Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*نقل رُفات الشّهيد فوقا، أسقف سينوبي *القدّيس النّبيّ حزقيال *الشّهيد في الكهنة أبوليناريوس مع فيتالي رافينا وزوجته فاليري *شهداء كالديا السّبعة *الشّهيد أبولونيوس الرّوميّ *الشّهداء الّذين فتك بهم البلغار *القدّيسة البارّة حنّة (أو سوزانا) ليفكادا *القدّيسة البارّة بيلاجيا تينوس *أبونا الجليل في القدّيسين تيرسوس كارباسيا القبرصيّة.

*        *        *

✤ القدّيس النّبيّ حزقيال ✤

                      الإسم، حزقيال، معناه “الله قوّي” أو “الله يقوّي”. من الأنبياء الكبار الأربعة بعد إشعياء وإرميا. كان كاهناً من سبط لاوي. دُعي للنبوءة إما في سنّ الثلاثين وإما في السنة الثلاثين من تحرير نبوبولاصر، أبي نبوخذ نصر، بابل من سلطان آشور. يرجّح أنّه تنبّأ بدءاً من السنة 593 ق.م. امتدّت نبوءته فترة لا تقلّ عن اثنين وعشرين عاماً. كان أحد الذين سُبُوا مع الملك يهوياكين، ملك يهوذا. كان، فيما يبدو، في الخامسة والعشرين من العمر يومذاك. تاريخ السبي الأول هو 598 ق.م. كيف حصل السبي؟ كان يهواقيم على يهوذا وعمل الشرّ في عيني الربّ فأنهض الربّ عليه نبوخذ نصر، ملك بابل، فاستعبده ثلاث سنوات. فلمّا تمرّد عليه أرسل إليه الغزاة التابعين له فحطّموه وأذلّوه فمات ومَلَك ابنه يهوياكين عوضاً عنه. هو أيضاً سلك في سيرة أبيه فلم يدم حكمه أكثر من ثلاثة أشهر صعد بعدها نبوخذ نصر إلى أورشليم فسبى الملك ومعه حزقيال وأشرف مَن في أمّة اليهود. بقية الشعب في يهوذا حكمها صدقيا، ابن أخي يهوياكين. لكنّه تمرّد على نبوخذ نصر، هو أيضاً، فصعد عليه نبوخذ نصر وخرّب أورشليم ودمّر الهيكل بعد أحد عشر عاماً من غزوتها السابقة، أي حوالي العام 587 ق.م.

حزقيال معاصر لإرميا النبي، وعلى دراية بنبوءته. ثمّة مَن يبدي أنّه يتناول ملاحظاته التعليمية أو خطاباته القصيرة فيوضحها ويوسّعها.

        عاش حزقيال مع المسبيّين على نهر خابور، وهو قناة في أرض بابل، وربما كان في تل أبيب. تزوّج في أوائل الثلاثينات من العمر وكان له بيت. حَمَل حِمل شعبه. خدم بين البؤساء والمطحونين والمعذَّبين. نبوءته شطران أساسيان: يتّسم أولهما بالتهديد والوعيد. تفوّه به حزقيال قبل خراب أورشليم والهيكل وقبل سبي فوج جديد من اليهود إلى بابل في العام 587 ق.م. هذا يمتد في النبوءة حتى الإصحاح الرابع والعشرين. والشطر الثاني، إلى آخر النبوءة، فيه وعد ورجاء أنّ الله مفتقد شعبه متى حان إنصافه واكتمل سبيه الذي سوف يمتد، بحسب إرميا، سبعين عاماً.

        حكم الربّ على أورشليم كان تأديباً بعدما صُمَّت الآذان وقست القلوب. “في نجاستك رذيلة لأنّي طهّرتك فلم تطهري ولن تطهري بعد من نجاستك حتى أُحلّ غضبي عليك. أنا الربّ تكلّمت. يأتي فأفعله. لا أطلق ولا أشفق ولا أندم. حسب طرقكِ وحسب أعمالك يحكمون عليك يقول السيّد الربّ” (حز 24: 13 – 14). لذا منع الربّ حزقيال نبيّه من النوح والبكاء فكان عليه أن يحمل ألمه على شعبه بسكوت. “يا ابن آدم هانذا آخذ عنك شهوة عينيك بضربة فلا تَنُح ولا تبكِ ولا تنزل دموعك. تنهّد ساكناً، لا تعمل مناحة على أموات. لفّ عصابتك عليك واجعل نعليك في رجليك ولا تغطّ شاربيك ولا تأكل من خبز الناس” (حز 24: 15 – 17). حتى لمّا ماتت زوجته مساء استبان، على الألم، صلباً فولاذياً، بنعمة الله. كان الربّ قد بثّه تلك الصلابة، بإزاء تصلّب بيت إسرائيل، لما قال له: “هانذا قد جعلت وجهك صلباً مثل وجوههم وجبهتك صلبة مثل جباههم. قد جعلت جبهتك كالماس أصلب من الصوّان فلا تَخَفْهم ولا ترتعب من وجوههم لأنّهم بيت متمرّد” (حز 3: 8 – 9). مأساة الربّ مع الشعب لم تكن أن الشعب لا يشاء أن يسمع بل أنّه لم تعد لكلمة الله جذور في قلوبهم. كلمته منهم كالحَبّ الواقع على أرض محجرة لا جذور لها. لذا قال الربّ الإله بفم نبيِّه: “ويأتون إليك كما يأتي الشعب ويجلسون أمامك كشعبي ويسمعون كلامك ولا يعملون به لأنّهم بأفواههم يُظهرون شوقاً وقلبهم ذاهب وراء كسبهم…” (حز 31: 32). النبي واع وَهَن النفوس ومع ذلك يدعو إلى التوبة: “توبوا وارجعوا عن كل معاصيكم ولا يكون لكم الإثم مهلكة… اعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة… لأنّي لا أُسر بموت من يموت يقول السيّد الربّ. فارجعوا واحيوا” (حز 18: 30 – 32).

        الرؤيا الأولى كانت لحزقيال بين المسبيّين عند نهر خابور. ليس الله في أرض يهوذا وحسب بل في بابل وتل أبيب ونهر خابور أيضاً. في أرض الضيق والشدّة والتعب والمعاناة ظهر مجد الله جليلاً مهيباً. رؤيا الحيوانات. رؤيا البكرات. رؤيا مجد الرب. وجوه الحيوانات الأربعة كانت شبه وجه إنسان وأسد وثور ونسر. وعند العديد من آبائنا كإيرانيوس وأثناسيوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وأمبروسيوس ميلان أن هذه الوجوه هي للمسيح المتجسّد كما يُصوَّر في الأناجيل الأربعة: الإنسان إشارة لمتى والأسد لمرقص والثور للوقا والنسر ليوحنا. وقيل أيضاً إنما الإشارة بوجه الإنسان هي إلى الحكمة والأسد إلى القوّة والثور إلى الاحتمال والنسر إلى السمو.

        ثمّ أُعطي حزقيال درْجاً، كُتب فيه من داخل ومن قفاه مراث ونحيبٌ وويل. وأُمر أن يأكله فصار في فمه حلواً كالعسل (2: 10؛ 3:3). الدرْج هو كلام الله إلى المسبيّين لينقله لهم “إن سمعوا وإن امتنعوا”. بأكل الدرْج كان مفترضاً بحزقيال أن يصير واحداً وكلمة الله، أن يلتزمها في حشاه. هذا جعل الكلمة، على حلاوتها في فمه، مُرّة في حرارة روحه (3: 14) لأنّها تطال العلاقة التي تربطه بشعبه من حيث هي كلمة دينونة للشعب وعقاب.

        يد الربّ على حزقيال كانت شديدة، فقد جعله رقيباً على إسرائيل، حارساً ومنذراً. تحت الطاعة بات وحياته رهن بخدمته. “قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل… إذا قلتُ للشرّير موتاً تموت وما أنذرته أنت ولا تكلّمتَ إنذاراً للشرّير من طريقه الرديئة لإحيائه فذلك الشرّير يموت بإثمه، أما دمه فمن يدك أطلبه. وإن أنذرت أنت الشرّير ولم يرجع عن شرّه ولا عن طريقه الرديئة فإنه يموت بإثمه. أما أنت فقد نجّيت نفسك” (3: 17، 18 – 21).

        وكان على حزقيال أن يمثّل بالرسم حصار أورشليم وكَسرَ قوام الخبز فيها “فيأكلون الخبز بالوزن وبالغم ويشربون الماء بالكيل وبالحيرة لكي يعوزهم الخبز والماء ويتحيّروا… ويفنوا بإثمهم” (4: 16 – 17).

        ثمّ تأتي آية حلق النبي رأسه ولحيته. ثلث شعره يحرقه بالنار إشارة للذين سيُحرَقون أو يموتون بالمجاعة والوباء داخل المدينة. والثلث الثاني يضربه بالسيف إشارة لمَن سيموتون قتلاً بالسيف. والثلث الثالث يذرّيه إلى الريح رمزاً لمَن يُسبَون ويُشرّدون في كل مكان.

        بعد ذلك، في الإصحاح الثامن، رَفَع روحٌ حزقيال بين الأرض والسماء ونقله في رؤى الله إلى أورشليم ليبصر الرجاسات العظيمة التي يعملها بيت إسرائيل: شيوخ إسرائيل يبخّرون لأشكال دبّابات وحيوانات نجسة وأصنام مرسومة على الحائط، والنسوة يبكين على تمّوز، والرجال يسجدون للشمس نحو الشرق وقد ملأوا الأرض ظلماً.

        ثمّ في الإصحاح التاسع يُوسم كل الذين يعبدون الله ويُبقَون ويُهلك الباقون.

        في الإصحاح الثاني عشر يستبين النبي آية للجلاء العتيد للشعب وأنّه لا يتنبّأ لأزمنة بعيدة بل ما يتكلّم به حاصل عن قريب.

        وفي الإصحاح الثامن عشر يقطع الربّ على الشعب حجّة أن آباءهم أكلوا الحصرم وهم ضرسوا. “لا يكون لكم من بعد أن تضربوا هذا المثل في إسرائيل” (18: 3). “النفس التي تخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن. برّ البار عليه يكون وشرّ الشرّير عليه يكون” (18: 20). الله لا يُسرّ بموت الشرّير إلى أن يرجع ويحيا (18: 23). لذلك اطرحوا عنكم كل معاصيكم “واعملوا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة” (18: 31).

        وإذا كان الويل عنوان الإصحاحات الأربعة والعشرين الأولى من حزقيال فالرجاء هو عنوان الإصحاحات المتبقيّة.

        في الإصحاح الرابع والثلاثين ويل لرعاة إسرائيل الذين يرعون أنفسهم دون الغنم، ولكنْ مصحوبٌ بوعد من الله بالسؤال عن غنمه وافتقادها (34: 11). لا تكون بعد غنيمة ويحكم الله بين شاة وشاة. لذا قال: “أقيم عليها راعياً واحداً فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها وهو يكون لها راعياً. وأنا الربّ أكون لهم إلهاً وعبدي داود رئيساً في وسطهم. أنا الربّ تكلّمت” (34: 23 – 24).

        وإذ كان الربّ في الإصحاح الثامن عشر قد حثّ الشعب على طرح معاصيه عنه وأن يعمل لنفسه قلباً جديداً وروحاً جديدة، فإنّه في الإصحاح السادس والثلاثين يعطيهم أن يحقّقوا ذلك. “وأعطيكم قلباً جديداً وروحاً جديدة في داخلكم وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم وأجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها” (36: 26 – 27). وبعد أن يطهّر الربّ الإله بيت إسرائيل من كل آثامه تُبنى الخِرَب… وتُفلح الأرض… وتصير الأرض الخربة كجنة عدن والمدن المقفرة معمورة… يد الربّ هي التي تفعل لا لأنّهم صالحون بل لأنّه هو الصالح.

        ثمّ يأتي الإصحاح السابع والثلاثون برؤيا القيامة. بيت إسرائيل، بشرياً، مغلق عليه كما في قبر لكن الله يقيمه. إنّها رؤيا العظام اليابسة. هذه العظام هي كل بيت إسرائيل القائلون: “يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعنا”. لكنْ يتنبّأ النبي ويقول لهم: “هكذا قال السيّد الربّ. هانذا أفتح قبوركم وأُصعدكم من قبوركم يا شعبي… فتعلمون أنّي أنا الربّ عند فتحي قبوركم وإصعادي إيّاكم… وأجعل روحي فيكم فتحيون…” (37: 12 – 14). وفي الرؤيا عينها أن العظام تتقارب ويكسوها العصب واللحم وينبسط عليها الجِلد، ثمّ يدخل فيها الروح فيحيون ويقومون على أقدامهم جيشاً عظيماً جداً.

        بعد ذلك، بين الإصحاحين الأربعين والثامن والأربعين، يستبين الهيكل الجديد الذي يقيم فيه مجد الله وكذلك الحياة المقدّسة التي “تخرج من عتبة البيت نحو الشرق وتذهب إلى البحر فتُشفى المياه”. البيت إنما هو جسد الربّ يسوع الذي قال لليهود أن ينقضوا الهيكل وهو مقيمه في ثلاثة أيام، وكان يشير إلى هيكل جسده وقيامته. أما المياه المقدّسة التي تشفي العالَمين فهي التي جرت من جنب السيّد وتملأ الدنيا ضياء وتحيل الأمم إسرائيل جديداً.

مواضيع ذات صلة