Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* القدّيس الشّهيد بوليفكتوس * القدّيس البار أوستراتيوس العجائبيّ* القدّيس بطرس السّبسطيّ* القدّيس الشّهيد فيليبس متروبوليت موسكو.

*        *        *

✤تذكار القدّيس البار أوستراتيوس العجائبيّ ✤

ولد أوستراتيوس في ترسيا من أعمال بيثينيا وقيل في طرسوس. نشأ في كنف والديه على التّقوى. لمّا بلغ العشرين من العمر التهبت فيه محبّة الله واجتاحته رغبة لا تخبو لتكريس نفسه له. خرج إلى دير الأغوار، قريبًا من مدينة بروس. هناك كان خالاه باسيليوس وغريغوريوس راهبين لامعين في النّسك والفّضيلة. غريغوريوس كان رئيس الدّير. فطلب أوستراتيوس من خاله أن يضمّه إلى مَصاف المنظور إليهم كملائكة أرضيّين. لفت غريغوريوس ابن أخته إلى أن الحياة الرّهبانيّة ليست سوى عنف متواتر يوقعه الرّاهب على طبيعته البشريّة وأن حمية الفتوّة لا تكفي بل يحتاج المرء في هذا المسرى إلى المثابرة والبَسالَة في معارك مُتواصلة ضدّ الأهواء والأبالسة. فوقع أوستراتيوس باكيًا عند قَدَمَيْ خاله، وقال له: “مع أنّي لا أستأهل مثل هذه النّعمة فإنّ الله دعاني إليها. من غيره كان يُمكن أن يشعل في قلبي، طيلة هذا الزّمان، شعلة الحياة الرّهبانيّة وأن يعطيني القوّة على التّخلّي عن والدي؟ إنّ الله الّذي قادني إلى هذا المكان هو يعطيني قوّة الغلبة على كلّ التّجارب”. أمام هذا الإصرار، قَبِل غريغوريوس ابن أخته وألبسه الثّوب الرّهبانيّ.

كرّس طالب الرّهبنة الجديد نفسه للطّاعة وخدمة الإخوة بتواضع قلب. تخلّى عن مشيئته الذّاتيّة بالكامل وأخذ يكشف لأبيه الرّوحيّ كلّ فكر يخطر بباله حالما يطرأ. وإذ نبذ كلّ قنية، لم يحتفظ لنفسه إلّا برِداءٍ من الصّوف والمسح كان يتمدّد عليه متى احتاج إلى قليل من الرّاحة لأنّه لم تكن له قلّاية. طيلة حياته الرّهبانيّة لم يتمدّد على ظهره ولا رقد على جنبه الأيسر. كان يحفظ الصّحو على الدّوام ممتدًّا أبدًا إلى الأمام. وقد حقّق تقدّمًا سريعًا وسيم كاهنًا. ثم بعد وفاة غريغوريوس خاله وأوستاتيوس خلفه الّذي كان أحد أقربائه أيضًا، وقع اختيار الإخوة الرّهبان عليه ليكون رئيسًا لهم.

في ذلك الوقت، عام 813م، أثار لاون الأرمنيّ موجة جديدة من الاضطهاد للإيقونات المُقدّسة. وقد دَفَعتْتدابيره كثرة من المُؤمنين إلى تَرك بيوتهم وأديرتهم، لاسيّما الرّهبان، ليبحثوا لأنفسهم عن ملاذ في الجبال والقفار أو ليرتحلوا إلى مناف بعيدة. وإذ لم يعد بإمكان أوستراتيوس أن ينكفئ في إحدى مغاور جبل الأوليمبوس، وجد لنفسه ملجأ لدى بعض كبار نسّاك العصر، خصوصًا لدى صديقه القدّيس يوانيكيوس الكبير الّذي نعيّد له في الرّابع من تشرين الأوّل. ثم بعدما عبر بالقسطنطينيّة وتعرض للسّجن وإساءة المعاملة، عاد إلى موطنه. لكن لم يتمكّن من إعادة جمع شمل رهبانه واسترداد زمام ديره إلّا بعدما استتبّت الأرثوذكسيّة من جديد عام 842م.

كان القدّيس أوستراتيوس مثالًا حيًّا لكلّ الفَضائل الرّهبانيّة. خلال النّهار كان ينفق نفسه والإخوة بلا كلل في الأشغال اليدويّة، فيما اعتاد قضاء القسم الأكبر من ليله في السّجود والصّلاة. أثناء خدمة السّحر، كان ينتصب واقفًا في الهيكل مردّدًا في نفسه من أوّل الخدمة إلى آخرها بحرارة: “يا رب ارحم…” كما كان يزور المناسك التّابعة للدّير ويفتقد الإخوة الرّهبان ويشدّدهم. ثم في طريقه إليهم كان لا يتردّد في إعطاء ردائه لمحتاج أو حصانه لجنديّ ضيّع دابّته. مرّة بذل الثّور الوحيد الّذي كان في الدّير لفلاح فقد ثوره وصار إلى حال بائسة. ومرة أخرى عاد من القسطنطينيّة بمال قدّمه إليه الإمبراطور مساعدة للدّير، فلم يتردّد في توزيعه على الفقراء في تلك النّواحي. وإذ التقى، ذات مرّة، رجلًا يئس من خلاص نفسه لكثرة خطاياه وهم بقتل نفسه، أخذ بيده وجعلها على عنقه قائلًا: “ليستقرّ ثقل خطاياك عليّ من هذه اللّحظة يا ولدي، وأنا أجيب عنها في يوم الدّينونة. أمّا أنت فلم يبق لك سوى أن تلقى عنك هذا الوزر وتضع رجاءك على الله”. إلى ذلك شفى أوستراتيوس، بصلاته، المرضى وأقام الموتى وأطفأ حريقًا شبّ في مكان واجترح جملة عجائب باسم الله.

وفيما كان عابرًا على المياه إلى القسطنطينيّة لآخر مرّة في حياته، اصطدم المركب بصخرة فأحدث الاصطدام فيه تشقّقًا وأخذت المياه تتسرّب إليه. لم يُلاحِظ أحد غير أوستراتيوس ما حدث، وإذ به يصلّي فيتوقّف تسرُّب المياه. وما إن وصل المركب إلى المرفأ حتّى نزل الجميع وكان أوستراتيوس آخر النّازلين. فبعدما نجوا امتلأ المركب ماء وغرق.

أخيرًا بلغ القدّيس نواحي ديره فأحسّ بأجله يدنو فبعث في طلب الإخوة. فلمّا اجتمعوا إليه وعظهم أن يبذلوا كلّ ما في وسعهم لينالوا الخيرات الأبديّة في أمانة للتّراث المُقدّس. ثم رفع ذراعيه وعينيه إلى السّماء وأسلم الرّوح. كان قد بلغ الخامسة والتّسعين. وكان قد صار له في الرّهبنة خمسة وسبعون عامًا.

مواضيع ذات صلة