Menu Close

 

 

 

 

 

 

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*  الشّهيد في الكهنة بوليكربوس، أسقف إزمير *  القدّيسة غورغونيا أخت القدّيس غريغوريوس اللّاهوتيّ*  القدّيس البارّ الكسندروس، مؤسّس رهبنة الّذين لا ينامون *  القدّيسون الأبرار يوحنّا وموسى وأنطيوخوس وأنطونينوس *  القدّيسون الأبرار زبيناس وبوليخرونيوس وموسى وداميانوس *  الشّهيد كليمنضوس *  الشّهيدة ثيا *  القدّيس البارّ داميانوس الآثوسيّ*  القدّيس البارّ يوحنّا الحصّاد *  الجديد في الشّهداء لعازر البليوبونيزيّ.

*        *        *

✤الشّهيد في الكهنة بوليكربوس، أسقف إزمير✤

بوليكاربوس إسم يونانيّ ومعناه “كثير الثّمر” وهو مؤلّف من كلمتين (πολυς (polys وتعني الكثير و(καρπος (karpos وتعني الثّمر.

ورد خبر استشهاد القدّيس بوليكاربوس في رسالة رعائيّة حرّرتها الكنيسة في إزمير بعد استشهاده بقليل.

هذا كان مطلع الرّسالة:”من كنيسة الله فاتي في إزمير إلى كنيسة الله الّتي في فيلوميلو (فيرجية) وإلى كلّ الكنائس الّتي من الكنيسة الجامعة المقدّسة…” ( كتاب “الآباء الرّسوليّون” الّذي نقله عن اليونانيّة المثلّث الرّحمات البطريرك الياس الرّابع (معوّض) منشورات النّور ١٩٨٣).

أبرز ما ورد في الرّسالة:

كتبنا لكم أيّها الإخوة عن الّذين استُشهدوا وخصوصًا عن البارّ بوليكاربوس الّذي انتهى بالاضطهاد إلى الاستشهاد. الحوادث الّتي سبقت استشهاده وقعت كلّها ليُظهر لنا الرَّبّ من السّماء صورةً للشّهيد حسب الإنجيل. انتظر بوليكاربوس أن يُسلّم كالسّيّد حتّى نتشبّه به نحن لأنّ المحبّة الحقيقيّة والأكيدة لا تعني الخلاص الذّاتيّ فحسب، بل خلاص كلّ إخوتنا أيضًا. مغبوطةٌ وبطوليّةٌ الاستشهادات الّتي تمّت حسب إرادة الله. علينا أن ننسب تقدّمنا في التّقوى إلى الله ذي القدرة والسّلطان الشّامل. لقد بلغت عظمة النّفس في هؤلاء المعترفين بحيث لم تفُتهم أنّه من أنّاتهم أو غصّة من غصّاتهم فأدركنا في هذه السّاعة الّتي كانوا فيها يتعذّبون أنّهم كانوا فرحين يعيشون وهم يستشهدون خارج أجسادهم، أو قل كان المسيح بذاته حاضرًا يخاطبهم. وكان انتباههم لصوتِ النّعمة الإلهيّة يُحقر في أعينهم كلّ عذابات الدّنيا. بساعة واحدة كانوا يربحون الحياة الأزليّة. كانت النّيران الوحشيّة الّتي يشعلها الجلّادون بردًا بالنّسبة للنّار الأبديّة المستعرة الّتي كانوا يرونها. كانوا يتأمّلون في وسط العذاب الخيرات المعدّة للّذين يتعذّبون. وما كانوا في هذه اللّحظة بشرًا بل ملائكة. كان بوليكربوس أعظم الشّهداء. بقي في المدينة ولم يُرد أن يتركها. لم ينزعج قط عندما اطّلع على كلّ ما جرى. بعد إلحاح الأكثريّة انسحب إلى مكان ليس ببعيد عن المدينة. كان يقضي نهاره وليله بالصّلاة من أجل البشر ومن أجل الكنائس. تراءت له رؤيا قبل ثلاثة أيّام من تقييده وهو يصلّي. رأى وسادته تحترق فقام إلى رفقائه وقال لهم “سأحرق حيًّا”. ولمّا كان طالبوه يُلحّون في طلبه انتقل إلى مكان آخر. وصل الشّرطة إلى مكانَه القديم. ألقوا القبض على شخصين فاضطرّ أحدهم تحت طائلة التّعذيب أن يعترف. وصلوا إلى المكان. كان بوليكربوس يرقد في غرفةٍ في الطّابق الأعلى من البيت. كان بإمكانه أن ينتقل إلى مكان آخر إلّا أنّه لم يُرد مكتفيًا بالقول “لتكن إرادة الرَّبّ”. عندما سمع صوت الشّرطة نزل من غرفته وأخذ يخاطبهم فأثارت شيخوخته بهدوئها إعجابهم. دعاهم وقدّم لهم في تلك السّاعة المتأخّرة من اللّيل طعامًا وشرابًا، ورجّاهم أن يسمحوا له بساعةٍ ليصلّي بحريّةٍ فوافقوا.

غرق واقفًا في صلاةٍ مدّة ساعتين وكانت النّعمة الإلهيّة تملؤه. اندهش سامعوه وأسفوا. عندما انتهى من صلاته أركبوه حمارًا وقادوه إلى مدينة إزمير.

كان ذلك يوم السّبت العظيم. في طريقه التقى بالقائد هيرودوس وأبيه نيقيتا فأصعداه إلى عربتهما وحاولا أن يُقنعاه قائلين “ما ضرّك لو قلت للقيصر يا سيّدي وذبحت وقمت بما يتبع هذه الذّبيحة ونجوت؟ بقي القدّيس بوليكربوس صامتًا، إلّا أنّه تحت إلحاحهما اضطرّ أن يقول لهما:”لن أفعل ما تنصحاني به”.

وعندما يئسا من إقناعه أمطراه شتمًا وسبًّا ودفعاه بوحشيّة خارج العربة فسقط على الأرض وانسلخ جلد ساقه، لكنّه قام وتابع طريقه فرحًا.

بوليكربس أمام الحاكم في الملعب:

عندما دخل الملعب جاءه صوت من السّماء يقول له “تشجّع وتقوّ يا بوليكربوس”. ولّما مثل أمام الحاكم حاول الوالي إقناعه:

الوالي: أحترم شيخوختك. ثم أردف:أحلف بقوّة قيصر الإلهيّة وتبْ، وقل فليسقط الملحدون. أحلف فأطلق سراحك. أشتم المسيح.

بوليكربوس: ستّة وثمانون سنة وأنا أخدم المسيح فلم يسئ إليّ بشيءٍ، فلماذا أشتم إلهي ومخلّصي؟.

الوالي: عندي وحوش ضارية. إني مُلقيك إليها إذا لم تتراجع.

بوليكربوس: مَرحبا!.

الوالي: إذا لم تتب فسأُهلكك فوق المحرقة ما دمت تحتقر الوحوش الضّارية.

بوليكربوس: إنّك تهدّدني بنارٍ تشتعل ساعةً واحدةً ثم تنطفىء. أتعرف نار العدالة الآتية؟ أتعرف أيّ عقاب ينتظر الأثمة؟ هيا! لا تتوان، قرّر ما تريده.

كان الفرح يغمر بوليكربوس وكان ثابتًا في أجوبته ويشعّ نعمةً إلهيّة. فأرسل الوالي مناديه ليعلن في وسط الملعب ثلاث مرّاتٍ أنّ بوليكربوس اعترف أنّه مسيحيّ. امتلأ الوثنيّون واليهود غضبًا.”هذا هو معلّم آسيا وأب المسيحيّين مدمّر آلهتنا الّذي منع بتعليمه الكثيرين من تقديم الذّبائح وعبادة الآلهة”.

فصرخ الجميع بصوتٍ واحدٍ أن يُحرق حيًّا. حدث كلّ ذلك بسرعة. أخذت الجموع تجمع الحطب والأخشاب من المعامل والحمّامات. وعندما أُعدّت المحرقة خلع بوليكربوس ثيابه وفكّ زنّاره وحاول أن يخلع حذاءه.

كان المؤمنون يتسابقون لمساعدته بغيَة لمس جسده. كانوا يكرّمونه لقداسته قبل أن يستشهد. ولمّا أراد الجلّاد تسميره قال: ” دعني حرًّا. إنّ الّذي أعطاني القوّة لملاقاة النّار يعطيني قوّةً لأبقى بلا حراك فوق المحرقة”.

لم يسمّره الجلّاد بل اكتفى بربطه وربط يديه وراء ظهره. رفع عينيه إلى السّماء وقال: ” أباركك أيها الرَّبّ الكليّ القدرة لأنّك أهّلّتني لأكون في عداد شهدائك ومن مساهمي كأس مسيحك لقيامة الرّوح القدس في الحياة الأبديّة بدون فساد. فلأكن في حضرتك كذبيحة مقبولة”.

وأوقد الرّجال النّار فارتفعت عاليةً وَهّاجة. في تلك اللّحظات حصلت معجزةً رآها البعض وآثرنا أن نبقيها سرًّا على الآخرين. كانت النّار ترتفع بشكل قبّةٍ تُحيط بالجسد. كان الشّهيد يقف في الوسط لا كلحمٍ تحترق بل كخبز يُشوى أو كذهبٍ أو فضةٍ وُضعت في البوتقة، وكنّا نتنسّم رائحةً كأنّها البخور أو عطور نادرة ثمينة. غير أنّ الأثمة لمّا رأوا النّار قد عجزت عن إهلاك جسده أرسلوا جلّادًا فضربه بحربةٍ فخرج دم وأطفأ النّار. بين كلّ الشّهداء نعتبر بوليكربوس شهيدًا لا يُبارى. كان نبيًّا ومعلّمًا مليئًا بروح الرّسل والأنبياء.

ولمّا رأى الشّيطان الحسود الخبيث عظمة الشّهيد عمل عمله ليمنعنا من حمل جسد الشّهيد. فقد ألقى قائد المئة الجسد وسط النّار وأحرقه حسب عادة الوثنيّين. فيما بعد تمكنّا من إخراج عظامه الّتي فاقت قيمتها اللّآلىء، وكانت أشرف من الذّهب النّقيّ المختبر في البوتقة، ووضعها في مكانٍ لائق. وكنّا نجتمع والفرح يملأنا والسّرور يغمر قلوبنا وقد كان يوم استشهاده كيوم ميلاده وتذكارًا لأولئك الّذين جاهدوا قبلًا والّذين يستعدّون ويتهيّأون لمثل هذا اليوم العظيم.

لم يكن بوليكربوس معلّمًا شهيرًا وحسب بل شهيدًا لا مثيل له. كم نتمنّى أن نقتدي به وبآلامه المنطبقة كليًّا مع روح إنجيل المسيح. بصبره وثباته تغلّب على القاضي الظّالم وربح إكليل الخلود. إنّه الآن مع الرّسل والصّالحين يمجّد الله الكليّ القدرة بالفرح، ويبارك سيّدنا يسوع المسيح سيّد أجسادنا وراعي كنيستنا المنتشرة في أنحاء العالم.

هذا أبرز ما ورد في سيرة القدّيس بوليكاربوس كما وضعتها رعيّة إزمير.

الكاتب، ويُدعى إيفارستوس، يختم الرّسالة بتحديد تاريخ الشّهادة على الوجه التّالي: “لاقى بوليكربوس عذاب الاستشهاد في اليوم الثّاني من شهر كسنتيكوس قبل سبعة أيّام من آذار، يوم السّبت العظيم. في السّاعة الثّامنة أسره هيرودوس في أيّام رئيس الكهنة فيليبس تراليانوس. كان استاتيوس كودراتوس حاكمًا لمقاطعة آسيا”. أمبراطور رومية يومها كان أنطونيوس بيوس.

 

شهادات أخرى به:

بالإضافة إلى هذه السّيرة، أورد أفسافيوس القيصريّ، صاحب التّاريخ الكنسيّ، رواية للقدّيس إيريناوس، أسقف ليون، عن بوليكاربوس قال فيها أنّه لم يتلقّ تعليمه من الرّسل فقط ولا تعرّف على الكثيرين ممّن زاروا المسيح وحسب، بل أنّ الرّسل أيضًا أقاموه في آسيا أسقفًا على كنيسة إزمير. ويُضيف: “ونحن أيضًا رأيناه في فجر شبابنا لأنّه عمّر طويلًا ومات في شيخوخةٍ متقدّمة جدًّا، ميتة استشهاد مجيد بعد أن نادى بصفةٍ مستمرّةٍ بما تعلّمه من الرّسل من التّعاليم الّتي سلّمتها إلينا أيضًا الكنيسة. يشهد لهذه الأمور كلّ كنائس آسيا.

” ويورد إيريناوس خبر تباحث بوليكاربوس مع أنيقيتوس، أسقف رومية، في شأن التّعييد للفصح أي يوم يكون. كما يشير إلى أنّ هناك مَنْ سمعوا مِنْ بوليكربوس أنّ يوحنا تلميذ الرَّبّ، إذ أراد الاستحمام في أفسس، مرّةً، رأى كيرنثوس، وهو هرطوقيّ، داخل الحمّام، فغادره في الحال دون أن يستحمّ صارخًا: “لنهرب لئلّا يسقط الحمّام لأنّ كيرنثوس، عدوّ الحقّ، بداخله. كذلك يلفت إيريناوس إلى أن هناك رسالة قويّة جدًا لبوليكاربوس كُتبت إلى أهل فيليبّي يستطيع كلّ من أراد، وكلّ من يُعنى بأمر خلاص نفسه، أن يتعلّم منها طريقة إيمانه والكرازة بالحقّ.

رسالة القدّيس بوليكربوس إلى أهل فيليبي:

هذه الرّسالة ما تزال موجودة إلى اليوم. من أبرز ما فيها:

– “صلّوا من أجل القدّيسين، من أجل الملوك والرّئاسات والسّلاطين ومن أجل الّذين يضطّهدونكم والّذين يبغضونكم، ومن أجل أعداء الصّليب حتّى تكون ثماركم واضحة وتكونوا كاملين في الله”.

– “أنصحكم بالابتعاد عن البخل وأن تكونوا أنقياء محبّي الحقيقة. ابتعدوا عن كلّ شرّ. الّذي لا يستطيع أن يضبط نفسه كيف يمكنه أن يوجّه الآخرين ويقودهم. من لا يبتعد عن البخل يتّسخ بالوثنيّة”.

– “لا تتأخّروا عن فعل الإحسان فالإحسان يخلّص من الموت. لا تكونوا سببًا لشتم الرَّبّ. ويلٌ للّذين يُشتم اسم الرَّبّ بسببهم. علّموا جميعًا الوداعة الّتي تعيشون فيها”.

– “يجب أن نترك الخطب البطّالة والتّعاليم الخدّاعة ونعود إلى التّعليم الّذي نُقل إلينا منذ البدء. لنكن يقظين في الصّلاة والصّيامات ولنطلب من الله الّذي يرى الكلّ أن لا يدخلنا في تجربة”.

– “يجب أن يكون الشّيوخ شفوقين رحماء نحو الجميع… ويتجنّبوا كلّ غضبٍ ومحاباة الوجوه ومحاكمة الخاطىء… ولا يصدّقوا فورًا ما يقال عن شرور الآخرين ولا يكونوا قساة في أحكامهم واضعين أمام أعينهم أنّنا جميعًا معرَّضون للخطيئة. إذا كنّا نطلب من الله أن يغفر لنا فعلينا أن نغفر للآخرين. ونحن كلّنا تحت أعين ربّنا”.

مواضيع ذات صلة