Menu Close

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*القدّيس ناحوم النّبيّ *الشّهيد حنانيّا الأربيليّ *نقل رفات القدّيس يعقوب أخ الرَّبّ *القدّيسان الكاهنان سمعان وزكريّا *القدّيس فيلاريت الرّحيم *القدّيس البارّ أنطونيوس الصّغير *الشّهيد البارّ بروكلس السّوريّ.

*        *        *

القدّيس فيلاريت الرّحيم (+792م)‏✤

هو من مدينة تدعى أمْنيا من ناحية بافلاغونيا، في القسم الشمالي من آسيا الصغرى. كان في دياره ملاكاً ذا شأن، عنده من الخدم أعداداً وافرة ومن الخيرات قدر كبير. أمر واحد كان يشغله في أيامه إلى درجة الهوس: إعالة الفقير! كانت حياته تجسيداً لاسمه. واسمه فيلاريت (فيلاريتوس) معناه “محب الخير والصلاح”. محبة القديس شملت كل أخ محتاج، قريباً أو غريباً. معروفاً أو مغموراً. حال الفقير لديه كانت مبعث وجع لا يطاق حتى يسدّ حاجته. كان عطاؤه سخياً بلا حساب. فلقد اعتاد أن يبدّد على المساكين تبديداً (مز9:119). ومن كثرة إقبال قديسنا على العطاء افتقر، وثمة من يقول أن سراقاً أتوا على أكثر أمواله، فكان ذلك امتحاناً له عسى الخوف من الفقر الكامل أن يردّه عن سخائه أو يخفف من وتيرته. وإلا بانت أصالته وتأكد اعتماده على ربه في كل حال. فتمجّد الله فيه وأضحى للمؤمنين مثالاً يحتذى على طول الأيام. فماذا حدث؟ استمر فيلاريت في عطائه كاملاً دونما تردّد. لم يبال باعتراضات زوجته وأولاده وتذمرهم عليه. الفقر الكامل لديه، والحال هذه، كان تتويجاً لما درج عليه طوال سني حياته. ومن تراه يلتهم غنى الله الكامل غير المفتقر إليه إلى المنتهى؟ من هنا حسب فيلاريت ما آلت إليه حاله لا تخلياً من ربه عنه بل افتقاداً وحناناً. فكانت عطاءاته، وقد افتقر، أعظم شاناً وأكبر قدراً من ذي قبل. ودونك ما فعل. بدأ يعمل بيديه ليحصل رزقه ورزق عياله. وذات يوم، إذ كان يفلح الأرض بثورين جاءه فلاح فقير باكياً: لقد مات له ثور وما عاد بإمكانه أن يفلح بواحد. فأعطاه فيلاريت أحد ثوريه، ثم، بعد أيام، الثور الآخر لأنه لم يعد بإمكانه هو أيضاً أن يفلح بثور واحد. أجل، قدّم، فيلاريت جاره على نفسه فماثل بذلك ربّه. إثر ذلك بكى أهل بيت فيلاريت بكاء مراً واتهموه بقساوة القلب وحرمانهم من أبسط أسباب العيش. فلم يسمع لهم ولا تزعزع عن قصده شعرة واحدة، بل قال لهم: “ألم تسمعوا ما قال ربنا لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون ولا بما تشربون… اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه وكل ما عدا ذلك يزاد لكم” (مت6). “انتظروا قليلاً فتروا مجد الله”. لم يأبه فيلاريت لغد ظنّه الناس عليه أسود: فرسه أعطاه لعسكري ضيّع دابته. وبقرته الحلوب وعجلها لمن كانوا أسوأ منه حالاً. وقد قيل أنه سافر بحماره بعيداً، مرة، فاستدان حمل قمح لعائلته. وفي طريق عودته التقى إنساناً بائساً فترك له الحمار والقمح معاً. ومرة أخرى، اشتد العوز بين الناس، فقام صديق له ميسور بإرسال بعض المؤن إليه فوزّع على أفراد عائلته ما احتاجوا إليه. قوتاً لبعض الوقت. وجال بالباقي على شركائه المساكين، يعزّي قلوبهم. حتى ثوبه، في آخر المطاف، أعطاه لأخ محتاج. هكذا كرّت أيام فيلاريت، لا اغتر بغنى منّ به الله عليه إحساناً ولا خاف من فقر سمح به ربّه عليه إزكاء وتدبيراً. وبعدما محّصت فيلاريت كلمة الله. حان ميعاد إنصافه، حتى، فيما للأرضيات، إتماماً للقول الإلهي أن كل من ترك بيوتاً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل يأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية (مر30:10). يومذاك حدث ما يمكن أن يعتبره الأكثرون اليوم طرفة شبيهة بطرفة “ثليجة والأقزام السبعة”. فإن عمالاً للملكة إيريني الوصية على ابنها القاصر قسطنطين المعروف بالسادس، انتشروا في أرجاء الإمبراطورية يبحثون، كما جرت العادة أحياناً، عن خيرة الفتيات حُسناً وجمالاً وكياسة وأخلاقاً لتكون إحداهن زوجة للملك. ويشاء التدبير الإلهي أن يقع اختيار ذوي الشأن على الفتاة ماريا، ابنة فيلاريت، ولعلها حفيدته. هذا الحدث الفريد حمل لفيلاريت تغييراً في الأحوال فأضحى أوفر كرامة بين الناس ذوي الشأن يسراً مما كان عليه في سابق عزّه. أضعاف أضعاف. من أخباره في هذه المرحلة من حياته أنه رغب يوماً إلى زوجته وأولاده أن يعدّوا مائدة. على أسخى ما تكون الموائد. قائلاً لهم: “لندعونّ ملكنا وسيدنا وعظماءه إلينا”. فظنّ الجميع أنه قصد الإمبراطور ورجال بلاطه فأعدّوا العدة. وفي اليوم الموعود أحضر فيلاريت إلى داره الفقراء والمساكين والمحتقرين والمعاقين فأجلسهم إلى مائدته وجعل زوجته وأولاده يخدمونهم. ولما انتهى العيد أعطى كل واحد من مدعويه قطعة ذهبية وصرفه. هذه كانت طريقة استضافة فيلاريت لرب السموات والأرض وعظمائه الفقراء والمقطوعين. من لا حول لهم ولا قوة إلا بالله. عاش فيلاريت طويلاً حتى بلغ التسعين. فلما حانت ساعة موته درى بها، فجمع أولاده وأحفاده وأوصاهم أن يوزّعوا كل ما بقي من تركته على أحبّته، فقراء المسيح، قائلاً: “يا أولادي، لا تنسوا الضيافة عودوا المرضى والمساجين، اسهروا على الأرامل والأيتام، ادفنوا الموتى المعوزين، لا تهملوا الصلاة، لا تشتهوا ما للغير، لا تتفوّهوا بسوء على إنسان ولا تفرحوا بما يصيب أعداءكم من أسواء. اسلكوا في كل أمر كما سلكت أنا من قبلكم لكي يحفظكم الرب الإله حفظاً جيّداً”. ولما أكمل قديسنا وصيته، أشرق وجهه نوراً، وأخذ في تلاوة الصلاة الربّية: “أبانا الذي في السموات”. فلما بلغ القول: “لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض” اغمض عينيه وفارق بسلام. كان ذلك في العام 792 للميلاد.

 

مواضيع ذات صلة