Menu Close
برحمة الله تعالى
يوحنا العاشر
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس
إلى
إخوتي رعاة الكنيسة الأنطاكية المقدسة
وأبنائي وبناتي حيثما حلوا في أرجاء هذا الكرسي الرسولي
أيها الإخوة والأبناء الروحيون الأعزاء،
في مستهل الأربعينية المقدسة، نحني ركبة النفس أمام الخالق المعطاء ونسكب أمامه عبراتِ التوبة مستمدين شفاعة قديسيه وطالبين معونة العذراء مريم وقائلين بفم واحد وقلبٍ واحد: “يا رب يا رب افتح لنا باب رحمتك”.
هذا ما يقوله خادم السر الإلهي قبيل كل قداسٍ إلهي، وهذا ما نحتاج دوماً أن نقول ونحن على أعتاب موسم التوبة الذي يعبّد درب القيامة. الرحمة التي آثرها الله على الذبيحة هي جوهر الصوم وكنهه. والصوم الكبير هو درب الرحمة الذي يقودنا إلى صليب المجد ومنه إلى عتبات القبر الفارغ.
“يا رب يا رب افتح لنا باب رحمتك”. نقولها اليوم جوقاً واحداً مع كثيرين. ونسأل عبرها رحمةً إلهيةً لا بشريةً. نسأل عبرها رحمةً إلهية تُسكب علينا بقدر ما نرحم نحن بعضنا بعضاً على قدر ما أوتينا من محبة. نسأل فيها رحمةً سخيةً يغدقها الخالق علينا بقدر اتكالنا عليه. نسأل رحمةً من إلهٍ طرق كل الأبواب من أجل خلاصنا وينتظر منا أن نطرق باب رحمته ليسكبها علينا ويغسل بها قلبنا ونفسنا وكياننا. نسأل رحمةً في موسم الرحمة الإلهية، في موسم الصوم الكبير الذي تشرق فيه النفوس مع أزاهير الأرض إذ تلامس نسيم الرحمة الربانية مزيلاً كل كربٍ وضيق.
“يا رب يا رب افتح لنا باب رحمتك”. نقولها بلسان البشرية جمعاء، بلسان الجائع والمشرد، بلسان الفقير والمحتاج، بلسان هذا الشرق الذي سئم ويلات الحروب وتاق إلى سلام يسوع. نقولها بلسان الحق المذبوح على عتبات الباطل. نقولها باسم إنسان هذا الشرق ومسيحييه خصوصاً نقولها بلسان حال من هم على المصلوبية لئلا ينوء أحد تحت صليب ضيق.
نقولها اليوم وقد فقدنا ونفقد إخوةً لنا أحباء من جراء الوباء الحاصل. نقولها وفي القلب كل من غادرنا إلى لقيا وجه المسيح من دارٍ فانية إلى أخرى باقية وخصوصاً الأحبة الذين قضوا وغادرونا أرضياً من جراء هذا الوباء. نقولها وفي الذهن أولئك الجنود المجهولون، الكوادر الطبية والخدماتية، خط الدفاع الأول. نقولها سائلين المسيح الإله أن يرفع عن عالمه الوباء الحاضر.
يذكِّرُنا الموسم الحاضر بعبقٍ من تاريخ المسيحية في هذا الشرق. يذكرنا بمسيحيةٍ مشرقية ارتمت طوال ألفي عام تحت صليب رب المجد. ضيقها من ضيقه. آلامها ظل آلامه. تباشيرها من بشرى إنجيله. أصالتها من رسله. صبرها من صبره. إكليلها على مثال إكليله. أصالة شهادتها من طيبة رسله ومن نفحة شهدائه. أجراسها من جرس بشراه وميرونها دمُ قلبها الذي سكبته في الأجيال إيماناً أصيلاً فواحاً بعطر المسيح وحلاوة العيش معه.
ندخل هذا الموسم الصيامي وجرح كنيسة أنطاكية ما زال مفتوحاً وهذا الجرح هو خطف مطراني حلب يوحنا إبراهيم وبولس يازجي منذ نيسان 2013 وسط تعتيمٍ شاملٍ على هذا الملف ووسط سكوت دولي مستنكر. نرفع صلاتنا من أجلهما ومن أجل كل مخطوف.
إذ نتوجه إليكم بالبركة الرسولية من عرش الرسولين بطرس وبولس، نستغفركم، إخوتي وأحبتي، في هذه الأيام المباركة ونسأل الرب القدير أن يفتح لنا دوماً باب رحمته الإلهية. ونضم صلاتنا إلى صلاتكم سائلين وقائلين: “يا رب يا رب افتح لنا باب رحمتك. ولتكن رحمتك علينا كمثل اتكالنا عليك. أنت المبارك أبد الدهور آمين”.
صدر عن مقامنا البطريركي بدمشق
بتاريخ السابع من آذار للعام ألفين وواحد وعشرين.

مواضيع ذات صلة