Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار: 

✵القدّيس البارّ سمعان العموديّ الّذي من الجبل العجيب ✵الشّهداء ملاتيوس، قائد الجيش، والّذين معه ✵القدّيس البارّ كيرياكوس القبرصيّ ✵القدّيس البارّ نيقيطا بريسلاف الرّوسيّ العموديّ ✵القدّيس البارّ منصور لوران الفرنسيّ ✵عيد تجديد هيكل سيّدتنا القدّيسة مريم، والدة الإله، في قرية قارا المعمورة ✵الشّهيدان دوناتيانوس وروغاتيانوس الفرنسيّان ✵النّبيّ مناين الأنطاكيّ.

* * *

✤ القدّيس البارّ سمعان العموديّ الّذي من الجبل العجيب ✤

نشأته

كانت ولادة أبينا البارّ سمعان في أنطاكية، سنة 521 م.، من أبوَين عطّارَين من الرِّها. ورد أنّ السّابق المجيد أذاع ولادته على أمّه، القدّيسة مرتا (4 تمّوز)، في رؤيا، كما أسماه وأنبأ بأنّه سيسلك، في إثره، مسلكًا نُسكيًّا.

قالوا أنّ أمّه أنجبته من دون ألم وأنّه لم يكن يرضع إلّا من ثديها الأيمن، كما كان يمتنع عن ذلك حين كانت أمّه تأكل اللّحم. وقد ذُكر أنّه لمّا اعتمد، وكان في الثّانية من العمر، وعلى مدى سبعة أيّام، أخذ يردّد هذا القول: “لي أب ولا أب لي. لي أم ولا أم لي”، كما ليعلن تجرّده العتيد الكامل عن الأرضيّات. في سنّ الخامسة نجا بأعجوبة من هزّة أرضيّة ضربت أنطاكية في 25 أيّار 526 م. أمّه أيضًا نَجَتْ، لكنّ أباه قضى تحت الأنقاض. يُذكر أنّ أنطاكية، في زلزال ذلك الزّمان، خربت وأنّ الضّحايا كانوا في حدود المئتين والخمسين ألفًا.

مُختار الله

بعد ذلك عاين على السّور المَسيح الرَّبّ يُحيط به حشد من الأبرار. أخذ يعلِّمه الطَّريق الّذي عليه اتّباعه لاقتناء الحكمة والنّجاة مِنْ عقاب الله. ثم ظهر له إنسان بلباس أبيض ودعاه إلى السّير وراءه نحو الجبل، على بعد حوالي ثلاثة عشر كيلومترًا من أنطاكية، باتّجاه سلفكيّة. هناك أمضى أيّامًا برفقة الوحوش الضّارية. بعد ذلك اكتشف الولد ديرًا صغيرًا يُديره يوحنّا العموديّ. هذا أشعره ملاك الرَّبّ، بسلسلة من الرّؤى، بقدوم سمعان. استقبله بفرح كمختار من الله وضمّه إليه للحال واعتنى بأمر إرشاده في سُبُل الحياة الملائكيّة. علامات الحكمة والزّهد الّتي استبانت على الولد– وكان قد صار في السّادسة– أذهلته. مذ ذاك لم يكن سمعان يتناول الطّعام إلّا مرّة كلّ ثلاثة أو سبعة أيّام.

منذ مطلع حياة سمعان في الدّير أخذت نعمة الله تفعل فيه. وقد قيل إنّ راعيًا حسده وأراد التّخلّص منه فيبست يده. لكنّ سمعان، بقوّة الله، ردّها إلى العافية.

العموديّ الصّغير

رغب هذا الولد المُختار في الاقتداء بأبيه الرّوحيّ في كلّ شيء. فبعد سنة من قدومه إلى الشّيخ أقام شبه عمود قليل الارتفاع، بقرب عمود يوحنّا وشرع في السّيرة العموديّة. وقد تشدّد في سعيه إثر رؤيا أبان له الرَّبّ يسوع المسيح فيها أنّ انتصابه على العمود يشبه صلب السَّيّد، وأنّ هذه له هي الوسيلة للاقتداء بآلامه الخلاصيّة. مترجمه قال: “إذ كان الولد يتلألأ كالشّمس في السّيرة الملائكيّة ممتلئًا مواهب إلهيّة، كان ينصرف بالكامل عن شؤون الأرض ويتّجه بروحه نحو السّماء”.

يزداد أتعابًا

أخذ سمعان يزداد أتعابًا في مواجهة الطّبيعة: حين كان يوحنّا ينشد ثلاثين مزمورًا خلال صلاته اللّيليّة، كان سمعان يُنشد خمسين أو ثمانين. كان قوّامًا اللّيل بطوله حتّى ليتلو كتاب المزامير برمّته. أمّا نهاريه فكان يقضيها في تمجيد الله في غربة عن كلّ طعام. تقشّفاته جعلته عرضة لتأنيب رئيسه. قال له: “لم يبق لك سوى أن تأخذ سيفًا وتهلك نفسك!” كذلك لامه لأنّه لا يترك، بإنشاده المتواتر للمزامير، أيّة فرصة للرّهبان الآخرين لأن يأخذوا قسطًا من الرّاحة. لهذا السّبب نصحه بالاكتفاء بالاقتداء به. جواب سمعان لمعلّمه كان، بناءً على كلمات الكتاب المُقَدَّس، إنّه لا يشاء أن يسيء إلى الآخرين، ولكنّه، هو، بحاجة إلى مثل هذه الأعمال النُسكيّة لكي لا يدع ذهنه يتثقّل بالتصاقه بالمادّيّات.

نما بسرعة

على هذا أبدى هذا الولد العموديّ المبارَك حميّة المحارب المتمرّس في الصّراع ضدّ الأبالسة. هجمات هؤلاء كانت تتعاقب ورؤى سماويّة كانت تنزل عليه لتشدّده. بين الرّؤى واحد عاين فيها بطريركًا آتيًا إليه ليمسحه بالطّيب ردًّا لهجمات الشّياطين عنه. ذات يوم هبّت عاصفة هوجاء أثارها الشّيطان، فاقتلعت المقصورة الّتي ٤، أن يضبطوا أهواءهم بحفظ حواسهم وأذهانهم، كما جعل لهم قاعدة للحياة المشتركة على أساس الكتاب المُقَدَّس. قال: “فخر الرَّاهب زهده. فخر الرَّاهب أن يُنشد المزامير بتواتر وأن يُصلِّي على الدَّوام. فخر الرَّاهب الطّاعة فإنّ بها غلب الرَّبّ الموت إذ أطاع حتّى المَوْت، مَوْت الصّليب…”.

شهرة سمعان كناسك وصانع عجائب انتشرت بسرعة في كلّ النّاحية واجتذبت القدّيس البطريرك الأنطاكيّ أفرام (527– 545 م.) إلى زيارته. كذلك أخذت الجموع تتدفّق عليه وعلى شيخه معًا. هذا وقد أضاف سمعان إلى نُسكه وحرمانه الإراديّ لأمور الجسد محبّة لا حدّ لها حتّى أنّه متى أتاه عريانٌ كان يعطيه ما عليه ولو في عزّ الشّتاء، مُكابِدًا البَرْد أشهرًا، مُستدفئًا بالنّعمة الإلهيّة وحدها. ولسنة كاملة أقام مقرفصًا حتّى التحمت ركبتاه وغنغر ساقاه ومأبضاه✠ فانبعثت منهما رائحة النّتن. فلمّا لاحظ الرّهبان الأمر توجّسوا خيفة فبعثوا في طلب طبيب ما كان من سمعان سوى أن ردّه لأنّه لم يشأ أن يُسلم أمره إلّا إلى الله وحده. وبالفعل شفي قدّيس الله بعد حين بنعمة من فوق. وإذ أراد أن يشكر الله على أنعامه بقي على ركبتيه أيّامًا عديدة.

ذات يوم في العنصرة، نزل الرّوح القُدُس على قدّيس الله وملأه حكمةً وعلمًا حتّى إنّه شرع في تأليف مقالات في الحياة الرّوحيّة لفائدة الرّهبان وعامّة المُؤمنين في آنٍ وفقًا للقول الإلهيّ: “من فم الأطفال والرّضعان نظمت تسبيحًا” (مز 8: 3).

في الثّالثة عشرة

لمّا أضحى سمعان، في سنّ الثّالثة عشرة، قمرًا من أقمار الرّوح القدس، في العام 553 م.، بعد ستّ سنوات من السّيرة العموديّة، رغب في الاقتداء بالصّعود السّماويّ لسابقه المجيد القدّيس سمعان العموديّ الكبير. فأقام عمودًا بعلو اثني عشر مترًا، أكثر ارتفاعًا من عمود أبيه الرّوحيّ الّذي أخذ يشتكي أنّه لم يعد يُعاين وجه تلميذه. وفيما كان العمود يُشاد وكان سمعان على وشك الصّعود عليه جاءه رئيس أساقفة أنطاكية وأسقف سلفكيا زائرين إلى الدّير وساماه شمّاسًا بخلاف سنّ الشّمّاسيّة القانونيّ الّذي هو الخامسة والعشرون. ثمّ واكباه بالتّراتيل والصّلوات إلى العمود الّذي بقي عليه ثماني سنوات مُمتدًّا كلّه إلى السّماء.

رئيس وناسك مُتشدّد

إثر وفاة أبيه الرّوحيّ، يوحنّا، انتقلت إليه رئاسة الشّركة إلى آخر أيّامه. لم يؤثر هذا الأمر في معاركه النّسكيّة ولا ألهته عن صلاته المتواصلة همومُ الدّير. بالعكس اعتمد المزيد من الأفعال النّسكيّة غير العاديّة. أقفل على نفسه في ملاذ من الجِلد بلا ضوء ولا تهوية قائمًا في الصّلاة من غروب الشّمس إلى الفجر، معلّقًا بيده اليُسرى فيما يضرب صدره بيمناه، مبلِّلًا بدموعه ثوبه الأشعريّ. كان ينشد كتاب المزامير برمّته تصحبه أصوات ملائكيّة، ثم يتلو سفر الحكمة والإنجيل خاتمًا صلواته، عند شروق الشّمس، ليأخذ قسطًا مِنَ الرَّاحة بعد أن يكون قد بخّر المكان دونما حاجة إلى إشعال الفحم للمبخرة. وكان يذهب إلى حدّ حرمان نفسه بالكامل من النّوم ثلاثين نهارًا وثلاثين ليلة، سائلًا الرَّبّ الإله أن يُعتقه من استبداد الطّبيعة هذا. لكنْ، في ختام هذه المرحلة، جاءه صوت من فوق يقول له: “عليك أن تنام قليلًا!” هذا التّقدّم في التّوتّر إلى الله أثار عليه هجمات الأبالسة مضاعفة فسعت إلى إيقاعه عن عموده. لكنّ القدّيس، يؤازره ثلاثة ملائكة، ردّ الأبالسة بقوّة. إذ ذاك أبان له الله حظوته لديه بصفاء أكبر، من خلال رؤى مَنّ بها عليه وعجائب جرت على يديه، وحتّى إقامة ميت من بين الأموات. أخيرًا ظهر له الرَّبّ يسوع ومَنَّ عليه بالقِدرة على طرد كلّ روح نَجِس. إذ ذاك انسحبت المَلائِكَة تاركة قدّيس الله مولّى وحيدًا على نعمة الله لصالح جموع المرضى والممسوسين الّذين كانوا يتدفّقون عليه سائلين العافِيَة. كان سمعان يتشبّه، في كلّ شيء، بالرَّبّ يسوع، في مَسراه على الأرض: كان يُصوِّت بالشَّياطين بسلطان وكان يرمّم ويُصلِح ويَبني النُّفوس والأجساد التماسًا لسيادة الله بين النّاس. كان يشفي المَرضى إمّا بالكلمة وإمّا بوضع الأيدي وإمّا بإلقاء عصا اللّوز خاصّته على المُعتَلّين وإمّا بلمس هدب ثوبه أو، أيضًا، بمجرّد لمس الغبار أو الزّيت المبارك منه أو حتّى بإضاءة قنديل إكرامًا له أو بمجرّد الدّعوة باسمه.

زمن سقوط أنطاكية

خلال إحدى الرّؤى الّتي كانت له أحيط علمًا بسقوط أنطاكية العتيد في يد خسرو الفارسيّ (حزيران 540 م.). هذه النّبوءة لمّا تحقّقت وأُحرقت المدينة، جرى الفتك بالسّكّان أو تمّ نفيهم كما انتشر البرابرة في الرِّيف وأعاثوا بالبلاد فسادًا. فلمّا أضحى الدّير منهم على مرمى النّظر، كانت صلاة سمعان كافية لإبعادهم. لكنّ الخوف من مَجازِر جديدة استبدّ بالرّهبان لدرجة أنّهم أخلوا الدَّير جميعًا رغم تأنيب القدّيس لهم. فلمّا بلغ الفرس الدّير أثار ملاكان من الله، بُعِثا لحماية سمعان، الذّعر في صفوفهم فأولوا الأدبار. وبعد ثلاثة أيّام أمكن الرّهبان العودة إلى مواضعهم. إذ ذاك حرّر القدّيس سمعان عددًا كبيرًا من الأسرى الّذين ذكروه في ضيقهم. وكان بين هؤلاء راهب هجره خلال حصار المدينة.

الجبل العجيب

لمّا ذاع صيت سمعان في طول البلاد وعرضها، لم يعد بإمكانه أن ينعم بالهدوء الّذي ينشد، وكان يومذاك في العشرين من العمر (541 م.). فقرّر، على الأثر، أن يترك عموده ويخرج إلى مكان قفر لا طريق إليه تكثر فيه الضّواري. هناك كان قد قضى سحابة من سعيه لمّا كان، بعد، ولدًا. وفي رؤيا، عيّن له مسيح الرَّبّ موضعًا على قمّة الجبل صار يُعرف، مذ ذاك، بـ “الجبل العجيب”، وهو عبارة عن صخرة كان قد ظلّلها مجد الله. وفيما أخذ سمعان يتسلّق الجبل إلى الصّخرة المعيّنة الّتي كان مزمعًا أن يتّخذها بمثابة عمود طبيعيّ، هجرت الشّركة الرّهبانيّة الدّير السّفليّ وتبعته لتُقيم في مخيّم مؤقّت خال من أسباب الرّاحة. وابتداء من اليوم التّالي لنزول الشّركة في موطنها الجديد، لمّا اكتشفت الجموع أنّ الدّير أقفر بحثت عن الموئل الجديد للقدّيس. وإذ شقّوا، بوطء الأقدام، سبيلًا في الغابة أقبلوا على قدّيس الله حاملين مرضاهم. هذا أحزن قلبه لكنّه كان أعجز من أن يمتنع عن وضع صلاته في خدمة شعب الله المُتألّم. لذا استمرّ في اجتراح العجائب وإجراء الأشفية. ولمّا اجتاح الطّاعون الإمبراطوريّة البيزنطيّة طائلًا بخاصّة القسطنطينيّة وأنطاكية (542 م.)، فقط الّذي دعوا باسم رجل الله وُجدوا في مأمن من البليّة. بعد ذلك هزّ زلزال سبق فأعلن القدّيس عنه مدينة أنطاكية. وعلى مدى أيّام أخذ السّكّان الهلعين يُصلّون ليل نهار ويتدفّقون على الجبل العجيب مبتهلين إلى رجل الله أن يتشفّع فيهم. وبالفعل وضعت ابتهالات القدّيس سمعان حدًّا للكارثة.

دير جديد

ولمّا أخذ آلاف الحجّاج والممسوسين والمرضى يشقّون طريقهم إلى القدّيس، في هذا المكان القاحل المجدب، نبّهه الرَّبّ الإله إلى أنّه سوف يرى لحاجات النّاس. وقد ظهر له ملاك ورسم على الأرض مخطّطًا لدير فسيح وكنيسة، في الموضع عينه الّذي كان يشغله. ثم إنّ غيمة مضيئة غطّت الجبل العجيب. بعد ذلك بفترة قصيرة قدم رجال عديدون إيصافريون، سبق للقدّيس أن أبرأهم، فشرعوا في البناء. هؤلاء استُبدلوا بمجموعات أخرى أخذت تتناوب العمل بحيث ارتفع البناء بسرعة دون أن يثقّل على الرّهبان الّذين ثابروا على عمل الله. كذلك بصلاة القدّيس دفقت المياه ولمّا تعرّف الآبار النّفاذ. وسط هذا المجمّع المؤلَّف من كنيسة باسم الثّالوث القدّوس وأبنية رهبانيّة توزّعت بشكل صليب أُقيم للقدّيس عمود جديد. آثار قاعدة العمود الّذي كان في علوٍّ يتراوح بين السّتّة عشر والثّمانية عشر مترًا، وكذلك أبنية الدّير الواسعة الّتي استلهمت مجمّع القدّيس سمعان العموديّ الكبير، لا تزال ماثلة للعيان اليوم وهي موضوع حفريّات تجري في المكان.

على العمود الجديد

في الرّابع من حزيران سنة 551 م. نزل القدّيس سمعان من النّتوء الصّخريّ الّتي مثل عليه منذ عشر سنوات. وإذ جعله الرّهبان على عرش وهو يضمّ إلى صدره الأناجيل المُقَدَّسَة، طاف في أرجاء الدّير الجديد مبارِكًا أبنيته تتقدّمه أمّه، القدّيسة مرتا، الّتي حملت الصّليب ورتّلت الـ”هليلويا”. ثمّ أمسكه الرّهبان بأيديهم، كما لو كان إناء مقدّسًا، وسجدوا أمامه ووضعوه على مصطبة العمود الجديد، الّذي ظهر الرَّبّ يسوع، بكلّ مَجده، وجاءه مُباركًا. من علوّ هذا العمود، من حيث عاين سمعان، ذات يوم، سلّمًا يصل إلى باب السّماء، لم يتوقّف سمعان، البتّة، عن السَّهر على حُسن سير الأمور في الشّركة. فبناء لتوجيه صريح من القدّيس، كان على الرّهبان أن يمتنعوا عن استعمال السِّلَع المُقرّبة من الحجّاج، وأن يخرجوا للعمل في حقول الدّير السّفليّ قضاءً لحاجاتهم وحاجات جحافل الزّوّار. وقد حرّك النّقص في المؤن سجس بعض الرَّهبان وأثار فيهم روح التّمرّد مدفوعين من أحدهم، أنغولاس، الّذي لم يكفّ عن تناول القدّيس بالكلام المُسيء بحجّة الكرم المبالغ فيه لديه. على هذا النّحو شاء الشّيطان، بعدما عجز عن النَّيْل من شخص القدّيس مباشرة، أن يمتحنه. أمّا هو فلم يتزحزح عن حِلمه ووداعته بإزاء المتمرّدين. ذكّرهم أنّ الله لا يتغافل عن خدّامه، وعلى صلاته امتلأت مخازن الدّير حَبًّا ولمّا ينفذ طيلة ثلاث سنوات. وإلى الشّركة انضمّ عدد من الإيبريّين الجيورجيّين، فصارت لهم، مذ ذاك، شركتهم الخاصّة في الجبل العجيب. هذه حافظت على علاقة متواترة بجيورجيا حيث كان للقدّيس سمعان إكرام عظيم. يُذكر أنّ القدّيس جاورجيوس الثّالث الآثوسيّ الجيورجيّ أقام في الجبل العجيب في القرن الحادي عشر حيث كان ستون راهبًا جيورجيًّا يجدّون في سبل الحياة الملائكيّة. بعد ذلك صار القدّيس جاورجيوس رئيس دير الإيفيرون في الجبل المُقدَّس.

هزّات أرضية ووباء

وفي العام 557 م.، إثر رؤيا مرعبة، أعلن سمعان عن هزّات أرضيّة كبيرة مزمعة أن تحدث. وقد ألزم رهبانه بإنشاد طروباريّات من تأليفه، على مدى ستّين يومًا، بغية تهدئة غضب الله. وكما تنبّأ، ضرب زلزال عنيفٌ القسطنطينيّة ونيقية وخرّب نيقوميذية وريغيوس، إلّا أنّه لم يُحدث في أنطاكية سوى أضرار طفيفة بفضل حماية قدّيس الله. ولكن ما إن عبرت هذه الكارثة حتّى ضرب الطّاعون أنطاكية. هذا أيضًا كان سمعان قد تنبّأ به. وقد نجا قسم من المدينة بفضل صلوات المغبوط. لكنْ بلغ الوباء الجبل العجيب وقضى فيه بعض الرُّهبان. بين الضحايا كان قونون، أحد تلامذة سمعان المحبوبين. وقد ورد أنّ سمعان أقامه من بين الأموات.

كاهنًا

ورغم إلحاح الجموع الذين كانوا يرغبون في مساهمة القدسات من يد هذا الأب الحامل الإله، الذي كانت عجائبه إحدى ضمانات الأرثوذكسية، فإن سمعان أبى اقتبال سرّ الكهنوت إلى اليوم الّذي أطاع فيه صوتًا إلهيًّا أمره بذلك، وكان قد بلغ الثّالثة والثّلاثين. يومها قَبِل السّيامة الكهنوتيّة من يد الأسقف ديونيسيوس السّلوقي الّذي صعد إليه على العمود. وقد جاء أنّ سمعان استمرّ في تعليم الإيمان القويم والجهاد ضدّ الهرطقات والاعتقادات الفاسدة الّتي انتشرت لا بين عامّة النّاس وحسب بل في أوساط علّية القوم في أنطاكية أيضًا.

رقاده

عاش سمعان إلى سنّ الحادية والسّبعين. كان تجسيدًا للقول الإلهيّ: “مَن يؤمن بي فالأعمال الّتي أنا أعملها يعملها هو ويعمل أعظم منها” (يو 14: 12). قبل رقاده تنبّأ بصعوبات سوف يمرّ بها الدَّير بسبب مؤامرات أنغولاس. كما كشف لراهبين أنّه، منذ شبابه، حظي من الله بنعمة العيش من دون طعام وأنّ مَلاكًا كان كلّ يوم أحد، بعد القدّاس الإلهيّ، يأتيه بطعام سرّيّ. ثم زوّد الإخوة بإرشاداته وأسلم روحه، بين يدي الله الحيّ بسلام. كان رقاده في 24 أيّار سنة 592 م.

مواضيع ذات صلة