Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*عيد جامع لِرَئيسَيّ الملائكة ميخائيل وجبرائيل وسائر القوّات السّماويّة العادِمَة الأجساد *القدّيسة البارّة أفروسيني الصّغرى *القدّيسة البارّة مَرتا بْسكوف الرّوسيّة *الشّهيد نعمة الجديد.

*        *        *

✤عيد جامع لِرَئيسَيّ الملائكة ميخائيل وجبرائيل وسائر القوّات السّماويّة العادِمَة الأجساد✤

        منذ أقدم الأزمنة وللملائكة في العبادة ذِكر ولها في حياة العابدين دور وأدوار حتّى يكاد لا يخلو أكثر أسفار العهد العتيق من وقفة عندها أو إشارة إليها.

        غير أنّه كان دائمًا ثمّة خطر أن يُغفل القوم طبيعة الملائكة الشّفافة الّتي يفترض أن تُشير إلى السّيّد الرَّبّ دون أن تشهد لنفسها. فإذا ما وقف النّاس عندها وشغفوا بها دون الإله الحيّ الحقيقيّ، سقطوا في الهرطقة. مثل ذلك ما سقط فيه العبرانيّون قبل الملك حلقيّا، على ما ورد في كتاب الملوك الثّاني (23: 5)، حيث نقرأ أنّ كهنة الأصنام الّذين أقامهم ملوك يهوذا كانوا يحرقون البخّور “للبعل والشّمس والقمر والأبراج ولجميع قوّات السّماء“. ومثل ذلك ما نبّه إليه الرّسول بولس بقوله: “لا يُخيبكمْ أحد من جعالتكم مبدعًا مذهبَ تواضعٍ وعبادةً للملائكة“، ومثل ذلك أيضًا ما أشار إليه القانون الخامس والثّلاثون من مجمع اللّاذقيّة في فريجية (343 – 381 م) بشأن عبادةٍ للملائكة شاعت في ذلك الزّمان فأعلن أنّه: “لا يجوز للمسيحيّين أن يتركوا كنيسة الله ويذهبوا ويبتهلوا للملائكة ويجمعوا جماعات. فكلّ هذا ممنوع. وكلّ مَن يمارس عبادة الأصنام في الخفية فليكن مُبْسَلًا (مقطوعًا) لأنّه ترك ربّنا يسوع المسيح وتبع عبادة الأوثان“. ثيودوريطس المؤرِّخ (393 – 466 م) قال إنّ عبادة الملائكة شاعت في فريجية وبيسيدية وطال أمدها وأنّه كان فيها معابد لميخائيل رئيس الملائكة. والقدّيس أبيفانوس القبرصيّ قال إنّه كان يوجد شيعة قديمة تدعى شيعة الملائكيّين كانت تعلِّم أنّه يجب ألّا نطلب المعونة من المسيح أو نقدّم أنفسنا لله بواسطته لأنّ هذا فوق ما تستحقه الطّبيعة البشريّة لأنّ يسوع المسيح نفسه هو فوق البشر. وعوض ذلك، يجب أن نطلب معونة الملائكة.

        كلّ ذلك يدعو إلى تقصّي الحقائق بشأن الملائكة: مَن هم؟ ما هي ميزاتهم؟ ما هو دورهم؟ ما هي مراتبهم؟ وما هي أسماؤهم؟ بكلمة، ما تعلِّمه الكنيسة بشأنهم.

        يُذكر أنّ مَن استفاض في الحديث عن الملائكة كان، بصورة أخصّ، كاتبُ مؤلَّف “المراتب السّماوية” المعروف بديونيسيوس الأريوباغي المنحول.

طبيعة الملائكة

        الملائكة مخلوقات إلهيّة نعرّف عنها بـ “الأنوار الثّانية” حيث إنّ الإله البارئ هو النّور الأوّل غير المَخلوق. وهي ثانية لأنّها تقتبل بنعمة الرّوح القدس إشعاعات النّور الأوّل وتشترك في سرمديّته. أبدعها الله قبل العالم المَنظور الّذي نعرف، وكمَّلها بالقداسة، جاعلاً إيّاها أرواحًا وخدّامًا كلهيب النّار (انظر المزمور 103)، واسمها مَعناه في الأصل اليونانيّ “رُسُلٌ“. وهي حُرّة من ثقل الجسد، عاقلة وفي حركة دائمة لا تتوقّف. تُعاين الله على قدر طاقتها ولها من المُشاهدة قوتٌ لذاتها وثبات وعلّة وجود. وهي وإن كانت حرّة من انفعالات الجسد لكنّها ليست بلا هوى كمثل الله لأنّها كائنات مخلوقة. من هنا أنّ الملائكة وإن لم تكن لِتَجْنَح إلى الشّرّ إلّا بصعوبة، لكنّها ليست بمنأى عنه إمكانًا. ومن هنا، أيضًا، أنّ عليها أن تحسن استعمال الحرّيّة الّتي يسبغها الله عليها لتحفظ ذواتها في الصّلاح وتنمو في مشاهدة الأسرار الإلهيّة لئلا تجنح إلى الشّرّ وتبعد عن الله. وحيث لا جسد لا توبة ترتجى.

        على أنّ الملائكة وإن كانت بلا أجساد فهي ليست غير هيوليّة تمامًا. وحده الله كذلك، والملائكة محدودة في الزّمان والمكان، ليس بإمكانها أن تكون في أكثر من مكان واحدٍ في وقتٍ واحد. لكنّ طبيعتها اللّطيفة تتيح لها اجتياز العوائق كمثل الجدران والأبواب وما إليها، متى أوكل إليها السّيّد الرَّبّ بمهمّة لدى النّاس. وهي لذلك تتّخذ شكلًا جسدانيًّا يتيح لنا رؤيتها، كما أنّ خفتّها وسرعتها الخارقة تؤهّلها لاجتياز المسافات لتوّها. ولها من الله، متّى أوفدها، علم كامل دقيق نفّاذ بكلّ ما تخرج من أجله. وإن تنبأتْ فبنعمة من عنده وأمرٍ، وهذا ليس من فضلها.

رُقباء على الأرض

        والملائكة جعلها الله رقيبة على الأرض، تسود على الشّعوب والأمم والكنائس وتضمن نفاذ المَقاصِد الإلهيّة وتمامها من نحو البشر، جماعاتٍ وأفرادًا. ولكلٍّ منّا بصورة غير منظورة ملاك حارس من عند الله، عينُه علينا دونما انقطاع، وهو واقف لدى الله في آن، كمثل ما ورد على لسان الرَّبّ يسوع المسيح: “إيّاكم أن تحتقروا أحدًا من هؤلاء الصّغار، أقول لكم إنّ ملائكتهم في السّماوات يشاهدون أبدًا وجه أبي الّذي في السّموات” (متّى 18: 10 – 11). وهذا الملاك الحارس يوحي لنا بالصّلاح عبر الضمير فيعيننا على اجتناب فخاخ الشّيطان ويؤجّج فينا نار التّوبة الخلاصيّة إن أثمنا.

مراتبها

        والله وحده العارف بصنف الطّبيعة الملائكيّة وحدودها. وهي واحدة من نحو الله، أمّا من نحونا فلا تُعدّ ولا تُحصى. والكلمة الإلهيّة بشأنها في سفر دانيال هي هذه:

… وتخدمه ألوف ألوف وتقف بين يديه رَبوات رَبوات” (دانيال 7: 10). وهي إن تعذّر على الآدميّين إحصاؤها فالتّراث يجعلها في تسع مراتب موزّعة على ثلاث مثلّثات: أولاها تلك الواقفة أبدًا في حضرة الله والمُتّحدة به بصورة فوريّة، قبل سِواها ودونما وسيط. وهذه هي السّارافيم والشّاروبيم والعروش. فأمّا السّارافيم فاسمها في العبرانيّة معناه “المشتعلة“، ولها حركة سرمديّة ثابتة حول الحقائق الإلهيّة تؤهّلها للإرتقاء بمَن هم دونها في الرّتبة إلى الله من خلال إزكاء الحرارة المُطهّرة النّورانيّة الّتي للفضيلة. وأمّا الشّاروبيم فلها غير وظيفة، واسمها يشير إلى تمام معرفة الله. لذا نصوّرها ممتلئة عيونًا من كلّ صوب دلالة على أهليّتها لمشاهدة النّور الإلهيّ. وأمّا العروش فهي الّتي يستريح الله فوقها في سكون بلا هوى.

        وأمّا المثلّث التّالي فهو السّيادات والقوّات والسّلاطين، وهو الحلقة الوسطى الّتي تبثّ مراسم السّيّد الإله على نحو منظوم وترقى بالأرواح الدُّنيا إلى الاقتداء بالله.

        وأمّا المُثلّث الأخير فينجز المَراتِب السّماويّة، وقوامه الرّئاسات ورؤساء الملائكة والملائكة، الّتي بها نُبَلَّغُ المَراسِم الإلهيّة. ولما كان هذا المُثلّث هو الأدنى إلينا فإنّ الملائكة فيه هي الّتي تنزل علينا بهيئة جسمانيّة متى شاء ربّها.

        ثمّ بعد المَراتِب الملائكيّة التّسع يأتي آدم في المَرتبة العاشرة وبه اكتملت الخليقة. ولكن آدم سقط وأضحى تحت العبوديّة للمَوت. لذلك بادر الكلمة من العلى لانتشاله من اللّجّة. والقول إنّه اجتاز المراتب الملائكيّة إلى آدم وتجسّد وصلب وقام من بين الأموات وصعد إلى السّموات. وبالكلمة المتجسّد، بالرَّبّ يسوع المسيح، اجتازت بشرتنا لا إلى حيث كانت أوّلًا وحسب بل تخطّت حتّى المَراتِب الملائكيّة بأسرها، وسَمَت عليها لتستقرّ، في شخص السّيّد الإله الإبن المُتجسّد، عن يمين الله الآب.

شيمتها

        هذا وإنّ شيمة الملائكة قاطبةً أن تصدح أبدًا بالتّسبيح بالنّشيد المُثلّث التّقديس (التّريصاجيون) مُشيرة به إلى العِزّة الإلهيّة وإلى دهشها المتواصل والمتعاظم إزاءه. ولنا في الإصحاح السّادس من نبوءة إشعياء صورة عن ذلك: “رأيت السّيّد جالسًا على عرش عالٍ رفيع، وأذياله تملأ الهيكل. من فوقه سرافيم قائمون، ستة أجنحة لكلّ واحد، باثنين يستر وجهه، وباثنين يستر رجليه، وباثنين يطير، وكان هذا ينادي ذاك ويقول: “قدّوس قدّوس قدّوس، ربّ الصّباؤوت، الأرض كلّها مملوءة من مجده…” (إشعياء 6: 1 – 3).

لوسيفوروس وزبانيّته

        على أنّ القربى من النّور الإلهيّ والقيام فيه لم يكن ليحفظ الملائكة، في شتّى مراتبها، من السّقوط، بل كان لبعضها سببًا. وهذا ما حدث للوسيفوروس الّذي اغترّ بنفسه بعدما وعى سموّ رتبته وقربه من ربّه فهوى من العلاء إلى أسافل دركات الأرض. ولنا في سفر إشعياء النّبيّ، الإصحاح الرّابع عشر، تحليل لكيفيّة السّقوط هذه: “كيف سقط لوسيفوروس، القائم في الصّباح، من السّماء! ذاك الّذي أنفذ الأوامر لكلّ الشّعوب تهشّم إلى الحضيض. لكنّك قلت في قلبك، أصعد إلى السّماء وأنصبُ عرشي فوق نجوم السّماء: أجلس على قمّة شامخة… ارتفع فوق السّحاب. لكنّك الآن تنحدر إلى الهاوية، حتّى إلى أساسات الأرض…” (إشعياء 14: 12 – 15 التّرجمة السّبعينيّة).

        لم يكن لوسيفوروس سيّئًا بِطَبعه بل بِعَجرفته، لذلك تمرّد على خالقه وأضحى أوّل مَن رذل الخير واختار الشّرّ. تحوّل عن النّور ليستغرق في ظلمات التّواري بعيدًا عن الله. على هذا ما أن تلفّظ لوسيفوروس بفكر قلبه المُستكبر حتّى هبط من رتبته وهوى إلى دركة الجحيم. وقد اجتذب في انحداره جمًّا من المَلائكة من كلّ المَراتب. وفي التّراث أنّ رئيس الملائكة ميخائيل لمّا عاين ما حدث وضخامة عدد السّاقطين هتف بالملائكة الباقين: “لنقف حسنًا! لنقف بخوف! لنصغ!…“، وهو ما تردّده الكنيسة في خدمة القدّاس الإلهيّ. والإشارة، كما فهمها آباؤنا، هي إلى ضرورة “أن ننتبه ونستيقظ وقد مُتِّعْنا بالوقوف في حضرة الله. لِنَعِ كونَنا خدّامًا. لِنَحرصْ على معرفة ذواتنا وأيَّ مهوى هبط إليه الّذين رغبوا في أن يكونوا مساوين لله“. هذا الحدث بالذّات، هذا الدّعاء، هذا الاجتماع هو ما حدا بآبائنا إلى تعيين هذا العيد، اليوم.

زمن الذّكرى الرّاهنة

        هذا والذّكرى اليوم مَعَادُها القرن الرّابع للميلاد، في زمن سلفستروس، البابا الرّوميّ، وألكسندروس، البطريرك الإسكندريّ. تُرى لماذا جعله القدامى في تشرين الثّاني؟ ثمّة تفسير يردّه إلى أنّ شهر آذار، قديمًا، حسِبَه الأسلاف الشّهر الّذي كان فيه إبداع العالم. ولمّا أرادوا أن يشيروا إلى تسع مراتب الملائكة، أَحصوا تسعة أشهر فجعلوا العيد في تشرين الثّاني.

رؤساء الأجناد السّماويّين

        ثمّ إنّه وردت في الكتاب المقدّس والتّراث أسماءُ سبعةٍ أو ربما ثمانية من رؤساء الأجناد السّماويّين، وهؤلاء هم: ميخائيل وجبرائيل وروفائيل وأورئيال وصلاتئيال وجاغديال وبرخيال وأرميال.

ميخائيل

        فأمّا ميخائيل فمعنى اسمه “مَن مثل الله؟” أو “مَن يُعادِل الله؟” والكنيسة، منذ أقدم الأزمنة، تصوّره رئيسًا يحمل في يمينه رمحًا يهاجم به لوسيفوروس الشّيطان، وفي يساره غصن من النّخيل، وفوق الرّمح ضفيرة وصليب أحمر. وهو مَن يرسله الله لبني البشر ليعلن لهم مراسم عدله. ظهر لإبراهيم الخليل قديمًا (تكوين 12)، وكذا لأَمَتِه هاجر في الصّحراء ليعلن ولادة اسماعيل (تكوين 16). أرسله الله إلى لوط ليخرجه من سدوم (تكوين 19). وعندما أمر الله إبراهيم أن يقدّم له ابنه إسحاق ذبيحة، ليجرّبه، كان ميخائيل مَن تدخّل في اللّحظة الأخيرة الحاسمة ليمنعه من أن يمسّ ولده بسوء (تكوين 22). وقد ظهر ميخائيل أيضًا ليعقوب لينقذه من أخيه عيسو (تكوين 27). وهو الّذي سار أمام شعب إسرائيل في خروجه من مصر “في عمود من غمام نهارًا ليهديهم الطّريق، وفي عمود من نار ليلًا ليُضيء لهم، وذلك ليَسيروا نهارًا وليلًا” (خروج 13). وهو مَن اعترض طريق بلعام الّذي شاء أن يلعن إسرائيل بناء لطلب ملوك موآب. “وقف ملاك الرَّبّ في الطّريق ليقاومه وهو راكب على أتانه ومعه خادماه” (عدد 22). وهو الّذي تراءى ليشوع بن نون عند أسوار أريحا. رفع يشوع عينيه فإذا رجل واقف أمامه وسيفه في يده مسلولًا. فأقبل عليه يشوع وقال له: “أَمِنّا أنت أم من أعدائنا؟” فقال: “كلا، بل أنا رئيس جند الرَّبّ…” فسقط يشوع على وجهه إلى الأرض وسجد وقال: “ماذا يقول سيّدي لعبده؟” فقال رئيس جند الرَّبّ ليشوع: “اخلع نَعْلَيك من رجليك، فإنّ المكان الّذي أنت قائم فيه مقدّس“. فصنع يشوع كذلك (يشوع 5). وإلى جانب ذلك ثمّة مواضع أخرى ظهر فيها ميخائيل لجدعون (قضاة 6) ولإيليا النّبيّ مرّات عديدة ووقف في وسط الأتون مع الفتية الثّلاثة القدّيسين في بابل ورنّم وإيّاهم لله تماجيد (دانيال 3) كما سدّ أفواه الأسد في الجبّ حيث أُلقي دانيال (دانيال 6).

        والحقّ أنّ أعمال ميخائيل في العهدَين العتيق والجديد لا تُحصى. وهو في العهد الجديد مَن نجّى الرّسل من السّجن (أعمال 5: 19) وظهر لكورنيليوس، قائد المئة، وقال له أن يُرسل في طلب بطرس ليعمّده (أعمال 10). وهو مَن حرّر بطرس الرّسول من السّجن وضرب هيرودوس الملك بالدّود لأنّه لم يُعطِ المجد لله، وظهر لبولس الرّسول معزّيًا. وهو مَن فسّر ليوحنّا الإنجيليّ أسرار الله بشأن نهاية الأزمنة في كتاب الرّؤيا. وهو أيضاً مَن يقود الملائكة في الحرب الأخيرة على ضدّ المسيح والتّنّين وملائكته ليُلقيهم في الجحيم إلى الأبد (رؤيا 12). ثمّ في يوم الدّينونة ينتصب والميزان في يده ليزن أعمال العالمين.

        إلى ذلك حفظت لنا الكنيسة ظهوراتٍ وأعمالًا لميخائيل كمثل ما عَمِله في خونة في كولوسي. وهو ما نحتفل به كلّ عام، في السّادس من شهر أيلول.

جبرائيل

        وأمّا جبرائيل فهو صنو ميخائيل، عادةً ما يُذكران في الكنيسة سويّة، ومعنى اسمه “رجل الله” أو “جبروت الله“. وإذا ما كان ميخائيل عنوان عدالة الله فجبرائيل عنوان رأفته. وهذان يتكاملان كمثل قول المرنّم في المزامير: “الرّحمة والحقّ تلاقيا، العدل والسّلام تلاثما” (مزمور 84: 11).

        فالله يرسل رئيس ملائكته جبرائيل ليُذيع بين النّاس عجائب محبّته وحرصه على خلاصهم. وفي التّراث أنّه ظهر لدانيال وأنبأه بمجيء المسيح بعد سنوات كذا عددها (دانيال 9). كما ظهر لمَنُوح وامرأته والدي شمشون في سفر القضاة. فقال مَنُوح لملاك الرَّبّ: “دعنا نستبقيك ونعدّ لك جديًّا من المعز“، فقال ملاك الرَّبّ لمنوح: “إن أنت استبقيتني، لم آكلْ من خبزك. أمّا إن صنعت محرقةً فللرَّبّ أَصعِدْها“. فقال منوح لملاك الرَّبّ: “ما اسمك، حتّى إذا ما تمّ قولك نكرمك؟” فقال له ملاك الرَّبّ: “لِمَ سؤالك عن اسمي، واسمي عجيب؟” (قضاة 13).

        هذا ويصوّره التّراث حاملًا بيمينه فانوسًا له شمعة مُضاءَة وفي يسراه مرآة من اليشب [حجر كريم] الأخضر. والمرآة تشير إلى حكمة الله، سرًّا مخفيًّا.

        إلى ذلك كان جبرائيل رسول الله يذيع الخبر السّار بشأن الولادات من أحشاء عقيمة، كمثل حال جدّيْ المسيح، يواكيم وحنّة، وأبوَي السّابق، زخريّا وأليصابات. وهو الّذي بشّر والدة الإله بولادة المخلّص بالرّوح القدس. وهو مَن قاد الرّعاة إلى مغارة بيت لحم ونبّه يوسف النّجّار إلى مقاصد هيرودوس الأثيمة بشأن المولود الإلهيّ وأوصاه بالمغادرة إلى مصر. وهو أيضًا مَن نزل من السّموات يوم القيامة ورفع حجر القبر وجلس عليه. وهو كذلك مَن طَمْأَن حاملتَي الطّيب مريم المجدليّة ومريم الأخرى قائلًا لهما: “لا تخافا أنتما. أنا أعلم أنّكما تطلبان يسوع المصلوب. إنّه ليس ههنا. قد قام كما قال…” (متّى 28).

روفائيل

        وأمّا روفائيل فمعناه “شفاءُ الله” أو “الله الشّافي“. وقد ورد ذِكره في سفر طوبيا في الإصحاح الثّالث هكذا: “فأُرسل روفائيل ليشفي كلا الاثنين، ليُزيل البقع البيضاء عن عيني طوبيت فيرى بعينيه نور الله، وليعطي سارة ابنة رعوئيل زوجةً لطوبيا بن طوبيت ويطرد عنها أزموداوس الشيطان الخبيث…“. وقد قال لهما بعد تمام العرس: “أنا روفائيل، أحدَ الملائكة السّبعة الواقفين والدّاخلين في حضرة مجد الرَّبّ… لا تخافا! عليكما السّلام. بارِكا الله للأبد. لمّا كنت معكما، لم أكن بفضلي أنا، بل بمشيئة الله. فبارِكاه هو طوال الأيّام وسبِّحاه. كنتما تراياني آكلُ، ولم يكن ذلك إلّا رؤية تريانها. والآن بارِكا الرَّبّ على الأرض واحمدا الله. ها إنّي صاعد إلى الّذي أرسلني، فدوِّنا جميع ما جرى لكما” (سفر طوبيا 12).

        ويصوّر التّراث روفائيل يقود طوبيا بيمينه وطوبيا حاملًا سمكةً التقطها من نهر دجلة وفي يساره إناء طبّي.

رؤساء الأجناد الباقون

        وأمّا أورئيال فمعنى اسمه “نار” أو “نور الله“. وقد ورد ذكره في واحد من الكتب المنحولة، عزرا الثّاني (4: 1 و 5: 20). وصورته ممسكًا بيمناه سيفًا على الفَرَس وبيسراه حديدةَ وَسْمٍ محمّاة.

        وأمّا صلاتئيال يعني اسمه “مَن يصلّي إلى الله” وله أيضًا ذِكر في سفر عزرا الثّاني (5: 16). وردت صورته في التّراث هكذا: مطأطئ الرّأس وعيناه إلى الأرض ويداه ملتصقتان في وضع صلاتيّ.

        وأمّا جاغديال فمعنى اسمه “مَن يمجّد الله“. ويصوّرونه حاملًا إكليلًا مذهّبًا بيمناه وسوطًا في ثلاثة سيور بيسراه.

        وأمّا برخيال فيعني “برَكَة الله“. وصورته لابسًا وردة بيضاء على صدره.

        وأمّا أرميال فمعنى اسمه “سموُّ الله“. ويكرَّم من حيث هو مُلْهِمٌ وموقظٌ للأفكار السّامية الّتي ترقى بالإنسان إلى الله.

        هذا وتعيّد الكنيسة اللّاتينيّة للملائكة القدّيسين في الثّامن من أيّار والتّاسع والعشرين من أيلول، فيما تحفظ الكنيسة المارونيّة ذكرهم في مثل هذا اليوم (الثّامن من تشرين الثّاني).

مواضيع ذات صلة