Menu Close

 

 

 

 

 

 

 

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* القدّيس الرّسول يوحنّا الإنجيليّ المُتكلّم باللّاهوت والملقّب بالحبيب القدّيس جدعون الصّدّيق الشّهيدة خيراس * القدّيسات العذارى الخمس اللّواتي قتلهنّ والدهنّ القدّيس البار نيلوس الكلابري الجديد في الشّهداء الرّوس فلاديمير فياتسكي.

*        *        *

✤تذكار انتقال القدّيس الرّسول الإنجيليّ يوحنّا الثّيولوغوس أي المتكلّم باللّاهوت✤

   هو يوحنّا بن زبدي أخو يعقوب، من بيت صيدا في الجليل. دعاه الرّبّ يسوع وأخاه يعقوب فيما كانا في السّفينة مع زبدي أبيهما يصلحان الشّباك، فتركا السّفينة للوقت وأباهما وتبعاه (متّى 4: 21 – 22). كان أكثر تلاميذ الرّبّ يسوع تعلّقًا بالبتوليّة والنّسك، حتّى إنّ الكنيسة وصفته بالرّسول “البتول المُعادِل الملائكة“. كما أنّ محبّته للمسيح كانت عظيمة وسيرته ممتازة فعُرِف بالتّلميذ “الحبيب“. يوحنّا كان الأقرب إلى قلب المسيح. كُتُبنا اللّيتورجيّة تسمّيه صديق المسيح وتقول عنه إنّه كان عشير المسيح منذ الطّفوليّة، ربّما دلالة على صلة القربى الّتي يظنّ أنّها جمعتهما من خلال أمّ يوحنّا المَدعوّة سالومي والّتي قيل إنّها كانت إحدى بنات يوسف البار، رجل مريم، من زواجه الأوّل.

        كان يوحنّا واحدًا من التّلاميذ الثّلاثة الّذين اصطحبهم الرّبّ يسوع عندما صعد إلى قمّة ثابور حيث تجلّى بنوره الإلهيّ وظهر موسى وإيليّا يتحدّثان إليه عن خروجه العَتيد (متّى 17). ويوحنّا هو الّذي جلس بجانب السّيّد في العشاء الأخير واتّكأ على صدر يسوع (يوحنّا 13: 25). يوحنّا أيضًا هو الّذي طلب من السّيّد أن يجلس عن يمينه في ملكوته مُبديًا استعداده لشرب الكأس الّتي قال يسوع إنّه سوف يشربها (متى 20: 20 – 28). وعندما ألقى اليهود أيديهم على المعلّم، كان يوحنّا مَن تبعه حتّى إلى دار رئيس الكهنة (يوحنا 18: 15). ولما حانت ساعة الظّلمة، وحده يوحنّا، من بين التّلاميذ، وقف عند صليب الرّبّ بجانب والدة الإله. في تلك السّاعة بالذّات قال يسوع لأمّه مُشيرًا إلى يوحنّا “يا امرأة هوذا ابنك“، ثمّ قال للتّلميذ “هوذا أمّك“. ومن تلك السّاعة أخذها التّلميذ إلى خاصّته.

        ثمّ أنّه بعد قيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات وبعدما حملت مريم المجدليّة الخبر عن القبر المفتوح، كان يوحنّا – الّذي سمّى نفسه في الإنجيل التّلميذ الآخر – هو الّذي ركض مع بطرس إلى القبر، لكنّه سبقه وجاء أوّلًا وانحنى فنظر الأكفان موضوعة وحدها. ويوحنّا أيضًا رأى الرّبّ يسوع بعد قيامته، وتلقّى مع التّلاميذ الآخرين الكلمة أن يبشّروا بالإنجيل إلى أقصى الأرض. ثمّ أنّه عاين السّيّد صاعدًا إلى السّموات وأخذ الرّوح القدس يوم العنصرة. ويغلب الظنّ أنّه آخر مَن بقي من التّلاميذ في أورشليم لأنّه اعتنى بوالدة الإله إلى يوم رقادها.

        ورد في التّقليد أنّه بشّر في آسيا الصّغرى حيث كانت الوثنيّة عميقة الجذور وحيث انتشرت الأفكار والتّيّارات، على اختلاف توجّهاتها، بكثافة وعلى نطاق واسع. ويبدو أنّ يوحنّا تردّد، أوّل أمره، في الذّهاب إلى هناك، لذلك تركه الله وتلميذه بروخوروس يصارعان العواصف وأمواج البحر والشّدائد والضّيقات أربعين يومًا قبل أن يصلا إلى آسيا الصّغرى سالِمَين. فكان ذلك تدريبًا له على احتمال المِحَن والإتّكال على الله القادر على كلّ شيء.

        أفسس هي المدينة البارزة في آسيا الصّغرى الّتي تركّز فيها عمل الرّسول يوحنّا الكرازيّ. وقد لاقى هناك مقاومة شديدة وواجه الموت أكثر من مرّة لأنّ عبادة الآلهة أرتميس وتعلُّق أهل المدينة بها، أثارا عليه سخط جماعات كثيرة، كما تحرّك السّحرة بكلّ قواهم وأعاجيبهم ضدّه، لكنّه بنعمة الله وقوّة الكلمة وآيات كثيرة انحفظ سالمًا وهدى كثيرين وعمّدهم.

        ووصل صيت يوحنّا إلى الأمبراطور دوميتيانوس (81 – 96) فاستحضره، كما ذكر المعلّم ترتوليانوس (160 – 225م). وبعدما أخضعه للتّحقيق، ألقاه في قدر مملوء زيتًا مغليًّا، فخرج من القدر سالمًا، فنفاه إلى جزيرة بطمس. وفي جزيرة بطمس شفى ابن مقدّم الجزيرة من مرض اعتراه فساعده ذلك على الإتيان بكثيرين إلى الإيمان بالرّبّ يسوع. وفي بطمس أيضًا، كتب، كما ينقل لنا التّراث، إنجيله وسفر الرّؤيا. عندما توفّي الأمبراطور دوميتيانوس وخلفه نرفا، عاد يوحنّا إلى أفسس لمتابعة عمله. ويذكر التّراث أنّه في طريقه إلى أفسس عرّج على مدينة اسمها أغرويكا هدى فيها إلى الإيمان شابًا رأى فيه بالرّوح إناءً عظيمًا لنعمة الله. وقبل أن يغادر المدينة سلّمه إلى الأسقف وأوصاه أن ينتبه إليه ويرعاه. لكن، يبدو أنّ الأسقف أهمل الشّاب وكانت النتيجة أن شرد وأضحى رئيس عصابة يسرق ويقتل ويروّع النّاس. فلمّا عاد يوحنّا إلى الأسقف سأله عن الأمانة، فتنهّد الأسقف وقال له: إنّ هذا الشّاب قد مات لأنّه ترك الإيمان وتحوّل إلى سارق ولصّ. للحال طلب يوحنّا حصانًا، رغم تقدّم سنه، وصعد إلى حيث قيل له إنّ ذاك الشّاب معتصم. هناك أخذ يبحث عنه إلى أن وقع بين أيدي بعض أفراد العصابة فاقتادوه إليه. ولما رأى رئيس العصابة يوحنّا حاول الهرب من وجهه، فلحق به الرّسول متوسّلًا، فتاب الشّاب وعاد برفقة يوحنّا وعاش بعد ذلك في القداسة. هذه واحدة من الرّوايات التي تُنقل عنه للدّلالة على حرصه على خراف المسيح ورأفته بالضّالين.

        وبقي يوحنّا في أفسس إلى أن رقد أو ربّما انتقل. كان قد بلغ من العمر ما يربو على المئة سنة وخمس. وهناك أكثر من رواية تُتناقل في هذا الشّأن. فمن الرّوايات ما يذكر أنّه لم يمت بل انتقل إلى الرّبّ انتقالًا. وفي الرّواية صدى لما ورد في إنجيل يوحنّا، الإصحاح الحادي والعشرين، أنّ الرّبّ يسوع فيما كان سائرًا وبطرس الرّسول، تبعهما يوحنّا، “فالتفت بطرس ونظر التّلميذ الّذي كان يسوع يحبّه يتبعه وهو أيضًا الّذي اتّكأ على صدره وقت العشاء وقال يا سيّد مَن هو الّذي يسلمك. فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع يا ربّ وهذا ما له. قال له يسوع إن كنت أشاء أنّه يبقى حتّى أجيء فماذا لك، اتبعني أنت. فذاع هذا القول بين الإخوة أنّ ذلك التّلميذ لا يموت. ولكن لم يقل يسوع إنّه لا يموت، بل إن كنت أشاء أنّه يبقى حتّى أجيء فماذا لك” (يوحنّا 21: 20 – 23). وهناك رواية أخرى تقول إنّه رقد بالرّبّ وإنّ ترابًا عطرًا كان يخرج من قبره كلّ عام ويشفي المرضى. والكنيسة تعيّد لذلك سنويًّا في الثّامن من أيّار.

        هذا هو التّلميذ الّذي كان يسوع يحبّه، والّذي يعود إليه الإنجيل المُسمّى باسمه وسفر الرّؤيا وثلاث من الرّسائل الجامعة. تقول عنه الخدمة اللّيتورجيّة، في هذا اليوم، الكثير. تقول إنّه “إمام المتكلّمين باللّاهوت” ولذلك دُعي باللّاهوتيّ، وإنّه “حوى في نفسه اللّاهوت بغير تناه“، وإنّه “كان مملوءًا من المحبّة فأصبح مملوءًا من التّكلّم باللّاهوت أيضًا” وإنّه “عذوبة الثّالوث” وإنّه صار “صفيًّا حبيبًا نظير أشعياء الجهير الصّوت وموسى الكليم مُعاين الله” وإنّ لسانه “قلم كاتب للرّوح القدس” وإنّه اقتنى “عقلًا متألّهًا وجسمًا متبتّلًا” وإنّه صار كلّه نورًا لاقترابه من عنصر النّور.

مواضيع ذات صلة