Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*الشّهيد إيليان الحمصيّ *القدّيس فوتيوس المعترِف، بطريرك القسطنطينيّة *أبونا الجليل في القدّيسين بوكولوس، أسقف إزمير *الشّهداء فاوستا وأفيلاسيوس ومكسيموس *الشّهيدان دوروثية وثيوفيلوس *الشّهيدان فاوستا وباسيليوس *القدّيسان البارّان برصنوفيوس الكبير ويوحنّا النّبيّ *القدّيس البارّ يعقوب القورشيّ.

*        *        *

✤ القدّيسان البارّان برصنوفيوس الكبير ويوحنّا النّبيّ ✤

القدّيس برصنوفيوس من أصل مصري. اقتبل الحياة النسكية شاباً. مرّ يوماً بميدان من ميادين السباق فدخل وتفرّج. لما رأى اللاعبين يتبارون قال لنفسه: “انظر كم يتعب هؤلاء المتبارون ليحظوا بأكاليل تفنى. ألا ينبغي علينا، نحن ورثة ملكوت السموات، أن نتعب أكثر منهم؟ للحال ترك ميدان السباق متحرّقاً إلى سعي أعظم من سعي أولئك.

لا نعرف ما إذا كان قد دخل أحد الديورة المصرية. لا يتبيّن من المحفوظات سوى أنه كان راهباً في فلسطين. خرج إلى الأراضي المقدّسة حاجاً فبقي هناك. انضوى، أول أمره، تحت لواء شيخ اسمه مركللوس. وإذ ارتقى سلّم الفضائل انتقل إلى قلال أخرى بعيداً عن عيون الناس لينصرف إلى الصلاة والتأمل. فلما بلغ نقاوة القلب ووطئ أرض اللاهوى جاء إلى دير الأنبا ساريدوس بقرب غزّة. استقر هناك في قلاية معزولة خارج الدير لا يستقبل إنساناً مدة خمسين عاماً. وحده الأنبا ساريدوس كان يأتيه، مرة كل أسبوع، حاملاً القدسات وبعض الطعام، ثلاث خبزات وقليلاً من الماء. ولكن كثيراً ما كان برصنوفيوس يسكر بالدمع اللطيف المنحدر من مقلتيه وتخطفه التأمّلات المباركة حتى لينسى الطعام والشراب الأسبوع برمّته. فيما بعد قال عن نفسه كعن إنسان آخر: يشهد عليّ ابن الله أني أعرف رجلاً، هنا في هذا الدير، بإمكانه أن يقيم بلا طعام ولا شراب ولا كساء إلى مجيء السيد. لا شيء ينقصه البتّة، فطعامه وشرابه وكساؤه هو الروح القدس.

إذ كان الأنبا ساريدوس يأتيه مرة كل أسبوع، أخذ برصنوفيوس يملي عليه تعليمه لأبنائه الروحيين، من الرهبان وأهل العالم، ممن كانوا يكتبون إليه ليسألوه النصح والإرشاد. لما بدأ يملي رسائله على ساريدوس، لم يكن لهذا الأخير ورق ومداد فاضطرب. كيف يحفظ في ذهنه كل هذا الكلام الذي يمليه عليه الشيخ!؟ فقال له برصنوفيوس: “عد ودوّن ما سمعته ولا تخف، لن يسمح الروح القدس أن تكتب أكثر ولا أقل مما سمعت ولا كلمة واحدة. هو يسوسك لتدوّن كل شيء بلياقة وترتيب”.

ثبت برصنوفيوس على صخرة التواضع فامتلأ من محبة الله. صار قلبه يطفح رأفة لكل الذين يتّصلون به. صار على مثال الآب في محبته، كلّه انتباه واهتمام بأحبّته. يشجعهم، يعزّيهم، يوبّخهم، يشاركهم الأفراح والأتعاب، يستر خطاياهم ويأخذها على عاتقه. بصلاته وتعليمه، اعتاد أن يعطي أبناءه الحياة الحقيقة ويعدهم أنه سيقف في يوم الدينونة أمام عرش الديّان ليعلن أمام الملائكة: “هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله”. بمثل هذه الثقة، كان برصنوفيوس يغفر باسم الله لأولئك الذين يعترفون لديه رغم أنه لم يكن كاهناً. أيضاً كان ينبئ بالمستقبلات ويشفي أمراض تلاميذه. كثر هم الذين استعادوا عافيتهم أو تحرّروا من أهوائهم بمجرد لبسهم قلنسوته أو لمسهم الهدايا التي كان يرسلها إليهم. أعظم مواهب الروح القدس فيه كانت التمييز والتعليم الروحي. هذا التعليم بقي حياً عبر القرون الغابرة ولا يزال هادياً لكل الذين يقرأون مجموعة رسائله اليوم.

ما نقله برصنوفيوس إلى تلاميذه، بصورة أخص، كان شريعة الحريّة التي يقتنيها صاحبها إذا ما تحرّر من هموم هذا الدهر ومات عن نفسه وعن كل إنسان ليُقبل بجملته على ذكر الله بثقة وفرح. علّم إلا يقيس أحد نفسه أو يعتبر نفسه شيئاً. بالأحرى أن يلجأ، كل حين، إلى عمل النعمة الإلهية لتشفع فيه لدى الله عن ضعفه. لم يكن يخجل من إطلاع تلاميذه على الحروب التي خاضها قبل أن يبلغ الهدوء الكامل. لكنه كان شديد التحفظ بشأن نعم الله عليه. مع ذلك كان يشير بصورة عابرة إلى الرؤى والانخطافات ناسباً إياها لشخص يعرفه. على هذا النحو تحدّث عن معرفته بإنسان بلغ السماء السابعة. قال أيضاً: “أعرف خادماً لله، في هذا المكان المبارك، يقدر أن يقيم الموتى ويطرد الشياطين ويشفي الميؤوس من شفائهم ويضع حدّاً للحروب ويغلق السماء ويفتحها كإيليا”.

في العام 542/543 م اجتاح الطاعون الإمبراطورية. كثيرون طلبوا صلاته. ذكر، متوارياً، في إحدى رسائله، في المناسبة (الرسالة 569)، إنه أحد الرجال الثلاثةالذين بلغوا الكمال في العالم وتخطّوا الطبيعة البشرية فأُعطوا سلطاناً على الحلّ والربط. هؤلاء يقفون على الركام ليحولوا دون إفناء العالم بالضربة القاضية، وبفضل صلاتهم يؤدب الله برحمة.

بعض الرهبان، في ذلك الزمان، شكّ بوجود برصنوفيوس وقال إن الأنبا ساريدوس هو الذي اخترعه تأكيداً لسلطانه. تبديداً لمثل هذه الظنون فتح برصنوفيوس بابه لمرة وحيدة واستقبل الإخوة وغسل أقدامهم.

بعد بضع سنوات ترك برصنوفيوس قلايته لأحد تلاميذه الخلّص الكاملين، القدّيس يوحنا، الذي قال عنه: “بالنسبة لحياة ابني المبارك، المتّضع والمطيع، الذي هو واحد وإياي والذي نبذ بالكلية، وحتى بالموت، مشيئته الشخصية ماذا أقول؟ الرب قال: من رآني فقد رأى الآب ومن يعرف التلميذ يعرف معلمه. والحق أن يوحنا كان يقتدي

علمه في كل شيء. متنسّكاً، مشدوداً كله إلى ربّه. اقتنى موهبة الرؤية والنبوّة إلى أبعد درجاتها. لم يكن بحاجة لأن يرى معلمه أو يكتب إليه ليدخل وإيّاه في وصال أو يشركه في أفكاره. لذا دُعي بالنبي. كبرصنوفيوس كان يكتب لتلاميذه، بمساعدة الأنبا ساريدوس أول الأمر ثم القدّيس دوروثيوس. كان ينعم بسلام لا يتزعزع قائم على أساس التواضع المبارك والدموع المتواترة. لم يكن يعلّم إلا في ظلال معلّمه، يدقّق في أجوبته ويعطي بشأنها توجيهات عملية ويشجِّع ذوي الإيمان الفاتر. ولو حاول أحدهم أن يمتحن، بقحة، تمييز الشيخين وسأل يوحنا السؤال نفسه الذي سأله برصنوفيوس فإن النبي كان يلزم الصمت وينصح بأتباع تعليم الشيخ الكبير في كل أمر. أما إذا سأل السائل برصنوفيوس نفس السؤال فكان يجيب: “افعل ما قاله لك الأخ يوحنا فإن إله برصنوفيوس ويوحنا واحد”.

في السنة الثامنة عشرة من اعتكاف يوحنا مات الأنبا ساريدوس فدخل برصنوفيوس في صمت كامل وأعلن يوحنا أنه يغادر إلى ربّه في غضون أسبوع. ولما سعى الإخوة في الدير إلى اختيار خلف لساريدوس، اعتذر أكثرهم. أخيراً، وبناء لطلب يوحنا، جرى تعيين راهب حديث العهد اسمه إيليان. هذا استعظم المهمة فرجى يوحنا أن يبقى معه مدّة أسبوعين ليعلّمه، بالتفصيل، كيف يسوس الدير. رضخ النبي وبقي حياً وقتاً إضافياً. بعد ذلك ودّع الإخوة واحداً واحداً وأسلم الروح.

أما برصنوفيوس فليس معروفاً تماماً متى رقد. بعد خمسين عاماً ظُنّ خلالها أنه ما زال حيّاً يرزق، أمر بطريرك أورشليم بفتح قلايته، فلما فعلوا خرجت منها نار كادت أن تحرق الجميع. هذا وقد جُعلت إيقونته جنباً إلى جنب والقدّيسين البارين أنطونيوس وأفرام في كنيسة آجيا صوفيا في القسطنطينية. أما رفاته فبعض منها في دير القدّيس بندلايمون في جبل آثوس، كما ورد. ويبدو أن أكثرها انتقل إلى الغرب في القرن التاسع إلى أوربا قرب سيبونتو في إيطاليا.

طروباريّة القدّيس برصنوفيوس الكبير (باللّحن الثّامن)

لِلبَرِيَّةِ غَيْرِ الـمُثْمِرَةِ بِمَجارِي دُمُوعِكَ أَمْرَعْتَ. وبِالتَّنَهُّداتِ التي مِنَ الأَعْماق أَثْمَرْتَ بِأَتْعابِكَ إِلى مِئَةِ ضِعْفٍ. فَصِرْتَ كَوكَباً لِلمَسْكونَةِ مُتَلأْلِئاً بِالعَجائِب. يا أَبانا البارَّ برصنوفيوس فَتَشَفَّعْ إِلى المَسِيحِ الإِلَهِ أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا.

مواضيع ذات صلة