Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*القدّيس البار أليبيوس العموديّ*القدّيس البار نيقون المستتيب *القدّيس البار ستليانوس البفلاغوني *القدّيس البار أكاكيوس المطيع *القدّيس البار يعقوب القورشيّ*القدّيس شيلو الفارسيّ*الجديد في الشّهداء جاورجيوس خيوس *أبونا الجليل في القدّيسين إينوكنديوس أسقف إيركوتسك *الشّهداء الرّوس الجدد نزاريوس غريبكوف وآخرون*إعلان قدّاسة القدّيس سلوان الآثوسيّ.

*        *        *

✤تذكار أبينا البار يعقوب القورشيّ (القرن الخامس الميلاديّ)✤

هو أحد تلاميذ القدّيس مارون النّاسك، وقد تفوّق عليه بشدّة نسكه. ففيما أقام القدّيس مارون في جوار هيكل وثنيّ خرب ونصب لذاته خيمة من الجلود المكسيّة بالوبر ليلجأ إليها في أوقات الأمطار والثّلوج لم يحتفظ يعقوب إلّا بالسّماء غطاء له. فكان يحتمل تقلّبات الطّقس، تارّة غارقًا في الأمطار وتارّة مجمّدًا في البرد والثّلج وتارّة ملتهبًا بأشعّة الشّمس المحرقة. كان شجاعًا في جميع الأحوال وكلّ الظّروف، يُجاهِد في جسده وكأنّه جسد غيره ويمارس سيرة مَن لا أجساد لهم.

        كان أوّل جهاد أبينا يعقوب اختلاؤه في قلّاية صغيرة مُنعزِلَة ليهيّء نفسه للجهاد الأكبر. بعد ذلك انطلق في ممارسة أقسى أنواع النّسك. وقد أقام في جبل قاحل يبعد خمسة كيلومترات عن مدينة قورش. كان النّاس يرونه مصلّيًا أو راقِدًا أو واقِفًا أو جالسًا، دائمًا تحت الأنظار، يمارس نسكه أو يكبت مقتضيات الطّبيعة، لابسًا السّلاسل الحديديّة تحت ردائه. حبّه للوحدة والصّمت كان مفرطًا، ومع ذلك كان يتحدّث إلى زواره الّذين لم يكن ثمّة حاجز يمنعهم من الوصول إليه.

        وكان طبيعيًّا أن يقع في المرض أحيانًا. في هذه الحال لم يكن يخصّ نفسه بطعام أو دواء أو يتوقّف عن الصّلاة، الأمر الّذي جعل مَن حوله يتوسّلون إليه أو يحتالون عليه ليحملوه على تناول شيء أو إعطاء نفسه بعض الرّاحة. بهذا المَعنى أقنعوه مرّة بتناول كأس من ماء الشّعير فأخذها كما لو كانت شرابًا مرًّا، ثمّ وضع الكأس جانبًا. وإذا بأحد القائمين على خدمته يعمد إلى إخفاء الكأس تحت طبق لئلّا يراها أحد الزّائرين فيعثر. فلاحظه القدّيس يعقوب فاحتجّ عليه: “لماذا تخفي الكأس… دع عنك ذلك يا فتى! لا تُخْفِ عن النّاس ما هو مكشوف لربّ العالمين، فإنّي ساعة صمّمتُ على العيش لأجله وحده، لم أعد أهتمّ لما يظنّه النّاس. فماذا ينفعني إذا حسب هؤلاء أنّ سيرتي النّسكيّة عظيمة ولم تكن كذلك في عين الله؟ ليس هم الّذين يكافئونني على أتعابي بل الله هو المكافئ“.

        وممّا يُنقل عنه أنّ الثّلج كان يتساقط عليه، أحيانًا، ثلاثة أيّام وثلاث ليال. وكان النّاس يرونه منبطحًا على صدره وهو يصلّي إلى الله والثّلج فوقه كثيف لا يترك من ثيابه البالية قطعة صغيرة ظاهرة. وكثيرًا ما كانوا يأتونه بالرّفوش والمعاول ليجرفوا عنه الثّلج.

        وقد منّ عليه الرَّبّ الإله، لأتعابه ومحبّته له، بمواهب جمّة، فبركته كانت تشفي من الحمى، والقشعريرة تهدأ وتزول تمامًا، وكثير من الشّياطين يهربون من أمامه والماء الّذي تباركه يمينه يصبح دواء شافيًا. وقد أقام مرّة ولدًا ميتًا.

        أمّا ما عاناه من تجارب فكان كثيرًا. قال مرّة: “ما كدت أبدأ ممارستي لهذه السّيرة حتّى ظهر لي كائن عار شبيه بالأحباش تنبعث النّار من عينيه… فهدّدني ثمّ أمسك بعصا لكي يضربني، فقلت له: إذا كنت تفعل هذا بسماح ربّ العالمين فاضرب لأنّي أتلقى الضّربات بلذّة كأنّه هو نفسه الّذي يضربني. ولكن إذا لم يكن لك هذا السّماح من قِبَله فلن تضربني ولو كنت مغتاظًا منّي ألف مرّة“. فلمّا سمع هذا القول هرب للحال. لكنّه عاد بعد حين ليتهدّدني من جديد: “سأسوّد صيتك وأفضحك حتّى لا يبقى إنسان ينظر إليك“، فأجبته: “إنّني لك من الشّاكرين لأنّك بذلك تحسن إلى عدوّك رغمًا منك، إذ تسمح له بأن ينعم أكثر بذكر الله، لأنّك بذلك تتيح لي الفرصة لأتفرّغ للتأمّل في جمال الله“. وبعد أيّام تراءت له الأبالسة بشكل امرأتين فتذكّر القدّيس تهديدات الشّيطان فصرخ قائلاً: “حتى لو تسلقتا على كتفي لا ألقي عليهما الحجارة ولا أطردهما، بل أكتفي باللّجوء إلى الصلاة فقط“. وما كاد ينهي كلامه حتّى غاب عنه هذا المنظر الوهميّ.

        هكذا عاش القدّيس يعقوب في ما يُرضي الله سنوات طويلة، إلى أن رقد بسلام في الرَّبّ.

مواضيع ذات صلة