Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*العظيم في الشّهداء ثيودوروس الأوخاييطي المجنّد *القدّيسة مريمني المعادلة الرّسل *القدّيس مينا الرّخيم الصّوت *القدّيسان مرقيانوس وبلخاريا *القدّيس أوكسيبوس القبرصيّ *القدّيس فوليكرون البابليّ *الجديد في الشّهداء ثيودوروس البيزنطيّ *الجديد في الشّهداء ميخائيل موروئيدس.

*        *        *

✤ العظيم في الشّهداء ثيودوروس الأوخاييطي المجنّد ✤

هو المعروف في التراث الرومي بالقديس ثيودوروس التيروني أي المجند أو المجند حديثًا، أو، وفق بعض التفاسير، المنتمي إلى الفيلق الترياني الذي كان فريقًا عسكريًّا نخبويًا عُرف المجندون فيه بالاستقامة والجرأة. ونحن آثرنا إضافة صفة “الأوخاييطي” عليه نسبة إلى أوخاييطا البنطية التي ضمت رفاته، أقله إلى القرن الحادي عشر. أما خبره فاستمددناه، بصورة أساسية، من عظة للقديس غريغوريوس النيصصي (330 – 394) ألقاها يوم زار ضريحه متبركاً في ناحية من نواحي البنطس لعلها أوخاييطا.

ليس موطن الشهيد معروفاً. نعرف فقط أنه كان مجنداً في الجيش الروماني وأن الفرقة التي انتمى إليها جاءت إلى أماسيا، في البنطس، لقضاء فصل الشتاء فيها. من أين جاء تماماً؟ لا نعرف. أماسيا، في ذلك الزمان، كانت من أبرز مدن البنطس. أما أوخاييطا، التي ارتبط اسم القديس بها، فتبعد عن أماسيا سفر يوم واحد، ولعلها أفخاط الحالية، شرقي البلدة التركية المسماة اليوم خورم. نقول هذا لأن أوخاييطا التاريخية التي في البنطس زالت ولم يعد هناك من دليل قاطع على مكانها، إلى الآن. القديس ثيودوروس لم يأت لا من أوخاييطا ولا من أماسيا. بعض الدارسين يظن أنه جاء من سورية أو أرمينية.

زمانه

زمان القديس، أيضاً، غير محدد تماماً. شهادة القديس غريغوريوس النيصصي، في شأنه، تفيد بأنه استشهد منذ ما يقرب من المائة عام من زمانه هو. وهذا ما يتراوح، في تقديرنا، بين العامين 275 وأوائل القرن الرابع الميلادي باعتبار أنه ليس واضحاً متى ألقى القديس غريغوريوس عظته. بعض المولعين بلغة الأرقام يجعل التاريخ الأول من آذار سنة 306م.

 خبره

ترافق ورود ثيودوروس إلى أماسيا و “حرب دموية اندلعت، فجاة، في الأمبراطورية” على المسيحيين. فقد صدر مرسوم آثم هاجم به الشيطان الله مباشرة، عبر الحكام، مخيراً المسيحيين بين نكران الله الحي والموت. لهذه المواجهة انبرى “جندينا الجديد”. كان قد نشأ على التقوى وامتلأ من الرب يسوع المسيح، وكان دستور إيمانه مطبوعاً على جبينه” رغم قلة خبرته في فن الحرب”، فبان رجلاً “كاملاً في علم القديسين وممارسة الفضائل”. لم يستسلم للخوف ولا شحُب لونه من مرأى المخاطر، ولا صمت جبناً ولا حيطة وحذراً.

وكما اجتمع هيرودوس وبيلاطس على الرب يسوع، اجتمع حاكم أماسيا والمحكمة العسكرية على ثيودوروس. فلما أوقفوه أمامهم سألوه: ” من أين أتتك هذه الجسارة….لتجرؤ على رفض الإنصياع لأوامر الأمبراطور، فيما كان عليك أن تقبلها بمخافة ووقار وأنت على ركبتيك! لم لا تُكرم الآلهة التي سُرّ الأباطرة أن يكرمها خدامهم؟ ” فأجاب ثيودوروس بصوت واثق من دون أن تتغير مسحة وجهه: لست أعرف البتة آلهة كثراً، ولم يكن هناك أبداً غير إله واحد. فأنتم في الضلال إذ تطلقون على الشياطين اسم الله، وهي أرواح خبيثة محتالة. أما أنا فإلهي يسوع المسيح، ابن الله الوحيد. فمن رغب في الضغط علىّ لحملي على هجر إيماني، فليعلم إنه إن سعى إلى إجباري على ذلك بالسياط فله، بالأكثر، أن يمزقني. بمخالب من حديد وأن يزيد علىأدواته جمر النار، فلن ينتفع شيئاً. وإذا ما نفر من كلامي فله لساني، ليقطعه، لأن جسدي سوف ينعم بالغبطة إن توجع، في كل أعضائه، من أجل من خلقه.

على هذا المنوال أبطلت أقوال جندينا فخر الطغاة إذ رأوا شاباً يشتاق إلى الشهادة وهو مستعد لاقتبال العذاب بممنونية، ناظراً إلىالموت كعصير طيب من أجل يسوع.

ثم إذ وجد أحد الضباط الحاضرين في كلام ثيودوروس مادة للتهكم، طرح عليه سؤالاً وهو يبتسم بخباثة: “ماذا يا ثيودوروس، ألله ولد؟ كيف ذلك؟ أله أولاد كالناس؟ أله شهوات كشهوات الناس ويعرف مثلهم توترات الجسد؟” “كلا!”، أجاب ثيودوروس بنبرة قاطعة. “ليس الإله الذي أعبد عرضة للضعفات ولا لتوترات البشر النابية. صحيح أنه أولد ابناً لكنه أولده على نحو إلهي، وإيلاده العجيب لابنه هو إلهي بالكلية. أما أنت، يا أيها المتهكم الخبيث، فكيف تجعل من امرأة إلهة؟ أما تخجل من عبادة إلهة تعاني آلام الطلق وتنجب آلهة أطفالاً كما الأرنبة خرانقها والخنزيرة البرية خنانيصها؟” بهذا الجواب الفوري اللاذع أخرس القديس سخرية الضابط الوثني. غير أن المستبدين كظموا غيظهم وتكلفوا الظهور بمظهر التسامح. وإذ تصنعوا الطيبة قالوا: خير لنا أن نعطي هذا الأحمق وقتاً ليفكر عساه إذا ما أمعن النظر في ما هو فيه من ضلال يعود إلى جادة الصواب.

على هذا الرأي ترك القضاة ثيودوروس حراً لبعض الوقت وانصرفوا. وكان في أماسيا هيكل لأم الآلهة أقامه الوثنيون على ضفة النهر. هذا دخل القديس إليه وأشعل فيه ناراً، فأتت النار على المكان برمته، في ساعات قليلة، واستحال رماداً. وضجت المدينة! ماذا جرى؟ من الفاعل؟!

كان هذا جواب القديس لمحاكميه!

رفع ثيودوروس صوته عالياً: “أنا أحرقته!” لم يخطر بباله أن يتوارى، بل تباهى بعمل يديه كمن يستأهل عليه مجداً مخلداً. وإذ اعترف بفعلته ولم ينكر أخذ يسخر من الوثنيين علناً مستهزئاً بما كانوا يبدونه من أسف على خسارة هيكلهم وإلهتهم.

ثم أن القضاة أرسلوا فقبضوا عليه وأوقفوه أمامهم، فخاطبهم بثقة كاملة وحرية ضمير ملفتة. بدا كأنه لا في موقع المجرم بل من له سلطان فأفحمهم بكلامه. وإذ رأى القضاة أن ثيودوروس لم يفقد شيئاً من صلابته ولا بانت عليه علامات الخوف من التعذيب، بل استمر في الكلام بالثقة عينها التي أبداها أول أمره، عدلوا من لهجتهم وحاولوا استمالته بالوعود والإطراء، عارضين عليه رتبة رئيس كهنة لديهم. فسخر منهم وقبح عرضهم معتبراً كهنة الآلهة أشقى من في الأرض، ورؤساءهم مدعاة لا للشفقة بل للتقزز. لذا نصحهم بألا يتعبوا عبثاً بتقديم عروض تمجّها نفسه.

وأردف أنه خير لمن يريد أن يحيا في التقوى والبراءة أن يقضي زمانه مجهولاً وأن يكون صعلوكاً في بيت إلهه من أن يقيم في قصور الخطأة.

كذلك أبدى القديس شفقة على الأباطرة لأنهم عميان إذ يظنون أنهم يزيدون تيجانهم بهاء ولباسهم الأرجواني رونقاً إن تزيّوا بالزي الكئيب الذي يتزيّي به مقربوا الذبائح. إنهم لا يعرفون أن مثل هذه الوظيفة تحط من قدرهم وأنهم متى قاموا بها كانوا في موقع الطهاة، وهم الأباطرة، يقتلون الطيور ويطهونها، ويجوفون الحيوانات الميتة مستدعين من الناس الإحتقار والإزدراء، وهم كالجزارين ملطخة بالدم أيديهم وأثوابهم. وأثارت أقوال القديس سخط القضاة فأمطروه شتماً واتهموه بالكفر والتمرد، وأمروا به الجند فمددوه للتعذيب. وإذ أمعن جلادوه في تعذيبه لم يبدِ أية علامة من علامات الضعف بل أخذ يردد القول المزموري: “أبارك الرب في كل حين. تسبحته في فمي في كل آن”، حاسباً التعذيب واقعاً على غيره لا عليه. بعد جولة التعذيب ألقاه الجلادون في السجن. هناك انبعثت من السجن الأناشيد السماوية ليالي بطولها ومشاعلٍ لا عد لها أضاءت المكان. ولما أسرع الحراس إلى الداخل وجدوا الشهيد مرتاحاً وبقية المساجين يغطون في نوم عميق. أخيراُ ساد صمت عميق وحلت الظلمة دامسة.

بعد ذلك لما رأى القضاة أن جهودهم لاستعادة ثيودوروس ذهبت هباء وأن الوقت يزيده صلابة وثباتاً ويزيدهم بإزائه إحباطاً حكموا عليه بالموت حرقاً”. وإذ تمت شهادته ترك لنا حياته مثالاً وموته إكراماً”. وقد ورد في بعض المصادر القديمة كعظة خريسيبوس الكاهن الأورشليمي (479م) أن سيدة غنية اسمها أفسافيا أخذت رفاته وابتنت لها ضريحاً. ولعل موضع هذا الضريح كان، مذ ذاك، أوخاييطا.

الشّهيد والقمح المسلوق

هذا ويحكى أنه في العام 361م لما سعى الأمبراطور يوليانوس الجاحد إلى رد البلاد إلى الوثنية عمد، وقد لاحظ أن المؤمنين يقدسون الأسبوع الأول من الصوم الكبير بالصلاة والصوم، إلى إعطاء الأوامر لحاكم مدينة القسطنطينية أن ينضح عماله المنتجات الغذائية في السوق بدم الذبائح المقدمة للأوثان. قصده كان أن ينجس المؤمنين في مأكلهم رغماً عنهم ويثير في صفوفهم البلبال. لكن الله الذي لا يُشمخ عليه أوفد خادمه ثيودوروس الشهيد إلى أسقف القسطنطينية أفدوكسيوس فتراءى له وكشف لعينيه ما أضمره الطاغية في حق المسيحيين، ثم أمره بأن يرعز إلى كل مسيحي بالامتناع عن شراء أي من المأكول المعروض في السوق وأن يستعيض عنه بالقمح المسلوق. وهكذا كان. لذلك اعتادت الكنيسة، مذ ذاك، أن تحفظ ذكرى هذه الأعجوبة في السبت الأول من الصوم الكبير كل عام ليتعلم المؤمنون من خلالها ملازمة الصوم والإمساك فيتنقوا من أدران الخطيئة وأدناسها.

شفاعة القديس

عندما تلفظ القديس غريغوريوس النيصصي بعظته على الشهيد الكبير، بدا كأن المكان، حول ضريحه، كان مكتظاً بالناس الذين أتوا من المدن والمناطق النائية مكابدين مشاق سفر بعيد مضن، واجتمعوا إليه في عمق فصل الشتاء والوقت ثلوج وصقيع. كان صيت الشهيد قد ذاع في كل مكان. ففي السنة التي سبقت هذا المحفل رد، كمحام عن المسيحيين، هجمة البرابرة السكيثين لما تراءى لهم وفي يده الصليب المقدس ونشر الذعر في صفوفهم فارتدوا على أعقابهم. وقد اعتاد الناس أن يجتمعوا حول ضريحه منذ استشهاده. وهو يعلم الكنيسة – على حد تعبير القديس النيصصي – ويطرد الشياطين ويستدعي ملائكة السلام ويشفع بالمؤمنين ويسأل من أجلهم ويحظى من الله بمطلبه لهم. كان ضريحه دواء لكل الأمراض وميناء للمضنوكين ومستودعاً لا ينضب لقضاء حاجات المساكين ومضافة آمنة وخزانة للمسافرين الذين يأتون إليه بقوة التقوى، وبقعة يتواصل فيها الفرح والأعياد.

هذا وقد أضحت أوخاييطا، حيث استقرت رفات القديس لقرون، محجة يتوافد إليها المؤمنون من الشرق والغرب حتى دعيت باسمه، مدينة ثيودوروس أو ثيودوروبوليس.

عجائبه

عجائب القديس الشهيد عبر العصور عديدة، نتوقف ههنا عند اثنتين منها لقيمتهما التاريخية:

أولاها أنه كانت للقديس ثيودوروس، في القرن الخامس للميلاد، كنيسة صغيرة في مدينة القسطنطينية. وقد شب فيها حريق هدد قصراً مجاوراً للقنصل سفوراكيوس. ثم فجأة، بقدرة إلهية، اختنق الحريق. ولما كان القنصل مكرماً حاراً للقديس الشهيد، فقد عمد إلى بناء كنيسة كبيرة جميلة عوض الصغيرة القديمة كان هذا سنة 452م.

والثانية أن الإمبراطور البيزنطي يوحنا الأول، المدعو الشمشيق، بعدما استجار بالقديس في حربه ضد العرب سنة 970م، وتمكن منهم، عمد، تعبيراً عن شكره وامتنانه، إلى إعادة بناء كنيسة أوخاييطا على أفخم وأبدع ما يكون.

 ثيودوروس : واحد أم اثنان؟

ثمة التباس بين قديسين باسم ثيودوروس يمتان بصلة إلى أوخاييطا، المجند (التيروني) وآخر يعرف ب “قائد الجيش”. لا ذكر لوجود اثنين قبل القرن العاشر، وسيرتهما قريبة إحداها من الأخرى، الأمر الذي يحمل الدارسين على اعتبارهما واحداً. من هنا نزعة رسامي الإيقونات إلى تصويرهما معاً في بعض الأعياد.

طروباريّة القدّيس ثيوذورس (باللّحن الثّاني)

عظيمةٌ هي تقويمات الإيمان، لأن القديس ثيوذورس، قد أبتهج في ينبوع اللهيب كأنه على ماء الراحة، لأنه لما أُحرقَ بالنار قُدّم للثالوث كخبز لذيذ، فبتوسلاته أيها المسيح الإله خلص نفوسنا.

مواضيع ذات صلة