Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*ميلاد القدّيس الصّابِغ الـمَجيد يوحنّا السّابِق *القدّيسان البارّان زكريّا وأليصابات *الجديد في الشُّهداء بنايوتيس القيصريّ *القدّيس البارّ أنطونيوس دِيمْسْك *القدّيسان البارّان يعقوب ويوحنّا مينيوغا *القدّيس البارّ أثناسيوس باروس *شهداء رومية في زمن نيرون *الشهيدة ألينا البلجيكيّة *الشّهداء أغوار وأغيلبير ورفاقهما.

*        *        *

                    ✤ ميلاد القدّيس الصّابِغ الـمَجيد يوحنّا السّابِق ✤

خبر ميلاد السّابق المَجيد يوحنّا نجده في الإصحاح الأوّل من إنجيل لوقا. والداه هما زكريّا الكاهن وأليصابات. كلاهما من سبط لاوي. وفي النَّصّ أنّ أليصابات من بنات هرون وزكريّا من فرقة أبيّا، وهي الثّامنة من الفرق الكهنوتيّة الأربع والعشرين الّتي تولّت خدمة الهيكل بالتَّناوب، أسبوعًا لكلّ فرقة. كان زكريّا وأليصابات بارّين أمام الله، لكنْ لم تكن لهما ذرّية لأنّ أليصابات كانت عاقرًا. وتقدّمت بهما الأيّام. إمكان إنجابهما ولدًا بات، بشريًّا، متعذّرًا. رغم ذلك لم يكفّ زكريّا عن الطّلب إلى الله. العقر، في الوجدان، يومها، كان يُعتبر لعنة وتخلّيًا من الله. لذا ورد الكلام الإلهيّ إلى إسرائيل في سفر تثنية الإشتراع: “من أجل أنّكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها… يباركك ويكثّرك ويبارك ثمر بطنك… لا يَكون عَقيم ولا عاقر فيك ولا في بهائمك” (7: 12، 14). والقول أيضًا ثابت في المزمور 126 أنّ البَنين هم ميراثٌ من الرَّبّ وثمرة الرَّبّ هي منحة منه. ومَن يُشبع مشتهاه من البَنين هذا يكون مطوّبًا.

        لكنْ تَبَيَّن في أوانه أنّ حُرمان زكريّا وأليصابات مِنَ الذّرّيَة– والذُّرِّيَة يحملها الذَكَر بخاصَّة– كان من ضمن قصد العَلِيّ لهما لأنّه شاء أن يُعطيهما صبيًّا لا من عمل الجسد وحسب بل، بالأولى، من عمل النِّعمَة الّتي تُحيي الأرحام العاقرة وتخصبها. زكريّا وأليصابات، بهذا المعنى، حلقة في سلسلة الأزواج الّذين أخصب الرَّبّ الإله الأرحام لديهم منّة منه كإبراهيم وسارة وإسحق ورفقة ويعقوب وراحيل وألقانة وحنّة أمّ صموئيل.

        فبينما كان زكريّا يقوم بأداء الخدمة في نوبة فرقته أمام الله في الهيكل، على حسب عادة الكهنوت، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرَّبّ ويُبخّر. وقف أمام مذبح البَخّور محجوبًا عن أعين جمهور الشَّعب وهم يُصلّون خارجًا وقت البَخّور. في تلك اللّحظات تراءى له ملاك الرَّبّ واقفًا عن يمين المَذبح. اضطرب زكريّا لمرأى الملاك ووقع عليه خوف. لكنّ الملاك طمأنه: “لا تخف يا زكريّا لأنّ طلبتك قد سُمعت وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا وتسمّيه يوحنّا”. الله يسمع طلبة البارّ لكنّه لا يُعطي إلّا في الأوان الموافق الّذي جعله هو في زمانه. أعطاهما الرَّبّ صبيًّا وجعل له اسمًا من عنده أيضًا لأنّ في الاسم نبوءة لما سيكون له الصّبيّ مذيعًا من جهة الله. لذا معنى الاسم “يوحنّا” هو “يهوه يُعطي نعمة”.

        وتابع الملاك فقال لزكريّا إنّه “يكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته لأنّه يكون عظيمًا أمام الرَّبّ وخمرًا ومُسكِرًا لا يشرب. ومن بطن أمّه يمتلئ من الرّوح القُدُس. ويردّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الرَّبّ إلههم. ويتقدّم أمامه بروح إيليّا وقوّته ليردّ قلوب الآباء إلى الأبناء والعُصاة إلى فكر الأبرار لكي يُهيّء للرَّبّ شعبًا مُستعِدًّا” (1: 14– 17).

        هذا الفرح والابتهاج اللّذان تحدّث عنهما الملاك مردّهما كون الصَّبيّ إناء مُصطفى لله. هذا، بكلام يسوع، أفضل مِنْ نبيّ وأعظم المَولودين من النِّساء، نَذير لله من بطن أمّه، لا يشرب خمرًا ولا مُسكِرًا. إنّه الفرح المبشِّر بالفرح، المُهيّء طريق الرَّبّ. “هاءنذا أُرسل ملاكي فيهيّء الطّريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السَّيّدُ الّذي تطلبونه وملاك العهد الّذي تُسرّون به، هوذا يأتي قال ربّ الجنود” (ملا 3: 1).

        وبما أنّه لا يشهد لروح الرَّبّ إلّا مَن كان فيه روح الرَّبّ، لذلك يمتلئ المولود الآتي من الرُّوح القُدُس وهو في بطن أمّه. كان كلّه لله من قبل أن يولد. لمّا ذهبت مريم إلى أليصابات وألقت عليها السّلام كان كأنّ روح الرَّبّ في مريم هو مَن أعطى السَّلام. فلمّا سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت أليصابات من الرُّوح القدس والبهجة. الارتكاض عند آبائنا معناه الرَّقص. ويشيرون إلى داود الّذي رقص أمام التّابوت (حضرة الله). بالرُّوح القُدُس الّذي في مريم انبثّ الرُّوح القُدُس في حَشا أليصابات. إذ ذاك صرخت أليصابات بصوتٍ عَظيم، وقالت: مُباركةٌ أنتِ في النِّساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أمُّ ربّي إليّ. بَدَتْ الصُّورَة وكأنّ الطِّفل في مريم تكلّم بفمها وأعطى الرُّوح القُدُس بالسَّلام فاقتبل الطّفلُ الرُّوحَ في أليصابات وتكلّم، كما بفمها، وبارك بروح الرَّبّ. مِن هنا ورود إيقونة في التُّراث تبيّن أليصابات ويوحنّا طفلًا في حشا أمّه ساجدًا ليسوع الّذي يباركه في حشا مريم.

        ثمّ إنّ يوحنّا الآتي المُمتلئ من الرُّوح القُدُس ردّ كثيرين مِنْ بَني إسرائيل إلى الرَّبّ إلههم. “توبوا فقد اقترب ملكوت السَّموات”. هذه الرَّدّة، وفق نبوءة الملاك، هي أساس إسرائيل جديدًا. بها يستعيد الأبناء مقاصد الآباء وإسرائيل العاصي فكر الأبرار. يعود إسرائيل فيصير شعبًا واحدًا من جديد. بالاستعداد لاستقبال مسيح الرَّبّ يتحقّق ذلك لهم. المسيح يوحّدهم إليه وإلى بعضهم بعضًا.

        في سياق هذا الكلام بالذَّات تبرز صورة إيليّا الّذي يقول الملاك إنّ يوحنّا يتقدّم أمام الرَّبّ إله إسرائيل بروحه وقوّته. الكلام عن إيليّا هنا ِمن نبوءة ملاخي، الإصحاح الرّابع والأخير: “هاءنذا أُرسل إليكم إيليّا النّبيّ قبل مجيء يوم الرَّبّ، اليوم العظيم والمخوف. فيردّ قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلّا آتي وأضرب الأرض بلعن” (4: 5 – 6).

        والحقّ أنّ اليهود في زمن الرَّبّ يسوع كانوا ينتظرون عودة إيليّا في المجد. الرُّبّان يشوع في الميشنا قال إنّ إيليّا سوف يأتي “ليتخلّص مِنَ الّذين أُتي بهم بالعنف”. وحكماء إسرائيل قالوا إنّ إيليّا سوف يأتي “ليصنع سلامًا في العالم”.

        وكان أنّ زكريا شكّ فأُخرِس إلى اليوم الَّذي تحقّق فيه قول المَلاك.

        وبالفعل حبلتْ أليصابات، بعد تلك الأيّام بوقت قصير، وأخفت نفسها خمسة أشهر قائلة: “هكذا فعل بي الرَّبّ في الأيّام الّتي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين النّاس”.

        يُشار إلى أنّ أليصابات كانت نسيبة مريم وثمّة مَن يقول إنّها هي من بنات هرون فيما والدتها من بنات يهوذا. وقيل أيضًا إنّها ابنة خالتها.

فلمّا تمّت أيّام أليصابات ولدت ابنًا وسمع جيرانها وأقرباؤها أنّ الرَّبّ عظّم رحمته لها ففرحوا معها. وفي اليوم الثّامِن لولادته جاؤوا ليختنوا الصّبيّ وأرادوا أن يسمّوه باسم أبيه زكريّا. فأجابت أمّه وقالت لا بل يسمّى “يوحنّا”. وبعد جدل أومأوا إلى أبيه ماذا يريد أن يسمّى فكتب على لوح: “اسمه يوحنّا”. وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلّم وبارك الله وامتلأ من الرُّوح القُدُس وتنبّأ: “وأنتَ أيّها الصّبيّ نبيّ العليّ تُدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرَّبِّ لتعدّ طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم”.

        وأمّا الصَّبيّ فكانت يد الرَّبّ معه، وكان ينمو ويتقوّى بالرُّوح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.

        يُذكر بناء لشهادة الشَّمّاس ثيودوسيوس، من القرن السّادس الميلاديّ، أنّ يوحنّا وُلد في عين كارم الحاليّة الّتي تبعد سبعة كيلومترات إلى الغرب من أورشليم.

        من أقوال الآباء والمعلّمين في مولد يوحنّا قول أوريجنيس المعلّم تعليقًا على الكلام عن يوحنّا “إنّه يتقدّم أمامه [الرَّبّ] بروح إيليّا وقوّته”. إنّ النَّصّ لا يقول بنفس إيليّا بل “بروح إيليّا وقوّته”. فكان لإيليَّا روح وقوّة كسائر الأنبياء. الرُّوح الّذي سكن في إيليّا سكن في يوحنّا، والقوّة الّتي في إيليّا كانت في يوحنّا. المقصود بالرُّوح إذًا الرُّوح القُدُس الّذي تقبّله إيليّا، كما يقول القدّيس أوغسطينوس أيضًا، لا نفس إيليّا.

مواضيع ذات صلة