمًا إيّاهم بالدّجل والفرّيسيّة.

لا شكّ أنّ موقف المُلحِد هو موقف المؤمن العادي، الّذي يتذرّع بهذه الحجج. ومَن قال أنّ الإنسان سواءً كان مؤمنًا عاديًّا أو رجل دين، هو إنسان كامل، ألم يقل الرَّسول بولس "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية ٣: ٢٣).  فلماذا يُمارِس المُلحِد وغيره دينونة النّاس، ومَن أقامه عليهم ديّانًا.

انقر هنا لتحميل الملف